إذا نحيّنا التاريخ الرسمي الحديث الذي كتبته السلطة المستبدة وأعوانها، ونقبنا في تاريخ الهامش، تاريخ المعارضة السورية منذ خمسين عامًا وحتى الآن، حدثًا حدثًا، ومؤتمرًا مؤتمرًا... سنجد أن للراحل ميشيل كيلو حضورًا راسخًا في كلّ منها.
بدءًا من ثمانيات القرن الماضي إلى لحظة وفاته، كان "أبو أيهم" فاعلًا حاضرًا في كلّ محاولة بناء سعت لها النخب السوريّة المعارضة للتخلص من الاستبداد الثقيل الظل، في سعي دؤوب ومجتهد منه، وفي شعور عال وإحساس كبير بالمسؤوليّة، لخط طريق يخلص البلاد من الاستبداد ويفتح بوابة أمل للمستقبل.
خلال حكم الأسد الأب، طالما ناضل وطالب ميشيل كيلو بالإصلاح، ولم تتوقف مطالباته في العشريّة الأولى من حكم الابن، وطالما قدّم أوراق عمل واقتراحات إصلاحيّة، كانت قادرة لو أُخذ بها، أن تنقل سوريا من مصاف دولة الاستبداد إلى مصاف دولة القانون، إلّا أن النظام أبى إلّا أن يسير في طريق المجهول حين اعتقل النظام ميشيل ورفاقه منهيا ربيع دمشق الذي لم تتعدى مطالباته الإصلاح السلمي والآمن والتدريجي، فكان أن أغلق بذلك بوابات الأمل الذي أدّت إلى انفجار الثورة السوريّة، كنتاج طبيعي لهذا الإغلاق والاستبداد المزمن. وهنا مرة أخرى، كان ميشيل مستعدًا للقيام بواجبه الذي واظب عليه حتى نهاية الثورة، مخطئًا هنا ومصيبًا هناك، منطلقًا من فكرة أنّ من لا يعمل لا يُخطئ أبدًا، ومستعدًا دائما للمراجعة والنقد والانطلاق من جديد، وهو كان فحوى مقالاته الأخيرة التي كانت تتحدث عن ضرورة وجود طريق جديد لم تتضح معالمه بعد.
ربما هنا يكمن واجبنا في الوفاء لهذا الرجل، أن نتابع البحث عن هذا الطريق حتى نجده ونصل سوريا المستقبل التي حاول أن يعبّد طريقنا إليها. فهل نفعل؟
وداعًا ميشيل كيلو.
وداعًا "أبو أيهم" كما يعرفك رفاق دربك ومحبيك.