منذ حوالي شهر، تواصلت Ecologìas del Futuro (بيئات المستقبل) مع "حكاية ما انحكت". و"بيئات المستقبل" هو مشروع لصناعة أفلام خيال علمي مترحلة بين المكسيك وتونس وألمانيا. هدفها هو تأملٌ نقديّ في المستقبل بعد 300 عام من الآن، وذلك من أجل تطوير رؤى واستراتيجيات جديدة في الحاضر.
أعجبتنا الفكرة وقرّرنا المشاركة على الفور، لنسلّط الضوء على الأفكار النقديّة في منطقة "المينا" (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا).
يعدّ الخيال العلمي، والتأمل في مستقبلنا على نطاق أوسع، أمرًا حيويًا. حيث يعتبر الخيال العلمي نوعًا خاصًا من الأدب بحدوده المرنة، وإمكانياته القويّة لإلهام التغيير. إنّه يُمكّننا من التشكيك في ظروفنا الحالية، وتسليط الضوء على التناقضات وإعادة تصوّر طرق جديدة للحياة اليومية وتنظيم المجتمع بشكل جذري. كلّ هذه العمليات لإعادة تصوّر عالم يستطيع أن يحدّد مسارًا للسياسة المبتكرة ويساعد في إيجاد حلول إبداعيّة للمشاكل الحاليّة والطرق المسدودة.
يمكن أن يكشف تخيّل المستقبل عن مدى الافتراضات الأيديولوجيّة والهياكل الفائقة التي ننغمس فيها اليوم. لكن صعوبة تخيّل مستقبل مختلف يمكن أن تكون أحد أعراض الجمود السياسي، الذي يعيق عقولنا، حتّى قبل أن يصبح عقبة أمام تغييرات ملموسة. كيف يمكننا تغيير الحاضر إذا لم نتمكن حتى من تصوّر ما نريده للأجيال القادمة؟
يصف الكاتب والمنظر الماركسي مارك فيشر في كتابه القصير "الواقعيّة الرأسماليّة"، مدى صعوبة تخيّل الحياة دون رأسماليّة بالنسبة لمعظم العالم. يقوم فيشر بفحص أفلام الخيال العلمي التي تصف المستقبل القريب الذي يختلف بشكل جذري، حتى لو كان على بعض المستويات السطحيّة أو الجماليّة. لكن، ومع ذلك، كان المنطق الرأسمالي يحكم تصورات هذه الأفلام.
لكنّنا نعلم أنّ الخيال العلمي يمكنه التغلّب على هذه الحدود أيضًا. في رواية "النازحون" (The Dispossessed) تمكنت الروائيّة "أورسولا لي جوين" (Ursula Le Guin) من وصف تجربة كوكب بأكمله مع اليوتوبيا الفوضويّة (الأناركيّة)، بتفاصيل مذهلة ومعقّدة.
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمتلك الخيال العلمي ميّزة أُخرى، حيث يُمكن استخدامه للحديث عن الحاضر بطريقة غير مباشرة، أو أقل وضوحًا، وبالتالي تجنّب الرقابة أو العقاب في ظل العيش تحت حكم الأنظمة الاستبداديّة.
كيف يمكن التفكير في المستقبل، ليس فقط من منظور ديستوبي، عندما يعيش المرء بالفعل في ظلّ أنظمة استبداديّة قمعيّة أو في حرب أو تحت الاحتلال؟
كذلك يتمتّع مشروع "بيئات المستقبل"، وغيرها من المشاريع المماثلة بميّزة مهمة: المشروع يحاول إضفاء صفة اللا مركزيّة على الخطابات المتعلقة بالمستقبل، والتي يتم تصنيعها في الغالب في "الغرب". فعادة ما يرتبط الخيال العلمي بالدول الأكثر تقدّمًا وثراءً من الناحية التكنولوجيّة، كما لو أنّ امتلاك التكنولوجيا ورأس المال لا يمنح فقط كلّ القوة القادرة على تشكيل المستقبل (نحو الأفضل أو الأسوأ)، ولكن أيضًا يمنح الحق في تخيّل ما يجب، أو ما يمكن، أن يكون عليه هذا المستقبل للبشريّة جمعاء.
نعتقد أنّ استعادة تفكير "أطراف العالم" في المستقبل أمر في غاية الأهميّة. إنّه ببساطة شكل آخر من أشكال إزالة استعمار هياكل إنتاج المعرفة وإحداث التغيير.
عندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنّ ترك أوروبا والولايات المتحدة وحدهما للتفكير في مستقبل العالم يمثل مشكلة بشكل خاص، حيث أثبت كلاهما أنّه غير خيالي بشكل لا يصدّق. إنّ عدم قدرتهم على التفكير خارج الصندوق، يؤثر في نهاية المطاف، وبشكل حتمي، على كيفيّة تفسيرهم للعمليات السياسيّة الحالية وردود فعلهم عليها.
شهدت اللغة العربيّة في السنوات الماضية موجة جديدة من الاهتمام بالخيال العلمي، حيث ركّز عدد من الروايات والقصص القصيرة والأفلام والأعمال الفنيّة على أحداث تدور في المستقبل. فبدا أنّ هنالك جيلٌ جديدٌ مستعدٌ لاستهلاك مثل هذه المنتجات الثقافيّة. ربما تكون هذه هي البداية، وإن كانت لا تزال هامشيّة مقارنة بإنتاج الخيال العلمي في أجزاء أخرى من العالم. علاوة على ذلك، يبدو أنّ العديد من هذه المنتجات تتبنى مقاربة "ديستوبيّة" بائسة، وتتبع ما يبدو أنّه اتجاه عالمي في هذا المجال.
السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو: كيف يمكن التفكير في المستقبل، ليس فقط من منظور ديستوبي، عندما يعيش المرء بالفعل في ظلّ أنظمة استبداديّة قمعيّة أو في حرب أو تحت الاحتلال؟
بالانضمام إلى Ecologìas del Futuro (بيئات المستقبل)، نعتزم بدء مناقشة حول هذه القضايا وغيرها من القضايا ذات الصلة. طلبنا من كتّاب وفنانين وصحفيين وصانعي الأفلام من مختلف البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل الروائيان المصريان أحمد الفخراني ونائل الطوخي، والصحفي والكاتب الكردي السوري جوان تتر، والشاعرة العراقيّة خديجة السعدي، والشاعر الفلسطيني علاء حليحل والصحفي السوري عمّار المأمون ومقدّم البرامج والأكاديمي السوري بشر نجّار والكاتب والمترجم المصري هيثم الورداني والمحرّرة الصحفيّة رشا إيلاس وغيرهم، تسجيل مقاطع صوتيّة قصيرة فيها رسائلهم أو تأملاتهم.
لقد تركنا لهم الحريّة في اختيار أسلوب وشكل مساهماتهم. لقد طلبنا منهم أن يفكّروا بإيجاز في بلدانهم والعالم بعد 300 سنة، أو في علاقاتهم الشخصيّة مع المستقبل، أو في المناقشات حول المستقبل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولماذا لا تزال تبدو هامشيّة للغاية، أو في الهيمنة الواضحة للرؤى الديستوبيّة البائسة، أو في التعليق على أعمال محددة من الخيال العلمي.
سنقوم بنشر النصوص بشكل يومي، ابتداءً من يوم غد وحتى نهاية الأسبوع، كما نرفق كلّ نص بالتسجيل الصوتي الخاص بالمُشارك/ة.
نأمل أن يكون هذا المشروع مجرد بداية مناقشة دائمة.