أثارت تغريدة رئيس الهيئة التنفيذيّة لحزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع، استياءً كبيرًا لدى العديد من السوريين/ات، حين قال: "يظهر أنّ عشرات آلاف النازحين السوريين في لبنان يتحضرون للمشاركة غدًا في المهزلة المأساة المُسماة انتخابات رئاسيّة سوريّة في مقر السفارة السوريّة في الحازميّة".
وأضاف:" إن تعريف النازح واضح ومتعارف عليه دوليًا وهو الشخص الذي ترك بلاده لقوة قاهرة وأخطار أمنيّة تحول دون بقائه فيها، وبالتالي نطلب من رئيس الجمهوريّة ورئيس حكومة تصريف الأعمال إعطاء التعليمات اللازمة لوزارتي الداخليّة والدفاع والإدارات المعنيّة... من أجل الحصول على لوائح كاملة بأسماء من سيقترعون للأسد غدًا، والطلب منهم مغادرة لبنان فورًا والالتحاق بالمناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في سوريا طالما انهم سيقترعون لهذا النظام ولا يشكل خطرًا عليهم".
وبعيدًا عن تاريخ جعجع كأحد أمراء الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وكرهه لقسم من الشعب السوري النابع من كرهه لنظام الأسد، وبعيدًا كذلك عن الفرق بين نازح ولاجئ في علوم اللغة العربيّة، وعنصريّة العديد من قادة الأحزاب اللبنانيّة ضدّ السوريين، لنقف عند بعض الحقائق التي جاءت في تغريدته.
في الانتخابات الماضية التي جرت عام 2014، كنت مراسلًا لراديو روزنة السوري في العاصمة اللبنانيّة بيروت، وقمت بتغطية الانتخابات هناك. خرجت من منزلي في حيّ الأشرفيّة منذ ساعات الصباح الأولى، لأصطدم بالمشهد الذي رأيته منذ بداية أوتستراد الحازميّة- بعبدا، فهو الطريق المباشر نحو موقع السفارة السوريّة في منطقة اليرزة.
مشهد مرعب، مُحبط، مفاجئ ولا يُنسى! زحفٌ سوريٌ من بداية خط الحازميّة نحو باب السفارة، طريق الذهاب في الأوتستراد كان جزئين، جزء لوسائل النقل وجزء للزحف السوري، 4.3 كم من الزحف الجماهيري مشيًا على الأقدام وبالسيارات والباصات تحت شمس قاسية، كلّ هذا العذاب يرخص لأجل انتخاب بشار الأسد، وقتها، كمراسل صحفي، مشيت معهم، لأفهم وأعيش تفاصيل القصة الصادمة، لنقلها بأفضل طريقة مهنية ممكنة، كنت مقتنعًا –كالكثير غيري من السوريين المعارضين للأسد- برواية أن أذرع النظام السوري في لبنان، أجبرت الكثيرين من السوريين المقيمين واللاجئين على الإدلاء بأصواتهم، ومن هنا مشيت مع الزحف.
لتحرّي الموضوع أكثر والوصول إلى حقيقة إجبار النظام أو لا للناس على الانتخاب، رأيت مجموعة شُبان ورجال سوريين كانوا راكبين في أحد الباصات يهتفون للأسد، بعد السلام عليهم وبدايات الحديث الكاسرة للجليد سألتهم:" هل أجبركم أحد على المجيء والإدلاء بأصواتكم؟" فكانت ردّة الفعل منهم عنيفة، تعرضت للسباب ولو توقف الباص لنزلوا وضربوني، ركضت لأبتعد عنهم.
هكذا حاولت التحري عن الموضوع، ولم أفقد الأمل بأنّ هذه الجماهير مُجبرة، لكن لأرض الواقع كلمتها، فالمئات والآلاف، بمعظمهم ومختلف مشاربهم الثقافيّة والماديّة، ذاهبين للانتخاب بكلّ قناعة، قد يكون هناك أناس تمّ إجبارهم على الانتخاب لم أصدفهم، وحين وصلت لمفرق اليرزة الذي يبعد عن السفارة عشرات الأمتار، كان الحشد الأكبر، والهتافات الأكبر، حتى ظننت أنّني في إحدى المسيرات المليونيّة –العفويّة- التي تحتل ساحة الأمويين أو السبع بحرات في دمشق، المؤيدة لبشار الأسد.
في قلب الأحداث أجريت مداخلتي الهاتفيّة مع استديو الراديو في باريس، شرحت مشاهداتي كما هي، فيما كان الإحباط وفقدان الأمل واليأس يقتلني!
بالعودة إلى تغريدة جعجع والخلاف حولها، بدأت آثارها في أول أيام الانتخابات، مع تعليقات عنصريّة من بعض اللبنانيين/ات ضدّ السوريين، وكذلك بالفيديو الذي انتشر حول هجوم مؤيدين لحزب القوات على سوريين ذاهبين لانتخاب بشار الأسد وتكسير سيارتهم، وهو أمر خطير قد يسبب موجات عنف كثيرة.
لا شك أنّ العنف مرفوض من أيّ جهة كانت، تجاه أي جهة، ويحق لأيّ شخص أن يؤيد وينتخب من يشاء، لكن ألا يحق لنا –كسوريين معارضين ولبنانيين أيضًا- أن نسأل مؤيدي/ات بشار الأسد اللاهثين لانتخابه خارج سوريا، بمختلف أشكال تواجدهم خارج بلدهم، بأي حق تنتخبون مجرمًا أجبرَ معارضيه على الهجرة؟ بأي حق تنتخبون قرارًا يمنع أبناء بلدكم المعارضين من العودة إليه؟ بما أنّكم خارج سوريا، ما الذي يدفعكم لانتخابه؟
ولنفترض أنّ لديكم الحجج المقنعة والأسباب المنطقيّة الكافية لانتخاب رجل تسبب بقاؤه في السلطة بمقتل 400 ألف شخص، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، وربما أكثر مع حسبان الحالات غير الموثقة، ولجوء نحو 6.6 مليون سوري إلى 126 دولة، مع أكثر من 5 مليون نازح داخل سوريا، هُجروا من مدنهم وبلداتهم، ناهيك عن باقي أرقام الدمار في سوريا، ما رأيكم لو تعودوا من البلدان التي أنتم فيها (لاجئين أو مقيمين أو مهاجرين أو غير ذلك) إلى "حضن الوطن" وتبدؤوا بتنفيذ شعار سيدكم الانتخابي لحملته عام 2021 "الأمل بالعمل"، وتعملوا معه على بناء هذا البلد، ولنرى، بعد سنوات، كيف سيكون حالكم! أم أنّ ملذات اللجوء في أوروبا التي حصلتم عليها وأخذتم حق من هو أحق منكم بها أفضل من العمل مع رئيسكم؟