المستقبل يكمن في حركة صغيرة


الأدب لا يمكنه أن يتخيّل المستقبل ولا أن يشتغل عليه، وإنّما يمكنه فحسب أن يسعى لعِتقه وجعله ممكنًا مرة أخرى بعد أن تمّ تجريفه وذلك عبر الاشتغال على الواقع بكلّ ما تحمله كلمة الواقع من معاني.

04 حزيران 2021

هيثم الورداني

كاتب مصري مقيم بين القاهرة وبرلين.

المستقبل لا يمكن أن يُكتب، المستقبل يمكن فقط أن يُقرأ. هذا ما عرفه العرّافون والمُنجمون منذ قديم الأزل. فهُم فهموا أنّ المستقبل لم يُكتب بعد، وإنّما يختفي بين السطور، لذلك تعلّموا كيف يقرؤونه بين النجوم والأفلاك، وكيف يستطلعونه بين الأرقام والمصادفات.

المستقبل هو في الأساس مسألة قراءة لا كتابة، ولا يُمكن قراءته سوى هناك، حيث لم يُكتب بعد. لذا فإنّ الأدب لا يستطيع أن يكتب المستقبل حتى ولو حاول ذلك، كلّ ما يستطيع أن يفعله هو أن يمد القارئ بعمل أصيل قد يستطيع أن يلمح بين سطوره طيف الآتي، أو بالأحرى يستطيع أن يسمع إشارة إنذار تدق بين جنباته؛ إشارة إنذار تنتظر أن يضعها أحدٌ موضع العمل.

الأدب لا يمكنه أن يتخيّل المستقبل ولا أن يشتغل عليه، وإنّما يمكنه فحسب أن يسعى لعِتقه وجعله ممكنًا مرة أخرى بعد أن تمّ تجريفه وذلك عبر الاشتغال على الواقع بكلّ ما تحمله كلمة الواقع من معاني، فالواقع ليس هو العالم المادي المحسوس فحسب، ولا يقتصر على اللحظة الحاضرة أو الوضع السياسي الراهن، بل يضم في ثناياه عوالم كثيرة متراكبة ولحظات تاريخيّة متداخلة.

الواقع الذي يعمل عليه الأدب ليس مُعطىً ولا يوجد سلفًا، وإنّما يُخلق خلقًا عبر محاولات الاشتباك المُتعدّدة معه، لذلك فإنّ الأعمال الأدبيّة الحقيقيّة تنبع عن ضرورة ملحّة لتحريك الواقع حركة صغيرة على أمل أن يظهر بعدٌ جديد لم يكن أحد يراه، ولعلّ المستقبل يكمن في هذه الحركة الصغيرة.

مقالات متعلقة

نحن نعيش في محاكاة

27 أيار 2021
وبالتالي فالعيش في محاكاة في ذلك الوقت يعني حقيقة احتماليّة، ما يعني أنّ لا شيء محدد سلفًا، وأنّ المستقبل ليس محددًا سلفًا، وأنّ أي فعل نقوم به في الوقت الحالي...
المستقبل لحظة حاضر ممتدّة

21 أيار 2021
اليوتوبيا لا تخلق دراما أو لا تخلق نزاع، فَ طول الوقت حتى هم كمان بيفكروا يا إمّا ديستوبي أو يوتوبي، ما بيفكروش في عالم عادي، زي ما همَ عايشين حياتهم...
لقد خُلق الإنسان لينتصر

27 نيسان 2021
عندما نكتب في الشرق الأوسط أدبًا يتخيل المستقبل كديستوبيا، لا نفكر حقًا في المستقبل، كلّ ما يهمنا هو ألغام الحاضر وأشباحه، كلّ ما نفعله في الأدب هو إعادة إطلاق الإنذار،...
ركائز الخيال العملي

29 نيسان 2021
كأنّ هذه المنطقة مغناطيس للدماء السيّالة، أولًا بسبب النفط وثانيًا بسبب القدسيّة التي يتعامل معها مليارات الناس مع الارض المقدسة، لذلك لا أرى فكاكًا من هذا السيناريو، لأنّ الناس بطبيعتها...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد