أعتقد أنّ المنفيين والمنفيات منّا حين يصرّون على عبارة "أنا أسكن بنص برلين" يبحثون/ن عن مكانة ما، تعويضًا لما فقدوه/نّ، ومحاولة لإثبات الذات للأخر، تعويضًا عن نقص يشعرون/نّ به في دواخلهم/نّ، نقص لا تعبّر عنه هذه العبارة وحدها، بل تحيل إليها عبارات كثيرة تمر في سياق كلامهم/ن، يقولونها/ن بثقة وتكرار، دون أن يفطنوا/نّ إلى معانيها العميقة التي تحيل إلى أزماتهم/ن واغترابهم/ن ولا ثباتهم/ن في المكان.
حين يلتقي اثنان/تان بعد انقطاع طويل، يبادر/ تبادر أحدهما/هن الأخر/ى بالقول: "منذ كم لم نلتقي؟ والله صرنا ألمان/نيات بدون ما نعرف" (وهذا ما يقوله صاحب هذه السطور أيضًا)، في إشارة إلى فكرة مستقرة في لاوعي السوريين/ات والمنفيين/ات عن كون الألمان/ات يعطون/ين مواعيد بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، وفيها إشارة أيضًا، ربما، إلى البيروقراطيّة الألمانيّة ثقيلة الظل. العبارة (والله صرنا ألمان) لا تعني هنا الاندماج بقدر ما تعني السخرية من هذا الوضع الذي لا يتيح للأصدقاء الالتقاء بشكل طبيعي وبلا مواعيد مسبقة، مثلما كانوا يفعلون/ن في سوريا، حين كان يكفي أن يرن/ترن صديق/ة ما جرس بيتك دون موعد مسبق ثمّ يدخل/تدخل (لم يكن بإمكاننا رفض دعوته/ا للدخول إلّا إذا كنّا قليلي أدب وفق العادات المتبعة هناك)، وإذا أراد/ت أن يكون/تكون مؤدبًا/ة فقد يتصل/تتصل قبل مجيئه/ا ليقول/تقول "يلا جاي لعندك مسافة الطريق" أو "لاقيلي على القهوة بعد نصف ساعة" ليتم الموعد.