قصة مرسومة: في أحوال المنفيين


حكاية مرسومة قام بتصميمها رامي خوري، محرّر الوسائط المتعددة والفيديو وتحرير الصور والصوت في موقع حكاية ما انحكت، بناء على حكاية كتبها محمد ديبو، ونُشرت سابقًا تحت عنوان"في أحوال المنفيين".

19 تشرين الأول 2021

رامي خوري

محرّر الوسائط المتعددة في الفيديو وتحرير الصور والصوت في موقع حكاية ما انحكت، وهو مسؤول عن محتوى الفيديو والبودكاست والرسوم البيانية، كما يعمل لصالح موقع البوابة الإنجليزيّة وعمل سابقًا مع مواقع عديدة منها تومسون رويترز، ويعمل في النمذجة ثلاثيّة الأبعاد والنحت الرقمي.

بناء على مادة كتبها محمد ديبو تحت عنوان "في أحوال المنفيين" قام رامي خوري بتصميم هذه القصّة المُصوّرة.
حين وصلت برلين للمرة الأولى، قال لي أحد السوريين ممن سبقوني في رحلة المنفى: "أنا أسكن في وسط البلد، بنص برلين". بعد مدة، سأنتبه إلى تكرار العبارة على ألسنة سوريين كثر، وسأنتبه أيضًا أنّ أغلبهم لا يسكن وسط البلد بالمعنى الذي يعنيه، الأمر الذي أثار وعيي مبكرًا لالتقاط وتأمّل تلك العبارات التي يطلقها وعيهم/ن فيما هي تعبّر في اللاوعي عن أشياء أخرى، مكبوتة، مخفيّة.

 

أعتقد أن شيئًا من هذا يحدث في كلّ مكان في العالم، وفي برلين أيضًا، إذ تفاجأت أنا وشريكتي في الحياة بعد سكننا في منطقة "شارلتون بورغ/ Charlottenburg" أنّ البعض يفتح فمه فاغرًا: "أوه... تسكنون في شارلتونبورغ"، ففي أذهان بعض الألمان/ات، أنّ هذه منطقة سكن الأغنياء والميسورين/ات ماديًا، علمًا بأنّ أغلب سكان/ات الحيّ الجميل الذي أعيش به صامدون/ات فيه بسبب إيجارات بيوتهم/نّ الرخيصة كونهم مستأجرين/ات قدامى. بعد فترة سنعرف أنّ ثمّة قسم من الحيّ يسكنه الأغنياء فعلًا، إلى جانب قسم آخر من أصحاب/ات الطبقة المتوسطة والدخل المحدود أيضًا. ولكن هذا الواقع، لم يغيّر من سمعة الحيّ في مخيال ووعي الناس، فـ"صيت غنى ولا صيت فقر".

 

أعتقد أنّ المنفيين والمنفيات منّا حين يصرّون على عبارة "أنا أسكن بنص برلين" يبحثون/ن عن مكانة ما، تعويضًا لما فقدوه/نّ، ومحاولة لإثبات الذات للأخر، تعويضًا عن نقص يشعرون/نّ به في دواخلهم/نّ، نقص لا تعبّر عنه هذه العبارة وحدها، بل تحيل إليها عبارات كثيرة تمر في سياق كلامهم/ن، يقولونها/ن بثقة وتكرار، دون أن يفطنوا/نّ إلى معانيها العميقة التي تحيل إلى أزماتهم/ن واغترابهم/ن ولا ثباتهم/ن في المكان.

 

حين يلتقي اثنان/تان بعد انقطاع طويل، يبادر/ تبادر أحدهما/هن الأخر/ى بالقول: "منذ كم لم نلتقي؟ والله صرنا ألمان/نيات بدون ما نعرف" (وهذا ما يقوله صاحب هذه السطور أيضًا)، في إشارة إلى فكرة مستقرة في لاوعي السوريين/ات والمنفيين/ات عن كون الألمان/ات يعطون/ين مواعيد بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، وفيها إشارة أيضًا، ربما، إلى البيروقراطيّة الألمانيّة ثقيلة الظل. العبارة (والله صرنا ألمان) لا تعني هنا الاندماج بقدر ما تعني السخرية من هذا الوضع الذي لا يتيح للأصدقاء الالتقاء بشكل طبيعي وبلا مواعيد مسبقة، مثلما كانوا يفعلون/ن في سوريا، حين كان يكفي أن يرن/ترن صديق/ة ما جرس بيتك دون موعد مسبق ثمّ يدخل/تدخل (لم يكن بإمكاننا رفض دعوته/ا للدخول إلّا إذا كنّا قليلي أدب وفق العادات المتبعة هناك)، وإذا أراد/ت أن يكون/تكون مؤدبًا/ة فقد يتصل/تتصل قبل مجيئه/ا ليقول/تقول "يلا جاي لعندك مسافة الطريق" أو "لاقيلي على القهوة بعد نصف ساعة" ليتم الموعد.

مقالات متعلقة

قصة مرسومة: سوريات صُغرى في العالم الكبير

28 أيلول 2021
حكاية مرسومة قام بتصميمها رامي خوري، محرّر الوسائط المتعددة والفيديو وتحرير الصور والصوت في موقع حكاية ما انحكت، بناء على حكاية كتبها محمد ديبو، ونُشرت سابقًا تحت عنوان"سوريات صُغرى في...
قصة مرسومة: من سوريا العثمانيّة إلى الأرجنتين

07 أيلول 2021
حكاية مرسومة قام بتصميمها رامي خوري، محرّر الوسائط المتعددة في الفيديو وتحرير الصور والصوت في موقع حكاية ما انحكت، بناء على حكاية كتبها خضر خالد، ونُشرت سابقًا تحت عنوان"من سوريا...
قصة مرسومة: العودة إلى أبي العلاء المعرّي في زمن الطاعون

10 آب 2021
حكاية مرسومة قام بتصميمها رامي خوري، محرّر الوسائط المتعددة في الفيديو وتحرير الصور والصوت في موقع حكاية ما انحكت، بناء على حكاية كتبتها نور تركماني، ونُشرت سابقًا تحت عنوان "العودة...
في أحوال المنفيين

17 تموز 2021
عمّا يحكي المنفيون/ يات في منافيهم/ن؟ كيف يتعاملون/ن مع أمكنتهم/ن الجديدة؟ مالذي تغيّره فيهم/ن هذه الأمكنة؟ كيف يتعاملون/ن مع بعضهم/ن البعض؟ هل يتعرضون/ن للعنصرية؟ هل لديهم/ن مواقف عنصرية تجاه الآخرين/يات...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد