قبل يومين من نهاية العام/ الشهر الماضي، أصدرت منظمة "تيار وطن" ومجموعة "نواة مواطنة" بيانًا أعلنتا فيه عن اندماجهما، كما أصدرتا بيانًا موازيًا آخر تضمَّن "الرؤية السياسيّة المشتركة لتيار مواطنة – نواة وطن".
وقد أثارت (بعض) مضامين تلك الرؤية ردود فعلٍ نقديةً، بل انتقاديةً، قويةً، فسارع المكتب الإعلامي للجسم السياسي الجديد إلى إصدار "توضيحات تخص بعض «انتقادات» بيان الرؤية". وسأناقش، في هذا النص، بعض أهم النقاط الإشكاليّة التي تضمنها "بيان الرؤية" ونص "التوضيحات"، والانتقادات التي وُجِّهت إلى البيان، والتي تتمحوّر، خصوصًا، حول مسائل "الربيع العربي"، "الإسلام (السياسي) والعلمانية والديمقراطية"، و"المسألة الكردية".
الأطروحة الرئيسة التي أتبناها، في هذا النص، هي أنّ "الاستقبال السيء" و"المحبط و"الأكثر إيلامًا" مقارنة بالإحباطات الأخرى، الذي حظيت به هذه "الخطوة الاندماجيّة"، له أسبابه الموضوعيّة الظاهرة والكامنة في نص "بيان الرؤية"، ولاحقًا، في نص "التوضيحات" أيضًا، وليس ناتجًا، بالضرورة، عن غياب "التأني في قراءة البيان الاندماجي"، كما يبدو أنّ أصحاب البيان يظنون. فهذا البيان أصاب كثيرين بإحباطٍ مماثلٍ للإحباط الذي أثاره "الاستقبال السيء" لدى أصحاب البيان، وربما فاقه كثيرًا. وسأحاول، من خلال هذا النص، أن أساهم في توضيح بعض المسوِّغات المعقولة ﻟـ"الاستقبال السيء"، المحبَط والمحبِط، في الوقت نفسه، على أمل أن يساعد ذلك في تجنّب أسباب هذا الإحباط المتبادل، قدر المستطاع.
1. "في ما سميت بثورات الربيع العربي"
سأبدأ بمناقشة مسألة "الربيع العربي، لأنّها أعم المسائل التي سيتناولها هذا النص، وتمثِّل مدخلًا مناسبًا لمناقشة المسألتين الأخريتين. ففي الإشارة إلى الانتفاضات/ الثورات التي انطلقت في بعض مناطق "العالم العربي"، استخدم "بيان الرؤية" تعبير "ما سميت بثورات الربيع العربي". يعني هذا التعبير أنّ "البيان" يعلِّق الحكم على معنى ما لهذا التعبير، أو يتحفظ على هذا المعنى، ويرفض تبنيه. وتعليق الحكم قد يعني اتخاذ موقفٍ محايدٍ، معرفيًّا وسياسيًّا، أمّا التحفظ على المعنى، أو رفض تبنيه، فيتضمن حكمًا معياريًّا سلبيًّا على المسمَّى بحيث أنّها لا تستحق ذلك الوصف/ الاسم (ثورات الربيع العربي). وقد أدرك أصحاب البيان، في "توضيحاتهم" أنّ في استخدام هذه العبارة حياديّة لا تناسب بياناً سياسياً، في ما يمكن اعتباره "الاعتراف الوحيد بالخطأ" الذي تضمنته تلك التوضيحات. لكن، هل كان استخدام ذلك التعبير خطأً فعلًا، من حيث كونه لا يعبر عن موقف مصدري البيان، المعبَّر عنه في بيانهم؟
يحاجج مصدّرو البيان في "التوضيحات" أنّ "البيان يتكلم عن «انتفاضة شعبيّة عارمة»"، لكنهم يغفلون أنّ البيان ذاته، وفي الفقرة ذاتها، يشير إلى أنّ تلك الانتفاضة لم تتحول، من وجهة نظرهم، إلى "ثورة وطنيّة حقيقيّة". هذا يعني أنّ المسألة لا تتعلق بزلة كيبوردٍ أو بخطأٍ لا يعبِّر عن وجهة نظر مُصدّري البيان، فالتعبير ينسجم مع "روح البيان"، وتجسُّد هذه الروح، في العديد من مواضعه وتعبيراته، في هذا الخصوص. ففي مواضع عديدة من البيان، يتم التشديد على أنّ هذه الانتفاضة قد كشفت "عن العفن العميق في قاع المجتمع السوري"، وانتهت لتصب في خانة الإسلام السياسي "الذي "يشكل بديلًا لا يقل سوءًا عمّا هو قائم"، وعلى هذا الأساس، فهي ليست "ثورة وطنيّة حقيقيّة"، ولهذا، ليس هناك إمكانيّة للمفاضلة بين المجتمع الإسلامي الثائر ذي العفن المذكور، أو "الإسلام السياسي"، والنظام أو الواقع القائم.
سأناقش مسألة الإسلام السياسي و"عفن المجتمع"، في الفقرة التالية، وسأقتصر، فيما يلي، على مناقشة الحياديّة (المزعومة) لعبارة "ما سميت بثورات الربيع العربي". فعلى العكس ممّا يعتقد أصحاب البيان، في توضيحاتهم، هذه العبارة ليست محايدةً أو حياديةً معياريًّا، لا سياسيًّا، ولا حتى معرفيًّا أو أخلاقيًّا.(1) فمن الناحية المعرفيّة، إذا رُكِّز على البعد الوصفي في المصطلحات، ألا يمكن تسمية "انتفاضات الربيع العربي" ﺑـ"الثورات" والقول إنّها ليست مجرَّد "انتفاضات"، إذا عُرِّفت الثورة (السياسيّة) أو فُهمت على أنها "خروجٌ جماهيريٌ واسعٌ على النظام السياسي القائم وعنه، يسعى إلى التغيير الجذري لذلك النظام، أو يفضي إلى تحقيق ذلك التغيير"؟(2)
إنّ مصطلحات أو مفاهيم، مثل ثورة وانتفاضة وما شابه، ليست مجرد مصطلحاتٍ أو مفاهيم وصفيّةٍ، فهي تتضمن بعدًا معياريًّا محايثًا لها. وهذا النوع من المصطلحات أو المفاهيم، يُسمّى "مصطلحات/ مفاهيم معياريّة كثيفة thick normative concepts".(3) ويزداد وضوح البعد المعياري في هذه المصطلحات أو المفاهيم، حين ترتبط، في البيان، بمفرداتٍ أخرى مثل "وطنيّة" و"حقيقيّة". إنّ البعد المعياري المحايث لمفهوم ثورة هو الذي دفع ويدفع كثيرين إلى التحفظ على استخدام مفردة "ثورة"، في هذا السياق.
إنّ مصطلحات أو مفاهيم، مثل ثورة وانتفاضة وما شابه، ليست مجرد مصطلحاتٍ أو مفاهيم وصفيّةٍ، فهي تتضمن بعدًا معياريًّا محايثًا لها. وهذا النوع من المصطلحات أو المفاهيم، يُسمّى "مصطلحات/ مفاهيم معياريّة كثيفة thick normative concepts".
على هذا الأساس، ينبغي التأني في وصف استخدام هذه المفردة أو تلك بأنّه استخدامٌ حياديٌّ أو محايدٌ. ويزداد وضوح معنى (لا-)حياديّة هذا الاستخدام، حين نأخذ السياق السياسي لهذا الاستخدام في الحسبان. فالحياد أو اللا-موقف في السياسة هو موقفٌ. والنفي أو الامتناع عن الحكم هو حكمٌ يتضمن تقييماتٍ ما. والسؤال الذي ينبغي التفكير فيه: لماذا اختار أصحاب البيان اتخاذ "ما يسمونه بالحياد"، في هذا الشأن تحديدًا، في بيانٍ سياسيٍّ مليّءٍ بالانحيازات والاصطفافات والمواقف الحدية، في خصوص كل المواقف المطروحة؟ والحياد (المزعوم) المُتخذ لا يتعلق بمسألةٍ ثانويةٍ أو هامشيّةٍ، بل يخص قضيةً يُفترض أنها أسُّ القضايا كلّها. سأترك الإجابة الكاملة عن السؤال الأخير معلقةً، جزئيًّا ونسبيًّا، لأنني أعتقد أنّني قدمت بعض ملامح إجابةٍ ما عنه، ولأنّ الفقرتين التاليتين تتضمنان محاولةً (ضمنيّةً) لاستكمال تلك الإجابة.
2. الإسلام (السياسي) والعلمانيّة والديمقراطيّة، من منظور "البيان الاندماجي"
التحفظ على تسمية انتفاضات الربيع العربي بالثورات متصلٌ، اتصالًا وثيقًا، برؤية "البيان الاندماجي" للإسلام (السياسي) عمومًا، ولعلاقته بالعلمانيّة والديمقراطيّة خصوصًا. في هذا الخصوص، يتبنى البيان مواقف واضحةً، وضوحًا استثنائيًّا، بعيدًا عن أيّ تقيّةٍ سياسيّةٍ يمارسها آخرون لأسبابٍ مختلفةٍ قد يكون أحدها متعلقًا بالمصلحة أو البراغماتيّة أو الحصافة أو اللباقة السياسيّة ... إلخ.
لكن، لا شيء من ذلك، في البيان، في هذا الخصوص،على الإطلاق، تقريبًا. فالبيان يعلن، بصراحةٍ شديدةٍ، عن "وجود النسغ العنفي الموجود في الإسلام النصّي والتاريخي". فالإسلام، بوصفه، دينًا وتدينًا، أو بوصفه نصًّا وتأويلًا أو تطبيقًا لهذا النص، يتضمن ذلك النسغ العنفي. والنسغ هو ذلك السائل الذي يجري في الخلية أو يجري في أنساج النبات لتغذيته.
هذا يعني أنّ حياة الإسلام، النصّي والتاريخي، تتوقف، على وجود هذا النسغ فيه، لأنّه يتغذَّى منه. ويستغرب أو يستهجن أصحاب البيان الاعتراض على هذا القول، ويتساءلون في "التوضيحات": "ما العيب في أن نشير إلى أحد مكامن العلّة، بدلًا من إغماض العين وتشتيت النظر؟". ففي هذا الإسلام ذي النسغ العنفي يكمن "أحد مكامن العلّة"، من وجهة نظر أصحاب البيان الاندماجي.
لكن إذا كانت العلة تكمن، جزئيًّا ونسبيًّا على الأقل، في الإسلام، نصًّا وتاريخًا، دينًا وتدينًا، ألا يعني ذلك أنّ "الحل"، أو التخلص من العلّة، يقتضي، بالضرورة، التخلص من أحد مكامنها، والمتمثِّل في الإسلام، نصًّا وتاريخًا؟ الإجابة المنطقية المستنبطة من "البيان عن مثل هذا السؤال هي الإيجاب، لأنّ البيان يرى أنّ العلّة أو أحد مكامنها يكمن في الإسلام ذاته، الإسلام، بوصفه نصًّا أو دينًا، وليس في الإسلام، بوصفه تدينًا أو فهمًا أو تطبيقًا تاريخيًّا لهذا النص أو ذاك الدين، فقط.
انطلاقًا من هذه الإدانة الماهويّة للإسلام، تبدو منطقيةً ومتوقعةً نظرة البيان إلى الإسلام السياسي الذي يصفه البيان بأنّه "بشكليه المدني والعسكري يشكل بديلًا لا يقل سوءًا عمّا هو قائم"؛ لكن، البيان يسارع إلى التشديد بثقةٍ، يُحسد، أو بالأحرى، يُغبط أصحابها عليها: "من الزاوية الموضوعيّة، لا يوجد أيّ مستقبل ممكن للإسلام السياسي بوصفه سلطة أو دولة لاعتبارات محليّة وإقليميّة وعالميّة". وهكذا تجتمع أحكام الوجود مع أحكام الوجوب، في رؤيّة أصحاب البيان للإسلام (السياسي)، فذلك الإسلام يجب ألّا يوجد، وهو، بالتأكيد، لن يوجد. وهكذا تتفق الرغبة مع التوقع، في انسجامٍ يصعب إيجاد مسوِّغاتٍ معقولةٍ كاملةٍ له. وتبدو الملامح العامة لقصة الانتفاضة في سوريا، من منظور أصحاب البيان، واضحةً: "البيئة السياسيّة الاجتماعيّة للإسلام" كانت، قبل الثورة، "الطرف الأكثر صدامًا مع السلطة"، ولهذا كانت هي "حامل الانتفاضة" و"الأكثر تضررًا منها بعد الثورة"، "ومن الطبيعي في هذه الحال أن يتصدر الإخوان المسلمون المشهد اجتماعيًا وسياسيًا وعسكريًا، وكأنّ الميدان والسياسة والعمل حكٌر على الإسلام السياسي والعسكري فقط وعلى رأسه الإخوان المسلمون". وعلى هذا الأساس يمكننا أن نفهم كيف أفضى الانفجار العاصف الكبير في آذار 2011 إلى الكشف "عن العفن العميق في قاع المجتمع السوري" و"أسلمة الثورة السورية".
في هذا السرد المستوحى من البيان لقصة الثورة السوريّة، ثمّة رؤيتان متنازعتان، يصعب القول بإمكانيّة انسجامهما معًا: إحداهما ترى طبيعيّة حصول هذه الأسلمة، لأنّ البيئة السياسيّة الاجتماعيّة للإسلام هي حامل الانتفاضة بشكل رئيسي؛ والأخرى تنتقد عدم وجود "وقفة جادّة ومسؤولة في موضوع أسلمة الثورة السوريّة، وعدم المساهمة الجادة في مواجهتها، من قبل معظم قوى وهيئات وشخصيات المعارضة". وليس واضحًا كيف يمكننا مواجهة تلك الأسلمة، مع أنّها تبدو، في البيان، أشبه بالقدر الذي لا مفر منه، لكونها نابعةً من طبيعة "البيئة السياسيّة الاجتماعيّة للإسلام" ذي النسغ العنفي، نصًّا وتاريخًا.
تبدو نظرة البيان إلى الإسلام (السياسي) أيديولوجيّةً، بالمعنى القوي والسلبي للكلمة: وتظهر أيديولوجيّة هذه النظرة من خلال اتسامها بالنظرة المانويّة، والجوهرانيّة الثقافيّة أو الثقافويّة، والدوغمائيّة الأحاديّة اللا-تأويليّة.
الحديث عن "العفن العميق" يعبِّر عن مشاعر اشمئزازٍ أو نفورٍ أو قرفٍ، و/أو يثير مثل هذه المشاعر، التي يمكن وصفها مع الفيلسوفة الأميركية مارتا نوسباوم بأنّها مشاعر سياسيّة(4) أو ذات تأثير في المواقف السياسيّة. ويبدو البيان متأثِّرًا جدًّا بهذا العفن، ويتضمن ردّ فعلٍ حادًّا تجاهه. وسأناقش رؤية "البيان الاندماجي" للإسلام (السياسي) من خلال ثلاثة محاور رئيسة: الأيديولوجيا وسماتها المتعددة، والعلمانيّة، والديمقراطيّة.
تبدو نظرة البيان إلى الإسلام (السياسي) أيديولوجيّةً، بالمعنى القوي والسلبي للكلمة: وتظهر أيديولوجيّة هذه النظرة من خلال اتسامها بالنظرة المانويّة، والجوهرانيّة الثقافيّة أو الثقافويّة، والدوغمائيّة الأحاديّة اللا-تأويليّة.
فهي مانويّةٌ، بمعنى أنّها ترى العالم من منظورٍ مثنويٍّ فيه قطبان متناقضان معياريًّا؛ فمن جهةٍ، يبدو الإسلام (السياسي) مشكلةً أو المشكلة، ومن جهةٍ أخرى، تبدو العلمانيّة حلًّا أو هي الحل. وتتجسد السمة الجوهرانيّة في أطروحة أنّ الإسلام (السياسي) مشكلة أو هو المشكلة، لأنّه بطبيعته، أو بجوهره أو ماهيته، يتضمن نسغًا عنفيًّا يؤثر في التاريخ، بدون أن يتأثر به أو يتغيَّر من خلاله. وتتخذ الجوهرانيّة صيغة الثقافويّة، حين ترى أنّ ذلك النسغ العنفي يكمن في النص ويظهر، بالضرورة، في الثقافة المتأسسة عليه، والتي تنتج، أو تسهم بدورها في إنتاج، ذلك "العفن العميق" في "البيئة السياسيّة الاجتماعيّة للإسلام".
أمّا السمة الدوغمائيّة الأحاديّة اللا-تأويليّة لتلك الأيديولوجيا فتبدو من خلال الجزم بوجود معنىً ما ثابتٍ، بل جامدٍ، في النص الديني، وفي تأويلاته وتأثيراته التاريخيّة، دون أن تأخذ تلك النظرة في الحسبان الطابع البنائي للنص، والإمكانيّات المتعددة، النظريّة والفعليّة، لفهمه وتأويله واستخدامه أو توظيفه، وفقًا للمصالح المهيمنة وأوضاع السياقات التاريخيّة المتغيِّرة.
تتضمن نظرة البيان خطابًا علمانويًّا شديد اللهجة. وأعني بالعلمانويّة الموقف أو الاتجاه السياسي الذي يؤيد العلمانيّة أو العلمنة عمومًا. وأعني بالعلمانيّة الصيرورة التاريخيّة للتمييز المعرفي أو المفهومي و/أو التمايز الوظيفي المؤسساتي بين الديني وغير الديني.
علمانويّة البيان، أو العلمانيّة التي يدعو إليها هي من النوع الصلب أو القاسي أو المتشدّد. وينبغي هنا التمييز بين نوعين من العلمانويّة، انطلاقًا من الموقف المتخذ من الدين، في هذا السياق. من ناحيةٍ أولى، يمكن الحديث عن علمانويّةٍ تهدف إلى حماية الدين والمتدينين من الدولة وسلطاتها ونظامها السياسي والقانوني أو أيّ طرفٍ آخر يمكنه أن يؤثر سلبًا في حريّة العقيدة والتعبير والعبادة وما إلى ذلك، عند المتدينين. فهذه علمانيّةٌ أو علمانويّةٌ من أجل حماية الدين والمتدينين، وليست ضدّهم. وهي تنطلق من رؤيةٍ إيجابيّةٍ للدين، بوصفه معتقدًا لدى (بعض مواطنيها). وتبدو العلمانيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة والدانمارك، على سبيل المثال، قريبةً من هذه العلمانيّة الناعمة والودودة تجاه الأديان.
من ناحيةٍ ثانيةٍ، ثمّة علمانويّةٌ تهدف إلى حماية الدولة والمجتمع والمجال العام عمومًا من الدين/ التديُّن، لأنّه يمكن أن يشكِّل خطرًا ما ينبغي التنبه والتنبيه إليه، وتجنبه، قدر المستطاع. هذا النوع من العلمانيّة/ العلمانويّة ينطلق من رؤيّةٍ سلبيةٍ للدين، وهي، بهذا المعنى، وعلى هذا الأساس، علمانويّةٌ مضادةٌ للدين. وهي كذلك، لأنّها ترى أنّ الدين أو الديني يتضمن، بالضرورة، شيئًا سلبيًّا بطبيعته، وهو، بمعنى ما، مضادٌّ للعلمانيّة التي هي أفضل منه بالضرورة، من حيث أنّها، في المجال العام عمومًا، وفي المجال السياسي خصوصًا، أكثر انسجامًا أو هي فقط التي تنسجم، مع الديمقراطيّة والحداثة والتعدديّة ومنظومة حقوق الإنسان الحديثة. ويمكن المحاججة بأنّ العلمانيّة الفرنسيّة والمكسيكيّة، على سبيل المثال، تمثِّلان هذا النوع الذي يُسمى ﺑـ"العلمانيّة الصلبة أو القاسية". وانطلاقًا من التمييز بين هذين النوعين من العلمانويّة، ومن النظرة التي يتضمنها البيان عن الدين/ الإسلام، يبدو واضحًا مدى صلابة أو قساوة الموقف العلمانوي الذي يتبناه "(أصحاب) البيان".
صرح "تيار مواطنة" و"مجموعة نواة" بأنّ اندماجهما ناتجٌ عن كونهما "تشتركان في ثلاثيّة الديمقراطيّة والعلمانيّة والمواطنة". فكيف يمكن فهم موقف "أصحاب البيان" من الديمقراطيّة، انطلاقًا من موقفهم العلمانوي الموصوف آنفًا، عمومًا، ومن رؤيتهم المذكورة ﻟـ"الانتفاضة" وﻟـ"البيئة السياسيّة الاجتماعيّة للإسلام" التي "هي حامل الانتفاضة بشكل رئيسي"، خصوصًا قبل الإجابة عن هذا السؤال، وللتأسيس لتلك الإجابة، أرى ضرورة تناوله، من منظور العلاقة بين الديمقراطيّة والثقة.(5)
إنّ امتلاك النخبة السياسيّة لمثل هذه النظرة السلبيّة إلى أهليّة الناس السياسيّة، وإلى البيئة الاجتماعيّة والسياسيّة لدينهم عمومًا، يمكن أن يدفع كثيرين إلى حجب الثقة عن تلك النخبة.
سأكتفي بأحد جوانب هذه العلاقة: الثقة المتبادلة بين النخب السياسيّة وعموم الناس. فالديمقراطيّة تفترض حدًّا أدنى من الثقة المتبادلة المذكورة. فهي تفترض بالدرجة الأولى، ثقة النخب السياسيّة بأنّ الناس جديرون بالحريّة، وباختيار من وما يناسبهم أو يمثلهم، في أيّ تصويتٍ أو استفتاءٍ أو انتخابٍ ديمقراطيٍّ. وفي هذا السياق، لا تعني الثقة المعرفة الأكيدة والجازمة. ففي المجال السياسي، خصوصًا، يوجد في كلّ ثقةٍ درجةٌ ما من المخاطرة، حيث يكون هناك احتمالٌ دائمٌ لحدوث ما لا نريده أو ننتظره، في هذا الخصوص. وعندما تكون النخب السياسيّة غير واثقةٍ في خيارات الناس وتوجهاتهم السياسيّة، أو بالأحرى واثقةً في سوء تلك الخيارات والتوجهات، بالضرورة أو على الأرجح، ولديها رأيٌ سلبيٌّ في "البيئة السياسيّة الاجتماعيّة لدينهم"، أو في مضامين ثقافتهم وقيم أخلاقياتهم ومستوى وعيهم ، فهذا يعني أنّها تعتقد إنّ هؤلاء الناس غير جديرين أن يكونوا جزءًا من نظامٍ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ، وإنّهم ليسوا مؤهلين للحياة الديمقراطيّة.
في المقابل، إنّ امتلاك النخبة السياسيّة لمثل هذه النظرة السلبيّة إلى أهليّة الناس السياسيّة، وإلى البيئة الاجتماعيّة والسياسيّة لدينهم عمومًا، يمكن أن يدفع كثيرين إلى حجب الثقة عن تلك النخبة. وبهذا المعنى، تكون النخبويّة والشعبويّة ظاهرتان مضادتان للديمقراطيّة.
على العكس ممّا يظنه كثيرٌ من العلمانويين، أصبح بالإمكان المحاجة، محاجةً قويةً و"ناجحةً"، بعدم وجود تلازمٍ ضروريٍّ، بين الديمقراطيّة والعلمانيّة، بوصفها فصلًا كاملًا للدين عن الدولة و/أو عن السياسة. فالدين ليس مفصولًا، فصلًا كاملًا، عن الدولة في بريطانيا، وهو ليس مفصولًا، فصلًا كاملًا، لا عن الدولة ولا عن السياسة، في ألمانيا، بدون أن يفضي ذلك إلى التأثير تأثيرًا سلبيًّا (كبيرًا) في ديمقراطيّة كلا البلدين، بل يمكن الذهاب إلى مدىً أبعد، بالقول إنّ عدم الفصل المذكور هو نتيجةٌ للديمقراطيّة في البلدين المذكورين وغيرهما، وأحد مقوماتها وأسسها، في الوقت نفسه.
على هذا الأساس، لا يكون الإسلام هو المشكلة، ولا تكون العلمانيّة هي الحل؛ وتكون المسألة حينها معرفة ما الإسلامات والعلمانيات التي (يمكن أن) تتناغم مع الديمقراطيّة (الليبراليّة)، وما الإسلامات والعلمانيّات/ العلمانويّات المضادة للديمقراطيّة. والإسلام التاريخي، بوصفه دين/ تدين المسلمين، عمومًا، والإسلام السياسي خصوصًا، يمكن أن يتخذ صيغًا متعددةً بعضها منسجمٌ، لدرجةٍ ما، مع الديمقراطيّة، كما هو حال بعض أحزاب الإسلام السياسي في المغرب وتونس وتركيا وماليزيا، مثلًا، ويمكن له أن يكون غير ذلك، في بلادٍ وسياقاتٍ أخرى. لكن ينبغي إقامة التمييزات أو إدراك التمايزات بين الإسلامات (المختلفة)، فإسلامٌ (سياسيٌّ) عن إسلامٍ (سياسيٍّ) يختلف، كما هو حال خيمات غسان كنفاني.
يمكن للإسلام السياسي أن يتناغم مع مقومات الديمقراطيّة (الليبراليّة)، بقدر استناده إلى قيمٍ دينيّةٍ عامةٍ، وليس إلى معايير دينيّةٍ يفرضها أو يحاول فرضها على الآخرين. وهذا ما فعلته المسيحيّة السياسيّة، في ألمانيا مثلًا، ممثلةً بالتحالف أو الاتحاد المسيحي بين الحزبين الشقيقين "الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والاتحاد الاجتماعي المسيحي". وعلى هذا الأساس، يمكن القول إنّ الأحكام التي يطلقها البيان على (الإسلام) لا تتأسس، لا معرفيًّا ولا سياسيًّا، على فكرة الديمقراطيّة التي يرفعها كشعارٍ.
3. المسألة الكرديّة
في مقابل الموقف الواضح والجريء الذي تضمنه البيان حيال الإسلام (السياسي)، نجد أنّ موقفه حيال المسألة الكرديّة قد احتفظ بسمة الجرأة، وفقد، إلى حدٍ بعيدٍ، سمة الوضوح. ففي فقرةٍ معنونةٍ ﺑـ"في الموضوع الكردي" يبدأ البيان بالقول: "نقرّ بحق الشعب الكردي في سورية في تقرير مصيره، مثله مثل كل شعوب الأرض". ولا جدال في أنّ حق تقرير المصير يتضمن حق الانفصال عن سوريا أو الكيان السياسي القائم. والبيان نفسه يتحدث في الفقرة ذاتها عن "حقه [الشعب الكردي في سورية] في قيام دولته المستقلة".
حتى الآن يبدو موقف البيان واضحًا، من حيث إقراره بأنّ "الشعب الكردي في سورية" لديه "حق تقرير المصير" و"إقامة دولته المستقلة". لكنَّ البيان يرى وجوب "الأخذ بالاعتبار للخصوصيات التاريخيّة والجغرافيّة من حيث طرفيّة كردستان سورية وتقطعها الجغرافي" ويُفرِّق "بين هذا الحق المبدئي وبين الظروف الموضوعيّة التي تحكم السياق الزمني لنيل هذا الحق".
المنظور الكردوي يشدّد على حق الكرد في سوريا في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة عن سوريا، وينظر إلى المسألة الكرديّة، وإلى الوضع في سوريا عمومًا، من منظورٍ قوميٍّ كرديٍّ.
ليس واضحًا ما الذي يمكن لهذا "الأخذ بالاعتبار" أو ذلك التمييز أن يفضي إليه، لكن "المفترض" أنّهما لا يلغيان، إلغاءً كليًّا، الحق المبدئي المذكور الذي يقرُّه البيان. لكن التوضيحات تشدد على أنّ البيان "لا يجد أن هذا المبدأ قابل للتنفيذ بشكل مطلق، لأسباب موضوعيّة سوريّة" وأنّه من الإجحاف، على كلّ حال، قراءة البيان على أنّه دعوة "لتمزيق سورية: أو أنّه يعبر عن "خلاف على الوحدة السياسيّة للبلد". ليس واضحًا معنى عبارة "بشكل مطلق" في هذا السياق: هل تعني أنّ مبدأ/ حق تقرير المصير لا يمكن تنفيذه مطلقًا، لا كليًّا ولا جزئيًّا، أم تعني أنّه يمكن تنفيذه تنفيذًا جزئيًّا، لا كليًّا، فقط؟
إن إعادة التوضيحات التشديد على ما ورد في البيان، في خصوص الإقرار بحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة للكرد في سوريا، يعني أنّ البيان يرى إمكانيةً ما لتنفيذ ذلك الحق، لكنها إمكانيّةٌ جزئيّةٌ وليست كليّةً أو مطلقةً. في المقابل، إنّ نفي "التوضيحات" لوجود "خلاف على الوحدة السياسيّة للبلد" وإشارتها إلى اختلافها مع "من يرى أن امتناع تنفيذ هذا الحق للكرد السوريين، بسبب الظروف الموضوعيّة، يجعل الإقرار به بلا معنى"، يعني أنّ "أصحاب البيان والتوضيحات" يعتقدون ﺑـ"امتناع تنفيذ هذا الحق للكرد السوريين". وعلى الرغم من ذلك الاعتقاد أو الامتناع يرون أن ثمّة معنى في إقرار ذلك الحق الممتنع أو المستحيل تنفيذه.
ثمّة تأويلاتٌ متعدّدةٌ ممكنةٌ لتفسير هذا الاضطراب والانقسام، في معنى نصَّي البيان والتوضيحات، في خصوص "الموضوع الكردي"، قد يكون من بينها طبيعة التحالفات السياسيّة التي يتأسس عليها توجه أصحاب البيان أو يؤسسون لها. وسأركِّز فيما يلي على إبراز المنظور الذي تناول من خلاله "البيان والتوضيحات" للموضوع الكردي. ومن حيث المبدأ، يمكن التمييز بين ثلاثة منظوراتٍ رئيسةٍ، في هذا الموضوع: المنظور الكردوي، المنظور العروبي، المنظور السوري.
المنظور الكردوي يشدّد على حق الكرد في سوريا في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة عن سوريا، وينظر إلى المسألة الكرديّة، وإلى الوضع في سوريا عمومًا، من منظورٍ قوميٍّ كرديٍّ. ويمكن للمنظور الكردوي أن يرى في منطقة الجزيرة السوريّة (ومناطق أخرى) جزءًا من "الأمة الكرديّة" أو من "روجافا/ روج آفا"، أيّ على أنّها "غرب كردستان" أو "كردستان الغربيّة". وهذا المنظور حاضرٌ، جزئيًّا، بامتيازٍ، في البيان، وحتى في التوضيحات، من خلال الحديث عن "حق الشعب الكردي في سورية" في "تقرير المصير" و"إقامة دولته المستقلة".
أمّا المنظور العروبي فيرى سوريا "قطرًا عربيًّا" وجزءًا من "الأمة العربيّة"، ويشدّد على ضرورة السعي إلى تحقيق أيّ شكلٍ ممكنٍ من الوحدة السياسيّة بين "الدول العربيّة". وهذا المنظور غائبٌ، غيابًا كليًّا، في البيان والتوضيحات. ويبدو غريبًا تبني البيان للمنظور الكردوي، وتجاهل المنظور العروبي، في هذا السياق. فعلى أيّ أساسٍ، يتم طرح حق جماعةٍ إثنيّةٍ/ قوميّةٍ ما في تقرير المصير، وإقامة دولتها المستقلة، وتجاهل الحق لجماعةٍ إثنيّةٍ/ قوميّةٍ أخرى، في السياق ذاته؟
إذا كان الإقرار بالحق المذكور متأسسٌ على "مبدأ اخلاقيٍّ"، فلماذا لم يتم ذكر حقوق جميع الجماعات الإثنيّة/ القوميّة، من أكبرها (الإثنية/ القوميّة العربيّة) إلى أصغرها (الأشوريّة أو التركمانيّة أو الآراميّة)؟ وإذا كان الأمر يتعلق حصريًّا بالظلم الخاص الذي تعرض له السوريون الكرد في العقود الأخيرة، فربما ينبغي التشديد هنا على محدوديّة وخصوصيّة هذا الظلم، وعلى أنّ الظلم الذي تعرّض له "العرب السنة المتدينون" قبل قيام "الثورة السوريّة" وبعدها، فاق كلّ ظلمٍ، حصل في ذلك السياق، كمًّا وكيفًا. فمن مجازر حماه وحلب، في ثمانينيات القرن الماضي، إلى ملاحقة المسلمين المتدينين وتحولهم إلى مشتبهٍ بهم، بل وإدانتهم، لمجرد إطلاق لحاهم أو قيامهم بالصلاة العلنيّة أو تلاوة القرآن أو اقتناء كتبٍ دينيّةٍ ...إلخ. وإذا كان طرح المسألة يتم على أساسٍ قانونيٍّ، فمن المفيد الإشارة، مع عزمي بشارة، إلى أنّ القومية العربية هي "أكبر قومية معاصرة لم تحظ بحق تقرير المصير، بالتحول إلى أمة ذات سيادة ولم تحظ بفرصة الصراع بعد ذلك للتحول إلى أمة من المواطنين".(6) والأصوات العروبيّة في سوريا/ "قلب العروبة النابض"، ليست أقل عددًا أو قوةً من الأصوات الكرديّة. فلماذا تمّ تجاهلها؟
بغض النظر عن المنظور العروبي، وانطلاقًا من الأساس القانوني لمسألة وجود أو عدم وجود حق الكرد في سوريا في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة. ينبغي التشديد على أنّ أيّ شعبٍ أو جماعةٍ إثنيّةٍ قوميّةٍ لا يملك ذلك الحق إلّا في حال توفر عددٍ من الشروط الأساسيّة والضروريّة، سأكتفي هنا بذكر أهمها، في هذا السياق، لأنّني أرى أنّه كافٍ لحسم المسألة.
إنّ امتلاك حق تقرير المصير مرهونٌ ﺑ "وجود جماعة أو مجتمع منفصل ومحدد ذاتيًّا وتقطن بكثافة في منطقة مترابطة جغرافيًّا وتؤيد أغلبيتها الانفصال".(7) فهل يعيش الكرد السوريون عمومًا، أو معظمهم على الأقل، في منطقةٍ مترابطة جغرافيًّا، تؤيد أغلبيتها الانفصال؟ وإذا كانت الإجابة عن هذا السؤال هي بالنفي، كما أحاجج مع كثيرين غيري، كيف يمكن الحديث عن امتلاك السوريين الكرد حق تقرير المصير، وما يتضمنه من حق في الانفصال، وإقامة دولة مستقلة؟ الحديث عن الحق المذكور، أو حتى تطبيقه بأيّ شكلٍ من الأشكال الممكنة، لا يتأسس على حقٍ، ولا يؤسس لحقٍّ، كما أنّه لا يحل أيّ مشكلةٍ (كبيرةٍ)، بل إنّ مجرد إثارته يثير المشاكل والضغائن، أمّا السعي إلى تطبيقه فإنّه سيكون، على الأرجح، مفروشًا بالأزمات والعنف والتهجير المتبادل بين الأطراف المتنافرة أو المتصارعة.
هنا، تحديدًا، تبرز أهمية "المنظور السوري" وضرورته، في الوقت نفسه. فالمنظور السوري الديمقراطي ينظر إلى الناس على أنّهم سوريون ومواطنون وأفراد، قبل أن يكونوا أعضاء في أيّ جماعاتٍ قائمةٍ على النسب اللاإرادي كالجماعات الدينية أو الإثنيّة أو المناطقيّة ... إلخ، أو بغض النظر عن النسب المذكور. وهذا لا ينفي وجود حقوقٍ جماعاتيّةٍ، لكنه يعني أنّ تلك الحقوق متأسّسة على إنسانيتهم وسوريتهم وفرديتهم، وليس العكس.
المنظور السوري يتأسس على ما هو أخلاقيٌّ وقانونيٌّ ومصلحيٌّ سياسيٌّ، في الوقت نفسه. هو أخلاقيٌّ، لأنّه يتأسس على المساواة المبدئيّة الأخلاقيّة بين كلّ السوريين، ويؤسّس لها، بغض النظر عن كلّ العوامل الأخرى. وهو قانونيٌّ، لأنّه يتأسّس على الكيان السوري القانوني القائم حاليًّا. وهو منظورٌ براغماتيٌّ سياسيًّا، لأنّه يتأسس على أنّ مصلحة السوريين تقتضي الانطلاق ممّا هو مشترك فيما بينهم، بعيدًا عن التحزبات والصراعات الجانبيّة الضيقة، التي تتخذ صيغة "الحرب الأهليّة الباردة أو الساخنة"، ويخرج منها الجميع مهزومين. هذا المنظور السوري موجودٌ، جزئيًّا ونسبيًّا، في البيان والتوضيحات، لكنه متشابك مع المنظور الأقلوي (الكردوي)، بطريقةٍ يلغي كلّ طرفٍ فيها الطرف الآخر، بدل أن يكمِّله، أو يكتمل به، أو يتكامل معه.