(هذه المادة من الجزء الثاني من ملف "أصوات كورية". بإداة وإشراف المحرّر الضيف، فادي صالح، ويمكن قراءة النسخة الانكليزية من المقال على هذا الرابط)
مين كانت تهرب من الواقع وتتخيّل حالها شخصية من الشخصيات الكرتونية اللي منحسها بتلامسنا باختلافها وطرق تعبيرها الجندري غير النمطية؟ مين كان يحب يقفل عحالو باب الغرفة ويلبس ويعبر عن حالو متل ما هوي بيحب وبيحس؟ وقت اللي ما كنا نلاقي حالنا بكتاب القراءة أو المواد المرئية اللي حوالينا، يمكن كتير لاقو حالهن بالصدفة ببرنامج أطفال ياباني مدبلج، فيه شخصيات مرسومة بشكل "مختلف"، شي بيحاكيهن أو بيساعدهن يخلقو مساحة خيال آمنة صغيرة براسهن أو بالمكان اللي هني فيه ليعيشو ويعبرو عن حالهن متل ما هني بيحبو.
الليدي أوسكار
يمكن بالنسبة لكتير مننا ككويريين/ات من سوريا من جيل التمانينات والتسعينات، الليدي أوسكار كان من أوائل البرامج اللي عطانا لمحة، إحساس، فكرة مشروعة اجتماعيا وتمثيل مرئي موّجه للأطفال عن شو يعني عبور، شو يعني كويرية، أو حتى شو يعني بنت متناغمة مع جندرها بس ثائرة ععادات المجتمع الأدوار المفروضة عليها.
أنا لما كنت صغيرة، ما كنت حب إلعب بألعاب البنات، كنت أركب عالكنباية وأعمل حالي راكبة عالحصان، متل أوسكار. إذا بدنا نحكي بمعايير سوريا والأماكن اللي كبرنا فيها، ليدي أوسكار كتير غريب عننا، كتير فيو شغلات كويرية، وكتير فيو إيحاءات مثلية... منلاقي فيه شخصية وحدة بتحب وحدة تماما. هيك بالجمل والعبارات الصريحة، إنو بتقلها بالمسلسل "أنا كتير بحبك" و"كتير معجبة فيكي". إنو طب هاد كان مشهور عنا بسوريا كتير من زمان، بس ما بعرف اللي مدبلجينو أو اللي عارضينو عنّا لأي حد منتبهين لهاد الحكي، ولا هوي مارق سهوة؟ ممكن معتمدين إنو البنات اللي بالمسلسل مفكرينها لليدي أوسكار شب، بس نحنا منعرف إنها "بنت"؟! من أول حلقة منشوف إنو أبوها رح يربيها كصبي وكل البنات بيعشقوها بس يشوفوها، وهيي بالنهاية صورة ونموذج عن امرأة كتير قوية... أنا عم اتسائل لإنو حاليا العالم عم ندقق عكل تفصيل مهما كان سخيف بسبب السوشال ميديا، بس غريب ما كانو يحكو عن هيك أشياء بهديك الفترة.
هكذا نشأت هذي الفتاة ...
أغنية النهاية لليدي أوسكار بتحكيلنا "عن ليال مملوءة أسرار". الليل هو المكان السرّي للأطفال وخيالاتهن اللي بيخلقو فيه عوالمهن اللي بيحبوها وبيعيشو لحظات حلوة متل ما هني بيحبو، مو متل مو مفروض عليهن. فكم طفل غير منسجم مع الجندر المعين له عند الولادة كان يرمي ألعابه عالأرض ويعمل الشي اللي بيحبو في مساحة الأمان اللي خلقها، وبس يطلع النهار بيرجع يلبس الدور المفروض عليه؟
الفكرة هيي إنو عم أحاول اشتغل عالذاكرة الحلوة تبع الميم ـ عين، إنو نحنا لما نبلش نفكك الذاكرة، مش ضروري بس نبدأ من الأماكن السيئة أوالصادمة أو المؤلمة... ممكن كمان نبدأ بالشغلات القديمة اللي هني بيحبوها وطبعت شي حلو بذاكرتهن المنسية، ومنحاول ننبهن عزاوية هني ما كانوا منتبهين عليها وما عاطيينا اهتمام أو نسيانينها بسبب الصعوبات اللي واجهوها بعدين، وأنا كتير بحب اشتغل على قصص المكان والذاكرة وكيف كنا ندور عاختلافنا، نخلقو، نعيشو، ونلاقيلو طريقة لينوجد بشكل أو بآخر، إن كان ببرنامج عم نحضرو أو بوقت عم نقضيه لحالنا بعيد عن أعين المراقبة من الأهل أو المجتمع...
بمجتمعاتنا لازم يكون في اهتمام بالأطفال بحد ذاتن أصلا، وهاد الشي غير موجود للأسف، وبس يصير في اهتمام كامل بالأطفال، وقتها ممكن نفكر بشكل أوسع بالاهتمام بالأطفال اللي هني "مختلفين". بالنهاية لإنو هاد الأمر الواقع، الأهل لازم يتقبلو إنو هالشي ما رح يتغير، وما عادت الأشياء متل قبل، فلازم يتقبلو ولادن.
بفهم إنو التوجه للأطفال دائما صعب لإنو الكل دائما بيفترض إنو نحنا كأطفال ما منعرف إننا ميم ـ عين. أكيد هالكلام صحيح، ما منعرف شي عن الهويات والمصطلحات، بس كلنا كان عنا وعي معين عن اختلافنا. وطبعا بيعتبرو الأطفال بيفهمو الغيرية، وبيفهمو الدين، وبيفهمو شو يعني رجال ومرا، وبيفهمو الزواج، والتدبير المنزلي، والإنجاب، وشو يعني شب يحب بنت، كلو "بالفطرة". بس سبحان الله، لما يتعلق الموضوع بالمثلية أو العبور أو الإختلاف بيصيرو ما بيفهموا... هي المواضيع فقط حساسة ومحرمة، لا أكتر ولا أقل، وللأسف الأطفال ما إلن دعم أبدا، وبيعتبروهن مادة شائكة، بس مع هيك مو الحل إنو نحنا نعمل حالنا مو شايفين ونتجاهلون ونتجاهل مشاكلن. بالعكس، لإنن مادة حساسة صار لازم نقرب عليها أكتر ونفوت عالدائرة تبعن، نجرب نسمع ونبحث ونتعلم أكتر ونتذكر عطول إنو الأطفال بيفهمو وكتير كمان، ولازم نبلش نحرّك بهالمواضيع ونعمل اللي فينا عليه، كل على قدراتو/ها ومجالو/ها!