على هامش فعاليات مؤتمر بروكسل السادس لدعم سوريا، وكما جرت العادة تُنظم مجموعة من الفعاليات الثقافيّة والفنيّة في المدينة. هذا العام قام فضاء لاغرانج بوينتيس، وهو فضاء ثقافي عربي في بروكسل، بتنظيم فعاليات هذا العام التي تضمنت عروضًا سينمائيّة وحفلات موسيقيّة ومعرض تصوير ضوئي، وغيرها من النشاطات الفنيّة والثقافيّة.
جاء في الدعوة على صفحة لاغرانج بوينتس "تؤمن لاغرانج بوينتس بأهميّة بناء سرد للعدالة الانتقاليّة في سوريا من خلال توفير حوار مفتوح بين صنّاع التغيير السوريين، سواء في أوروبا أو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لذلك، لاغرانج بوينتس، بالشراكة مع حكاية ما انحكت، يسعدها تقديم هذا الحدث "حول العدالة الانتقاليّة، كجزء من فلك 2". وقد تضمن برنامج الأمسية يوم 12 أيار 2022، افتتاحًا لمعرض تصوير ضوئي وعرضًا راقصًا وحوارًا مفتوحًا حول مسألة العدالة الانتقاليّة. هنا نقدّم قراءة في هذه الفعاليات وإضاءة عليها.
حرب السرديات مجددًا. حربٌ يحتل فيها الفن والأدب مساحة وازنة في بنائها. أحد عشر عامًا مرت على بداية الثورة السوريّة، وما يزال يُطلب من الفن والثقافة أن يواكبا ذلك الحدث الضخم غير المعقول، وأن يساهما في بناء تلك السرديّة الأصيلة عمّا حدث، وما زال يحدث في بلدنا المنكوب. هل يمكن للفن أن يكون مواكبًا للحدث ساعة حدوثه؟ هل يمكن للفنانين المنخرطين في ذلك الفعل الوصول إلى تحليل واقعي ومنطقي للذي يحدث، في ظلّ فقدان القدرة على التأثير والوصول بسردياتهم إلى النشر والإعلان؟ أم أنّ كلّ ما نفعله هو مجرّد استجابة انفعاليّة إنسانيّة، تُترجم إلى شكل فني دون القدرة على تحميل ذلك الشكل أيّ تحليل أو استشراف؟ هل تكون الاجتماعات الدوليّة، التي تفرد ميزانيّة ومساحة على هامش فعالياتها لعرض أعمال فنيّة، التي تتحدث عن المعاناة السوريّة هي المساحة المناسبة لعرض تلك الأعمال؟.
كـ"سينمائي ومسرحي سوري" كنت منشغلًا في الأعوام المنصرمة في البحث عن الطريقة الأمثل بالنسبة لي لتقديم الموضوع السوري من خلال عملي الفني، و لا أدعي النجاح بأيّ حال من الأحوال، لكن الفعل يجب أن يستمر، والمحاولة أيضًا. كنت جزءًا من عديد المناسبات التي عرضتُ فيها أعمالي التي تناقش ما حدث، لكن الاستنتاج الذي خرجت به بعد كل تلك الأعوام، يؤكد أنّ تلك المؤتمرات والاجتماعات لا تقوم بأكثر من استغلال الفعاليات الفنية والثقافية للتسويق، ولتغطية أغلب جوانب القضية التي يطرحها المؤتمر، وبالتالي يكون الفعل الجانبي (الفعاليات الفنية والثقافية) غير قادر على التأثير.
هو الإحباط إذًا ما دعاني لتلبية الدعوة إلى أمسيّة عن العدالة الانتقالية في "لاغرانج بوينتس، بروكسل". ذهبتُ لأثبت لنفسي أنّ شيئًا لم يتغيّر في واقع قضيتنا النازفة. لا أنتقد المنظمين أو المشاركين هنا، بل على العكس، ذهبتُ لإظهار الدعم لهم كأفراد فاعلين وملتزمين بقضيتهم.
برنامج الأمسية تضمّن افتتاحًا لمعرض تصوير ضوئي، وعرضًا راقصًا، وحوارًا مفتوحًا حول موضوع الأمسيّة، العدالة الانتقاليّة.
جسد في مربع
كان الأداء الراقص من إنتاج وتصميم "سياتر"، وهي مبادرة مسرحيّة سوريّة تتخذ من بروكسل مقرًا لها. كان الأداء من البساطة والاقتصاد في الشكل ما يجعله مؤثرًا وداعيًا للتأمل.
تناول الأداء فكرة محدوديّة الفضاء، فالراقص المنفرد الذي قدّم العرض، وقف ضمن مربع رُسم على الأرضيّة بورق لاصق. لم يكن من المتعذر فهم أنّ الأداء يتحدث عن الأشخاص المغيبين قسريًا في سجون النظام السوري. فكرة العرض مأخوذة عن مجموعة صور فوتوغرافيّة لـ"عبد العزيز دخان"، كانت قد عُرضت في كنيسة يوحنا المعمدان في بروكسل، و تظهر شابًا يقف في أماكن مختلفة من المدينة ضمن مربع الورق اللاصق مرسوم على الأرض. الشاب في هذه الصور يدير ظهره للعدسة، مُذكرًا بشخصيّة حنظلة التي ابتكرها الفنان الفلسطيني ناجي العلي. التصميم اعتمد على تكرار مجموعة من الوضعيات الجسديّة التي تعبر عن ضيق الفضاء الذي يخلق شعورًا نفسيًا بالضيق والمحدوديّة.
عيون الراقص داخل ذلك الفضاء التجريدي بقيت معلّقة في الأفق البعيد. قد يكون كما حلم الطير بالهرب من قفصه؟ صاحب ضيق الفضاء البصري اقتصاد بالفضاء السمعي، فعلى طول العرض لن نسمع سوى ضربات متباعدة تزيد وتيرتها مع تصاعد أداء الراقص لتصل إلى حالة من التكاثف الهستيريّة في نهاية العرض.
معرض تصوير فوتوغرافي
في معرض "عبد العزيز دخان" وهو مصوّر ضوئي مقيم في بروكسل، نرى عدّة مجموعات من الصور ذات المواضيع المختلفة. مجموعة من هذه الصور تُظهر "وفا مصطفى"، الناشطة في الدفاع عن المغيبين قسريًا في سجون النظام السوري، والتي تحوّلت إلى واحدة من أبرز الوجوه السوريّة في ذلك الإطار. نرى "وفا" في حالات مختلفة أثناء مظاهرة في برلين، ونرى علم الثورة.
مجموعة أخرى من الصور توّثق للحروق الناتجة عن تعذيب أحد الشباب السوريين، هو "عبد الرحمن الجاسم"، طبّاخ سوري تعرّض للحرق على أيدي عناصر النظام في أواخر العام 2011، وعانى، وما يزال، بسبب ذلك الفعل الشنيع.
مجموعة أخرى من الصور ذات الأسلوب الرمزي أظهرت معتقلًا يجلس على كرسي معصوب العينين وموثوق اليدين، وخلفه على الجدار مجموعات العد البدائيّة، التي يستعملها المنقطعون عن العالم في حساب أيامهم.
في الاستراحة التي تخلّلت الأداء الراقص، تحدثت إلى "وفا مصطفى" المدعوة إلى نقاش الأمسيّة من برلين. كاشفت وفا بحالة الإحباط التي أشعر بها، وبفقداني للأمل في كلّ هذه النشاطات. عبّرت لي، وهي التي تزور بروكسل لأول مرة، عن حالة الشك والريبة من الطريقة التي تدار بها الأمور في ملف حقوق الإنسان السوري. أخبرتني كيف أنّ أحد ممثلي الصليب الأحمر، طلب من عائلات المعتقلين الاستمرار في العمل على هذا الملف لعشرة أو عشرين أو حتى ثلاثين عامًا قادمة. هذا التعبير كان مرعبًا بالنسبة لـ"وفا" لأنّه صادر عن ممثل لمنظمة دوليّة عريقة مثل الصليب الأحمر، ثم استطردت لتخبرني كيف أنّ المؤتمرات الدوليّة تدعو عائلات المعتقلين إلى الفعاليّات فقط كديكور، وذلك من أجل خلق حالة من التعاطف الإنساني حول المؤتمر أو الاجتماع، حتى أنّهم قد طلبوا في مرّات عديدة أن يقوم المتحدثون عن ملفات حقوق الإنسان بالتركيز على الجوانب الإنسانيّة وتجاهل الخلفيّات السياسيّة. طلبوا من وفا عدم التطرق إلى الخلفيّات السياسيّة لاعتقال والدها علي مصطفى، وقد رفضت ذلك.
حوار حول العدالة الانتقالية
دُعي إلى هذا الحوار كلّ من الناشطة والصحافيّة والناجيّة من الاعتقال وفا مصطفى، والناشطة النسويّة والناشطة في مجال العدالة الاجتماعيّة، سلمى كحالة، و الناجٍي من الاعتقال، عبد الرحمن الجاسم، وقد أدار النقاش المصوّر الفوتوغرافي السوري المقيم في بروكسل، عبد العزيز دخان.
بدأ الحوار بطلب عبد العزيز من الحاضرين على المنصة بالتعريف عن أنفسهم/ن. بدأت سلمى كحالة بحكاية مغادرتها سوريا مع عائلتها نحو كندا، عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، لتعود إلى سوريا قبل الثورة بخبرة العمل مع المؤسسات التي تعنى بالشؤون النسويّة والاجتماعيّة. عملت في نفس المجال قبل الثورة، لتنتقل مع بداية المظاهرات إلى العمل مع الثورة والثوّار.
وفا مصطفى تحدثت عن قصتها الشخصيّة وما فعلته خلال السنوات الماضية. كانت مصطفى تدرس الصحافة في جامعة دمشق عندما بدأت الثورة السوريّة، وبسبب نشاطها لم تتمكن من متابعة دراستها. عبرت عن خصوصيّة عائلتها التي أتت من مصياف ذات الجبال الجميلة، لتكبر في مخيم اليرموك في العاصمة دمشق. وصفت عائلتها بالمنفتحة فكريًا، وعبرت عن خصوصيّة والدها ذو الرأي السياسي المخالف للسائد خارج المنزل. علي مصطفى، والد وفا، شارك في الحرب الأهليّة اللبنانيّة إلى جانب قوات منظمة التحرير الفلسطينيّة، وبالتحديد بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. عبرت وفا عن ارتباطها باسمها الذي كانت حريصة على أن تمايزه عن اسم "وفاء" الأكثر شيوعًا، لأنّها سُميت على اسم الوكالة الفلسطينية للأنباء (وفا). تحدثت عن تفاصيل اعتقالها خلال الثورة واعتقال والدها، ثمّ إطلاق سراحهما، لتذكر بعد ذلك حيثيات اختطاف والدها من منزلهم في مخيم اليرموك، وكيف غادرت إلى تركيا، ثمّ وصلت إلى أوروبا، كما حكت عن جانب من نشاطاتها التي قامت بها خلال تلك الأعوام التي وصفتها بالمظلمة.
أمّا عبد الرحمن الجاسم فقد سرد على الحاضرين قصته المرعبة، والتي كانت نتيجتها حروق بالغة الخطورة كادت تودي بحياته. القصة بدأت عندما أُوقف عبد الرحمن على أحد الحواجز في شارع بغداد في العاصمة دمشق في أواخر العام 2011 ، اقتيد بعدها مع شاب آخر إلى بناء مهجور في ضواحي دمشق، حيث تمّ تعذيبهم هناك بإذابة أنابيب الصرف الصحي البلاستيكيّة على أجسادهم، ثمّ تركهم هناك ليحترقوا ويموتوا. لكنهم لم يموتوا. خرجوا مشتعلين يطلبون من الناس في الشارع المساعدة. عبد الرحمن قفز في بركة ماء خلفتها الأمطار المتساقطة، لينقلهم سائق شاحنة صغيرة إلى مشفى الهلال الأحمر، الذي رفض استقبالهم، لتنقلهم سيارة إسعاف إلى مشفى المواساة. بحسب الأطباء، عبد الرحمن كان يجب أن يموت، لكنه لم يفعل، نجحت إحدى السيدات بتقديم العلاج للحالة الميؤوس منها ليخرج عبد الرحمن ناجيًا من سوريا بعد ذلك بقرابة العام.
علّق عبد العزيز دخان على قصة عبد الرحمن بعد التصفيق الحار من الجمهور شارحًا أن ما ذكره عبد الرحمن ليس بقصة جميلة، لكنها الواقع. إنّ مشاركة هذه القصص لأمر شديد الأهميّة، فإذا امتنعنا عن مشاركتها مع الآخرين، فذلك قد يسمح بحدوث ذلك مجددًا.
سلمى كحالة شرحت كيف أنّ التركيز في مسألة العدالة الانتقاليّة غالبًا ما تتوجه بالدرجة الأولى إلى المحاكمات والإجراءات القانونيّة في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان. إنّه أمر جيد أن نرى الإجراءات والملاحقات التي تمّت في بعض الدول كألمانيا ضدّ بعض عناصر النظام الذين شاركوا في انتهاكات لحقوق الإنسان، وبدء محاكمتهم فعليًا، لكن ذلك للأسف فعل غير كافٍ، أمام حجم المعاناة و الانتهاكات. العدالة يجب أن تتطلع إلى الأبعد، إلى الآليات التي يمكن بها دعم ضحايا تلك الانتهاكات والناجين منها، ودعمهم عن طريق نشر قصصهم لتصبح جزءًا من سرديّة ما حصل. حق أهالي المغيبين قسريًا أن يعرفوا مصير مفقوديهم، وقبل كلّ ذلك يجب أن يتم الاعتراف بشكل واضح بالأذى الذي وقع بحقهم، وأن نكون واعين لتأثيرات تلك الانتهاكات على الضحايا والناجين منها، نفسيًا وجسديًا واقتصاديًا وسياسيًا. كلّ ذلك يجب أن يُدّرس ويحلّل. العدالة غير متاحة في سوريا حاليًا، لكن حول العالم هناك بعض المجموعات الصغيرة التي تعمل في إطار الدعم ونشر القصص. عانى الشباب والشابات من الكثير من الأذى في هذا الإطار. الكثير منهم لم يستطيعوا إتمام دراستهم، ولم يتمكنوا من بناء حيواتهم، يجب الاستماع إليهم ويجب أن يكونوا جزء من قوة تحقيق تلك العدالة في المستقبل.
تحدثت وفا عن إيمانها الشخصي بالناس، وليس بالسياسيين. الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لم يفعلوا شيئًا لإيقاف المجزرة في سوريا، وهل فعلوا ذلك في أماكن أخرى؟ بالطبع لا. المجتمع الدولي يتعاطى مع القضايا الإنسانيّة بطريقة المصالح السياسيّة. عندما شاركت قصتي في الإحاطة التي قدمتها أمام الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، قلت لنفسي بأنه لا يجب عليّ القفز بتوقعاتي بعيدًا. لكني وبعد مشاركتي لقصتي هناك، شعرت بحالة عميقة من الأمل بهذا العالم، لكن ذلك الأمل عاد ليتبخر في داخلي مجدّدًا. ضجّ الإعلام العالمي بخبر بداية المحاكمات في ألمانيا ضدّ أحد ضباط النظام السوري. بدؤوا بقول أشياء مثل "رحلة العدالة من أجل السوريين قد بدأت" أو "العدالة لسوريا" وغيرها من العناوين الفارغة التي كُتبت فقط للاستهلاك الإعلامي. ألمانيا التي كانت متصدرة لذلك الفعل الأخلاقي والإنساني، تتباحث اليوم في الأوضاع الأمنيّة في سوريا، وقد توصلوا إلى استنتاج أنّ سوريا دولة آمنة، وكلّ ذلك لإعادة اللاجئين إلى سوريا. كان ذلك جنونيًا بالنسبة لنا نحن اللاجئين، طبعًا ذلك القرار بإرجاع اللاجئين إلى سوريا قد أوقف، لكنهم سوف يعودون مجددًا إليه، أنا متأكدة من ذلك. بعد كلّ تلك السنوات، فإنّني لا أرى سوى تصريحات فارغة دون أفعال، وأعتقد أنه ليس في مصلحتهم (أيّ المجتمع الدولي) تغيير أيّ وضع قائم في تلك المنطقة.
عبد العزيز دخان شرح كيف أنّه تتبع الإعلام المحلي الأوروبي، وخاصة في بلجيكا، بعد نشر صحيفة الغارديان للفيديو الخاص بالمجزرة التي ارتُكبت في حيّ التضامن الدمشقي، والذي يُظهر إعدام أكثر من أربعين مدنيًا دُفن بعضهم أحياء في مقبرة جماعيّة. ولم يعثر على أيّ خبر عن ذلك. وبعد كلّ تلك الانتهاكات، من غير المسموح لنا أن نتحدث. لن يعطوك المساحة لقول ما تريد، يجب أن تحارب من أجل الحصول على صوت.
عبد الرحمن كان من الأشخاص الذين سُجلت قصتهم عبر التصوير الفوتوغرافي. جزء من الصور التي كانت في المعرض هي لشاب جسمه مغطى بالحروق، ذلك عبد الرحمن. حين قال عبد العزيز ذلك التفت نحو عبد الرحمن وسأله، ما الأثر الذي تركته عليك تلك الحادثة وتلك التجربة بعد أحد عشر عامًا؟ أجاب عبد الرحمن أنّ العائلة كانت مرهونة بالكامل لوضعه السيء، ولاختفاء أخيه عبد الله. هناك لحظة لم أنسها أبدًا، عندما نشر ملف الصور الخاص بضحايا التعذيب في القضية المعروفة باسم "قيصر"، كانت العائلة تبحث بين صور الضحايا عن وجه أخي عبد الله. للعائلة مجموعة على الواتس اب، كنّا نتبادل الصور للسؤال هل هذا عبد الله؟ لقد مُتْ عدّة مرات. صحيح أنّني لم أعثر على أخي بين الموتى، لكني كنت أعرف أنّ تلك الصورة هي لشقيق أحد ما. لا اتذكر أنّي فكرت بنفسي وبما حدث لي بدون التفكير بأخي عبد الله.
عندما فُتح المجال لأسئلة الجمهور، الذي كان متنوعًا على الصعيدين العمري والثقافي، عبروا عن دعمهم وتعاطفهم وطرحوا بعض التساؤلات، لكن لفت نظري سؤال قادم من شابة بلجيكيّة في العشرين من العمر، والتي تابعت الحوار بشكل كامل. "ما الذي تريدونه من المجتمع الدولي؟ ما هو المطلوب منا؟". كان هذا السؤال بالنسبة ل، وبالطريقة التي طُرح بها كاشفًا عن موقع تلك القضيّة أمام فهم "العالم الأبيض" لمعاناة الشعب السوري. كان الجواب الذي جاء من أكثر من مصدر بما فيهم أنا، أنّ العالم الغربي المتحضر شريك في تعميق مأساة السوريين، لا بل هو شريك في الإبقاء على قدرة ماكينة النظام القاتلة على العمل.
انتهى الحوار بأمنيات صادقة بانتهاء تلك المعاناة، وتأكيد على الحاجة لإبقاء الباب مفتوحاً للحوار، ومشاركة القصص ليعرف العالم بالذي حدث.
في النهاية، وجدتُني محقًا، لكنّني أيضًا وجدتُ أنّهم مُحقين في الإصرار على خلق التراكم لتلك السرديّة التي نسعى إلى جعلها السرديّة الأقرب إلى الواقعيّة والموضوعيّة. خرجت من الأمسيّة متأملًا تلك السرديّة لأجدني أستحضر صورتين تعبران عن ما آلت إليه القضيّة السوريّة وسرديّة ضحاياها من وجهة نظري: الأولى هي صورة المجزرة التي وقعت في التضامن، والثانية هي صورة أهالي المعتقلين الذين كانوا بالآلاف ينتظرون تحت جسر الرئيس في مركز العاصمة دمشق على أمل إيجاد من يحبون بين المطلق سراحهم من سجون النظام السوري خلال عطلة عيد الفطر السابق. كانت منذ البداية سرديّة بصريّة، وما تزال كذلك.