دمشق 1986 وما بعده...
ستارة حديديّة على الحريّات والثقافة، وأيّ شكل من أشكال التعبير الفردي. هنالك افتراض مطلق أنّنا جميعًا سوريون بنفس الطريقة، جميعنا مغايرون، وجميعنا ممتثلون، ليس فقط للدور الاجتماعي المثالي المخصّص لنا، بل أيضًا لحزبنا المثالي ورئيسنا المثالي الذي فرض علينا أن نعتز به. كان هناك شعور سائد بأنّني إنْ لم أفعل، فربّما لستُ جزءًا من هذا المجتمع، ربّما لست سوريًا/سوريّة بما فيه الكفاية.
في ظلّ هذه البيئة، ازدهرت أشكال أخرى من الاستبداد، نجدها في الأسرة أو المدرسة أو الجامعة أو في الشارع، تفترض أنّنا جميعًا مررنا بنفس تجربة النوع الاجتماعي، أو استمعنا إلى نفس الموسيقى، أو قرأنا نفس الكتب أو آمنا بنفس الإله. أيّ انحراف سيؤدي إلى طردك من المجتمع ولن تعود جزءًا منه.
تحت وطأة كلّ ذلك، نتج نوع غريب من الثقافة المثاليّة، الممتثلة، المحافظة، والتي تؤكد كلّ هذه الافتراضات مثل آلة دعاية لا تتوقف، ولكي تكون الحياة ممكنة في ظلّ ذلك، كان عليّ إنشاء ثقافتي الفرعيّة، وإنشاء الرموز الخاصة بي لأتماهى معها، كان عليّ خلق مساحات للتفكير والحب والالتفاف على القواعد، وفي النهاية للاحتجاج، ومن ثمّ القيام بكلّ ذلك دفعة واحدة.
العديد من الثورات الفرديّة الصغيرة وصلت في النهاية إلى معركة أخيرة في تلك الجغرافيا بين من نحن، ومن يفترض بنا أن نكون اجتماعيًا وسياسيًا وأيديولوجيًا.
كانت تلك لحظة الثورة ضدّ ديكتاتوريّة التي أعطت مساحة لكلّ هذا الاستبداد، في هذه اللحظة أدركنا أنّنا مختلفون، ولوقت قصير، تمكنّا حتى من الاحتفال بهذا الاختلاف والدفاع عنه.
سواءً انتصرت في هذه المعركة/ الفكرة أم لا، سيظلّ سؤالًا مطروحًا ما حييت، لكن يبقى اعتقادي أنّ الطغاة فقط هم من يفترضون أنّ الجميع على صورة واحدة، وأنّ الدفاع عن اختلافنا سيبقى أحد الوسائل لمحاربة هذا الطغيان، أيًّا كان شكله.