حركة ١٠ آب: كلّ يوم من أيامنا السورية هو يوم نضال جديد


15 آذار 2024

خلدون أمين

باحث سوري متخصص في الاقتصاد السياسي، وله عدد من الأبحاث في الاقتصاد السوري.

سيتوقف، بلا شك، المتأمل في السنوات الثلاثة عشر التي مرّت منذ انطلاق الثورة السورية (آذار ٢٠١١) وحتى الآن، عند لحظات كثيرة مفصلية وحاسمة، كما سيتوقف عند إخفاقات كثيرة وفرص أكثر لم تُستثمر كما يجب خلال هذا المسار الطويل، ولا يزال، نحو الحريّة والدولة الديموقراطية التي ينشدها السوريون/ات. ولعلّ أحد أكثر الإخفاقات التي يكاد "يُجمع" عليها السوريون هو الفشل السياسي، أو الفشل في الجانب السياسي. ففي الوقت الذي كانت أحد أبرز مطالب ثورة عام ٢٠١١ استعادة السياسة التي صادرها الاستبداد على مدى عقود طويلة وعودة الأحزاب إلى المجتمع السوري، نكاد نجد الساحة السورية اليوم شبه فارغة من التمثيل السياسي، رغم أن هناك من "يمثّل" السوريين/ات في المنابر الدولية، إلا أنه يكاد يكون تمثيلاً فاقداً للشرعية وسط عزوف مجتمعي كبير له أسبابه الكثيرة. وحين نقول إنّ الساحة ليست فارغة تماماً، نعني أنّه، خلال السنوات السابقة، جرت محاولات كثيرة لاستعادة السياسة، إذ تشكلت أحزاب وحركات وهيئات كثيرة، خاصة في الأعوام الأولى، لكن ما لبثت أن ركنت، أو ركنها السوريون/ات، إلى النسيان لأسباب كثيرة ليست موضع نقاشنا الآن، ثم جاءت (بعد السنوات الأولى) مرحلة ما يمكن أن نطلق عليه ترذيل السياسة لصالح الثورة (أو الثوروية ربّما)، قبل أن يعود وينتبه السوريون/ات (ولهذا أسبابه الكثيرة أيضاً) إلى فداحة هذا الغياب، فتشكّلت أحزاب وحركات جديدة محاولة استعادة السياسة، ومحاولة ردم الفراغ السوري الشاسع سياسياً، ومحاولة ملأه ما أمكن لاستعادة السياسة وإعادتها إلى المجتمع السوري، سعياً للوصول إلى دولة الحرية التي ينشدون. وعليه، واحتفاءً بالذكرى الثالثة عشر للثورة السورية، ارتأينا في سوريا ما انحكت، أن يكون ملفنا لهذا العام عن بعض هذه الأحزاب والحركات السياسية الجديدة، في محاولة لاستكشاف المشهد السياسي السوري الحديث ومساءلته في الوقت ذاته.

وعليه، سيكون حوارنا الأول مع حركة ١٠ آب، لنتعرّف عليها وعلى رؤيتها وأهدافها ونشاطاتها.

من السويداء إلى غزة... انتفاضة واحدة

20 تشرين الثاني 2023
"تموضع الانتفاضة في السويداء إلى جانب غزّة، هو إعادة السوريين إلى موقعهم الطبيعي في تأييد القضايا العادلة عالمياً، وعلى رأسها غزة وفلسطين، وهي بذلك ترفض بعض التكتيكات السخيفة لبعض الساسة...

ظهر أوّل بيان لكم في الخامس من آب عام ٢٠٢٣، وسميتم الحركة بـ ١٠ آب. هل من دلالة لهذا التوقيت؟ ما الذي يعنيه اسم الحركة وشعارها؟

مع أنّ اللحظة التي قرّر فيها شابات وشباب حركة ١٠ آب البدء بالتحرّك هي لحظة سورية صرفة، نتيجة تراكم عوامل الغضب والإحباط والقهر واليأس داخل المجتمع السوري، وبشكل خاص داخل أوساط الشباب الذين عايشوا مجريات ثورة ٢٠١١ وقد كانوا أطفالاً في حينها. إلا أنّ اختيار توقيت بدْء التحرّك واسم الحركة مرتبط بذكرى الانتفاضة الفرنسية الثانية في العام ١٧٩٢ عندما تمّ إعلان سقوط النظام الملكي الدستوري وإعلان تأسيس الجمهورية الفرنسية الأولى، الأمر الذي نجده ملهماً ويعبّر عن طموحات الحركة في الانتقال نحو نظام ديمقراطي.

أمّا فيما يخص شعار الحركة فقد تمّ اختيار القبضة داخل الخريطة السورية، نظراً لارتباط القبضة بإرادة الشعب ووحدته وبالنضال السلمي اللاعنفي، وهذا الشعار (أي القبضة) تمّ اعتماده من قبل العديد من الحركات الثورية المعاصرة التي تتبنّى اللاعنف كموقف سياسي وكأسلوب كفاح، وليس كموقفٍ أخلاقي أو ديني.

منذ اندلاع الثورة في عام ٢٠١١، لم تنجح أيّة قوة سياسية معارضة أن تكسب ثقة الشعب السوري، أو ادّعاء تمثيله، أو حتى أن يكون لها وزن في الشارع السوري وقادر على قيادة حركة الجماهير. برأيكم ما هو سبب هذا الفشل؟ ما هو جديد حركة ١٠ آب الذي تقدّمه للسوريين لكسب ثقتهم والتجاوب مع دعوتكم؟

لقد حصلت العديد من التشكيلات السياسية التي أفرزتها ثورة العام 2011 على ثقة الشعب السوري في حينه، إلّا أنّنا نعتقد أنّ هذه التشكيلات قد خذلت الشعب السوري بأكثر من طريقة، وفي العديد من المناسبات. ونعتقد أنّ مرّد ذلك يعود إلى تاريخ التصحّر السياسي الذي فرضه النظام السوري على المجتمع، بالإضافة إلى النزعة الفردية والأنانية التي ميّزت أداء هذه التجمّعات، والتي ظهرت من خلال تبني خطاب لا يسعى إلى نقل نبض الشارع السوري إلى مستوى الخطاب السياسي العقلاني والمعقول، بل وأنّها قد تبنت مقولات حالمة وغير قابلة للتطبيق، وبدلاً من أن تشكل هذه الأجسام شكلاً من أشكال العقلنة للحراك، فإنّها انجرفت مع الشارع نحو خيارات لم تكن موفقة في حينها ودفع الشعب السوري الكثير من الأثمان نتيجة ذلك.

إنّ جديد حركة ١٠ آب هو أنّها تنطلق من هموم الشارع السوري اليومية (الأمر الذي ظهر منذ البيان الأول للحركة) ولا تحاول استرضاء أيّ طرف خارجي على حساب حقوق الشعب، ولكنها بذات الوقت تتبنّى نهجاً واقعياً وتحاول الارتقاء بخطابها إلى المستوى السياسي المنتج والفعّال واقتراح آليات نضال سلمي قابلة للتطبيق والتصعيد بذات الوقت، ونؤكد على ضرورة امتلاك الإنسان السوري أدوات الاحتجاج والتعبير عن همومه ومشاكله والوصول إلى القناعة بضرورة العمل المنظّم الذي يعتمد التراكم والنفس الطويل دون أوهام الانتصار السريع الذي ميّز ثورة العام ٢٠١١.

تنقسم سوريا اليوم لمناطق سيطرة ونفوذ متعدّدة، فلماذا وجهتم وحصرتم مطالبكم بالسلطة في دمشق فقط؟ وهل لديكم مناصرين وأعضاء في تلك المناطق؟

من حيث المبدأ تُوّجه الحركة خطابها وفعاليتها على كامل التراب السوري، وإذا أجريتم مراجعة لمنشورات الحركة على منصة "فيسبوك" تستطيعون أن تلاحظوا حضور الحركة من القامشلي والرقة وصولاً إلى درعا والسويداء. ونحن في الحركة نرى أنّه لا خلاص للشعب السوري سوى بكنس جميع سلطات الأمر الواقع وإقامة دولة ديمقراطية تعتمد معيار المواطنة المتساوية.

أما عن سبب توجيه خطابنا للسلطة في دمشق، يعود ذلك إلى أنّ هذه السلطة تتحمّل مسؤولية المشهد السوري الحالي المتشظّي والمؤسف، ورغم تعدّد السلطات إلا أنّها السلطة الوحيدة التي لا تزال تحتكر مسألة تمثيل الشعب السوري على المستوى الدولي.

في منشور على صفحتكم على فيسبوك بتاريخ ٢٣ آب ٢٠٢٣، وبالتزامن مع الدعوات التي خرجت للتظاهر في يوم الجمعة الموافق ليوم ٢٤ من الشهر نفسه، دعوتم إلى عدم الخروج في تظاهرات، ورفضتم فكرة الدعوة للتظاهر في يوم الجمعة.   بماذا تبرّرون دعوتكم هذه؟ وما هي أشكال النضال اللاعنفي التي تدعون إليها كبديل عن التظاهر؟

كما هو مبيّن في البيان المتعلّق بهذه النقطة، ترى الحركة بأنّ بعض جهات المعارضة التقليدية ترفض الاستفادة من تجارِب السنوات السابقة وتحاول مرّة أخرى جرّ الشعب السوري إلى مقتلة جديدة، ومحاولة ركوب الغضب الشعبي الذي يختمر في صدور السوريين. ونحن في الحركة بيّنا بأنّنا نعتبر كلّ يوم من أيامنا السورية هو يوم نضال جديد، وأنّ التظاهر هو أحد أشكال الاحتجاج السلمي الذي نحاول أن نصل إليه ولكننا نرى بأنّ شروط نجاحه كأداة ثورية لم تنضج بعد، فهي بحاجة إلى الكثير من التحضير والتروّي في المناطق الواقعة تحت سلطة دمشق. كما أنّ حصر عملية التظاهر في أيام الجمع سمح للنظام بأن يحشد إمكانياته الأمنية والعسكرية لمواجهة هذه التظاهرات، بالإضافة إلى أنّ هذا الخيار لعبَ دورًا في الاستقطاب المجتمعي الذي نحاول تجاوزه.

أما بخصوص البدائل التي نقترحها في الوقت الحالي، فهي عبارة عن حملات تهدف إلى منح السوريين المساحة المناسبة للتعبير عن الرأي وضرورة التنظيم والتحشيد الهادف وتحويل طاقة الغضب إلى فعلٍ ثوري فعّال يتمثل في التظاهر والعصيان المدني الشامل عندما تصبح الشروط مناسبة، والتي نعتقد بأنّها ليست بعيدة أبداً.

سوريون في غزة: نازحون، قتلى، مفقودون تحت الأنقاض

13 آذار 2024
"في سوريا كان الدكتاتور يريد قتل من يعارض صوت الحق، وفي غزّة يريد الإسرائيلي قتل صوت الحق الفلسطيني. نجوت بروحي وبابني محمود الذي بقي يتحدّث باللهجة السورية حتى موته في...

ما رأيكم بدور مشايخ العقل، والفصائل والميلشيات المحلية في الاحتجاجات الجارية اليوم في السويداء؟

بخصوص دور رجال الدين، فحن نتبنى مبدأ فصل الدين عن الدولة، بل وحتى عن السياسة، ولكننا نرى أيضًا، أنّه من الممكن في ظلّ غياب التنظيم السياسي للمجتمع أن يعبّر رجل الدين عن رغبات الشعب ويكون ناطقاً باسم الناس، ولكن لا يجب أن يكون قائداً لهم أو موّجهاً لحراكهم. رأينا في خطاب الشيخ حكمت الهجري نموذجاً رائعاً لذلك، فخطابه وطني جامع، فهو لا يتحدث بلسان طائفة الموّحدين الدروز فقط، بل بلسان كلّ أبناء الشعب السوري، وبذات الوقت يدرك سماحته حدود الدور الوظيفي الذي يجب أن يلعبه.
أمّا فيما يخص الفصائل، فنحن نتفهم الظروف التاريخية التي أدّت إلى نشوئها نتيجة تلاعب النظام بأمن سكان المنطقة وإحساس أهالي السويداء بضرورة وجود تشكيل مسلّح يساهم في حمايتهم، إلّا أنّنا نأمل بأن يبقى هذا السلاح بعيداً عن ساحات التظاهر، وأن لا يتبنى أيّة أجندة سياسية.

 ما هو موقفكم من قوى الأمر الواقع، وهل نرى في أحدها نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه الدولة السورية مستقبلاً؟

إنّ الحركة تقف على مسافة واحدة من كلّ سلطات الأمر الواقع في سوريا، وترى بأنّها محصلة سنوات الحرب السابقة، ومن هذا المنظور فإنّنا لا نرى في أيٍ منها نموذجاً يمكن تبنيه لسوريا المستقبل التي نطمح لها، وفي النهاية سيقرّر السوريون شكلَ الدولة التي تناسبهم بطريقة ديمقراطية عندما تكون الظروف مناسبة، مع ضمان بقاء الديمقراطية كأسلوب حكم ومبدأ تداول السلطة مصانين.

كيف ترون مسار الاحتجاجات في السويداء بعد مقتل المتظاهر جواد الباروكي على يد قوات الأمن في شهر شباط الفائت؟

إنّنا في الحركة نأسف لسقوط أيّة قطرة دماء، ومن هذا المنظور فإنّنا نبذل جميع الجهود الممكنة من أجل الحفاظ على سلمية الحراك في السويداء، إدراكاً من قبلنا بأنّ العنف هو الساحة المفضلة التي سعى ويسعى النظام إلى جرّ جميع السوريين إليها، وعلى الرغم من مرارة هذا الحدث المؤسف إلا أنّه يعبّر عن مدى استفادة حراك السويداء من تجارب السنوات السابقة ورفضهم الانجرار إلى العنف وإصرارهم على سلمية الحراك.

مع حلول الذكرى الثالثة عشر من انطلاق الثورة السورية. ماذا تعني لكم هذه اللحظة؟

دون أدنى شك تمثل ثورة ٢٠١١ لحظة تجسيد لإرادة الحياة بالنسبة لنا نحن السوريين، ومع أنّ كافة الشروط الموضوعية لقيام ثورة في سوريا كانت قائمة ما قبل العام ٢٠١١، إلا أنّنا نستطيع القول بأنّ العامل المباشر لهذه الثورة جاء من سياق غير المتوّقع أو غير المفكّر فيه.

نتيجة لهذه الثورة اكتشفنا نحن السوريين مدى جهلنا لبعضنا البعض، إذ فوجئنا جميعا بوجودنا معاً في الفضاء العام وعدم قدرتنا على امتلاك الأدوات الضرورية لنتواصل بشكل فعّال ومنظّم. لقد اكتشفنا إلى أيّ درجة من الدرجات كان مجتمعنا يعاني من التفكّك والتشظّي على مستوى التنظيم المجتمعي والسياسي وإلى أي درجة كانت هُوياتنا السورية مسحوقة وممسوحة تحت طبقة من القمع والقهر والجهل.

اليوم تراكمت العوامل التي يجب أن تؤكد لجميع السوريين ضرورة الانتقال السياسي نحو نظام يضمن التداول السلمي للسلطة والديمقراطية. وتؤكد لنا هذه السنوات الثلاثة عشر، وبعد مجمل الخسائر الفادحة التي مُنينا بها، بأنّ هناك ضرورة ملحة على أن يدرك المجتمع ضرورة العمل المنظّم والحثيث وضرورة امتلاك أدوات الاحتجاج والتعبير عن الرأي. 

مقالات متعلقة

"التعبئة العامة".. قانون خارج عن القانون

29 تموز 2023
"إنها البراميل المتفجرة التي سمعنا عنها، نقلتها بشاحنتي في طريق العودة... لست شريكاً في تلك الجريمة، أجبرت على ذلك، ولم يكن لديّ فرصة للرفض"، هذا ما يقوله سعيد، وهو أحد...
حيتان الحرب والسلم يتحكمون بالضوء

28 آذار 2023
في شهر نيسان من عام 2022، صدر قرار عن محافظ مدينة اللاذقية، عامر هلال، يقضي بمنع تركيب المولدات بقصد بيع الكهرباء، والتي يطلق عليها الأهالي اسم "اﻷمبيرات"، الملفت أنّ التعميم...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد