وجدت هديل (اسم مستعار، أم لثلاثة أطفال، مهجرة إلى مدينة الباب بعد أن أجبرت على ترك منزلها في مدينة معرة النعمان بريف مدينة إدلب بسبب الحرب) نفسها في مدينة أخرى دون معيل، لتكون هي المسؤولة الوحيدة عن أطفالها بعد اختفاء زوجها عام ٢٠١٦.
قررت هديل أن تتدرب على مهنة الخياطة قبل عامين، مؤمنة بأن هذه المهارة قد توفر لها فرصة لكسب العيش وتأمين متطلبات أسرتها، وبدأت بالعمل في المنزل، مستخدمة ما تعلمته خلال التدريب، محاولة بكل جهد أن توفر دخلًا يكفي لتلبية احتياجات عائلتها. لكن مع كل تقدّم تواجه هديل تحديات جديدة، تشمل نقص العملاء والطلب على منتجاتها، وصعوبة تسويقها في السوق المحلي، بالإضافة إلى ضغوط الحياة اليومية وتحمل مسؤولية تأمين معيشة أسرتها.
تشهد النساء في مناطق شمال سوريا، تحديات كبيرة في مجال التعليم المهني وفرص العمل ويعتبر التعليم المهني أداة حيوية لتمكين الأفراد اقتصادياً واجتماعياً، تقول هديل في هذا الصدد: " تدربت لمدة ثلاثة أشهر على الخياطة، لم أكن أعرف أي شيء سابقاً وبدأت من الصفر تعلمت الأساسيات وفي المنزل عمدت في البداية إلى تدوير الملابس المستعملة لجاراتي بشكل مجاني، واعتبرتها فترة تجريبية ريثما أكسب زبائن وأنمّي من مهاراتي على يدي دون أي أداة، بعد فترة اشتريتُ ماكينة للخياطة وحاولت أن أقوم بالترويج لعملي لكن لم يكن هنالك طلبات كبير، رغم ذلك حاولت عرض أعمالي على مواقع التواصل الاجتماعي لم يتحسن الأمر بشكل كبير بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة لكن الوصول لي كان أفضل."
تواجه العديد من النساء اللواتي يتعلمن المهن اليدوية، على الرغم من تعلمهن للمهارات والحرف، صعوبات في الوصول إلى فرص العمل والزبائن وتأمين المواد اللازمة. تحاول المنظمات غير الحكومية بعد تدريب النساء إنشاء معارض لأعمالهن وزيادة فرص التسويق لها.
مثلًا أقامت منظمة الرواد يوم الأربعاء ٢٤ نيسان في مدينة الباب معرضاً للمنتجات اليدوية، وذلك بعد تدريبهن لـ ١٣٠ سيدة على حرف مهنية تضمنت الخياطة، تصفيف الشعر، الصوف، لف الورق والإيتامين. تمّ تدريبهن لمدة ثلاثة أشهر على التوالي وذلك بإشراف مدربات ضمن برنامج التعافي المبكر.
عن ذلك قال مدير مركز منظمة الرواد عبد الجليل عثمان إنّه و"من خلال برنامج التعافي المبكر ضمن معهد التدريب المهني تم تدريب النساء على عدة تدريبات مهنية يدوية، تُمكّن هذه التدريبات السيدات من إقامة مشاريع صغيرة خاصة بهن وتضمن لهن دخلاً مناسباً وتحولهن إلى سيدات منتجات، بالإضافة إلى أنها تهدف لتمكين النساء وتحقيق التنمية المجتمعية.
تُعتبر هذه المراكز فرصة للنساء لتحسين مهاراتهن وزيادة فرص العمل لديهن، بالإضافة إلى ذلك تُعتبر أيضاً منصة لتوجيه النساء وتقديم الدعم اللازم لهن لبدء مشاريعهن الصغيرة أو للانخراط في سوق العمل.
كانت رولا واحدة من إحدى المتدربات في منظمة الرواد التي خضعت لدورة تدريبية لمهنة تصفيف الشعر (الكوافيرة) واستمرت لمدة ثلاثة أشهر، حيث أثبتت مهاراتها وعُرضت لها أعمال في المعرض مؤخراً.
رولا البالغة من العمر حوالي ثلاثين عاماً، متزوجة وزوجها قد تعرض لإصابة خلال الحرب، أسست عملها وبدأت تعمل في المنزل بمهنة تصفيف الشعر. تحكي لنا سبب بدايتها بهذا المشروع وتقول: "كنت بحاجة ماسة لهذه التدريبات حتى أعمل بعدها وأستطيع من خلالها تطوير ذاتي، تدربت من بداية الإمساك بالمشط حتى أصبحت قادرة على صنع تسريحات جميلة، والنتيجة كانت أنّي حققت هدفي وطموحي من خلال أن تأسيس عمل خاص بي.
"لابد من مواجهة الصعوبات في بداية العمل مثل نقص تأمين المواد اللازمة لبدء عملي، مثل أدوات الحلاقة والعناية بالشعر، وصعوبة إدارة وقتي بين العمل والعناية بأسرتي كان يضيف ضغطاً إضافياً." تقول رولا.
دور المرأة في عملية التعافي
تلعب المرأة في شمال غربي سوريا دوراً مهماً في عملية التعافي المبكر ومواجهة التحديات المتعلقة بالظروف الصعبة التي يواجهها المجتمع، حيث يعد دعم المرأة للأسرة والمشاركة في العمل من بين الحلول المهمة التي تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي لها. تشير دراسة أعدها الدفاع المدني السوري إلى أن حوالي ٢٩٪ من النساء في المنطقة يعملن. ومن بين النساء غير العاملات يعتبر ٦٪ منهن معيلات ومسؤولات عن تأمين الدخل لأسرهن، فيما تشكّل نسبة الأرامل حوالي ٣٨٪.
أسّست مجموعة من الطالبات الجامعيات، تحمل كل منهنّ موهوبة من رسم وتطريز، مشروعاً تحت اسم "cute gift"، لبيع منتجات يستفدن منه مجتمعياً واقتصادياً. كانت الفكرة تهدف إلى توفير منتجات مبتكرة وجديدة مثل الهدايا بأسعار مناسبة يُمكن الحصول عليها بسهولة من قبل كلّ أفراد المجتمع.
صالحة الطه (٢٢ سنة) عضوة في الفريق، وطالبة في السنة الرابعة في كلية الاقتصاد، تقول إنّ المشروع انطلق بـ"نفوس تتوق للنجاح والتميز، مليئة بالفن والشغف"، وتقول عن التحديات التي واجهنها في البدايات إنّه "كان يتوجب البدء في مشروعنا برأس مال لا يزيد عن مئة ليرة تركية لكل واحدة منا، ومع ذلك خضنا هذه التجربة بميزانية تكاد تكون معدومة، ولم نقف عند هذه العقبة".
تضيف: "على عكس المتوقع، فقد كانت نظرة المجتمع إيجابية ومحفزة للغاية، بدءاً من عوائلنا وأصدقائنا الذين كانوا خير مشجعين لنا وانتهاءً بعملائنا والوسط الإعلامي"، لكنها تؤكد إنّ الأمر لا يخلو من عقبات ومشكلات "يُمكن أن يمر بها أيّ مشروع".
"أصبحتُ امرأة ورجلاً في الوقت نفسه"
تعتمد الأرامل بشكل كبير على المساعدات الإنسانية ومساعدات الأقارب كمصدر للدخل، رغم رغبة العديد من النساء في العمل والمشاركة في دعم الأسرة، إلا أنهن يواجهن عوائق مثل قلة الفرص المتاحة، وصعوبة الموازنة بين العمل ورعاية الأسرة، وعدم توفر التعليم والخبرة اللازمة، وصعوبة الوصول إلى أماكن العمل.
تقول جنان (٤٣ سنة) إنّها "أصبحت امرأة ورجلًا في الوقت نفسه"، بعدما وجدت نفسها مسؤولة عن ثلاثة أطفال، بعد أن فُقد زوجها منذ ست سنوات في مدينة الباب. تقول إنّها لم تكن تعرف ما معنى العمل قبل أن تعصف هذه الأحداث بها وبعائلتها، ولم تكن تملك أي خبرة في أي مجال، لكنها وُضعت تحت الأمر الواقع، فالتحقت بدورة للتدريب المهني في المركز الشعبي للمدينة، وتعلمت مهنة التريكو (الصوف)، لتبدأ العمل من منزلها بعد ذلك.
بدأت جنان بتعلم الخياطة ومهنة التريكو وأُعجبت بها وتعلمتها، وبعد أن انتهت من مرحلة التدريب، بدأت العمل وسوقت لنفسها من خلال أصدقائها، وصارت تلقى رواجاً محلياً، لأنّ الكثير من السكان يعتمد على الخياطة أو أعمال الصوف كون أسعارها أرخص مقارنة بالكثير من المنتجات الجاهزة في الأسواق.
"كإمراة ما بتحمل شهادة ولا عندها أي خبرة بالحياة سوى ربة منزل، وصعوبة فقد المعيل وعدم القدرة على العمل كانت مقلقة جداً بالنسبة لي، حاولت العمل بالبداية ببيع المواد الغذائية لكن لم أنجح، حتى أخبرتني أحد النساء عن تلك التدريبات والتحقت بها بالرغم تخوفي من كيفية فعل ذلك، وعدم إيماني باستطاعتي في تعلم مهنة ما ومساعدة أطفالي". تقول جنان.