السويداء قبل ١٧ آب… كُنتُ هناك

سوريا بعيون مصرية


في فجرِ ذلك اليوم كنت قد تركت شريكي في عشِّ الزوجيّة في برلين، واتجهت وحدي إلى مسقط رأسه، حيث خرج منذ تسعة أعوام ولم يعد إلى سوريا، وتحديدًا إلى جنوبها٬ السويداء. عن هذه الرحلة، وعن أحوال سورية اليوم، تحدّثنا هذه المادة ضمن ملف "العودة إلى سوريا".

16 آب 2024

آسيا السلاب

كاتبة وصحفية مصرية

الطريق إلى سوريا... من برلين

كانتْ الساعة الخامسة عصرًا حين هرعتُ خلف سائق السيّارة السوري باتجاه مبنى حكومي من دورٍ واحد. كان قد سبقني إلى الداخل، محمّلًا بأوراق سفري الثبوتية، ولحقتُ به إلى الغرفةِ الشاسعة المستطيلة، حيث يقف الموظّف خلف الزجاج، مؤشّرًا إليّ بالتقدّم نحوه، ثم سألني بنرةِ من هو غير مكترث بالإجابة: "وإنتي شو بتشتغلي؟".

من بين الإجابةِ الطويلة المُعدّة مسبقًا تحت إشرافِ خبيرةِ أمنٍ وسلامةٍ دوليّة، والتي تمرّنتُ عليها على مدار الأربع وعشرين ساعة الماضية، طوال رحلتي من أوروبا باتجاه سوريا، كانت عبارة "أنا بدرس في الجامعة" كافيةً لتقنعَ الموظّف السوري بإعادة أوراقي وجواز سفري مع ختمِ دخول سوريا لأوّل مرّة في حياتي.

الهنا والهناك .. الراحلون والباقون

24 نيسان 2024
في ملفِ العودة إلى سوريا، وبعد أن نشرنا نصاً لكاتبٍ يقيمِ ويستقر في ألمانيا ويزور سوريا بين الحين والآخر، ثم مقالاً لباحثة إيطالية زارت البلاد، ننشر هذا النص لديالا المصري،...

عدتُ إلى الجلوس وحدي في سيارة خاصة، مالكها سائق سوري في الثلاثينات من عمره، تناوب على مهمةِ إدخالي إلى الأراضي السورية مع سائق لبناني كان قد اصطحبني من مطار بيروت بعد الثالثة عصرًا، حتى المنفذ الحدودي بين لبنان وسوريا، والمعروف باسم المصنع، حيث حصلت على ختم الخروج من لبنان بعد أقلِّ من ساعتين من ختم دخول لبنان لأوّل مرّة في حياتي أيضًا.

ولكن سلاسة إجراءات الدخول إلى سوريا عند موظّف الجوازات، مرورًا بعدم اكتراثِ أحد  لسؤالي عن سبب الزيارة على الجانب اللبناني من الحدود، وقبلها موظّف الجوازات في مطار بيروت، والذي اكتفى بسؤال "رايحه سوريا؟"، والذي أعادني بدوره لمراجعةِ موظّف غير موجود على مكتبه كي أشتري طابع الدخول إلى لبنان، ما جعلني أتساءل: هل أبدو لهم كبلوجرز أجنبيّة تصوّر مقطع فيديو متفقًا عليه من أجل ترويج السياحة في "سوريا الأمن والأمان"؟!

لم أكن لأغامرَ مثل البلوجرز الغربيين والخليجيين وأحصل على الفيزا عند الوصول إلى الحدود السورية. ومع جواز سفري الأخضر المصري، كنت أشكُّ أنّهم سيُصدرون لي تأشيرة دخول حتى لو قدّمت طلبًا إلى السفارة السورية في برلين. لهذا السبب، لم أخبر "مُضيفيّني المحتملين" في سوريا، بإيداع طلبي في السفارة، حتى علموا بذلك بعد استدعاء الأمن لهم للسؤال عن صلتي بهم. وبعدما تأكّد نظام الأسد أنّني لست خطرًا على الأمن القومي السوري، تركوا لي رسالة صوتية على رقمي الألماني تطلب مني الذهاب إلى مقرِّ السفارة للحصول على الفيزا.

كنتُ المصريُة الوحيدة التي تُزاحم عشرات السوريين والسوريّات على باب الدخول، ثمّ شاركتهم مقعدًا في غرفةِ الانتظار المُكتظة. جلستُ في أحد أركان الغرفة المستطيلة، أمضي ساعات الانتظار بتأمّلِ صورة بشار الأسد المعلّقة أمامي على الحائط. قَطَعَ مسابقةَ التحديق بيني وبين بشار صوتُ الموظّفة، وهي تنادي اسمي وبلدي للحصول على التأشيرة. وهنا، انفجرَ جميعُ المتواجدين في الضحك على "المجنونة" التي ستذهب برجليها إلى سوريا.

قَطَعَ مسابقةَ التحديق بيني وبين صورة بشار الأسد صوتُ الموظّفة، وهي تنادي اسمي وبلدي للحصول على التأشيرة. وهنا، انفجرَ جميعُ المتواجدين في الضحك على "المجنونة" التي ستذهب برجليها إلى سوريا.

كانت الساعة قُرابة السادسة مساءً عندما انطلق السائق السوري في طريقٍ جبليٍ على الأراضي السورية، بينما كنتُ في المقعد الخلفي أجلس منتبهةً، وفي حضني حقيبة نسائية، كبيرة وعدسية اللون، مُعزّزة بأوراقٍ ثبوتيّة، بعدّة لغات، وأنا مستعدّة لأُشهرها في وجه أيّ عنصر أمن يستوقف السيارة على الحواجز العسكريّة، مستغربًا "شو عم تعملي هون؟".

وفي خلفيّة السيارة جلستْ حقيبة السفر التي أعددتها بطريقةٍ استراتيجيّة، وفقًا لنصائح أصدقائي السوريين/ات، لتمويه محتوياتها (من دولاراتٍ وهدايا قيّمة، وصولًا إلى الأدوية والفيتامينات) عن أيادي العناصر الأمنية على الحواجز. "طلعي كلّ حاجة من العلب بتاعتها ووزعيها في الشنطة كلّها بين الملابس". بدوره كان السائق السوري يحمل جواز سفري استعدادًا للمرور بأوّل حاجز عسكري من أصل ثمانية عشر حاجزًا موزّعين على مسافة  مئة وثمانين كيلو متر!

وبعد اجتيازِ أوّل حاجزين أعاده إليّ، مؤكّدا أنّه لن يطلبه منّي مرّة أخرى، وأنّه يمكن أن أرتاح، حتى يُوصلني إلى وجهتي النهائية، وأنا التي لم تصدّق روايات أصدقائي السوريين/ات المغتربين/ات عن تجاربهم في النزول إلى سوريا تحت جناح سائقي ال VIP! حيث يمكن كيف لمئة دولار في صيف ٢٠٢٣، يتقاضاها السائق ويتقاسمها مع كلِّ حاجزٍ عسكريٍ يمرّ عليه، أن تجعل دخول مسافرة "غير سورية"، مثلي، إلى أراضي كانت ترزح حتى وقتٍ قريب تحت وطأة حربٍ ضروس، "غير مرئية"!

(صورة التقطت في طريق الخروج من سوريا عبر معبر المصنع)

لاحقًا، سأتعرّف على كيفيّة إدارةِ "عزبة أبوهم"، وأشهد بنفسي مشاهد حيّة تُوضّح ذلك، وأنا في طريق الخروج من سوريا. لكن حتى تلك اللحظة، عندما شغّل السائق مكيّف السيارة ليعزلني عن حرارةِ الطقس، كانت قد انهارت أنظمتي الدفاعيّة التي صمدت لمدّة ثمانية وأربعين ساعة بدون نوم، تأهبًا للسفر، ثم التنقّل بين مطاراتِ برلين واسطنبول وبيروت. غفوت في النوم لسويعاتٍ قليلة قبل أن أصل إلى وجهتي النهائيّة.

لماذا السويداء؟

في فجرِ ذلك اليوم كنت قد تركت شريكي في عشِّ الزوجيّة في برلين بعد أيّام قليلة من اجتياز سنه أولى زواج (دون طلاق)، واتجهت وحدي إلى مسقط رأسه، حيث خرج منذ تسعة أعوام ولم يعد إلى سوريا، وتحديدًا جنوبها٬ السويداء.

شباب السويداء والخدمة العسكرية

07 كانون الأول 2019
تختلف محافظة السويداء عن باقي المحافظات بأن معظم شبابها امتنعوا عن الالتحاق بالخدمة العسكرية واتخذوا موقفاً رافضاً لها خلال سنوات الحرب. إلا أن هذا فرض عليهم حصارا جسديا من جهة،...

مع مطلع عام ٢٠٢٣ بدأت تُراودني فكرة السفر إلى سوريا، مدفوعةً بأسبابٍ، يعزّز فيها الدافع الشخصي، الأخر المهني. حينها، كنتُ بدأت أفكّر في استئنافِ دراسة الدكتوراه في نطاقٍ جغرافي غير مصري، لا ينبش في تروماتي المهنيّة والشخصيّة. وكانت سوريا هي الخيار الذي أتجنّبه منذ ٢٠١٨، حين أجريت رسالة الماجستير مع عددٍ من الصحفيين السوريين المنفيين في ألمانيا. كنت أشعرُ بأنّي دخيلة وجاهلة بتاريخ وحاضر هذه البلد، فيما عدا نشرات الأخبار. فما جمعني بالسوريين/ات في ألمانيا، ما هي إلّا صدفة الانتقال من القاهرة إلى برلين، بعد عامين من ما يُعرف ب "أزمة اللاجئين" في أوروبا. ولكن الفضول الصحفي والتعاطف الإنساني هو الذي سيقودني في السنواتِ التالية، لرسمِ صورةٍ غير مكتملةٍ لسوريا عن طريق شهادات، بعضها جمعتها، وأغلبها قرأتها أو سمعتها وشاهدتها عن السوريين/ات من مناطق جغرافيّةٍ مختلفةٍ وطوائف دينيّة متنوّعة. كانت صور قاتمة في أغلبها، ما بين تعذيب واختفاء قسري وطبقاتٍ من الخوف تلفّ تلابيب المجتمع، ويلوّنها أحيانًا كثيرة الحنين لطيفٍ واسع الألوان من تفاصيل الحياة اليوميّة والعائلة والأصدقاء قبل الحرب.

صورةُ سوريا كنتُ أجمعها كقطعِ البازل المتناثرة على لسان معارفي من السوريين والسوريّات، حتى عشتُ في بيتٍ واحد مع شريكٍ سوري من الأقليّة الدرزيّة٬ خرج من سوريا دون أهله  في 2014. عرفتُ المنفى من كوابيسه التي تُوقظه باكيًا في منتصف الليل، مرتعبًا من أنّه لن يرى أمّه مرّة أخرى. عرفتُ النستولوجيا في إصراره على تناول وجبات الطعام معًا بينما يشاهد مرارًا وتكرارًا مسلسلات سورية عن حياة أهل الجبل (الخربة) وأهل الساحل (ضيعة ضايعة)، فيما أحاول أن أفكّ شفرة لهجةٍ سوريّة ثقيلةٍ، تطلّبت من صانعي تلك الأعمال ترجمة بعضها إلى اللغة العربيّة!

اقتربَ لغزُ صورة سوريا من الاكتمال حين بدأتُ بدوري فصلاً من محوِّ أميّته السينمائية عن الأفلام المصريّة، فشاهدنا معًا تحفة دراما التعذيب في السجون السياسية، فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس". حينها قال لي: "هي دي سوريا اللي أنا اتولدت وعشت فيها، وكنت بهتف كلّ يوم في طابور الصباح بالمدرسة بحياة الأمين حافظ الأسد". ردّدت مستغربة: "هو أنتم ما عملتوش أبديت للسيستم من أيام جمال عبد الناصر؟!".

كما كنت أجمعُ قطعَ الأحجية لاستكمال صورة سوريا في ذهني كنت أفعل المثل لاستكمال صورة مجتمع الموحدين الدروز الذي تزوّجت شخص منه، وأريد تأسيس عائلة معه. فكان هذا الدافع هو الذي حسم تردّدي لخوض هذه الرحلة وحدي، كي أقابل عائلته. ولكن كما يتأرجّح معارفي السوريين/ات المنفيين في علاقتهم بسوريا، بين رغبةٍ في عدم النسيان والنسيان التام، كان كذلك موقف شريكي السوري من رغبتي في النزول إلى سوريا، والتعرّف على أهله، وعلى نشأته. كان معارضًا للفكرة "تروحي تعملي إيه في قطع الكهرباء والكلام طول الوقت عن المصاري والمازوت"، وأحيانًا يتراجع، مستذكرًا بيتهم في مدينة السويداء "رح تكيفي على الجبال والطبيعة".

(فنان الستاند كوميدي السوري والمقيم في هولندا عمار دبا وأحد متابعيه على فيسبوك يعبرون عن مشاعرهم المتضاربة تجاه العودة إلى سوريا)

 الوصول إلى السويداء

عندما غالبني النوم بعد عبورِ الحدود السورية باتجاه الشام، كانت شمسُ العصر لا تزال قويّة. وحين فتحت عيناي مرّة أخرى، كان اللونُ البنفسجي والأحمر يلفّ السماء السورية. سألتُ السائق "احنا وصلنا؟".

كنّا نقترب من مدخل السويداء كما أوضح لي، وهنا دبّت جرعة أدرينالين مرّة أخرى في جسدي. دقائق وسأقابلُ عائلةَ زوجي. فور دخولي المدنية من جهةِ الدوّار باتجاه الشارع الرئيسي، وجدتُ أشجارَ النخيل تصطفُ على الجانبين، بينما لامست جلدي نسمة هواء صيفيّة.  شعرتُ لوهلةٍ، وكأنّني في رحلتي السنويّة العائليّة، متجهةً إلى مصيف طفولتي المُتواضع، منذ بداية التسعينات وحتى سنوات قليلة مضت، في جمصه على البحر المتوسط، والذي علمت من أصدقائي السوريين أنّه يعادل مدينة طرطوس على الساحل السوري.

كنتُ أمام منزل العائلة بعد الثامنة مساء، وكانوا قد قضوا اليوم في ترّقب وانتظار، بينما أعبرُ المطارات والحدود والحواجز العسكريّة. كان في استقبالي، إلى جانب ترحيبهم وأحضانهم، كبّة ومعمول وقهوة مرّة، وأحاديث امتدّت حتى الساعة الثانية صباحًا، وبدأت بسؤال بسيط "كيف لقيتي ابننا؟".

يبدو أنّ جرعة الأدرينالين في دمي كانت مُعدية، إذ أيقظني في اليوم التالي أهل الدار الذي كنت ضيفة فيه، في الساعة السابعة صباحًا، كي أتناول القهوة معهم قبل أن يذهب أحدهما إلى عمله، وكان في انتظاري هذه المرّة فطور مكوّن من زيتون وزعتر وجبنة وباقي الكبّة. وعلى الفور، بدأ جدول أعمال اجتماعي، امتدّ حتى المساء، وتمثّل في استقبال الجيران والمعارف الذين جاؤوا يتعرّفوا على "كنتنا اللي جاية من المانيا"، ولكن بدا لي أنّ الجيران كان لديهم فضول للتعرّف على "كنتهم اللي جايه من مصر"، أو بالأحرى "اللي من غير طائفة".

(فطور في منزل في مدينة السويداء، أعدته العائلة للكنة المصرية)

وحتى صباح اليوم التالي، ولم أكن رأيت بعد من السويداء سوى مضافةِ البيت، بدأت جولة مكوكيّة في أسواق المدينة، ابتدأت بشراء خط تليفون سوري، تلا ذلك جولة على الأقدام في الأسواق، حيث ركبنا تكسي من المنزل باتجاه السوق، بتكلفةٍ أقلّ من نصف يورو، بما يُعادل خمسة آلاف ليرة سورية، وستصبح وسيلة تنقلي الرئيسية خلال إقامتي التي لم تتعدّ أيّام، ومع هذا كانت التسعيرة تتغيّر من سائق إلى آخر على مدار اليوم، مبرّرا ذلك بتفاوت "سعر المازوت"، بينما تهمس مُرافقتي في أذني "جشع الناس".

الرئيس الخالد ..احترق إلى الأبد

ترجلنا من التكسي باتجاه ساحة ميدان مُكتظّة، حيث تلتحمُ حركة المشاة مع حركةِ السيّارات، مع باعةِ الخضار والفاكهة المتجوّلين. التحمتُ معهم سيرًا على الأقدام في حركةٍ أفعوانية، مُستعيدةً مهارات اكتسبتها في أزقة مدينتي الصغيرة بدلتا النيل، ثم طوّرتها في شوارع القاهرة، حيث عملتُ ميدانيًا لعدّة سنوات. وحين عبرت مع مُرافِقتي إلى الجهة الأخرى من الميدان، تأمّلته للحظات، فبدا كلّ شيء مألوفًا لمصريّةٍ مثلي، بدءًا من ملامح الوجوه حتى المباني السكنية القديمة من طابقين أو ثلاثة على الأكثر والموديلات القديمه لعربات التكسي الصفراء، واستمر ذلك حتى رفعت رأسي لأتصفّح التمثال الشامخ في وسط الميدان لفارس يعتلي حصانه شاهرًا سيفه، وهو سلطان باشا الأطرش، لأفاجأ بصورةٍ مرسومة ملوّنة لحافظ الأسد معلّقة على مبنى مهجور بنوافذ مفتوحة على مصراعيها، ذات زجاج مهشّم، ومكتوب على المبنى٬ محافظة السويداء. سأعرف لاحقًا بعد رحيلي من سوريا أنّ ساحة مجاورة لساحة سلطان باشا، اسمها "السير" ستصبح " ساحة الكرامه"، معلنةً انضمام السويداء بشكلٍ رسمي للحراك السوري المنطلق منذ عام ٢٠١١. وبذلك كنت محظوظة لرؤية صورة "الرئيس الخالد: قبل أن تختفي ''للأبد''، حيث التهمتها نيران غضب المحتجين، كما فعلت مع صور خليفته ومقرّ حزب البعث في المحافظة.

(ساحة سلطان باشا الأطرش ومبنى المحافظة في مدينة السويداء)

 الشتات الدرزي وحلم العودة والاستقرار

أدرتُ ظهري للأسد يحرسُ الميدان، واتجهتُ مرورًا بسينما السرايا إلى تصريف الدولارات من السوق السوداء في وضح النهار. وصلنا بسهولةٍ إلى شخصٍ يجلسُ خلف طاولةِ مكتبٍ وسط مخزن للأجهزة الكهربائية والمنزلية. وبينما أجلس أمامه على كرسي، كان يأتي إليه أشخاص ليسألوا عن وصول الحوالات الأجنبية من كلّ أصقاع الأرض. وهذه الحوالات هي شريان الحياة خلال سنوات الحرب، وما بعدها. وأنا شخصيًا كنتُ أحمل مبالغ مالية مختلفة لإيصالها لأهل ومعارف أصدقائي السوريين/ات المغتربين/ات في ألمانيا. لكنّ سكان السويداء اعتادوا على هذه الحوالات منذ سنوات ما قبل الحرب، بسبب الهجرة المبكّرة، حتى غدا المجتمع هناك مجتمع مهاجرين إن صحّ التعبير. وكنتُ قد قرأت عن هذا الأمر في رواية "بلاد المنافي" للروائية السوريّة والطبيبة المقيمة في برلين، ابنة مدينة السويداء، نجاة عبد الصمد. تتحدّث الرواية عن أنّ الهجرة كانت خيار الأغلبيّة منذ ستينات القرن الماضي. شريكي الذي انتقل في عمر الثامنة عشر إلى دمشق للدراسة والعمل قبل منفاه في أوروبا، يعزو السبب إلى أنّ المحافظة الجبليّة كانت تعتمد على الزراعة كموردٍ أساسي من موارد الدخل، ومع تقدّم الصناعة والتكنولوجيا، لم يكن هناك اهتمام من قبل الدولة بإنشاء موارد ماديّة جديدة، تُغني شباب المحافظة عن الهجرة. لذلك، يُهاجر أغلب الشباب إلى خارج سوريا بحثًا عن العمل والدخل لإعالةِ أسرهم في المحافظة. هناك أيضًا أسباب تاريخيّة تعود إلى أيّام الاحتلال العثماني، حيث فضّل الدروز عدم التعرّض لأنواع مختلفة من القمع. كانت الدولة العثمانية في ذلك الوقت تطلب منهم المشاركة في حروبها في البلقان ودول بعيدة عن بلدانهم، ممّا أدّى إلى هجرةِ الشباب كي لا يشاركوا في حروبٍ لا تمسّ قضيّتهم الوطنية في سوريا، وهو ما أكّدته عبد الصمد أيضًا في حوارٍ معها.

ونتيجة لذلك، نشأتْ مجتمعاتٌ سوريّة موازية من أصلٍ درزيٍّ في مختلف أصقاع الأرض، من فنزويلا وأمريكا وأستراليا إلى الخليج العربي، مُكوّنةً الشتات الدرزي السوري. كما ارتسمتْ صورته في مخيّلتي من خلال حكايات معارفي الدروز في ألمانيا عن أسلاف أسلافهم المهاجرين إلى بلادٍ بعيدة. من بينهم، كانت هناك جدة برازيلية انتقلت مع زوجها السوري إلى السويداء في أواخر القرن التاسع عشر. وامتدّت حبال الهجرة الطويلة إلى القرن العشرين والواحد والعشرين، وتجسّدت فيما رأيته بعيني في مختلف الأحياء السكنيّة في السويداء؛ مباني سكنية خرسانية غير مأهولة، على أمل أن يعود أصحابها من الغربة يومًا ما لاستكمال البناء والسكن في الدار.

كنت محظوظة لرؤية صورة "الرئيس الخالد، قبل أن تختفي ''للأبد''، حيث التهمتها نيران غضب المحتجين، كما فعلت مع صور خليفته ومقرّ حزب البعث في المحافظة.

وكانت الصدفة قد جمعتني بعدد من هؤلاء المهاجرين الحالمين بالعودة والاستقرار، تحديدًا العائدين من الخليج، حيث قضى كلّ منهم نصف عمره، بين 35 و40 عامًا، في مهنٍ تتراوح بين الأعمال الحرّة مثل المقاولات ومجالات تعليمية مثل التدريس. وحين جاء الوقت لجني ثمار الغربة "المؤقتة" في تقاعدٍ مريح في الوطن وسط الأبناء والأحفاد، بعد أن أمّن بعضهم بناء البيت ذي الطوابق الخمس والسيارة الحديثة و"تحويشة العمر"، جاءت الحرب وعصفت بحلم الاستقرار.

"أنا بين نارين. إني أجمع كل ما أملك وادفعه حتى ابني يسافر لأوروبا عشان مستقبله ومستقبل أولاده، وفي نفس الوقت مش متخيل إني بها لعمر أقدر أعيش من دون حفيدي اللي رجعت بعد غربة العمر مشانه.. رح أموت لو صحيت وما لقيته قدامي". هذا ما شاركه معي (ا.خ) وتركني بلا إجابة عن سؤال: إذا كانت الهجرة بدأت منذ عقود فمتى تنتهي؟

عزبة أبوهم!

كنتُ قد كرّرت تجربة تصريف عشرات الدولارات إلى رزم من الليرة السورية (التي تحمل صور الأسدين) في السوق السوداء في وضح النهار، وسأعلم لاحقًا من خوضِ التجربة نفسها في دمشق، ولكن بشكل متخفي ومربك، أحد الفروق الجوهرية بين السويداء والشام، بأنّ "البلد مفيهاش حكم قانون. خارج سلطة النظام فقط حكم العرف والعادات الاجتماعية" كما وصفها شريكي السوري. ومع دخولي مدينة السويداء كنتُ لاحظتُ بالفعل شبه اختفاء الحواجز العسكرية للنظام، وظهور أقل لصور بشار الأسد، يعوّضها صور لا نهائيّة له مع أبيه على عملةٍ نقديّةٍ منهارة.

علمتُ لاحقًا أنّ الصور المنتشرة لبشار الأسد مع شخصٍ أخر في زيٍّ عسكري على طوال الثمانية عشر حاجزا، الذين مرّرت عليهم وأنا في طريقي إلى مدينة السويداء، ما هي إلا صورة ماهر الأسد، أخوه! قائد الفرقة الرابعة التي تُحكم قبضتها على تجارة الحواجز العسكرية القائمة على تحصيل مختلف أشكال الأتاوات من راكبي  السيارات،  بدءًا من المبالغ  النقديّة حتى علب السجائر . قلت في سرّي "دي طلعت فعلا عزبة أبوهم!".

عاطف ملّاك... لم تنصفه الحياة، فهل أنصفه الموت؟

27 آب 2019
في الأول من تشرين الثاني 2015، انقضتْ دورية أمنٍ على الدكتور عاطف ملّاك في الشارع المكتظّ في وسط مدينة السويداء. قيل لم يتقدم أحدٌ حين استنجد: وين راحووو؟ وقيل أن...

ما قلته في سرّي، وجدت آخرون في السويداء يقولون مثله وأكثر، "المقبور" مثلا، يقولونها في العلن ودون خوف من "الحيطان لها ودان"، وهي الجملة الأشهر في سوريا. وسأعرف لاحقا أنّ هذا سيكون فرق جوهري في مشاعر الخوف بين السويداء والشام في الأوساط الاجتماعية التي اجتمعت بها. ومجدّدًا يعزو شريكي عدم اكتراث البعض الإجهار برأيه المعارض في السويداء، إلى أنّ المدينة كانت خارج يدّ النظام لسنواتٍ سبقت، ومهّدت لحراك ١٧ آب/أغسطس العام الماضي.

في الأسابيع القليلة التي سبقت انطلاق المظاهرات، جمعتني شبكة العلاقات الاجتماعية لمن استضافوني بأشخاص من مختلف الأطياف السياسيّة. سنحت تلك الفرصة لي، بالتزامن مع تراخي القبضة الأمنية في أرجاء المدينة، أن أنصت إلى رواياتهم "المتناقضة" عن الحكم الأسدي "الأبدي" والحرب والثورة في محافظة، غالبية سكانها تنتمي إلى أقليّة دينية لم تخرج بشكل جماعي على النظام منذ عام 2011.

كان (ح.م) الستيني والمنتسب إلى حزب البعث منذ السبعينات أملًا في الترشّح إلى منصب قيادي حتى يومنا هذا، ما يزال يدافع عن من وصفهم  ب"القيادات السابقة"  في مواجهة  "الأحداث" (المظاهرات)، قائلا :"ما سمعناش عن حد معملش حاجة واتاخد على السجن"، فيؤمّن على كلامه أحد المنضمين إلى جلسةِ السمر المسائية، مضيفًا "لأنه أعطاهم شوية حرية خرجوا عليه".

ولكن بمجرّد اتساع جلسة السمر لتشمل جار ستيني آخر، مُتفاخرًا برواية تعذيبه في شبابه في سجون "المقبور" حافظ الأسد، كان الآخر يتراجع قليلًا عن دعمه السابق قائلًا:  "كان فيه أخطاء"، ولكن ينسبها ل"النظام" من "خلف ظهر رئيسه"!.

أحاديث "المقاومة" ما هي إلا محاولة لاقتناص شعور "الكرامة" المُهدرة في بلدٍ تتجوّل في طرقاته العربات العسكرية الروسيّة!

وبين تلك الأصوات المُسيّسة على طرفي النقيض من النظام، التقيتُ بالعديد من اللامبالين بالسياسة، المُنشغلين بمحاولة إنجاز ما يمكن في الساعات القليلة التي تتوفّر فيها الكهرباء، وسدّ رمق الجوع بأكل "نباتي". وخلال تلك المعركة اليومية للبقاء، كانت السخرية هي أكسجين الحياة، كما قالت لي إحداهن بلهجه مصريه "احنا مكملين بس من باب الفضول، عاوزين نعرف ايه اللي هيحصل في أخر المسلسل ده".

ضمّ هذا "المسلسل" فصل ملحمي آخر رُوي بفخرٍ في أحاديث المساء التي جمعتني بعددٍ من أهالي السويداء، وهو صمود المدينة أمام هجوم داعش في عام 2018، والقدرة على طردهم من أطراف المدينة، وبذلك أفلتوا من مصير أقليّات أخرى وقعت تحت قبضة داعش، مثل الإيزيديين. وامتدّت قصص الفخر بمقاومة الدروز ضدّ المعتدين إلى أحداث جارية تزامنت مع زيارتي. قال أحد الشباب لجدّه: "سمعتم شباب الجبل عملوا إيه اليوم في الصهاينة؟"، مشيرًا إلى الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام والسوشيال ميديا عن تظاهر أهالي الجولان واشتباكهم مع شرطة الاحتلال الإسرائيلي على خلفية إقامة مشروع توربينات الرياح (مولدات طاقة) على أراضيهم الزراعيّة.

أدركت خلال الأيام التالية، من تجولي بين أرجاء السويداء، ثمّ في طريقي إلى دمشق، أنّ أحاديث "المقاومة" ما هي إلا محاولة لاقتناص شعور "الكرامة" المُهدرة في بلدٍ تتجوّل في طرقاته العربات العسكرية الروسيّة!

آثار دون أثر لدولة

في طريق ذهابي وعودتي من السوق، الذي تردّدت عليه أكثر من مرّة خلال إقامتي القصيرة في السويداء، كان يمرّ التاكسي بميدان آخر مُزدحم بسيّارات الأجرة والبائعين الجوالين، معروف باسم "ساحة المشنقة". على جانبي الميدان، تصطف مجموعة من المباني السكنية بأطوال وأحجام وطرز معمارية لا يشبه أحدها الآخر، في مشهدٍ بدا مُزعجًا بصريًا لنظارتي الشمسيّة الأوروبية، لكنه كان مألوفًا لحدقتي عيني المصرية. ما لم يكن مألوفًا على الإطلاق هو ما يتوسّط الميدان.

-دي آثار في نص السوق؟! سألت مرافقتي.

 وسط الميدان، كانت توجد بقايا أثريّة لبوابةِ مدينةٍ من عصورٍ سابقة، مصنوعة من الحجر الأسود الذي تشتهر به محافظة السويداء. لوهلةٍ، شعرتُ وكأنّني أتجوّل في شوارع روما، المتحف المفتوح، لكنّني عدت إلى الواقع فور ما استدركت حال بقايا البوابة الأثريّة. كانت البوابة محاطة بالقمامة والحشائش الخضراء في تناغمٍ مع تضاريس محيطها المُنفر: مباني إسمنتية فارغة، وبيوت على طراز معماري قديم، مفتوحة النوافذ ومهجورة.

(ساحة المشنقة في مدينة السويداء ويظهر في الصورة موقف للسيارات والتكسي)

في إجابةٍ على دهشتي من وجود ذلك الأثر في منتصف السوق، أخبروني أنّ مدينتهم، كغيرها من المدن السورية (مثل تدمر)، كانت جزءًا من الحضارة الرومانيّة، ووعدوني بزيارة إلى أحد تلك المواقع الأثريّة.

(الأعمده الرومانية/ آثار قنوات)

وذات مساء، تألقنا جميعًا وارتدينا ملابس تليق بتلك الزيارة، وركبنا السيارة واتجهنا إلى ما يُعرف بطريق قنوات، وهو خارج المدينة. وعند الوصول إلى وجهتنا، كان باستقبالنا موقع أثري كامل، يحتضن بقايا معبد من بوابة وحوائط وأعمدة على الطراز الروماني. شعرت مجدّدًا وكأنّني في زيارةٍ إلى موقع أثري في العاصمة الإيطالية روما أو أتجوّل في شوارع الإسكندرية. لكن، على عكس هاتين المدينتين، كان الموقع الأثري ليس فقط خاليًا من أيّ أثرٍ لسائح، بل لا أثر لدولة!

الموقعُ الأثري، الخالي من أيّ لافتاتٍ تدل على هُويّته أو مواعيد الزيارة، كان محميًا ببوابةٍ صدئة مغلقة بسلاسل حديدية. تجمعنا أمامها، متسائلين عن كيفية الدخول إلى المكان. في تلك اللحظة، ظهرتْ أمامنا سيّدة سورية، وفي يدها مفتاح. بدا لي أنّها لمحتنا من شرفة مطبخها وجاءت ركضًا، حتى أنّها لم تبدّل الشبشب بحذاء!

كانت تتحدث بلهجة قويّة من أهل السويداء، وتحيي من معي بعبارات "يا كبير القدر" و"يا كبيرة القدر". عرّفت نفسها بأنّها الموظّفة المسؤولة عن المكان! وسرعان ما تحوّلت إلى دليلٍ سياحي، متحمسة للغاية أن تشرح للسائحة المصرية تاريخ الموقع الأثري الذي في صدارته أعمدة رومانية وفي مؤخرته مبنى من دور واحد مهجور، ونوافذه مكسورة. كانت السيّدة ودودة للغاية، والتقطت لنا صورًا جماعية، وأنهينا جولتنا وقت الغروب باستراحةٍ قصيرة تحت ظلالِ شجرةٍ تضرب جذورها في تاريخ المكان، بينما تُحاط ببقايا مشروبات ومأكولات. شاركتنا أيضًا رشفات من قهوة من ترمس صغير كان يحمله أحدنا. وفي طريق خروجنا من نفس البوابة الصدئة، لاحظتُ تحوّل الموقع الأثري المهجور إلى مكانِ نزهةٍ لأهل الحاره، يتناولون اللقيمات في أحضانه، بينما يركض أطفالهم ويلعبون بين جدرانه وأعمدته الرومانيّة.

الشجرة التي جلسنا تحتها نحتسي الشاي مع الموظفه السورية، ومقابلنا غرفة مهجورة بنوافذ مكسورة / اثار قنوات)

 ما بعد الألفة

وفي ليلة اليوم الخامس والأخير من زيارتي، بينما كنت أرتّب محتويات حقيبة سفري استعدادًا للانتقال إلى المحطة التالية من رحلتي، دمشق، استرجعت ذكريات الاستعداد لزيارتي إلى السويداء. كنتُ أشعر بأنّني سأكون الغريبة في عادات وتقاليد وجغرافيا المكان، لذا حاولت أن أُعدّ نفسي من خلال القراءة والتحدّث مع أصدقائي ومشاهدة وسماع محتوى إعلامي عن المدينة وأهلها، كي أكون مستعدّة للتعامل مع الاختلافات والمفارقات التي قد أجدها هناك.

(صورة لمدينة السويداء من الأعلى)

لكن منذ اللحظة الأولى التي وطأتْ فيها قدمي المدينة، شعرتُ بألفةٍ غريبة، كأنّني أعرف هذا المكان منذ طفولتي. رغم ذلك، لم أصدّق هذا الشعور وكنت أبحث عن نقاطِ الاختلاف. لم أرَ السويداء من الأعلى إلا في اليوم الأخير من زيارتي. في صباح ذلك اليوم، صعدنا إلى سطح الدار المكوّن من طابقين فقط، وكان بإمكاني رؤية على مرمى البصر جزء من الجانب الريفي للمدينة مترامية الأطراف. كانت هناك منازل متفرقة ذات طوابق منخفضة، تنتشرُ بينها أشجار الزيتون، وفي الأفق البعيد تلوح التلال تحت سماءٍ زرقاء صافيّة. أغمضت عينيّ وفتحت رئتيّ وأطلت النفسَ لأملأها بهواء السويداء، فشعرت بما هو أكثر من الألفة!  كان شعورًا يصعب وصفه، ولكن سأستعير كلمات ابنة مدينة السويداء والمهاجرة، نجاة عبد الصمد، الذي حاولت وصفه في مقابلة تلفزيونية حينما سُئلت عن أكثر الأشياء التي تفتقدها من حياتها في سوريا، فأجابت:

"بشتاق للهوى بالسويدة (…) هو إحساس بتعيشيه بس ما بتعرفي كيف توصفيه. أنا بشعر كأن رئتي بتنفتح مش على الأكسجين، على الحياة. في شيء يشبه كيف الإنسان بيحس بارتباطه بشيء اسمه حبل السرة، تمامًا هيك. يعني حبل السرة ناس ما بتشوفه، هو غير مرئي، لكنه هذا الإحساس، الحنين لشيء بيختصر بالنسبة إلي كيف مجرى النفس، كيف النفس بتتوزع على كل خلاياك، على كل ذرة فيك. هو بيكون جواز سفر بتمري منه للمعاني القريبة والحميمة إليك في حياتك".

مقالات متعلقة

بائعة المازوت

08 نيسان 2024
"بيع المازوت في سوريا غير قانوني، لكن أمي، مثل كلّ السوريين والسوريات، تبيع سرّاً حصتها السنوية من المازوت، ضاربةً الدفء المحتمل لأيام قليلة في الشتاء بعرض الحائط، مقابل لُممٍ من...
من دمشق إلى تدمر: سوريا ما بعد الحرب من وجهة نظر إيطالية

15 نيسان 2024
يروي هذا المقال رحلة باحثة إيطالية إلى سوريا. تحاول جورجيا بعد دخولها البلاد في تشرين الأول ٢٠٢٢ التحدّث عن رحلتها إلى دمشق وحلب وتدمر بعد الحرب.

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد