"لماذا لا تداومين؟ هل زوجك يمنعك! أليس هو مثلك خريج إعلام أيضاً! ما هو السبب؟"
أسئلة لا تنتهي تُلقى على مسمعي كلّما علم أحد، صدفًة، بعدم حصولي على وظيفة إداريةٍ أو بكوني أعمل بشكل مستقل، بعد أشهر قليلة فقط من زواجي، فأستغرب من نمط التمييز الجديد هذا في حياتي كامرأة.
التفكير بكتابة هذه المادة أخذ مني بعض الوقت، لا سيما وأنّنا نعيش في مجتمعاتٍ تسودها الازدواجية، وحيث لا تزال أبسط حقوق النساء موضع تساؤل فيها؛ بما في ذلك حقّهن في التعبير أحيانًا.
مع ذلك، وباعتباري امرأة وصحافية ترى أنّ من واجبها مناصرة حقوق المرأة، لم أتردّد بالكتابة لموقع سوريا ما انحكت، علّ نشر تجربتي يحدّ من بعض الجهل والتمييز ضدّنا في مجتمعٍ يفرض علينا تأجيل الحمل أطول فترة ممكنة، أو ربّما إلى الأبد ليصبح نجاحنا في حياتنا المهنية ممكنًا.
كان ذلك في أواخر آب/ أغسطس من العام الجاري، عندما عرض عليّ مدير إحدى المواقع الصحفية الإلكترونية في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، وظيفة محرّرة. وعند اجتيازي للاختبار ووصولي للمقابلة، حدث ما كنت أخشاه.
كنت منهمكةً في إتمام عملٍ لإحدى المواقع العربية، عندما ألقيت نظرةً خاطفة على ساعة حاسوبي. كانت تشير إلى الثالثة والنصف بعد الظهر، عندما تلقيت رسالة من رقم ألماني على تطبيق واتسآب، يلقي مرسلها السلام ويُعرّف نفسه كمدير لإحدى المواقع، "مكتب القامشلي". أخبرني أنّ أحد الزملاء الصحفيين اقترح اسمي للعمل معهم، وهو يرغب بإلقاء نظرةٍ على سيرتي الذاتية إن أمكن. أذكر أنّني لم أجعله ينتظر كثيراً، أرسلت له السيرة الذاتية المُتضمنة بعضًا من نماذج أعمالي المنشورة في عدّة مواقع عربية ومحلية معروفة. ولم يمض سوى دقائق قليلة حتى قام بتكليفي بإعداد خبرٍ كان متداولًا في الصحف والوسائل الإعلامية العربية والعالمية في تلك الفترة.
لا تزال أبسط حقوق النساء موضع تساؤل فيها؛ بما في ذلك حقّهن في التعبير أحيانًا.
لوهلة توقعت أن يكون في عجلةٍ من أمره لكتابة الخبر، أو ربّما لا يملك الوقت الكافي لإعداده، حتى قام بتكليفي بهذه المهمّة التي تبدو سهلةً وبسيطة، ولا تتطلّب الكثير من الجهد والابتكار. لم أضيّع الكثير من الوقت في محاولة اكتشاف السبب، رغم تكرار طلبه صياغة خبرٍ مماثل تصدّر الأحداث في اليوم التالي. علمت منه فيما بعد أنّ الأخبار التي أعددتها كانت مجرّد اختبار، وأنّها ليست للنشر.
لست بصدد التعالي على التعرّض لاختبار أو أيّ إجراءاتٍ تتخذها وسيلة إعلام قبل التوظيف، فهذا أمر بديهي ومطلوب؛ إلا أنّ التعامل بحدٍّ أدنى من الاحترام مطلوب أيضاً؛ كإخبار المتقدّم/ة بأمر الاختبار، في حال عدم وجود مسابقة أو مركز لإجراء الاختبار بشكلٍ مهني يليق كما يُفترض بوسائل إعلامية تحترم نفسها والصحفيين/ات.
بطبيعة الحال، لم أكن أرغب بالوقوف عند هذه المسألة كثيرًا، فالمدير المذكور اتصل بعد ثلاثة أيام، وهو في عجلةٍ من أمره، طالبًا إجراء مقابلة سريعة معي؛ ليُصار إلى توظيفي على عجل، لا سيما وأنّ اليوم اللاحق يصادف بداية شهر جديد، حسب تعبيره. أخبرني بأنني اجتزت الاختبار بجدارة، ولم يتبق سوى بعض الترتيبات البسيطة، والتي قد تخصّ ساعات العمل والراتب، على ما قال.
طلبت منه أن يمهلني بعض الوقت، إذ كان يتوجّب عليه إخباري في الليلة السابقة أو حتى قبل ساعات، لأضبط بعض مواعيدي والتزاماتي، إلا أنّه أجابني بالرفض، وخيّرني بين أن أكون متواجدة في مكتبه بعد نصف ساعة أو أن أنسى الأمر.
رغم كلّ ذلك، وعدم تقبّلي لهذا النمط من التعامل عادة، إلا أنّني هممت بالذهاب إلى تلك المقابلة، حتى لا أَتهم نفسي، للحظةٍ، بأيّ تقصير أو إهدار فرصة ما عبثًا، خاصة بالنظر إلى تعرّضنا كنساء حوامل للكثير من تلك التعليقات السخيفة في هذا الصدد. لكن، ما حدث، أنه بعد وصولي اعتذر عن توظيفي متعللاً بحملي. وفي الواقع، جرى ذلك بعد أسئلة وأجوبة شكلية، فقدت قيمتها منذ نظرته الأولى لحملي.
وفي موقفٍ مشابه؛ لن أدخل في تفاصيله، أكدت لي إحدى الإداريات في وسيلة إعلامية أخرى، بعد رفض طلب توظيفي، أنّني سأُقبل في الوظيفة، حال عدت للتقدّم بطلبٍ بعد ولادتي.
حروب على عدّة جبهات تخوضها المرأة في مجتمعاتنا عقب زواجها، سواء أكانت حامل أو حتى كانت تنوي الحمل، الأمر الذي ينعكس سلباً على بيئةِ عملٍ تعج أصلًا بالتمييز ضدّها، والتقليل من شأنها وإهدار حقوقها.
تواصلي مع العديد من النساء، اللاتي يتشاركن معي الظروف، أكد لي وجود هذا التمييز في مجتمعنا أيضاً. الحكايات كانت تختلف في بعض تفاصيلها، فأشكال التمييز ضدّ الحوامل والنساء المتزوجات حديثًا، باتت متعدّدة ومنتشرة على مختلف المستويات، سواء عند الحصول على الوظيفة أو الترقي الوظيفي أو الأجور. لخصت بعضهن تجربتهن بالقول لي إنّ أرباب العمل، يتعاملون معهن كعبءٍ، كما يتم وصفهنّ بأنهن غير كفؤات، كشكلٍ من أشكال الضغط، الهادف لإجبارهن على ترك العمل.
حروب على عدّة جبهات تخوضها المرأة في مجتمعاتنا عقب زواجها، سواء أكانت حامل أو حتى كانت تنوي الحمل، الأمر الذي ينعكس سلباً على بيئةِ عملٍ تعج أصلًا بالتمييز ضدّها، والتقليل من شأنها وإهدار حقوقها.
إلا أنّ السؤال الذي لازمني خلال الأشهر التسع الماضية: كيف بوسعنا كنساء خوض معارك تهميش قاسية كهذه؟ كيف سنتمكن من تحقيق التوازن بين مسيرتنا المهنية وبين أمومتنا، بعد كلّ ما قاسيناه في الأعوام الأربعة عشر الماضية، من حربٍ وأزمات؟
وأنا أنهي كتابة هذه السطور؛ تمحور جلّ تفكيري حول نساء شغوفات، آمل أن يظفرن ببيئةٍ تُتيح لهنّ إنجاب الأطفال بحرية وأمان؛ وأن يتحرّرن من التمييز والقسوة.