هل تغيّر الجولاني وجماعته حقاً؟

قبل وبعد سقوط الأسد


ثمّة قلق وترقب يصاحب الفرح الذي يعم الشارع السوري بسقوط نظام الأسد، خاصة وأنّ تصريحات أبي محمد الجولاني، المعروف الآن باسمه الحقيقي أحمد الشرع، تتسم بالغموض فيما يتعلق بنظام الحكم القادم، التي تخلو من الديمقراطية وحقوق الإنسان. الكاتب السوري طارق عزيزة، المتخصص في الكتابة عن الجماعات الجهادية، كجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام بمسماها الحالي) يذكر بالتحولات التي طرأت على شخصية الجولاني وجماعته، ويستقرأ مستقبله، هل نحن أمام تحول أصيل أم حملة دعائية لكسب الشارع؟

17 كانون الأول 2024

طارق عزيزة

باحث سوري. له عشرات المقالات والدراسات المنشورة في صحف ومجلات ومواقع إلكترونية عربية. من مؤلفاته: جبهة النصرة لأهل الشام القاعدة في طبعتها السورية (المجموعة السورية للدراسات والأبحاث، 2013). العلمانية (الرابطة السورية للمواطنة، 2014). الثقب الأسود: أوراق من ملفات الإسلاميين في الثورة السورية (2022)

فجر الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024 سقط نظام بشار الأسد. هرب الرئيس المخلوع، ودخلت فصائل المعارضة المسلحة المنضوية ضمن "إدارة العمليات العسكرية" دمشق من دون قتال، بعد ترتيبات لم يُكشف عنها مع قادة أجهزة النظام الأمنية. جاء ذلك تتويجاً لعملية عسكرية انطلقت من إدلب في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، باسم "ردع العدوان"، ضدّ مناطق سيطرة النظام والميليشيات المتحالفة معه، واستطاعت خلال أيام السيطرة على مدن حلب وحماه وحمص وأريافها، وصولاً إلى قلب دمشق.

ولأنّ غرفة "إدارة العمليات العسكرية" تضم فصائل إسلامية عُرفت بتشدّدها، على رأسها "هيئة تحرير الشام" بزعامة أبي محمد الجولاني، الذي أصبح "القائد أحمد الشرع"، ونظراً لتجربة الهيئة في مناطق سيطرتها من جهة، والنسب الجهادي القاعدي لزعيمها، فإنّ الفرحة بسقوط الأسد أعقبها قلق وترقّب مشوب بالخشية من السلطة الجديدة لدى قطاعات واسعة من الشعب السوري، رغم التطمينات التي تحرص "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة الشرع على إظهارها، والتأكيد على مقاتليها بالانضباط وعدم التدخّل في شؤون المدنيين. فهل تغيّرت الهيئة وزعيمها فعلاً، أم أنّها تواصل نهجًا براغماتيًا بدأ منذ سنوات ولا يؤمن جانبه؟ الإجابة عن السؤال تتطلب استعادة بعض المحطات في السيرة الملتبسة لهذه الجماعة وقائدها، ثم قراءة سلوكهم الحالي في دمشق.

من تنظيم القاعدة إلى هيئة تحرير الشام

في 24 كانون الثاني/ يناير 2012 أعلن "أبو محمد الجولاني" تشكيل "جبهة النصرة لأهل الشام" من مجاهدي الشام، بتسجيل مصوّر لم يظهر هو فيه، حمل عنوان "شام الجهاد"، وتداولته مواقع جهاديّة مرتبطة بتنظيم القاعدة. دعا الجولاني السوريين إلى الجهاد ضد النظام، مؤكّداً أن الجبهة لم تظهر إلا "لإعادة سلطان الله إلى أرضه". أثار التسجيل موجة تشكيك بين نشطاء الثورة السورية وشخصيات المعارضة لبعض الوقت، بسبب حرصهم على التمسّك بسلمية الثورة ومدنيتها، ورفض اتهامات النظام لها بالسلفية والطائفية.

لكنّ تصاعد وحشية النظام في قمع المتظاهرين ونزوع فئات منهم نحو التسلّح بتشجيع قوى خارجية وبعض فئات المعارضة لاسيما الإسلامية، بعد زج الجيش لمواجهتهم واقتحام المدن والبلدات المنتفضة، اختلطت الأوراق وباتت عسكرة الثورة وميلها نحو الأسلمة أمرًا واقعًا. هكذا، اكتسبت النصرة رصيدًا شعبيًا في بعض المناطق، فضلًا عن تقبّل بعض المعارضين لها، نتيجة حضورها ميدانيًا وهجماتها المؤثرة ضدّ النظام، مما ساعدها في السيطرة على مناطق خرجت عن سلطة الأسد، وبسط نفوذها على حساب "الجيش السوري الحر"، لتحلّ راياتها الجهادية وخطابها المذهبي محل علم الثورة والخطاب الوطني الجامع الذي كان يتبناه.

حول التطورات الأخيرة في سوريا

09 كانون الأول 2024
إذا كان تحرير حلب وحماة مخطّطاً لهما، فهل كان الإستمرار حتى دمشق نتيجة تخطيط مسبق أم نتائج غير متوقّعة لعملية محدودة وجريئة؟

كانت أساليب الجبهة ميدانيًا وإعلاميًا وخطابيًا كبيرة الشبه بنهج القاعدة، وإن لم تعلن صلتها بها، فأدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية على قائمتها للمنظمات الإرهابية منذ كانون الأول/ ديسمبر 2012، بينما لم يتخذ مجلس الأمن الدولي قرارًا مماثلًا إلا في أيار/ مايو 2013، بعد إعلان الجولاني رسميًا تبعيّته للقاعدة وبيعته لزعيمها أيمن الظواهري، إثر الخلاف بين الجولاني وزعيم فرع القاعدة العراقي أبو بكر البغدادي، في نيسان/ أبريل 2013، حين أعلن الأخير أنّ النصرة "ماهي إلا إمتداد لدولة العراق الإسلامية، وجزء منها" وقرّر توحيد الجماعتين بقيادته، وهو ما رفضه الجولاني، نافيًا علمه بالقرار أو أنّ أحدًا استشاره فيه، مع ذكر فضل "الأخوة في العراق" وأنه دين عليه، لموافقة البغدادي على مشروعه للتمدد في سوريا وتقديم المال والرجال لمساعدته، مؤكّدًا بيعته للظواهري. وتوزّع معظم الجهاديين الأجانب بين الفريقين، ونأى آخرون عنهما ليشكّلوا مجموعاتهم الخاصّة أو ينخرطوا في كتائب جهادية أخرى. وقطع البغدادي صلاته بالقاعدة معتبرًا أنها لم تعد موجودة، ونصّب نفسه خليفة في نهاية حزيران/ يونيو 2014 على "الدولة الإسلامية".

فرضت النصرة نفسها على الفصائل الإسلامية من خلال استراتيجية مدروسة لتكريس حضورها في سوريا، حيث سيطرت على مواقع حيوية شمال البلاد تتقاطع مع طرق إمداد الفصائل، التي وجدت مصلحتها في التعامل مع النصرة والاستفادة من شدّة بأس مقاتليها وخبراتهم. ونفذت النصرة عمليات مشتركة مع الفصائل، وشاركت في "الهيئات الشرعية"، وأصدرت بيانات ومواقف سياسية موحدة معهم في مناسبات عديدة، كالموقف من تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والحكومة المؤقتة، وصولًا إلى تحالفها مع فصائل إسلامية ضمن "جيش الفتح"، الذي قلب الموازين العسكرية وهزم قوات النظام في العديد من المناطق، حتى السيطرة على كامل محافظة إدلب، قبل أن تتخلص الجبهة من حلفائها عبر إضعافهم تدريجياً، وتنفرد بحكم تلك المناطق.

لم تبق تركيبة الهيئة على حالها، فجماعة الجولاني ابتلعت شركاءها تباعًا، مما سبّب خلافات وانسحابات شملت قياديين جهاديين بارزين أودع بعضهم في السجن.

شكّلت مرجعية النصرة وهويتها القاعدية "إحراجًا" للمعارضة السورية والدول الداعمة، فحثّت الجولاني على فك ارتباطه بالقاعدة، وهو ما جرى في 27 تموز/ يوليو 2016، حين ألغى اسم "جبهة النصرة"، وأعلن تشكيل جماعة جديدة ضمن جبهة عمل باسم "جبهة فتح الشام". كان "فك الارتباط" إجراءًا شكليًا، إذ جاء بتوجيهات ومباركة من قيادة القاعدة، وفق ما ذكر الجولاني نفسه، معلناً استمرار التشكيل الجديد على النهج ذاته، وأصبح وجه الجولاني معروفًا بعد سنوات من الغموض، وبدأ يظهر في الإعلام واللقاءات العامة.

لم يتغيّر تقييم واشنطن للنصرة رغم فك ارتباطها بالقاعدة، واستهدفت طائرات التحالف الدولي الذي تقوده قيادات بارزة في "فتح الشام". في المقابل، صعّد الجولاني لهجته ضدّها في سياق تعليقه على الاتفاق الروسي – الأمريكي والهدنة التي أُعلنت في 12 أيلول/ سبتمبر 2016، واستثنيت منها الجبهة، فقال "أمريكا وضعت نفسها في صف الروس والنظام وستجد نفسها في صدام ليس في مواجهة فصيل واحد وإنما في مواجهة الشعب". بعد أيام كانت أدبيات القاعدة تجاه الولايات المتحدة حاضرةً في بيان أصدرته الجبهة بخصوص عملية "درع الفرات"، فوصف الأمريكيين بأنهم "عدو كافر صائل مباشر على المسلمين".

مطلع عام 2017، عُقدت أولى اجتماعات أستانا، واتفقت روسيا وتركيا وإيران على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في سوريا، وعلى محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)"، وفصلهما عن مجموعات المعارضة المسلحة. في اليوم التالي، هاجمت "فتح الشام"، مواقع الفصائل المشاركة في أستانا، فأعلن بعضها الانضمام إلى "حركة أحرار الشام الإسلامية" المتحالفة مع الجولاني لتفادي مواجهته. تلا ذلك إعلان فتح الشام وبعض الفصائل الإسلامية الموسومة بالتطرّف حلّ نفسها واندماجها في تشكيل جديد باسم "هيئة تحرير الشام"، وتولّى الجولاني منصب القائد العسكري للهيئة.

لم تبق تركيبة الهيئة على حالها، فجماعة الجولاني ابتلعت شركاءها تباعًا، مما سبّب خلافات وانسحابات شملت قياديين جهاديين بارزين أودع بعضهم في السجن.

دويلة الجولاني في إدلب

ينتمي الجولاني إلى "جيل جهادي" من القاعدة يختلف عن جيل المؤسّسين بأنّه يولي اهتماماً لفرض نفسه في بيئته المحلية، ويبتعد تدريجيًا عن الجهاد المعولم، وقد برز هذا الجيل في مرحلة انتقال التنظيم الأم نحو مزيد من اللامركزية، بعد قتل أو اعتقال أو تشريد الكوادر الرئيسية في أفغانستان. هذا عامل حاسم في تكوين الجولاني، وقد عمل بهديه منذ عودته إلى سوريا قادمًا من العراق، حتى استطاع قيادة جماعته للسيطرة على أجزاء من شمال غرب سوريا بشكل تدريجي ومنظّم على حساب بقيّة الفصائل.

منمنمات فكرية في مرحلة "ما بعد سوريا الأسد"

14 كانون الأول 2024
"المستقبل في سوريا مفتوح على احتمالات (إيجابية) كثيرة للمرّة الأولى منذ سنوات طويلة" هذا ما يقوله الباحث والمفكّر السوري حسام الدين درويش، دون أن يخفي مخاوفه في الوقت ذاته، حيث...

وإذ عمل الجولاني بدايةً مع حلفائه الإسلاميين الآخرين للقضاء على مجموعات "الجيش الحر"، انتقل بعدها إلى مهاجمة المجموعات الإسلامية المنافسة، فكان على مقاتليها مغادرة المنطقة أو الاستسلام والعمل تحت قيادته ضمن "هيئة تحرير الشام". ثمّ جاء دور الجهاديين الذين احتفظوا بولاء تنظيمي أو فكري للقاعدة، ممن تستهدفهم الولايات المتحدة أيضاً، فهاجمت الهيئة معاقلهم وصفّت تنظيماتهم تباعاً. قد يبدو غريبًا تصفية فصيل جهادي لفصيل جهادي آخر، وكلاهما مصنّفٌ على لوائح الإرهاب الأميركية والدولية، لكنّ الأمر سيغدو مفهوماً عند وضعه في سياق براغماتية الجولاني التي تحرّكها مصالحه، وتُعبّر عنها رسائله وإشاراته إلى الداخل والخارج، لإثبات أنه صاحب الأمر والنهي في شمال غرب سوريا، ولا يمكن تجاوزه في أي تسوية تخص هذه المنطقة، فضلًا عن تقديم صورة جديدة والتملّص من تاريخه القاعديّ بحثًا عن دور مستقبلي أكثر أهمية.

ضمن هذه المعطيات أصبحت الهيئة "شريكاً" يعتمد عليه في نظر بعض القوى الخارجية، فشاركت في اتفاقية التغيير الديمغرافي التي رعتها أطراف إقليمية وسميت بـ"اتفاقية المدن الأربع"، وشملت الآلاف من سكان بلدات "كفريا" و"الفوعة" الواقعتين بريف إدلب ذات الغالبية الشيعية والمحاصرة من قبل فصائل المعارضة الإسلامية، و"مضايا" و"الزبداني" بريف دمشق الغربي، اللتان تسيطر عليهما المعارضة وتحاصرهما قوات حزب الله والميليشيات الإيرانية. وتنامت مقدّراتها ومواردها الاقتصادية، لا سيما المتأتية من سيطرتها على معابر شرعية وغير شرعية، وأصبحت الأمور المالية بأيدي أشخاص تربطهم بالجولاني صلات القرابة أو المصاهرة.

صحيح أنّ أياماً قليلة لا تكفي لتقييم وجهة السلطة الجديدة وطبيعتها، لكن الكيفية التي يتصرّف بها الشرع والإجراءات والقرارات التي اتخذها، تعكس تفرّدًا واستئثارًا بالسلطة.

وأسست "الهيئة" ذراعاً مدنياً لها تحت اسم "حكومة الإنقاذ" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، لإدارة المؤسسات الخدمية التابعة للهيئة. وبالتوازي مع مظاهر "الاستقرار" وتحسّن الخدمات نسبياً مقارنة مع غيرها من مناطق سيطرة المعارضة، مارست الهيئة مختلف صنوف القمع والتنكيل بحق مخالفيها، كالاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري، وشهدت مناطقها مظاهرات دورية تطالب بإطلاق المعتقلين، حتى أنّ مقاتلين شاركوا في العملية الأخيرة، نشروا تسجيلات مصورة طالبوا فيها الجولاني بالإفراج عن المعتقلين في سجون الهيئة، أسوة بتحرير المعتقلين من سجون النظام المخلوع.

"القائد أحمد الشرع" ممسكاً بالسلطة في دمشق

قبل سقوط الأسد بأيام صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنّ سوريا تشهد واقعًا جديدًا تجري إدارته بهدوء، وهو ما يرجّح صحّة التكهنات التي جرى تداولها في الإعلام، عن تفاهم تركي – روسي أدى إلى السيناريو الذي أسدل الستار على حكم عائلة الأسد. فالأطراف الخارجية والتفاهمات الدولية لم تكن بعيدة عما جرى، لكنّ "إدارة العمليات العسكرية" بعد سيطرتها على دمشق، راحت تقدّم نفسها بوصفها القوّة التي أسقطت النظام، و"القائد أحمد الشرع"، وهو الاسم الحقيقي للجولاني، والذي صار معتمداً في البيانات الرسمية ووسائل الإعلام، بدأ يصدر الأوامر والتوجيهات وكأنه السيّد المطلق للمرحلة الجديدة، رغم ما أظهره من انفتاح في مقابلته مع "سي إن إن"، والفيديوهات القصيرة التي بثها على مواقع التواصل، والكلام المعسول عن مشاركة السوريين جميعاً في بناء سوريا الجديدة.

صحيح أنّ أياماً قليلة لا تكفي لتقييم وجهة السلطة الجديدة وطبيعتها، لكن الكيفية التي يتصرّف بها الشرع والإجراءات والقرارات التي اتخذها، تعكس تفرّدًا واستئثارًا بالسلطة، بدءًا من تكليف حكومة الإنقاذ التابعة له بتولي أعمال حكومة النظام المخلوع، مرورًا بكل تصريحاته بشأن ما ينوي فعله في مختلف الملفات. وهو يحرص على اختيار كلماته بعناية، بحيث لا تخرج عن عموميات الخطاب الإسلامي الفضفاض الذي يرضي جماعته وحلفاءها، وفي الوقت نفسه لا تعزز مخاوف المرتابين بالخلفية الأيديولوجية له وللهيئة.

الخيال وقد تحقّق... عن يوم سقوط الأسد

12 كانون الأول 2024
في ساحة الرئيس في جرمانا كان رأس حافظ الأسد قد أُسقط ورُمي على يمين الساحة، وصعد الشباب إلى أكثر من صورة لبشار، ومزّقوها بأيديهم وأقدامهم. عمار ديوب يأخذنا معه في...

لا يتّفق نهج الهيئة الإقصائي في مناطق سيطرتها مع الثورة السورية وأهدافها، ولا يتناسب مشروع "الكيان السني" الذي كان الجولاني/ الشرع يتحدث عنه حين كان يسيطر على إدلب فقط مع حقيقة التنوع الديني والمذهبي في سوريا. وخلو خطاب الشرع من أي إشارة إلى الديمقراطية أو التعددية السياسية أو الحريات وحقوق الإنسان، وسواها من مقتضيات بناء الدول الحديثة والمجتمعات الحرة، يعني أن التغيير الذي طرأ على الهيئة لم يتجاوز حدود التكتيك والشعارات المعلنة، أما جوهرها الذي جسّدته سيرتها فلم يتغيّر بعد: حركة دينية/ عسكرية لا تقبل مشاركة سلطتها، ولا توفّر جهدًا لإضعاف المنافسين والحلفاء للهيمنة عليهم.

الجماعة التي أسسها الجولاني أو أحمد الشرع، ولم يتوقّف الجدل بشأن دورها في سوريا منذ ظهورها حتى اليوم، خلعت رداء القاعدة فعلًا، لكنها لم تتبرّأ من ماضيها أو تراجعه، وهو ماضٍ لا يخلو من الرؤوس المقطوعة وأشلاء ضحايا الهجمات الانتحارية.

الجماعة التي أسسها الجولاني أو أحمد الشرع، ولم يتوقّف الجدل بشأن دورها في سوريا منذ ظهورها حتى اليوم، خلعت رداء القاعدة فعلًا، لكنها لم تتبرّأ من ماضيها أو تراجعه، وهو ماضٍ لا يخلو من الرؤوس المقطوعة وأشلاء ضحايا الهجمات الانتحارية. والجماعة لم تكفّ يوماً عن تشددها السلفي في نظرتها إلى أمور السياسة والمجتمع، وهذه النظرة ليست محل إجماع السوريين، حتى المسلمين السنة أنفسهم. مع ذلك، تمكّنت من التوسع والإستمرار بفضل قدرة زعيمها على تطوير نهج براغماتي اتسم بقدر كبير من المرونة والقدرة على التكيف مع متطلبات كلّ مرحلة وظروفها، من حيث ترتيب الأولويات وعقد التحالفات، واستخدام العنف والقوّة العارية، أو الترغيب والقوة الناعمة لتحقيق الأهداف، بحسب الظروف وموازين القوى.

يدرك أحمد الشرع جيداً أن التفاهمات التي ساهمت في تثبيت سلطة الأمر الواقع التي أنشأها في إدلب لا تقارن بما ينتظره وجماعته من تحديات ومتطلبات تفرضها تعقيدات الملف السوري، وتشابك المصالح الدولية والإقليمية فيه، فسوريا ليست إدلب فقط، وما يجري حاليًا هو سلوك سلطة أمر واقع تفتقر إلى الشرعية، وليس لها أن ترسم لوحدها شكل المرحلة الانتقالية على نحو ما تفعل الآن، وهو ما ستثبته الأيام القليلة القادمة، مع تحرّك العواصم المعنية وبدء مشاوراتها البينية، واتصالاتها مع الشرع وسلطته. أما العنصر الأهم في معادلة المستقبل فهو أنّ الشعب السوري الذي ضحّى وتخلّص من استبداد نظام الأسد المجرم، سيتمسّك بحرّيته وأهداف ثورته، ولن يخضع لمستبد آخر بعد اليوم.

مقالات متعلقة

عن ثنائية "اللائيكية والاستبداد" وصعود "الإسلام السياسي"

20 حزيران 2017
الحديث، بعد كل ما فعله الأسد في إعادة إنتاج الأصولية، عن "علمانية الأسد"، عن "حداثة الأسد" لهو حديثٌ لا شك فكاهي، إلا أنّه بنفس الوقت مؤلم وهو ما يرتكز عليه...
الربيع العربي، العلمانيّة والإسلام (السياسي) والديمقراطيّة والمسألة الكرديّة

25 كانون الثاني 2022
أعلنت كلّ من منظمة "تيار وطن" ومجموعة "نواة سورية" اندماجهما، وأصدرتا بيانًا تضمّن الرؤية السياسيّة المشتركة لهما. وقد أثارت بعض النقاط الواردة في الرؤية المشتركة، انتقادات قويّة دفعت المكتب الإعلامي...
العلمانية في سوريا ضرورة وطنية وديمقراطية (8)

05 تشرين الثاني 2019
في المقال الثامن من ملف "آفاق العلمانية في سوريا"، ترى المحامية منى أسعد أن "الواقع مزري، ولا طريق للنهوض خارج مشروع وطني ديمقراطي يتبنى العلمانية إطارا دستوريا لبناء الدولة"، فكيف...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد