مقدمة
يُعدّ سامر الزيات من أهم المصوّرين التلفزيونيين السوريين خلال فترة التسعينات وحتى العام ٢٠١٤. ارتبط باسمه كمدير تصوير بالعديد من الأعمال التلفزيونية التي شكّلت ذاكرة أجيال كاملة داخل سوريا وخارجها. حاول من خلال مهنته انتزاع الاعتراف بمكانة التقنيين العاملين في الانتاجات التلفزيونية، ولفت النظر إلى دورهم الأساسي في تلك الأعمال إلى جانب الفريق الإبداعي من كتّاب ومخرجين وممثلين. تكمن أهمية البحث في التجربة المهنية الغنية للزيات في إتاحتها الفرصة لفهم طبيعة الطفرة في صناعة التلفزيون في سوريا منذ عقد التسعينات وحتى اليوم . تلك الصناعة التي اتخذت من تقاليد صناعة السينما هاديًا لها، ومرشدًا فنيًا وتقنيًا.
يتمحور الحديث مع الزيات حول تجربته المهنية والإنسانية، وعن كواليس الدراما السورية منذ مرحلة التشكّل الأولى، وصولًا إلى مرحلة التألق والمنافسة على الصعيد العربي. دور الفنيين في تشكيل تلك الصناعة، والمفاهيم الفنية والتقنية التي أفرزتها الممارسات المهنية في هذا المجال خلال العقود الثلاثة الماضية. إلى جانب الحديث عن علاقة الإنتاج التلفزيوني وتطوّره بالسلطة ورأس المال في بلد مثل سوريا، انتهاءًا بانطلاق الثورة السورية وتغيير المعادلات على صعيد صناعة التلفزيون. نتوقف معه على نحو خاص عند تجربته الطويلة مع المخرج حاتم علي، وما الذي جعل حاتم مخرجًا متفرّدًا، والقطيعة الفنية بينهما لفترة، التي تسبّب بها آخرون، ثم عودتهما للتواصل الفني والإنساني في النهاية. يسرد سامر في الجزئين الثاني والثالث من المقابلة، التي تنشرها حكاية ما انحكت تباعًا، الأجواء في الوسط الفني مع اندلاع الثورة، واضطراره لمغادرة سوريا.
سامر الزيات، مخرج ومصوّر ومدير تصوير تلفزيوني سوري من مواليد دمشق في أيلول العام ١٩٧٢. بدأ رحلته المهنية كمصوّر صحفي عبر وكالة محلية خاصة سورية تزوّد وكالات الأنباء العالمية بالأخبار. بدأ الزيات العمل في الدراما التلفزيونية منذ العام ١٩٩٧ وعمل مع ألمع مخرجي الدراما التلفزيونية السورية، على رأسهم، حاتم علي ونبيل المالح والليث حجو، وغيرهم من المخرجين. أنجز خلال مسيرته المهنية أيقونات في العمل التلفزيوني الدرامي مثل "الزير سالم" و"ربيع قرطبة" و"التغريبة الفلسطينية" و"أحلام كبيرة" و"الفصول الأربعة" بجزئيه. كما صوّر العديد من الأفلام الوثائقية، والفيديو كليب.
أُجري الحوار في الثامن عشر من أكتوبر ٢٠٢٤
إياس: إذاً كان عملك متداخلاً بين العمل في الصحافة والعمل في الدراما. من هم مدراء التصوير الذين عملت معهم، وفي أية أعمال؟
سامر: تماماً، كنت مصور مع جورج، ومساعد مصور في أعمال الدراما. مهمتي عندما كنت أرافق الكاميرا عند تأجيرها لأعمال الدراما تتلخص بمرافقة الكاميرا إلى موقع التصوير، والانتظار على كرسي دون عمل لحين انتهاء الفريق من التصوير، كي أعيد الكاميرا إلى الشركة، لكني لم أكن أتقيد بذلك، أنا لا أستطيع الجلوس والانتظار، يجب أن أقوم بشيء ما، فعندما كنت أرافق الكاميرا إلى موقع التصوير كنت أقوم وبشكل تطوعي بمساعدة مدير التصوير، ومصوره الذي قد يكون لديه مساعد فعلاً، لكني وكالعادة سأتحول إلى مساعده الأول، والرئيسي. لقد عملت مع كل مدراء التصوير المسجلين في سوريا. عملت مع سمير سمارة مدير تصوير، والمصور محيي الدين المصري في خان الحرير لهيثم حقي. شكيب مصطفى، كمساعد مصور، ومصور كاميرا ثانية. مع مدير التصوير جورج لطفي الخوري، عملت كمساعد مصور في مسلسل القصاص إخراج مأمون البني، وفي هذا العمل صورت دراما لأول مرة في حياتي كمصور، فقد مرض المصور محيي الدين المصري فقمت أنا بتغطية مكانه لحين عودته. بسبب حبي للعمل، وفائض الطاقة الذي أملك جعلني متحفز طوال الوقت، مدراء التصوير الذين كنت أعمل معهم كانوا وبعد عدة أيام لا ينادون على أينْ من مساعديهم وأنا موجود، سوف لن تسمع غير اسم سامر على أفواههم. في بعض الأحيان سوف يجدني مدير التصوير واقفاً إلـى جانبه مع البطارية التي كان قد التفت تواً لطلبها. حصلت على سمعة مهنية كبيرة، كانت شركات الإنتاج التي تستأجر من شركتنا المعدات المطلوبة لتصوير الدراما، تشترط على جورج أن أكون أنا تحديداً، وبالاسم مرافقاً لتلك الأجهزة، أو أنهم سيستأجرون ما يحتاجونه من شركة أخرى.
إياس: تعني أنه قد ظهرت شركات أخرى تقدم الخدمات الفنية التي يقدمها جورج؟
سامر: بالضبط، كانت قد بدأت شركات أخرى باستيراد المعدات التقنية لصناعة الدراما فالسوق كان متعطشاً، لتظهر مهنة مرافق الأجهزة في مواقع التصوير، وكما شرحت لك أن المهمة هي فقط مرافق للأجهزة المؤجرة. أنا لم أتصرف على هذا النحو. اندفاعي نحو العمل والممارسة سرع من وتيرة التطور. أردت معرفة المزيد عن أساليب التصوير، وفعلت عن طريق المراقبة، والممارسة العملية. وصلت إلى مستوى متقدم في فهم تقنيا زوايا الكاميرا، وكنت قادراً وبعد فترة قصيرة على وضع الكاميرا في الزاوية التالية للتصوير دون تعليمات من مدير التصوير. عندما نتحدث عن زوايا اللقطات وتتابع تصويرها، فنحن نتحدث عن مسألة معقدة تقنياً، ومهمة على الصعيد الفني التواصلي المعرفي. هي مسألة يمكن أن تربك أكثر المخرجين، ومدراء التصوير خبرةً. أتقنت كل ذلك بمفردي. المصور وليد كمال الدين عرض علي تعليمي كل ما يعرفه عن التصوير إلا مسألة واحدة وهي ضبط الـ Focus (التركيز البؤري للعدسة) مع نوع محدد من العدسات التي تعطي خيارات أوسع للعدسة وعلاقتها مع الموضوع الذي نصوره، وقرب الموضوع وبعده من العدسة، والتي تحتاج إلى حرفية عالية وخبرة في تعديل التركيز البؤري من أجل تركيز وضوح الموضوع المصور في اللقطة، وبالأخص إذا كانت الكاميرا أو الموضوع المصور في حالة حركة. أثبت له بعد ستة أشهر تقريباً، وخلال تصوير فيدو كليب لأمل عرفة، والمخرج عصام صيداوي، أني لست بحاجة أن يعلمني أي شيء. نفذت في ذلك العمل ضبط ممتاز للتركيز البؤري مع الحركة. ضبط التركيز البؤري في السينما هي من مهام مساعد المصور وتنفذ بالتزامن، أي أن المصور يقوم بتصوير اللقطة، وبالتزامن يقوم مساعد المصور بمتابعة التركيز البؤري طوال زمن تصوير اللقطة. في التلفزيون الأمور أعقد، فالمصور هو المسؤول عن ضبط الـ Zoom (التقريب والإبعاد بالعدسة)، والتركيز البؤري Focus إلى جانب حركة الكاميرا في أي اتجاه. مساعد المصور في التلفزيون، وفي معظم الأحيان هو مجرد يد إضافية تساعد المصور على التخفف من أعبائه الفيزيائية، كحمل، ونقل الكاميرا من مكان إلى آخر، أو مد الكابلات، والاعتناء بالمعدات.
إياس: هذه واحدة من الفروقات المهنية التي تمايزت بها صناعة التلفزيون عن السينما في سوريا، مسألة المهن الفنية المصاحبة لعملية الإنتاج، والتي لم تنتقل بدقة في سوريا من عالم الإنتاج السينمائي إلى الإنتاج التلفزيوني. صناع نهضة الدراما التلفزيونية في سوريا، من المخرجين ذوي التعليم والثقافة السينمائية، بدأوا العمل بالكاميرا الواحدة كأسلوب فني لأعمالهم، تقرباً من الشكل السينمائي في صناعة الصورة، بينما التلفزيون تاريخياً كان يصنع بكمرات متعددة. تغيرت بعض التسميات المهنية في الإنتاج التلفزيوني السوري لتظهر مهن جديدة. على سبيل المثال، مدير التصوير في السينما كما تعلم، هو المسؤول عن كل ما هو متعلق بالصورة، الإضاءة والألوان، تشكيل إطار الصورة للقطة السينمائية. أما في التلفزيون، فقد تم الفصل بين هذين العنصرين غير المنفصلين، الإضاءة والكاميرا، فبات لدينا مدير إضاءة مسؤول عن إضاءة المكان، ومدير التصوير، مسؤول عن الكاميرا، وكل ما هو مرتبط بها تقنيًا، وفنيًا.
سامر: في الحقيقة، أنا واحد ممن سعوا إلى ذلك الفصل، ونجحت في ذلك في مهرجان أدونيا التلفزيوني النسخة الأولى في العام 2005. كانت شارات الأعمال التلفزيونية تعطي الشخص الذي يجلس بالقرب من المخرج خلف الشاشة التي تعرض ما تصوره الكاميرا لقب مدير التصوير والإضاءة، وهو شخص لا يفقه شيء بأنواع الكاميرات، أو العدسات، أوي أي مسألة تقنية مرتبطة بعالم التصوير. هو شخص يعرف عن الإضاءة الكثير، لكنهم كانوا يصرون على أن يكون التوصيف المهني على الشارة كـ مدير تصوير وإضاءة. مدراء التصوير كـ الأستاذ هشام المالح، أو جورج لطفي الخوري رحمهما الله، كانا مصورين سينمائيين يشرفان على الإضاءة، ويعرفان كل ما هو مرتبط بعالم التصوير، والشخص الذي يجلس خلف الكاميرا تحت إشرافهما يعطى توصيف المصور مهنيًا، والذي يشرف على تنفيذ الإضاءة لديهما يسمى مساعد الإضاءة الأول أو منفذ الإضاءة. لكن بعد العام ٢٠٠٠ وبسبب انتعاش الإنتاج، وقلة عدد الخبراء الأكاديميين في عالم التصوير، بدأت شركات الإنتاج بتوظيف مشرف الإضاءة الأول في منصب يتيح له تصميم إضاءة العمل الدرامي، والجلوس بالقرب من المخرج لينظر من خلال الشاشة التي أمامه ليعرف ما عليه فعله بإضاءة اللقطة. كما أعطيت مهمة التصوير للمصور الذي بنى علاقته المهنية مع الإضاءة من خلال المخرج. كانت تحدث معارك بين المصورين، والمشرفين على الإضاءة حول التوصيف المهني. من جهة، كان المصورون يشعرون بالغبن أن التقدير على جودة الصورة يذهب بالغالب إلى شخص ساهم بشكل جزئي في صناعة الصورة، وعلى الجهة الأخرى مشرفي الإضاءة الذين أخذهم الزهو بأنفسهم فأنكروا على المصورين فضلهم وتقدمهم تقنيًا، إلى جانب دور المصور في إنتاج تلك الصورة. لا أحد منا درس التصوير السينمائي، ولا الإضاءة السينمائية. كنا جميعاً من الجيل الثاني الذي احترف العمل في الدراما التلفزيونية، فلم تعد توصيفات المهنة السينمائية تصلح لواقع الإنتاج التلفزيوني. على سبيل المثال، مدير التصوير أحمد إبراهيم أحمد، كان منفذ إضاءة في التلفزيون العربي السوري، ثم تدرج بالعمل صعوداً من منفذ إضاءة إلى رئيس قسم الإضاءة في التلفزيون، ثم بدأ في الدراما مشرف إضاءة، ثم تدرج ليكون مدير إضاءة، هل يعني أنه أصبح مدير تصوير؟ بالتأكيد لا… لكن توصيفه المهني في الشارات مدير تصوير وإضاءة. من أجل ذلك حاربت في مهرجان جائزة أدونيا على الفصل بينهما. كانوا يودون منح جائزة أفضل تصوير وإضاءة لمسلسل حاتم علي (ملوك الطوائف) ٢٠٠٥، اعترضت عند عضوة لجنة التحكيم السيدة نائلة الأطرش، وطاهر ماملي المشرف على المهرجان، قلت: أن الجائزة في هذه الحالة سوف تأول إلى مدير الإضاءة أحمد إبراهيم أحمد، وهذا غير عادل. أنا من تعامل مع الكاميرا، وحدد الكوادر، وبدل العدسات بالتناسب مع الدراما، وحرك الكاميرا خدمةً لها. لا يصح أن يذهب كل ذلك العمل لشخص لم، ولا يعرف كيف يقوم به. وفعلاً نقلت الأستاذة نائلة الأطرش الأمر لباقي أعضاء لجنة الجائزة، وتم الفصل، ومنحت أنا جائزة أفضل تصوير كمدير تصوير.
صقلتني الصحافة، وساهمت في تطور عملي كمصور. تعلمت من الصحافة الاستعداد التام لأخذ لقطة من الحياة لا تتكرر، ولا تعاد.
إياس: بما أن عالمك المهني كان في فترة التسعينات متداخلًا، وبشكل متوازي بين الصحافة والدراما، دعنا نتحدث قليلاً عن أهم محطاتك الصحفية.
سامر: منذ مهمة التصوير الأولى كمصور إلى مهرجان البادية في العام ١٩٩٢ لم تهدأ كاميرتي عن العمل. المنطقة كانت تغلي بالأحداث السياسية، والثقافية. لا يوجد مسؤول في سوريا حينها لم التق به وجهاً لوجه من خلال عملي، باستثناء حافظ الأسد. قابلت باسل الأسد مرة، ماهر الأسد مرة. بشار الأسد عدة مرات قبل وبعد أن صار رئيساً. زوجته أسماء الأخرس. كنت ألتقي عبد الحليم خدام، وفاروق الشرع سبع مرات في الشهر على الأقل، بحكم ترددنا كصحفيين على وزارة الخارجية ومكتب عبد الحليم خدام لتلقي التصاريح الرسمية حول الأحداث الجارية. التقيت الحريري في أكثر مناسبة أيضاً بمواضيع مرتبطة بلبنان. كان هناك الكثير من الأحداث لتغطيتها.
خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان العام ١٩٩٦ عملية عناقيد الغضب، عملت واحد وعشرين يوماً لصالح قناة CNN ومن أجل ذلك، كنت موجوداً طوال الوقت في مكتب الشركة في الشيراتون من التاسعة صباحاً، وحتى العاشرة ليلاً بصحبة بين وودمان مدير مكتب المحطة في عمان. قدم وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وارن كريستوفر إلى دمشق للتباحث مع النظام السوري حول الحرب الدائرة في لبنان، والمكان الوحيد الذي يمكن فيه للصحفيين مقابلة وزير الخارجية، كانت أثناء خروجه أو دخوله إلى فندق الشيراتون الذي كان يقيم فيه، أو أمام الخارجية السورية. غادر الوزير الفندق لمقابلة حافظ الأسد في القصر الجمهوري، وكنا نعلم أنه سوف يعود بعد المقابلة إلى الفندق للتصريح بفحوى اللقاء. قبل عودته بدأ موظفو الخارجية السورية والأمن الرئاسي الطلب من الصحفيين الذين كانوا أكثر من خمسين، ومن كل وكالات الأنباء العالمية، الدخول إلى واحدة من قاعات الفندق. لا أدري ما ذاك الشعور الغامض الذي انتابني، وجعلني لا أدخل القاعة مع الداخلين، تستطيع القول انه إلهام رباني. إن عدم دخولي مع الصحفيين في تلك اللحظة يعني بأني لن أدخل القاعة أبداً، وهناك احتمال ألا أتمكن من تصوير تصريح الوزير المنتظر في حال دخل الوزير القاعة وأنا لست فيها. إنه أمر غير مسموح به، تخيل أن ال CNN لا تمتلك صورة لتصريح وزير خارجية البلد الذي تبث منه، وجورج لا يستطيع تعويض ذلك النقص من أي كاميرا أخرى تابع له داخل تلك القاعة. كنت أنتظر في بهو الفندق في الداخل عند المصعد، وعيني معلقة على مدخل الفندق. بعد قليلٍ من الوقت، أطلت سيارة الوزير عند مدخل الفندق لينزل منها الوزير وارن كريستوفر، وسفير الولايات المتحدة في سوريا كريستوفر روس. اتجاها بشكل مباشر نحو المصعد وليس إلى القاعة. سجلت كاميرتي، والتي كانت الوحيدة في بهو الفندق دخول الوزير مع السفير. بعد عشرة دقائق، يخرج كريستوفر روس من باب المصعد ويتجه نحوي. سألني عن الوكالة التي أمثلها، فأجبته أني مع الـ CNN سألني إذا ما كنت جاهز لأخذ تصريح، فأجبته بأني جاهز. غادر السفير ليعود بعد قليل مع الوزير وارن كريستوفر ليدلي الأخير بتصريح حصري لـ CNN عن زيارة الأسد. أهمية التصريح تكمن في أن العالم كان ينتظر تصريح الأمريكيين بعد أن اعتذر الأسد عن استقبال الوزير الأمريكي حين وصوله إلى القصر الجمهوري، مبرراً عدم استقبال الوزير بسبب انشغال الرئيس بـ استقبال رئيسة وزراء الباكستان بنظير بوتو. كان الغيظ بادٍ على وجه الوزير خلال تصريحه. حققت الـ WTN سبقاً صحفياً من خلال ذلك التصريح الحصري، إلى جانب أن الوكالة باعت ذلك التصريح لكل وكالات الأنباء في العالم. وجورج تلقى الكثير من رسائل الثناء والشكر من عملائه الدوليين.
صقلتني الصحافة، وساهمت في تطور عملي كمصور. تعلمت من الصحافة الاستعداد التام لأخذ لقطة من الحياة لا تتكرر، ولا تعاد. تعلمت ان ابقي حواسي مستنفرة. كنت أحمل الكاميرا ذات الـثلاثة عشر كيلوغرام على كتفي لساعات في انتظار لحظة التصوير. ساهمت الصحافة في تنمية خيالي كـ مصور يحاول التفكير في كل الخيارات المتاحة للتصوير من الزاوية التي يقف فيها. تعلمت المرونة في العمل، والاستعداد للتعامل مع كل المواقف، وحلها من أجل تسجيل تلك اللحظة التي لن تتكرر.
عندما كنت أصور مشاهد المعارك الرئيسية في المسلسلات مع المرحوم حاتم علي، لم أكن أربط الكاميرات التي تصور المعركة بشاشة المخرج، أي أنه لم يكن يرى ما أفعل. كنت أصور المعارك مع مصممها من خلال رؤيتي الخاصة. أوزع الكاميرات التي تصور اللقطة العامة، وكاميرتي تصور اللقطات القريبة، والتفاصيل. كنت أحمل الكاميرا لأندس بين جموع الكومبارس لتسجيل تفاصيل القتال القريبة، مع الأخذ بعين الاعتبار حدود اللقطات العامة، والتي تسجلها كاميرات أخرى بحيث لا أظهر أمام عدسة المصورين الآخرين. كنت قادراً على تخيل مونتاج تلك المعارك خلال تصويري لها.
في إحدى المشاهد الكبرى في مسلسل صلاح الدين، وكان في اللقطة الممثل المغربي الكبير محمد مفتاح والذي كان مطلوباً منه أن يعبر الكادر على ظهر حصانه من جهة اليمين إلى اليسار أمام جيش صلاح الدين المنتظم في طوابير. كنت قد وضعت الكاميرا بعيدًا عن مكان اصطفاف الجنود، وقربت اللقطة إلى الحد الأقصى عن طريق الـ Zoom لتعزيز العمق والجماليات في اللقطة، وفي هذه الحالة لا أحتاج القيام بمتابعة حركة الممثل بالتركيز البؤري الـ Focus لأنه يمشي بالعرض ( بالتوازي مع خط الأفق). محمد مفتاح لم يلتزم بحركته في تلك اللقطة. دخل من جهة اليمين على ظهر حصانه، وهو الخبير في ركوب الخيل، وعند وصوله إلى منتصف الكادر قرر مفتاح شق صفوف الجنود من المنتصف متوجهاً من عمق الكادر في الخلف إلى الأمام نحو الكاميرا التي أقف خلفها. كان يعرف محمد بحكم خبرته الكبيرة كممثل حدود اللقطة ويعلم أين يمكنه إنهاء حركته، لينتهي موقعه في تلك اللقطة، من لقطة عامة كان فيها بعيداً، لينتقل إلى حجم لقطة قريبة جداً لوجهه. لم يكن هناك تمرين على هذه الخيار، ولم نكن نعرف لا أنا ولا حاتم علي عنها شيئًا، فكان على التصرف بسرعة بتعديل التركيز البؤري مع حركة محمد مفتاح المتوجه نحوي، فكانت لقطة عظيمة. تلك القدرة على التجاوب مع الظروف المتغيرة والمفاجئة، إلى جانب التوافق الحسي الحركي العالي ما اكتسبته من مهنة الصحافة كمصور. خلال عملي كمساعد مصور كنت أستغل كل لحظة فراغ لتطوير مهارات على الكاميرا التي أعمل عليها. بين المشاهد وفي ساعات الاستراحة لم أنشغل إلا بتطوير قدراتي التقنية. في مسلسل الحقيبة الضائعة لنبيل المالح، أنتجت شركة Sony كاميرا SX كمنافس لكاميرتها الرقمية. كانت كاميرا حديثة بكل ما فيها علينا نحن المصورون السوريون. كنت أنام على السرير بالقرب من تلك الكاميرا محاولاً تفكيك أسرارها. كنت كل يوم وبعد نهاية التصوير أقضي ساعات طويلة محاولاً تفكيك أسرارها، وفعلاً استطعت وبوقت قياسي من معرفة كل ما هو مرتبط بتلك الكاميرا، والفضل يعود لتمكني من اللغة الإنجليزية. حصلت على سمعة كبيرة بسبب ذلك الشغف الظاهر. هيثم حقي أطال الله في عمره وفي مسلسل خان الحرير١٩٩٤ قال: أتوقع لإثنين من الموجودين معنا في الفريق أن يكون لهما انطلاقة سريعة في عالم الدراما، وهما: الليث حجو والذي كان منفذ إنتاج، وسامر الزيات مساعد المصور.
إياس: حدثني عن تجربتك مع نبيل المالح؟
سامر: رحمه الله… كان التعارف عام ١٩٩٦ في مسلسل حالات، بطولة أندريه سكاف، إنتاج نقولا أبو سمح، سيناريو عمار مصارع، و إخراج نبيل المالح. كان مسلسلاً يعتمد على السكيتشات، والأداء الصامت، مدة الحلقة تقريباً عشرة إلى عشرين دقيقة، كأنها أفلام قصيرة، وكان يبحث الأستاذ نبيل عن فني يستطيع تصوير، وتنفيذ إضاءة المسلسل تحت إشرافه. اتصل بي المنتج في العمل الهادي قرنيط وكان عمله الأول كمدير إنتاج. طلب مني أن أكون ذلك الفني مع الأستاذ نبيل، وافقت طبعًا. من اليوم الأول للتصوير كان واضح لكل من عمل في هذا الإنتاج بأني لست هناك لأعمل تحت جناح نبيل المالح. كنا نصور في اليوم لوحتين، واحدة نهارية، وأخرى ليلية. في الغالب اللوحات النهارية هي لوحات في مواقع خارجية، أما التصوير الليلي فكان يتم في مواقع تصوير داخلية. بعد الانتهاء من التصوير النهاري، كنا نتوجه إلى موقع التصوير الليلي، وهناك يشرح لي الأستاذ نبيل حركة الممثلين والزوايا التي يرغب بها، ثم يغادر للاستراحة في منزله لحين حلول الليل، وحين ما أفرغ من تجهيز كل تفاصيل التصوير، نقوم بالاتصال به لينضم إلينا. بهذا الشكل سارت التجربة مع الأستاذ نبيل. حصلت عن هذا العمل على جائزة أفضل إضاءة وتصوير في مهرجان القاهرة الدولي للإذاعة والتلفزيون ١٩٩٦، وكتبت الصحافة المصرية حينها بأني الأصغر عمرًا بين الحاصلين على تلك الجائزة في تاريخ المهرجان. كما حصل العمل على جائزة أفضل إخراج، وأفضل عمل كوميدي. أسقطت الصحافة السورية اسمي من خبر جوائز المهرجان. آلمني الموضوع كثيراً، اشتكيت لجورج صليبا قائلًا، كيف لهم أن يسقطوا اسمي وجائزتي من الخبر، وهي الإنجاز الأول لي كمدير تصوير. نبيل المالح حصل على جائزة أفضل إخراج وتاريخه المهني ليس بحاجة لتلك الجائزة فلديه العديد منها وما هو أكثر أهمية. أنا الشاب الذي حقق إنجاز في ذلك العمل، وفي ذلك المهرجان، ومن حقي أن أشعر باهتمام بلدي بي. تأثر جورج، ووافقني، ثم اتصل برئيس تحرير جريدة تشرين مشتكيًا عنده ما حدث، وفعلًا عادوا ونشروا خبراً عن حصولي على الجائزة مع صورتي في اليوم التالي، واعتذار من الصحيفة عن الخطأ الذي وقع منهم. ثم عملت معه في نفس السنة كمدير إضاءة وتصوير في مسلسل كوميدي آخر من تأليفه وإخراجه بعنوان الحقيبة الضائعة.
عندما كنت أصور مشاهد المعارك الرئيسية في المسلسلات مع المرحوم حاتم علي، لم أكن أربط الكاميرات التي تصور المعركة بشاشة المخرج، أي أنه لم يكن يرى ما أفعل. كنت أصور المعارك مع مصممها من خلال رؤيتي الخاصة.
إياس: بدأت التعاون مع حاتم علي في العام ١٩٩٧، حدثني عن تلك البدايات وكيف تطورت العلاقة المهنية والفنية التي تحولت سريعاً إلى شراكة طويلة معه في أهم الإنتاجات السورية التي قدمت في العقد الأخير من التسعينات، وحتى العام ٢٠١٤.
سامر: بدأت القصة تماماً بعد مسلسل الأستاذ هيثم المالح "حالات". طلبني جورج صليبا، والذي كان حينها منتجاً لمسلسل مرايا ٩٧. عبر جورج في ذلك الاجتماع عن تقديره للتطور السريع لقدراتي الفنية، والتقنية، وكشف عن رغبته بإعطائي فرصة التحول إلى مصور في الدراما مع المخرج مأمون البني في مرايا. كان عرضاً لا يرفض حينها. حلم التحول من مساعد مصور إلى مصور في الدراما. كان ردي على جورج أني لست جاهزًا بعد لخوض تلك التجربة. صحيح أني عملت مديرًا لتصوير مسلسل حالات مع الأستاذ نبيل، والذي كان عبارة عن أفلام قصيرة غير مترابطة دراميًا، ولكل فيلم طبيعته وشكله. إلا أني لست جاهزًا للخوض بعمل درامي طويل مترابط بكل تفاصيله الدرامية والسينماتوغرافية، إلى جانب الحاجة لامتلاك القدرة على ضبط الأسلوب الفني، والتقني على مدى ثلاثين حلقة. رفضت أن أكون مصوراً في مرايا ٩٧، لتكون التجربة الأولى لي كمصور مع حاتم علي في مرايا ٩٨، والذي صور في عام ١٩٩٧. في اللقاء الأول بيني وبين حاتم علي سألني سؤالين اثنين. السؤال الأول كان حول المهارات التي أملكها للتعامل مع الـ Dolly وهو عبارة عن حامل للكاميرا مزود بعجلات، ويستخدم في تصوير اللقطات المتحركة. فشرحت له أن خبرتي مع حامل الكاميرا هذا ليست كبيرة. كما تعلم فأنا رجل ذو حجم صغير، ومع حامل الكاميرا المتحرك من هذا النوع أحتاج إلى كتلة أكبر لتتمكن من السيطرة على كل عناصر التصوير المطلوبة، من تركيز بؤري، والزووم، وفتحة العدسة، إلى جانب التحكم بالحركة. ثم سألني عن خبرتي مع الـ baby crane وهو جهاز كالرافعة تثبت عليه الكاميرا لتصوير اللقطات المتحركة من الأعلى إلى الأسفل أو بالعكس، وغيرها من حركات التصوير. هو جهاز صعب التعامل معه لأن المصور منفصل عن الكاميرا، وحجم المصور يلعب دوراً أيضاً في القدرة على التحكم بالحركة إلى جانب التحكم بالكاميرا. جاوبت حاتم بأني لا أمتلك الخبرة الكافية في هذا المجال أيضًا. على الرغم من جوابي السلبي على السؤالين الذين طرحهما حاتم علي فقد قرر مع جورج أن أكون مصوراً معه في مرايا ٩٨. بدأنا العمل في موقع تصوير في مشروع دمر، على مدخل أحد الأبنية، مع الممثلين، ياسر العظمة، سلمى المصري، ليليا الأطرش. ونفذت اللقطتين الأوليين في المسلسل باستخدام الـ Dolly والـ baby crane في لقطة طويلة ومعقدة تقنيًا. نفذت اللقطتين وأنا أرتجف من الخوف، الخوف من الفشل. بعد مرور أسبوع على التصوير خاطبني حاتم أثناء التحضير لأحد اللقطات قائلاً: هل تعلم يا سامر أني اتفقت مع جورج بأن تكون تحت الاختبار في هذا العمل كمصور لمدة أسبوع ؟ هل أعلمك جورج بذلك؟ فكان جوابي نافيًا، فأكد حاتم أن الاتفاق مع جورج كان قائمًا على اختبار قدراتي لمدة أسبوع، وبعدها يقرران إن كنت صالحًا لإتمام العمل أم لا. فسألته عن النتيجة التي خرج بها بعد تجريبي لمدة أسبوع، فابتسم حاتم راضياً؟!.. لتبدأ علاقة طويلة مع حاتم بدأت في العام ١٩٩٧. في نفس الفترة عرض علي جورج بأن أصبح مديرًا لمكتب التزويد الصحفي. أن أكون المسؤول عن المصورين والصحفيين الذين يعملون مع جورج لجمع الأخبار للوكالات والمحطات العربية والدولية. طلبني ليعرض علي الأمر وترك لي تحديد الراتب الذي أريد، لكني قلت لجورج بأني لا أريد ذلك فأنا شغوف بصناعة الدراما، وأرغب بالتركيز على ذلك العمل، وبذلك كانت نهاية رحلتي مع جورج صليبا والعمل الصحفي، وبداية رحلة طويلة مع حاتم علي، وصناعة الدراما التلفزيونية.
إياس: لأكون صادقاً معك، لم أكن يوماً معجباً بحاتم علّي الممثل، بالمقارنة بإعجابي بـ نجوم الثمانينات والتسعينات من أمثال رشيد عساف، عباس النوري، سلوم حداد، وغيرهم من الممثلين، الذين شكلوا ذاكرة جيلي.
سامر: كان هذا رأي حاتم رحمه الله هو بتجربته كممثل. حاتم المخرج أهم بكثير من حاتم الممثل.
إياس: كان مسلسل سفر العلامة التي أنبأتني بولادة مخرج مميز سوف يحفر اسمه في ذاكرة طفل في السابعة من العمر. وهنا أتحدث وبصدق من ذاكرة ذلك الطفل… كانت الصورة في "سفر" ملفتة لعيني، محفزة للخيال. كان عملًا جاذبًا، ومختلفًا، وكنت الوحيد الذي تابع العمل في عائلتي. أذكر جيداً تلك اللقطات السينمائية المأخوذة في المناطق الجرداء والصحراوية. صورة مليئة بالجمال والعمق في التشكيلي البصري. كان هذا العمل بالنسبة لي، علامة على ولادة مخرج من خلال الصورة الفريدة التي قدمها.
سامر: لا يمكنك تخيل مقدار الغبطة عندما أسمع هذا الكلام بعد كل تلك السنوات على مسلسل سفر. كان العمل من بطولة مازن الناطور، ونورا رحال. بالحديث عن ولادة المخرج، فإن تلك الولادة تظهر من خلال الأسلوب الإخراجي الذي يميزه. في سوريا ذلك الوقت، كان لدينا مدرستين في الإخراج التلفزيوني. مدرسة هيثم حقي الكلاسيكية الواقعية، ومدرسة نجدة إسماعيل أنزور الذي يختلط فيها الرمزي بعناصر من أسلوب الواقعية السحرية، والأسلوب الهوليوودي الاستعراضي. ليظهر حاتم علي مخرجًا يتبع مدرسة معتدلة بين الإثنين و المعتمدة وبشكل أساسي على الأسلوب التجريبي الباحث عن التجديد والمواكبة، ليتمكن حاتم وفي وقت قصير من استمالة جمهور هيثم، ونجدت. لغة بصرية جذابة، ومختلفة، إلى جانب عمق في الطرح الفكري الدرامي.
إياس: حدثني عن تجربة مسلسل سفر.
سامر: بعد الانتهاء من مسلسل مرايا ٩٨، بات حاتم مصرًا على تواجدي معه في أي عمل يتصدى لإخراجه. بدأ حاتم من ذلك العمل بتثبيت مجموعة العمل الخاصة به. المجموعة كانت مؤلفة مني أنا كمدير تصوير، وأحمد إبراهيم أحمد مديراً للإضاءة، الليث حجو، والمثنى صبح كـ مخرجين منفذين، مع الهادي قرنيط كمدير إنتاج، وعلى علي كـ مساعد مخرج.
إياس: حدثني عن الشراكة الفنية مع حاتم علي ابتداءاً من مسلسل سفر. كما تعلم، فإن بناء مثل تلك الشراكة ليس بالأمر السهل.
سامر: شهدت على عمل الكثير من المخرجين قبل عملي مع حاتم علي. هناك فرق كبير في العمل مع مخرج لا يعرف ما يريد، ومخرج آخر يدخل إلى موقع التصوير الخاص به، مدركاً وعارفاً لأدق التفاصيل في العمل الذي يخرجه، يعرف الكيفية الفنية التي يود صناعة العمل بها. مخرج لديه خيال كامل عن العمل بكل تفاصيله. حاتم من المخرجين الذين يتدخلون في أدق التفاصيل، في الملابس والديكور والإضاءة والصوت والإكسسوار وأداء الممثلين وكل التفاصيل، إلى جانب التدخل في نص العمل نفسه.
مسلسل سفر كان التجربة الأولى لحاتم لصناعة مسلسل تاريخي درامي من النوع الثقيل. وبالنسبة لي كانت التجربة الأولى التي تمكنت فيها من صناعة لقطات سينمائية لخدمة الدراما النفسية الموجودة بالعمل، إلى جانب التجريب في صناعة سينماتوغرافيا ذات عمق بصري متنوع ذو هوية. هذا لم يكن متاحًا في عمل كوميدي اجتماعي خفيف مثل مرايا، لقطات مسترخية، في مواقع تصوير معاصرة لا تخدم إلا الدراما بدون أي عمق سينماتوغرافي (الصورة) والعلاقة التفاعلية مع السينوغرافيا (المكان وتداخلاته).
العمل دائماً كان يبدأ من الورق (السيناريو) القراءة التي يعقبها نقاشات محمومة مع حاتم علي والمسؤولين عن تنفيذ المشروع. من خلال عمل سفر أتيحت الفرصة لنا لتقديم رؤية جديدة تنبئ عن ميلاد ليس فقط مخرج جديد، بل فريق عمل متكامل يحمل رؤية جديدة. كان هذا العمل هو ميلاد لمدير تصوير جديد اسمه سامر الزيات، ومدير إضاءة اسمه أحمد إبراهيم أحمد، ومدير إنتاج اسمه الهادي قرنيط. كان مسلسل سفر فعلًا الحجر الأول الذي بنيت عليه مستقبلي المهني. بالحديث عن اللقطات التي أظهرت المناظر الطبيعي في العمل (اللقطات التأسيسية العامة للأجواء الصحراوية)، واللقطات السينمائية، وهو موضوع يمكن الحديث عنه أكثر لاحقًا، لكني أرغب بالقول، كان حاتم يطلب لقطة عامة دون تحديد طبيعة تلك اللقطة العامة، كان يترك الكثير من تلك القرارات المتعلقة بالصورة لمدير التصوير.
إياس: هل يمكنني القول أن العلاقة، وأسلوب العمل مع حاتم أعتُمِدَ، وأخذ هذا الشكل منذ مسلسل سفر؟
سامر: من تجربة سفر بدأنا العمل بأسلوب عمل محدد وواضح. على سبيل المثال، لم نكن نبدأ التصوير بأي موقع تصوير جديد قبل أن أكون أنجزت وبشكل مسبق بروفات كاملة على اللقطات المقترحة، واختبار لكل الزوايا الممكنة للتصوير في الموقع الجديد. بروفات لحركة الكاميرا، والتقنيات الأخرى الممكن استخدامها. كنت أقوم بذلك لينطبع موقع التصوير في ذاكرتي البصرية. مكان أعرف كل زواياه، وعيني متشبعة بتفاصيله. بسبب خبرتي الفنية والتقنية بالتصوير، ومعرفتي الجيدة بفن المونتاج كنت قادراً على تخيل وتجميع لقطات المشهد فكرياً بالاعتماد على شرح حاتم الشفهي للمشهد الذي يقوم بإخراجه. حتى أن المثنى صبح والليث حجو مساعدي الإخراج لحاتم علي في ذلك الوقت، كانا يعتمدان علي بتتبع تصوير اللقطات المطلوبة من عدمه، وذلك مخالف للسائد في صناعة السينما والتلفزيون، وهو أن على المصور أن يتبع مساعدي الإخراج في معرفة اللقطة التالية الواجب تصويرها، فهذا هو لب عملهم. كانوا دائماً ما يسألونني إذا كنا قد انتهينا من كل اللقطات الواجب التقاطها من هذه الزاوية أو تلك. لذلك كان ما بدأ بيني وبين حاتم في مسلسل سفر هو شراكة حقيقية وكاملة امتدت حتى العام لـ ٢٠١٤. كان هناك فترة انقطاع في العمل بيني وبين حاتم من الـ ٢٠٠٦ حتى العام ٢٠١٣ وذلك بسبب قليلي الأصل، المثنى صبح، وأحمد إبراهيم أحمد، اللذان عملا على تعبئة حاتم ضدي، ليتسببوا بجفوة بيني وبين حاتم أبعدتني عن العمل معه كل تلك السنوات. هناك ثلاثة أشخاص في حياتي لا يمكنني أن أسامحهم على ما فعلوه معي، المثنى صبح بعد كل ما قدمته له من دعم مهني، وحب واخلاص في الصداقة. أحمد إبراهيم أحمد، الحقود الغيور، والأستاذ الكبير فراس إبراهيم. عدت للعمل مع حاتم بعدها في مسلسل تحت الأرض ٢٠١٣، ومسلسل قلم حمرة ٢٠١٤ العمل الأخير الذي جمعني بالمرحوم.
إياس: ما أفهمه أن ما كان بينك وبين حاتم من شراكة كان قائمًا على إتاحة الفرصة لك بتأدية الدور المنوط بك كمدير تصوير في تحقيق رؤية العمل بأفضل طريقة ممكنة.
سامر: أضف إليها أن المذهب الفني الذي اتبعه حاتم كمخرج وتبنيته أنا، كان المذهب التجريبي الذي يبحث في الأسلوب لتكسيره وإيجاد طرائق جديدة لتركيبه بشكل معاصر. أسلوب يستجيب لحقيقة تطور خبرة الجمهور وذائقته بالعلاقة مع المادة السمع بصرية، وهذا الأمر مرتبط وبشكل عضوي بمهمتي كمدير تصوير منوط به بناء اللغة البصرية للعمل، وتنفيذها. تحدث حاتم علي شخصياً عن ذلك في مقابلاته رداً على سؤال من نوع، هل التجريب في الأسلوب عصي على صناعة التلفزيون؟ فكان عادةً ما يقول: صناعة الدراما التلفزيونية ليست عصية على التجريب، بل على العكس، هي بيئة خصبة لتجريب أساليب السينما المعاصرة في تحقيق العمل الدرامي التلفزيوني كـ مذهب الدوجما ٩٥ على سبيل المثال لا الحصر. كان حاتم، وعلى الرغم من معرفته أن العمل التلفزيوني هو عمل استهلاكي وليس فنًا، مؤمنًا بأن إنجاز هذا العمل الاستهلاكي بمواصفات فنية وتقنية عالية، ينتج عنه بالضرورة عملًا استهلاكيًا، لكن فيه الكثير من قيم الفن الجمالية والمعرفية.
كان حاسماً بعلاقتي الفنية والمهنية بحاتم، تقارب الرؤى والذوق الفني. كان حاتم يبحث دائماً عن الأفضل، كما كنت أنا دائمًا. عندما يؤدي ممثل ما جملته أمام الكاميرا، قد تختلف الآراء حول جودة أداء الممثل لتلك الجملة، غالبًا ما كنت وحاتم متقاربين في تحسس تلك التفاصيل ما جعل طبيعة العلاقة المهنية بيننا شديدة الحيوية ولا تحتاج للكثير من الكلام، بالمختصر كنا نفهم على بعض. وذلك التفاهم أنجز أعمالاً تحولت إلى بصمات في تاريخ الدراما التلفزيونية السورية.
كان حاتم، وعلى الرغم من معرفته أن العمل التلفزيوني هو عمل استهلاكي وليس فنًا، مؤمنًا بأن إنجاز هذا العمل الاستهلاكي بمواصفات فنية وتقنية عالية، ينتج عنه بالضرورة عملًا استهلاكيًا، لكن فيه الكثير من قيم الفن الجمالية والمعرفية.
مع حاتم علي كان لدي رأي في كل شيء. أتاح لي حاتم ذلك، كنت أبدي وجهة نظري إليه بكل تفاصيل العمل. الملابس، والديكور. الإضاءة والألوان، وكل التفاصيل المتعلقة بتحديد الشكل البصري للعمل. مع مخرجين آخرين لا تجربة، ولا رؤية لديهم يتحول الموضوع إلى تعذيب. في تجربة مسلسل الصندوق الأسود، إخراج سيف الشيخ نجيب، كتب لقمان ديركي في الصحافة عن المسلسل أن بطل العمل كان التصوير. التصوير متفردًا لا يمكن أن يصنع عملًا جيدًا. عند غياب رؤية المخرج كما في عمل الصندوق الأسود، فإن العمل يكون مجرد شكل خال من المضمون والمعنى. ما يزال سائداً حتى اليوم، النظر إلى أن ما يحتاجه العمل الدرامي هو مجرد صورة جيدة ونص مقبول وأسماء كبيرة من الممثلين ليكون عمل جيد، وهذا غير صحيح، العمل الجيد يحتاج إلى تكامل عناصره الفنية، والتقنية، وقيادة من مخرج يدرك ما يفعل.
سامر الزيات، فيلموغرافيا:
أعمال تلفزيونية درامية، ووثائقية:
مصور/ مدير تصوير/ مدير تصوير وإضاءة
- مدير التصوير، Comme un Soufe en Mai، الفيلم الوثائقي الفرنسي عن ثورة مايو 1968- إخراج تييري مينيسييه، عام ٢٠١٨.
- مدير تصوير مسرحية إيفجينيا في مسرح فولكسبونه ألمانيا إضاءة المسرح بشاشة (4*8)، (2017)
- تدريب الممثلة الرئيسية على التصوير المباشر طوال العرض (1.40 دقيقة) إخراج عمر أبو سعدة (2017).
- مدير التصوير الفوتوغرافي والفيديو الموسيقي من إخراج ديفيد بورشتاين (2016).
- مدير التصوير، Lignes de Partage، الفيلم الوثائقي الفرنسي عن اللاجئين في غرونوبل، فرنسا، إخراج تييري مينيسييه (2016).
مسلسلات:
- ضبو الشناتي، مسلسل للمخرج الليث حجو (2014).
- قلم حمرة - مسلسل للمخرج حاتم (2014).
- أهل الراية ج2، إخراج سيف الدين سبيعي (2010).
- الدوامة للمخرج المثنى صبح (2009). حاز جائزة أفضل تصوير في مهرجان الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
- بقعة ضوء ج6، إخراج سامر برقاوي (2009).
- ليس سرابًا، إخراج المثنى صبح (2008). حاز جائزة أفضل تصوير في مهرجان الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
- حارة الهوا، إخراج رافي وهبة (2007).
- على حافة الهاوية، إخراج المثنى صبح (2006). حاز جائزة أفضل مخرج في مهرجان ADONIA DRAMA 2007.
- على طول الأيام، إخراج حاتم علي (2005).
- ملوك الطوائف، إخراج حاتم علي (2005). الجائزة الذهبية لأحسن تصوير في مهرجان (ADONIA DRAMA)
- عصي الدمع 2005- إخراج حاتم علي (2005).
- التغريبة الفلسطينية، إخراج حاتم علي (2004). حاز الجائزة الفضية في مهرجان تلفزيون القاهرة الدولي 2005 والجائزة الذهبية في مهرجان تلفزيون البحرين الدولي 2005 والجائزة الذهبية في مهرجان تلفزيون تونس الدولي 2005 والجائزة الذهبية في مهرجان (ADONIA DRAMA) 2004.
- أحلام كبيرة، إخراج حاتم علي (2004).
- ربيع قرطبة، إخراج حاتم علي (2003). حاز الجائزة الذهبية في مهرجان تلفزيون تونس الدولي 2004 .
- عصام ورشا، إخراج : حسان داود (2003)
- صقر قريش، إخراج حاتم علي (2002). حاز على الجائزة الفضية في مهرجان تلفزيون القاهرة الدولي 2003.
- الفارس المغوار، إخراج رفيق حجار (2002).
- صلاح الدين الأيوبي، إخراج حاتم علي (2001)، حاز على الجائزة الفضية في مهرجان تلفزيون القاهرة الدولي 2002.
- الفصول الأربعة الجزء الثاني، إخراج حاتم علي (2001).
- الزير سالم، إخراج حاتم علي (كانون أول 2000). حاز على الجائزة الذهبية في مهرجان تلفزيون البحرين الدولي 2001، والجائزة الذهبية في مهرجان تلفزيون تونس الدولي 2001.
- عائلتي وأنا، إخراج حاتم علي (2000).
- الفصول الأربعة الجزء الأول، إخراج حاتم علي (1999). حاز على الجائزة الفضية في مهرجان تلفزيون البحرين الدولي 1999.
- سفر، إخراج حاتم علي (1998)، حاز على الجائزة الفضية في مهرجان تلفزيون القاهرة الدولي 1999.
- سري للغاية، إخراج نبيل المالح (حزيران 1998).
- مرايا 98، إخراج حاتم علي (1997). حاز على الجائزة الفضية في مهرجان تلفزيون القاهرة الدولي 1998.
- حالات، إخراج نبيل المالح (1996). حاز على الجائزة الذهبية لأحسن إضاءة في مهرجان تلفزيون القاهرة الدولي 1997والجائزة الذهبية لأحسن مخرج في مهرجان تلفزيون القاهرة الدولي 1997والجائزة الذهبية للمسلسلات الكوميدية في مهرجان تلفزيون القاهرة الدولي 1997.