"العقوبات الأمريكيّة لا تزال العقبة الأكبر" في سوريا .. مقابلة مع الخبير الاقتصادي جهاد يازجي


أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا في ١٤ مايو/أيار ٢٠٢٥، ومنحها "فرصة للازدهار"، من السعودية، خلال جولته الخليجية، والتقى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع. قوبل القرار بترحيب شعبي جارف في سوريا. الخبير الاقتصادي جهاد يازجي يوضح في هذه المقابلة التفصيلية، كيف تكبل العقوبات الأمريكية تحديداً، الاقتصاد السوري وتقف حائلاً أمام أي استثمار في البلاد.

15 أيار 2025

حكاية ما انحكت

منصة إعلامية مستقلة باللغتين العربية والإنجليزية تقدم وجهات نظر نقدية حول سوريا والسوريين/ات.

أُجريتْ المقابلة بواسطة حسام بارافي، لصالح مجلة “ips-journal"، ونُشرت في ١٥ أبريل/نيسان ٢٠٢٥. المصدر هنا

يُناقش الخبير الاقتصادي جهاد يازجي في هذه المقابلة، الرفع الجزئيّ للعقوبات الأوروبيّة، والعقوبات الأمريكيّة المتبقيّة، وأثر ذلك على الاقتصادِ السوريِّ وجهود إعادةِ الإعمار.

فُرِضتْ العقوبات الغربيّة على سوريا في البداية للضغطِ على نظامِ الأسد. لماذا لا تزال ساريةً حتّى اليوم؟

صحيحٌ أنّ العقوبات فُرضِتْ في البداية بهدف الضغطِ على نظامِ بشار الأسد، وذلك ردّاً على قمعهِ العنيف لمظاهراتٍ سلميّةٍ طالبتْ بإصلاحاتٍ سياسيّة، لكنّ الوضع تغيّر بشكلٍ جذريٍّ لاحقاً، إذ تحوّلتْ تلك الاحتجاجات إلى حربٍ أهليّة معقّدةٍ وصراعٍ إقليميٍّ واسع، شاركتْ فيه قوى خارجيّة وجماعاتٍ إسلامويّة متطرّفة، واستُخدمتْ خلاله الأسلحة الكيماويّة. غالباً ما تستمرّ العقوبات، بعد فرضها في سياقات معيّنة، بمعزلٍ عن ظروفها الأصليّة، وتتحوّلُ إلى أدواتِ ضغطٍ لها منطقها الخاصّ. السودان هي مثال جيد عن ذلك، حيث فُرضَتْ العقوبات بسبب انتهاكات نظام البشير، لكنّها لم تُرفع إلّا بعد أنّ طبّع علاقاته مع إسرائيل، ما يوضّحُ أنّ العقوبات كثيراً ما تُرفع أو تظلّ لأسبابٍ لا تتعلّق بالسببِ الأساسيّ الذي فُرضِتْ من أجله.

كيف أثّرتْ العقوبات على سوريا؟ وكيف تُقيّمُ أثرها الحاليّ على الاقتصاد بعد سقوط النظام؟

يؤثّرُ وجودُ العقوبات على الاقتصاد حتماً. عادةً، يتمّ تضخيم أثرِ العقوبات، كما يُصوَّر في الإعلام الغربيّ وعلى لسان السياسيّين الغربيّين. يميلُ الغرب للاعتقاد بأنّ ما نفعله، أو لا نفعله، له أهميّة كبيرة، إلّا أنّنا نُبالغ هنا في تقدير مدى تأثيرنا على الدول الأُخرى.

ومع ذلك، لا يجبُ التقليل من تبعاتِ العقوبات. يتمثّلُ التأثير الأساسيُّ اليوم في عزلِ سوريا عن الأنظمةِ الماليّة والتجاريّة العالميّة. لا تزال الشركات والمؤسّسات السوريّة تواجه صعوباتٍ بالغة، قد تصلُ إلى الاستحالة، في إجراءِ تعاملاتٍ ماليّة مع الخارج. وإذا لم يكن بالإمكان الدفع أو تلقّي المدفوعات، تُصبح التجارة غير مُمكنة. رغم ذلك، لا تزال مُعظم السلعِ متوفّرة داخل سوريا، إلّا أنّ جذب استثماراتٍ جديّة في ظلِّ هذه الظروف أمر شبه مستحيل. ويؤثّرُ هذا بشكل كبير على الاقتصاد وسيظلُّ يُشكّل عائقاً كبيراً أمام إعادة الإعمار إلى أن تُرفع العقوبات.

ماذا يخبرنا "السرفيس" عن مستقبل الاقتصاد السوري؟

24 نيسان 2025
عقب سقوط النظام ألغت حكومة تسيير الأعمال نظام الوقود المدعوم وحرّرت سوق المحروقات ليصبح الديزل متوفّراً ، لكن بالمقابل ارتفعت أجور النقل على حساب المواطنين المفقرين. وهذا الارتفاع جعل استخدام...

تُعتبر العقوبات غالباً العائقَ الأكبر أمام إعادةِ الإعمار في سوريا. كيف ترى موقف الاتحاد الأوروبيّ والجهات الدوليّة الأخرى في التوفيق بين تنفيذ العقوبات وتقديم المساعدات الإنسانيّة ودعم التعافي بعد الحرب؟

التخفيف الجزئيّ من العقوبات الأوروبيّة، وكذلك من جانب المملكة المتحدة وسويسرا، يُعدُّ خطوةً إيجابيّةً، لكن لا ينبغي المبالغة في تقدير أثرها. العقبة الأهم تبقى العقوبات الأمريكيّة، لا سيما الحظر المفروض على تعامل النظام الماليّ الأمريكيّ مع البنوك السوريّة. يمنعُ هذا الحظر فعليّاً القطّاع المصرفيّ الدوليّ من التعامل مع سوريا، لأنّ أغلب التجارة العالميّة تتمّ بالدولار، وأيّ عمليّة بالدولار يجب أن تمرَّ عبر نيويورك.

إذاً، حتّى لو قرّر الاتحاد الأوروبيّ رفع بعض القيود، لن يتغيّر الوضع بالكامل ما دامتْ الولايات المتحدة محافظةً على عقوباتها الماليّة. ستبقى سوريا معزولةً إلى حدٍّ كبير عن النظام الماليّ العالميّ، ممّا يجعلُ التجارة والاستثمار الأجنبيّين في غاية الصعوبة.

مع ذلك، فإنّ خطوات الاتحاد الأوروبيّ يُمكن أن يكون لها أثرٌ ملموس، وقد حدثَ ذلك بالفعل. على سبيل المثال، أدّى قرار الاتحاد الأوروبيّ برفعِ العقوبات عن الاستثمارات في البنيةِ التحتيّة والتعامل مع المصرف المركزيّ السوريّ إلى إفساح المجال لنوع من الانخراطِ المحدود. فقد بدأتْ شركات مثل "سيمنس" باتخاذ خطواتٍ لإصلاحِ محطّات توليد الكهرباء، حيث تُعدُّ هذه المشاريع ضمنَ ما يُسمح به في إطار تطوير البنية التحتيّة.

علاوة على ذلك، وبينما لا تزال البنوك التجاريّة تتجنّبُ التعامل مع سوريا بسبب القيود الأمريكيّة والخشية من العقوبات الثانويّة، فإنّ بعض البنوك الإنمائيّة الأوروبيّة، مثل بنك KfW الألمانيّ أو بنك الاستثمار الأوروبيّ (EIB)، تتمتّعُ بقدرٍ أكبر من المرونة. تستطيعُ هذه المؤسّسات التعاملَ بشكلٍ مباشرٍ مع المصرِف المركزيّ السوريّ وإجراء المدفوعات، متجاوزةً القنوات التجاريّة التقليديّة. ويبدو أنّها مستعدةٌ للقيام بذلك، لأنّها ترى إلى حدٍّ ما أنّ المخاطر قابلةٌ للإدارة ضمن الإطار القانونيّ الحاليّ للاتحاد الأوروبيّ.

غالباً ما تستمرّ العقوبات، بعد فرضها في سياقات معيّنة، بمعزلٍ عن ظروفها الأصليّة، وتتحوّلُ إلى أدواتِ ضغطٍ لها منطقها الخاصّ. السودان هي مثال جيد عن ذلك، حيث فُرضَتْ العقوبات بسبب انتهاكات نظام البشير، لكنّها لم تُرفع إلّا بعد أنّ طبّع علاقاته مع إسرائيل، ما يوضّحُ أنّ العقوبات كثيراً ما تُرفع أو تظلّ لأسبابٍ لا تتعلّق بالسببِ الأساسيّ الذي فُرضِتْ من أجله.

وبالتالي، فإنّ قرارات الاتحاد الأوروبيّ تسمحُ بإجراءِ بعض المعاملات المحدودة، لذا نعم، هنالك أثر، وإن لم يكن كبيراً. لا يكفي التخفيف الحاليّ لإطلاق عمليّة إعادة إعمارٍ واسعة النطاق، سيبقى هذا مستحيلاً ما لم تُرفع العقوبات الماليّة الأمريكّية. لكن رغم ذلك، من المتوقّع أن يشهدَ البلد بعض مشاريع الإعمار الجزئيّة في ظلّ هذه الظروف.

كان هناك تخفيف جزئيّ آخر في عقوبات الاتحاد الأوروبيّ، مثل رفع تجميد الأصول لبعض البنوك الحكوميّة. هل لهذه التعديلات أيّ أثرٍ اقتصاديٍّ حقيقيّ أم أنّها مُجرّد إجراءات رمزيّة؟

كانتْ هذه الخطوة رمزيّةً أكثر من كونها ذات تأثيرٍ جوهريّ. أعلنَ الاتحاد الأوروبيّ عن رفع تجميد الأصول لأربعة بنوك حكوميّة سوريّة: البنك الصناعيّ، بنك التسليف الشعبيّ، بنك الادخار، وبنك التعاون الزراعيّ. ومع ذلك، لم تكن هذه البنوك تمتلكُ أصولاً أجنبيّة في المقام الأوّل، حيث لم يُسمح لها من قِبل السلطات السوريّة بالتعامل بالعملات الأجنبيّة أساساً.

قوى الأمر الواقع في سوريا: ثلاثة نماذج لإدارة الاقتصاد تصبّ في نظامٍ واحد

17 آذار 2025
لطالما روّجتْ قوى الأمر الواقع في سوريا لأنموذجها الاقتصادي بوصفه إنموذجاً لما قد تكون عليه سوريا مستقبلاً، فأيُّ نظامٍ اقتصاديٍ قد أسَّسَت له تلك القوى؟ تسعى هذه المادة للإجابة عن...

على النقيض، لا تزال الأصول المجمّدة للبنكين اللذين يمتلكان أصولاً أجنبيّة، بنكُ التجارة السوريّ والبنك العقاريّ، محجوزة. حتّى البنك المركزيّ السوريّ، وعلى الرغم من أنّه لم يعد مُدرجاً في القائمة السوداء بالكامل، إلّا أّنّ أصوله الأجنبيّة لا تزال مجمّدة. لذا، يُمكن وصف هذه التعديلات بأنّها "إجراءاتٍ جزئيّة"، حيث أنّها تُشير إلى رغبةٍ معيّنةٍ في التدخّل، إلّا أنّ أثرها محدود من الناحيةِ الاقتصاديّة، فلا تزال القيود الماليّة الرئيسيّة قائمة.

أشارتْ الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة إلى عدم وجود سياسةٍ واضحة تجاه سوريا، مع تحرّكاتها التي تتأثّر بشكل رئيسيّ بالديناميكيّات الإقليميّة. ماذا يعني هذا بالنسبة لمستقبلِ العقوبات؟

حتّى الآن، من غير الواضح ما الذي تعتزمُ الولايات المتحدة فعلهُ بخصوص سوريا، لكن تدلُّ الإشارات الحاليّة على أنّ العقوبات ستظلُّ مفروضة في المستقبلِ القريب. من الأفضل أن نفترضَ أنّ واشنطن ليستْ في طريقها لرفعها في أيّ وقت قريب.

بعض حلفاء دونالد ترامب المقرّبين، مثل وليّ العهدِ السعوديّ محمّد بن سلمان والرئيس التُركيّ رجب طيّب أردوغان، قد يميلون إلى تخفيفِ العقوبات، بينما هناك آخرون مثل بنيامين نتنياهو الذين قد يُفضّلون استمرارها. لكن بغضِّ النظرِ عن التأثيرات الداخليّة أو الإقليميّة، يبدو أنّ الاتجاه العام هو الحفاظ على الوضع الراهن.

وهذا له تبعات كبيرة: لا يوجدُ أيّ بلد، بما في ذلك دول الخليج، مستعدٌّ للمخاطرة باستثماراتٍ كبيرة في سوريا طالما أنّ العقوبات الماليّة الأمريكيّة سارية. حتّى قَطر، التي كانتْ تدعم المعارضة السوريّة بشكل كبير، أصبحتْ أكثر حذراً بعد الانتقادات التي واجهتها بسبب دعمها مجموعات مثل حماس، المصنّفة كمنظّمة إرهابيّة من قِبل الولايات المتحدة. ومن غير المرجّح أن تُخاطرَ قَطر بمواجهة انتقادات مماثلة من خلالِ دعم كياناتٍ مرتبطةٍ بهيئة تحرير الشام، التي هي أيضاً مُدرجة على قائمةِ الإرهاب الأمريكيّة.

التخفيف الجزئيّ من العقوبات الأوروبيّة، وكذلك من جانب المملكة المتحدة وسويسرا، يُعدُّ خطوةً إيجابيّةً، لكن لا ينبغي المبالغة في تقدير أثرها. العقبة الأهم تبقى العقوبات الأمريكيّة، لا سيما الحظر المفروض على تعامل النظام الماليّ الأمريكيّ مع البنوك السوريّة. يمنعُ هذا الحظر فعليّاً القطّاع المصرفيّ الدوليّ من التعامل مع سوريا، لأنّ أغلب التجارة العالميّة تتمّ بالدولار، وأيّ عمليّة بالدولار يجب أن تمرَّ عبر نيويورك.

لذلك، في الوقت الحاليّ، من المرجّح أن تظلَّ العمليّات الماليّة قائمة عبر المؤسّسات الدوليّة مثل الأمم المتحدة، وبشكل أساسيّ بتمويل من الاتحاد الأوروبيّ. ولكن حتّى هذا الحلّ له حدود، لأنّ المدّة الزمنيّة التي سيستمرُّ فيها الاتحاد الأوروبيّ في تمويل سوريا غير واضحة، خاصّة وأنّ دول الخليج أبدتْ قلّة اهتمامها في توجيه الأموال عبر آليّات التمويل المشتركة مثل الأمم المتحدة.

بشكلٍ عام، قد يطرأُ بعض التحسّنُ الاقتصاديّ في سوريا، لكن يتوقّفُ مدى هذا التحسّن بالكامل على ما إذا كانتْ العقوبات الأمريكيّة ستُرفع. إذا رُفعتْ، سيُصبح من الممكن بدءُ إعادة الإعمار على نطاق واسع. أمّا إذا لم تُرفع، فسيظلُّ أيّ تعافٍ محدوداً وبطيئاً. هذه هي النقطة الفاصلة.

أمّا بالنسبة لصنّاعِ القرار الأوروبيّين والألمان، يكمنُ التحدّي في دعم جهود التعافي والمساعدات الإنسانيّة دون التأثير سلباً على الضغط السياسيّ. إنّ الإجراءات المستهدفة، مثل تمكين قنوات الدفع الآمنة والتركيز على البنية التحتيّة الأساسيّة، يُمكن أن توفّر طرقاً عمليّة للمضي قدماً في ظلِّ القيود الحاليّة. في النهاية، من دون تحرّك سياسيّ أوسع، خاصّة من الولايات المتحدة، ستستمرُّ عزلة سوريا الاقتصاديّة وستظلُّ إعادة الإعمار جزئيّةً في أحسن الأحوال.

مقالات متعلقة

مشروع قانون قيصر.. ما أبرز النقاط فيه؟

15 شباط 2020
أصبح مشروع قانون قيصر موضوع نقاش بين الأطراف السورية التقدمية والديمقراطية. وتمحورت النقاط الجدلية الأبرز فيه حول طبيعة العقوبات الثانوية ومداها: أي التدابير التي تستهدف جهود إعادة الإعمار في سوريا،...
عن العلاقات المتأرجحة بين نظام الأسد ودول الخليج

11 حزيران 2024
هذه المشاركة، وإن كانت صامتة هذه المرّة، إلّا أنّها ليست الأولى في الخليج بعد انقطاعه عربياً، فقد شارك الأسد العام الماضي (٢٠٢٣) في أعمال القمّة العربية التي استضافتها جدة، كما...
بين ناري العقوبات والأزمة الاقتصادية

21 شباط 2020
يهدّد قانون قيصر بفرض عقوبات واسعة النطاق على قطاعات كاملة من الاقتصاد السوري وعلى الأشخاص الذين يساعدون الحكومة السورية وحلفاءها أو يشاركون في التحريض من أجلها. ولكن هذا قد ينعكس...
حيتان الحرب والسلم يتحكمون بالضوء

28 آذار 2023
في شهر نيسان من عام 2022، صدر قرار عن محافظ مدينة اللاذقية، عامر هلال، يقضي بمنع تركيب المولدات بقصد بيع الكهرباء، والتي يطلق عليها الأهالي اسم "اﻷمبيرات"، الملفت أنّ التعميم...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد