طلاب التاسع في الساحل السوري: خوفٌ واستعدادٌ للمواجهة!

أوّل امتحاناتٍ بعد سقوط نظام الأسد


"أخاف من الطريق كما أخاف من الامتحان" هذا ما يقوله الطالب جعفر الذي يستعد لتقديم امتحان الشهادة الإعدادية لأوّل مرة بعد سقوط النظام السوري، وسط وضعٍ أمنيٍّ مهتزّ، ومخاوف يسلّط هذا التقرير الضوء عليها.

21 حزيران 2025

كمال شاهين

صحفي وكاتب سوري

(اللاذقية)، قبل أن ترتفع الشمس في كبد السماء، جهّز جعفر حقيبةً صغيرةً فيها دفترٌ وكتاب فيما كانت أمّه تراقبه من المطبخ منشغلةً بلفّ سندويش الزعتر بزيت الذرة حيث لم يبق في البيت زيت زيتون. سيغادر الشاب بيته لدراسة مادة اللغة العربية في "البرّية"، حيث احتمال وصول مسلحين إلى الوديان والحقول البعيدة نسبياً عن القرية أقلّ من احتمال وصولهم إلى قريته "بستان الحمام" جوار بانياس الساحل.

تخفي الأم (وهي ممرضةٌ مفصولةٌ من دوامها في مشفى بانياس الوطني رغم أنها قاربت على التقاعد) قلقها خلف ابتسامةٍ شاحبة. في الخارج، لفّ السكون الطريق المعبّد، الذي سيقود الابن بأعوامه الخمسة عشر إلى المدينة، حيث ينتظره امتحان الشهادة الإعدادية في مدرسة ابن خلدون في حيّ رأس النبع في بانياس. ذلك ما أخبرته إياه البطاقة التي استلمها من مدرسته في القرية قبل يومين. بالنسبة إلى جعفر، تحوّل الامتحان إلى اختبارٍ للقدرة على النجاة في زمنٍ تشوبه فوضى مُحتملة في أيّة لحظة أكثر من كونه اختباراً للعربية والمواد الأخرى.

في سياق مجازر الساحل فقد جعفر عدداً من زملائه، لا يُعرف عددهم بدقّة. في مدرسة "فهيم محمد" الابتدائية (بانياس) وحدها سقط أكثر من سبعين طالباً ومدرّساً من بينهم أستاذ الرياضيات الذي درّس جعفر العام الماضي في الصف الثامن. يؤمن جعفر أن اسمه وحده قد يكون سبباً للريبة أو الخطر، في مدينةٍ لا تزال جراحها الطائفية تنزف منذ مجازر حي القصور آذار الماضي. الطريق إلى المدرسة أصبح مرعباً أكثر من صعوبة الأسئلة في ورقة الامتحان. ما يزيد مخاوف الشاب الصغير أنّه سيقدّم امتحانات التاسع في مدرسةٍ لا يعرف عنها شيئاً وتقع في منطقة لم يطأها في حياته.

الفوضى الأمنية: الامتحان وسط الخوف

منذ سقوط النظام في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، لم تعد الحياة في الساحل السوري كما كانت. تصاعدت التوتُّرات الأمنية، وأصبحت أخبار جرائم القتل والحواجز المسلّحة جزءاً من يوميات الناس. في آذار الماضي، أُعلن عن تعليق الدوام في معظم المدارس والجامعات، واستمر الانقطاع شهراً فأكثر. لجأ كثيرٌ من الأهالي إلى تعليم أبنائهم في البيوت أو عبر دروس خصوصية أو أونلاين، رغم الفقر المدقع، خوفاً من ضياع العام الدراسي.

امتحانات في زمن التفاوض

20 حزيران 2025
"أتى هذا القرار وأخرجنا من دائرة الضغط النفسي، أنا اليوم سعيدةٌ جداً بأنني سأتمكن من تقديم الامتحان والعودة إلى منزلي بعد الانتهاء". هذا ما تقوله لسوريا ما انحكت الطالبة في...

أمام هذا الواقع الجديد وجد جعفر، هو وأصدقاؤه من قرى الريف العلويّ حول بانياس، أنفسهم فجأةً في مواجهة واقعٍ جديد: صار الذهاب إلى المدينة مغامرةً محفوفةً بالمخاطر. "أخاف من الطريق كما أخاف من الامتحان"، يقول جعفر. "في كل مرةٍ أمرّ من أمام حاجزٍ (طيّار)، أتوقع سؤالاً عن اسمي أو قريتي أو طائفتي أو حتى تفتيشي بحجة البحث عن سلاح. ورغم مرور شهرين تقريباً فإنّ أحداً لم ولن ينسى قصة (ابراهيم)، الطالب الذي فقد حياته في مجزرة حرف بنمرة في عيد الفطر".

"رغم مرور شهرين على المجازر فإنّ هناك كثيراً من الطلاب لم يلتحقوا بمدارسهم وقتها ولا بعدها حتى اليوم بسبب الخوف وصعوبة التنقل"، يقول مدرّس اللغة الانكليزية، عدنان خضيرة، في بانياس مضيفاً: "هناك طلابٌ لن يقدّموا امتحاناتٍ لأنهم ماتوا.. حتى اليوم لم نقدر على استخراج شهادات وفاةٍ لهم لأنه يجب علينا الاعتراف بأنّ من قتلهم كان "فلول النظام".

على عكس جعفر يعتبر نمير وهو طالب تاسع كذلك من القرية نفسها أنّ هناك مبالغةً في هذه المخاوف: "نزلت إلى المدينة عشر مرات ما حدا وقفني، بالعكس حاجز (الجسر) (مدخل المنطقة) شباب لطيفين وكويسين معنا". لا ينكر جعفر ذلك ولكنه يعقّب: "بهي الشغلة الدنيا حظوظ".

العبء الاقتصادي: تكلفة الامتحان تفوق القدرة

في بيت جعفر، لا أحد يعمل اليوم. والده متقاعدٌ من جهازٍ أمنيّ ولم يتقاضَ راتبه (حوالي 20 دولاراً) منذ سقوط النظام، وأخواه كانا كذلك في سلك الجيش السابق متطوّعين في سلاح البحرية ولذلك لا يعملان وليس لديهما مصدر دخل، وحتى اليوم لم يحصلا على بطاقة هويةٍ مدنية تسمح لهما بالتحرّك. تبلغ أجرة النقل اليومية للامتحان عشرة آلاف ليرة سورية (ما يعادل دولاراً واحداً) للطالب، مبلغ يبدو تافهاً لكنه في الواقع عبءٌ ثقيل على عائلاتٍ فقدت مصادر رزقها. لا يدخل في الحساب حتى ثمن فنجان قهوة أو بسكويتة.

أمام هذا الواقع المرير الذي يشمل شريحةً واسعةً من السكان هنا، وفي أمكنةٍ أخرى في الساحل السوري (وسوريا كلها) ظهرت مبادراتٌ لحلّ مشكلة نقل الطلاب والطالبات على الأقل.

الطريق إلى المدرسة أصبح مرعباً أكثر من صعوبة الأسئلة في ورقة الامتحان.

يبلغ عدد طلاب التاسع الإجمالي في هذه القرية أكثر من خمسين طالباً وطالبة توزعت مدارسهم بين مراكز للشباب وأخرى للبنات في مدينة بانياس وقرى أخرى قريبة. يهدف توزيع الطلاب على القرى المجاورة إلى تقليل نسبة تعاطف المدرسين الأساسيين مع الطلاب إذا قدموا امتحاناتهم في ذات المدارس التي درسوا فيها.

حسب قناة سوريانا التعليمية فإن عدد طلاب التاسع هذا العام في سوريا 359,282 طالباً وطالبة، حصة اللاذقية وطرطوس ليست واضحة ولا توجد مصادر رسميةٌ توضحها على موقع وزارة التربية السورية، ولكنها على الأرجح تقع بين سبعين إلى ثمانين ألفاً. لا توجد تقديراتٌ رسمية أو أهلية توضّح نسبة انخفاض عدد المتقدمين في المناطق الريفية بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية.

في القرية التي يبلغ عدد سكانها عشرة آلاف نسمة تقريباً، عملت الجمعية الخيرية في القرية على جمع تبرعاتٍ من المغتربين والأهالي لتأمين "سرافيس" لنقل الطلاب إلى المدينة والقرى التي فيها مراكز. يقول جعفر: "لولا الجمعية، لما استطعتُ الذهاب "أحيانًا أشعر أنني أحمّل عائلتي عبئاً إضافياً فقط لأذهب إلى الامتحان". ويتابع رئيس الجمعية السيد عهد شارحاً: "مؤخّراً، انتشرت هذه الطريقة في التضامن المجتمعيّ في المناطق العلوية بحكم غياب الدولة والدعم عن هذه الجماعة، والحصيلة كما أراها جيدة وتعلّم الناس التضامن المجتمعي والتشارك مع بعضهم، أصحاب السرافيس نفسها قدّموا كذلك جزءاً من أتعابهم لصالح نقل الطلاب واكتفوا فقط بأخذ ثمن المازوت اللازم للنقل. بلغت تكلفة النقل لأيام الامتحان السبعة ثلاثة ملايين ليرة ونصف المليون (حوالي 350 دولار) وما زاد في التبرعات سوف يحوّل لامتحان طلاب البكالوريا".

في حالاتٍ أخرى، يعتمد بعض الطلاب على أصدقائهم في نقلهم على الدراجات النارية. يشير الأستاذ أحمد خضور، مدرّسٌ في قرية "بلغونس" في ريف مدينة بانياس إلى أنّ "هذه الطريقة هي الأخطر مما يمكن اللجوء إليه نظراً لعدم تقيّد الأولاد بإجراءات الأمان ومنها عدم ارتداء خوذ حماية، هذا عدا احتمال سرقة الدراجات النارية، الدارج هذه الأيام". قد يكون محتملاً جداً غياب طلابٍ عن الامتحانات لعدم تمكن الأهل من تحمّل تكلفة النقل.

يضاف إلى هذا إحساسٌ عام بعدم جدوى التعليم من أساسه للطائفة العلوية بعد أن جرى استبعادها من كثيرٍ من المجالات العامة بدرجات متفاوتة. تشكو والدة أحد الطلاب في قرية جعفر: "ابني لم يعد يهتم بالمدرسة، يقول لي: ما الفائدة إذا لم يكن هناك جامعة أو عمل في النهاية؟" مع ذلك يصر والد الشاب على نيله شهادة "التاسع": "من يدري ماذا سيحدث في السنوات القادمة يجب أن يكون الولد مستعداً لأي شيء، لقد انتهى زمن التطوع في الجيش والأمن وعلى هذا الجيل وغيره النحت في الصخر لتأمين حياته".

توزيع المراكز: عدالة غائبةٌ ومسافاتٌ طويلة

لم يحدث تغييرٌ كبير في توزيع مراكز الامتحانات في الساحل السوري عن السنوات السابقة. يشير المدرّس عدنان خضيرة إلى أنّه كان يجب هذا العام مراعاة الوضع الأمني أكثر. تقع مدرسة جعفر، ابن خلدون، في حي رأس النبع في مدينة بانياس، يجب على جعفر وغيره اعتماد "سرفيس الجمعية" الذي سينقله ذهاباً وإياباً ولا يمكنه اعتماد وسائل النقل العامة وإلا فإنه سوف يقطع الطريق من "كراج بانياس" إلى المدرسة مشياً لمدة تزيد عن ثلث ساعة، هذا عدا احتمال حدوث توتّراتٍ نتيجة الشكوك بين السكّان في المرحلة التي تلت مجازر بانياس نفسها.

وفيما انتشرت إشاعاتٌ أنّ التاسع سيصبح صفاً انتقالياً (ليس شهادةً رسمية) يتساءل والد جعفر: "لماذا لم يفتحوا مركزاً في القرية؟. يجيب على هذا السؤال، محمّد، موظّفٌ في مديرية تربية طرطوس دائرة الامتحانات (طلب عدم ذكر كنيته لأسباب خاصة به): "تتولّى مديرية التربية في طرطوس عملية اختيار المدارس التي تجرى فيها الامتحانات، وهي تراعي التوزّع الجغرافي والانتقال إلى هذه المراكز وتوفير الوقت الكافي للطلاب للوصول إليها، لكن مع ظروف البلد في المرحلة الجديدة ربما كان من الأفضل ترك الامتحانات في مدارسهم نفسها مع تغيير المراقبين، أي تكليف مدرّسين من مناطق أخرى بالمراقبة كما كل عام". ويختلف معه خالد، موظّفٌ آخر في حديثٍ ودّي جرى مع سوريا ما انحكت: "على العكس يجب كسر حلقة الخوف هذه مع اتخاذ إجراءاتٍ أمنيةٍ مضافة. يجب أن يخرج الطلاب من الجبل إلى امتحاناتهم في المدينة ويعيدوا العلاقة مع المحيط بدل البقاء حبيسي مدارسهم، طول عمرنا ننزل إلى المدينة من دون خوف، ولا أعتقد أن السلطة الجديدة سوف تتراخى في حماية الطلاب وأهاليهم".

إحساسٌ عام بعدم جدوى التعليم من أساسه للطائفة العلوية بعد أن جرى استبعادها من كثيرٍ من المجالات العامة بدرجات متفاوتة

نتيجةً لوضع النقل وارتفاع تكاليفه فإنّ عدداً كبيراً من الأهالي سوف لن يكون قادراً على الذهاب مع الأولاد والبنات للامتحانات كما جرت العادة، تقول السيدة سميّة جارة جعفر (ربّة منزل خمسينة، خريجة جامعية، لا تعمل) وهي أمٌّ لابنةٍ سوف تقدّم امتحانها في بانياس كذلك، إنها لن تقدر على مرافقة ابنتها التي تحبها إلى الامتحان لأنها لا تملك مالاً كافياً. تضيف: "سنعتمد على الجمعية والسائقين في حماية أولادنا من أي خطر، نثق بالدولة والأمن العام والخوف من أفراد يريدون استغلال الامتحانات لارتكاب عمليات قتلٍ طائفية، قلبي يكاد يتوقف كلما اقتربنا من الامتحانات". وعلى عكس السيدة تصرّ أم طالبةٍ أخرى من الجوار نفسه على مرافقة ابنتها "مهما حصل لازم كون حاضرة حدها، البنت خايفة كتير وما إلها ثقة بحدا، أنا رح انزل وراها بالسرفيس وانطرها لحتى تخلص امتحان".

الطائفية والخوف من المراقبين: هواجس مشروعة

مع انهيار سلطة الدولة، وحالة التخبّط المُتوقّعة التي لحقت بها، برزت مخاوف من تعيين مراقبين يحملون توجّهاتٍ طائفية في قاعات الامتحان، خاصةً في مناطق ذات غالبية طائفية مغايرة (كما هو الحال في رأس النبع في بانياس). يخشى جعفر أن يواجه مراقبين قد يحملون أحكاماً مُسبقة ضدّه بسبب اسمه أو لهجته.  يقول جعفر: "أخاف أن يميزوني من اسمي أو من طريقة كلامي وربما لأي سبب يخرجونني من قاعة الامتحان".

ورغم عدم وجود تقارير رسمية عن حوادث توتّرٍ أو اعتراضاتٍ على جدول المراقبين، إضافةً إلى عدم توفّر قوائم مُتاحةٍ بهذه الأسماء إلا أنّ هذه الهواجس حاضرةٌ بقوّة في أذهان الطلاب والأهالي، وتنعكس في تحفظهم في ظلّ عدم قدرتهم على الاعتراض على أيٍّ من أسماء المراقبين أو الأساتذة. لم يكن هناك أيّ دور للأهالي أو مدراء المدارس في اختيار المراقبين المعتمدين، تقول رشا حسن، وهي مدرّسةٌ مكلفة بالمراقبة في مدرسة في حي القصور في بانياس: "يأتي تكليفنا بالمراقبة في ظل لخبطةٍ واضحة عند الجميع، هذه هي المرة الأولى التي نراقب فيها بعد سقوط النظام وتغيّره في سوريا، سابقاً كان معروفاً أنّ هناك خروقاتٍ للامتحانات من قبل الشبيحة، ونخاف اليوم من أن تنعكس هذه المسألة باتجاه أشخاص آخرين خاصةً أن السلطة الجديدة لديها هذه التوجهات، يعني يظهر أن هذه السلطة عم تعيد نفس دروس النظام الساقط".

على الجهة الأخرى فإنّ الفتيات لسن أقل قلقاً. في القرية، بدأت بعض الطالبات العلويات يفكرن بارتداء الحجاب لأوّل مرة في حياتهن، فقط كي يشعرن بالأمان أثناء دخولهن الامتحانات. تروي رنا، زميلة جعفر: "أخاف أن يميزوني من شعري أو ملابسي، لذلك سأضع الحجاب طيلة أيام الامتحان"، يظهر ارتداء الحجاب أكثر فأكثر في المناطق العلوية ليس في بانياس فحسب بل في عموم الساحل. يظهر الحجاب هنا ليس كخيار ديني بل كدرع حماية من الخوف.

معاناة الكادر التعليمي: مراقبة في ظروف قاهرة

تسبّب تكليف الأساتذة والمعلمين بالمراقبة في مناطق غير مناطقهم الأصلية بمزيدٍ من الشكاوى حول صعوبة تنقلهم ومن قبْلها غياب الجدوى الاقتصادية من المراقبة. تقول المدرّسة نهى إبراهيم من ريف العنازة: "في السنوات السابقة كان سعر ساعة المراقبة 500 ليرة سورية (نصف سنت باعتبار الدولار عشرة آلاف وسطياً) وهذا العام رفعوها إلى ألفي ليرة (20 سنت) ولكن بالمقابل تضاعفت أجور النقل، مثلاً من العنازة إلى بانياس أجرة السرفيس ثلاثة ـ أربعة آلاف ليرة، هذا إذا لم نحتج إلى سرافيس إضافية، يعني القصة نحن ندفع من جيوبنا في ظلّ رواتب (حوالي 40 دولاراً شهرياً) لا تكفي ثمن خبز".

تضيف السيدة التي قضت ربع قرنٍ في التعليم: "كمعلمين ومعلمات نحن لا ننال أذونات سفر عند تكليفنا بالمراقبة ومن ينالها هم الموجهون الذين يقومون بجولاتٍ على المدارس لتفقد سير الامتحانات، تحسب هكذا قصص على أساس الكيلومترات التي تقطعها كمدرّس/ة بين مكان تعيينك ومركز المراقبة. وإلى اليوم لم يكن هناك تحديثٌ لهذه التكاليف اللازمة للانتقال وفق الأسعار الجديدة". في الأشهر الماضية أدّت سياسة "حبس السيولة" التي اتبعتها الحكومة المؤقتة بعد سقوط النظام إلى مفاقمة الأزمة، حيث لم يحصل كثيرٌ من المدرسين إلا على راتبٍ واحد منذ أشهر يضاف إليها قصة تطبيق قبض الرواتب "شام كاش" وعمولته.

يظهر ارتداء الحجاب أكثر فأكثر في المناطق العلوية ليس في بانياس فحسب بل في عموم الساحل. يظهر الحجاب هنا ليس كخيار ديني بل كدرع حماية من الخوف.

يأتي التكليف بالمراقبة من مديرية التربية حيث لا علاقة للمدرسين ولا لإدارات المدارس بها، ويتم إعداد هذه القوائم بناءً على "البيان الشهري" للدوام والمدرسين، الذي يُرسل شهرياً من كلّ مدرسة إلى مديرية التربية. بالنسبة للتاسع تُفيدنا المدرّسة نهى أنّ تكليف مراقبة صف التاسع يشمل معلمي ومعلمات الصف من غير الاختصاصيين أكثر من الاختصاصيين. تشير المدرّسة إلى أنّ القوائم تُعدّ في مديرية التربية على الحاسب و"أنت وحظك ولا يوجد إعفاءٌ من المراقبة، وعدم المراقبة يعرّضك للمساءلة المسلكية والقانونية". هذا كلّه، كما تضيف السيدة يحدث "فيما المراقبون أنفسهم خائفون، ويفضّل بعضهم البقاء في البيت على مواجهة مخاطر الطريق أو التوتر في قاعات الامتحان حتى لو كان هناك مساءلةٌ لاحقة"، في مجازر بانياس سقط عشرات المدرسين ضحايا لما حدث من بينهم المرحوم "عماد عمار"  نقيب المعلمين السابق.

الفاقد التعليمي: محاولات تعويضٍ في ظلّ عجز

الساحل السوري بعد سقوط النظام السوري

09 كانون الثاني 2025
في الساحل السوري، سحب البعض صور أبنائه من الشارع بعد أن كانت تملأ الجدران تحت اسم "الشهيد في سبيل الوطن"، والذين باتوا اليوم إرهابيون وفطائس وقتلى حرب لدى النظام الجديد"...

دفع انقطاع الدوام لأكثر من شهر ونصف المدارس إلى محاولة تعويض الفاقد التعليمي عبر إجراء اختباراتٍ تكميلية أو التركيز على المواضيع الأساسية في المنهاج، بل وحذْف بعض الفصول أحياناً. رغم ذلك، يؤكد عددٌ من الطلاب والمعلمين أن الجاهزية للامتحانات متدنية، وأنّ الخسارة الأكبر يتحملها الطلاب وحدهم. "أحاول مراجعة ما أستطيع، لكني أشعر أنني نسيت كل شيء"، يقول جعفر.

تضيف "عبير" وهي أمٌّ لطالبةٍ في حي القصور من قرية البلوطية قرب بانياس: "وصلنا إلى الامتحانات ولم يحصل التلاميذ على أكثر من ثلاثة أرباع المقرّر في ظلّ عطلاتٍ إجبارية وغيابٍ للمدرسين وسوء التعليم في المدارس الحكومية، لم نستطع دفع كلّ أجور الدروس الخصوصية التي تجاوزت المليون ليرة وباتت علينا ديونٌ يجب دفعها قبل الموسم الدراسي الجديد في أيلول القادم".

أقامت بعض المدارس دوراتٍ تدريسية مجانية ساهمت في بعضها منظماتٌ أممية ودفعتْ جمعياتٌ محلية تكاليفها. على أنّ هذه المحاولات كانت محدودة.

الخاتمة: جيلٌ على المحك

رغم كلّ شيء، يصرّ جعفر على الذهاب إلى الامتحان "ربما كانت كل مخاوفي لا قيمة لها". يحلم الشاب الطموح أن يصبح قبطاناً ويسافر عبر البحر، ولذلك يريد أن يدرس في مدرسةٍ تعلّمه علوم البحر (هناك واحدة في اللاذقية) ويترك خلفه رائحة الخوف والتمييز. "البحر لا يسأل عن اسمك أو طائفتك"، يقول وهو يبتسم بخجل.

مقالات متعلقة

اللون الخاكي للإهانة

04 أيار 2019
عاصر جيل من السوريين حصص مادة التربية العسكرية في المنهاج الدراسي، فما الذي حفرته في أذهان السوريين؟ وأية أثار تركت؟ الكاتبة والشاعرة السورية وداد نبي، تكتب شهادتها عن "الإهانة" التي...
خصخصة قطاع التعليم في إدلب

26 نيسان 2024
تراجع قطاع التعليم العام في منطقة إدلب ومخيماتها في السنوات الأخيرة، على حساب تنامي القطاع الخاص والتوجه نحو خصخصة التعليم، في منطقة يعاني معظم سكانها من الغلاء المعيشي وقلة فرص...
الساحل السوري... سقط النظام فتزايدت الهجرة!

22 أيار 2025
"لو بقينا هنا، سنكون إما جثثاً في أخبار عاجلة، أو أطباء بلا دوامٍ أو أدوية"، هذا ما يقوله الطالب في كليه الطب من مدينة بانياس، أحمد زاهر، في هذا التحقيق...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد