مجموعات البانك المهاجرة تتحدّى هيمنة البيض على الثقافات الفرعيّة في ألمانيا


من خلال الغناء بالأورديّة والبنجابيّة والفارسيّة، تفتح فرقة بانك مساحة جديدة للمهاجرين داخل مشهد الموسيقى البديلة في البلاد.

17 آب 2025

زهرة صلاح الدين

صحفية في مجال الوسائط المتعددة ومحررة حائزة على جوائز وباحثة تتمتع بخبرة عشر سنوات في مجال الصحافة الدولية والقطاع غير الربحي. وهي حاصلة على درجة الماجستير المزدوجة في الصحافة والإعلام والعولمة، وقد أجرت أبحاثًا حول الرقابة الصحفية في باكستان. تكتب زهرة عن الموسيقى والثقافة والهجرة والمناخ، وقد نُشرت أعمالها في داون وأورورا ماغازين وأونبايز ذا نيوز ولولا ماغ وكت أ كت وذا ناشيونال وذا نيوز إنترناشونال.

يقول حسن، المعروف باسم "دوزاخي" (وتعني "البغيض ومن الجحيم" بالأورديّة) بين أقرانه ومعجبيه في عالم البانك في باكستان وألمانيا: "لطالما كان الهدف من موسيقى البانك هو أن تصيب الناس بالصدمة". ويُضيف: "كنتُ مؤمناً دائماً بأهميّة توظيف هذه الصدمة بشكلٍ تقدّميّ للترويج للأفكار الجيّدة".

دوزاخي هو المغنّي الرئيسيّ لفرقة بانك هاردكور مقرّها برلين تُدعى "زنجير". تتكوّن الفرقة من مهاجرين من باكستان وبريطانيا وأستراليا والاتحاد السوفيتيّ السابق، وقد قدّموا مؤخّراً عرضاً مشتركاً مع فرق هاردكور دوليّة أُخرى في برلين ضمن مهرجان ديكولونويز المُصغّر، وهو حدث يُنظّم العروض "على طريقة البانك القديمة: من المشهد وللمشهد". كما عزفوا في أمسيّة تضامنيّة لجمع التبرّعات لدعم فلسطين في برلين، بمشاركة فرق من إسرائيل وألمانيا وبريطانيا/مصر، مُمهّدين الطريق أمام توجّهٍ جديد لمشهد البانك المحليّ ليُصبح أداةً فعليّة للتغيير.

يقول دوزاخي: "لحسن الحظ، يوجد عدد كبير من الأجانب في مدنٍ مثل برلين، وتشعر كأنّك في وطنك دائماً، بشكلٍ أو بآخر". ويُضيف: "أفضل ما في العرض بالنسبة لي كان حضور هذا العدد الكبير من اليساريّين من جنوب آسيا من مجتمع الناشطين في برلين لدعمنا". ويتابع: "من المهمّ جدّاً أن يظلّ البانك كثقافة أو أسلوب حياة متاحاً ومتقاطعاً مع مختلف الهويّات… وغالباً ما يكون مشهد البانك متنوّعاً بشكل كبير في مدنٌ مثل برلين. بشكلٍ عامّ، تجد الكثير من مُحبّي البانك من أوروبا الشرقيّة وأمريكا الجنوبيّة في مختلف أنحاء البلاد".

تاريخ البانك في ألمانيا

إذا نظرنا إلى تاريخ موسيقى البانك في ألمانيا، يظلّ هناك جانبٌ ثابت وهو الرغبة في إحداثِ تأثيرٍ من خلال الاحتجاج على الوضع القائم والملل من التقاليد. ففي منتصف السبعينيّات، عندما بدأتْ موسيقى البانك بالانتشار في بريطانيا والولايات المتحدة، وصلتْ أصداؤها إلى ألمانيا أيضاً. وما جعل هذا التاريخ مثيراً للاهتمام هو مدى اختلاف تأثير موسيقى البانك على الألمان على جانبيّ الجدار.

كان يهدف البانك الألمانيّ تاريخيّاً إلى التسبب بصدمة لدى الناس وإخراجهم من حالة التراخي السياسيّ وقمع الدولة. ولا يزال هذا الشعور قائماً لدى مجموعات البانك اليوم، وخاصّةً أولئك المنحدرين من أصول مهاجرة والذين يحاولون الحفاظ على مساحة لهم وإيصال رسالتهم في بيئة يصعب دخولها تماماً.

يقول دوزاخي: "إنّها دولة ذات أغلبيّة بيضاء، لذا من الطبيعيّ أن يكون الوضع كذلك. لكن عليك أن تتوقّف وتُفكّر عندما ترى أنّ المساحات الأُخرى، مثل الهيب هوب والموسيقى الإلكترونيّة، تضمُّ عدداً أكبر بكثير من الأشخاص ذوي البشرة الملوّنة مقارنةً بالبانك. ودعونا لا ننسى أنّ الأتراك والعرب كانوا هنا كعمّال ضيوف لعقود، وُلدوا في ألمانيا واضطرّوا إلى تطوير ثقافاتهم الفرعيّة الخاصّة لأنّ المجتمع الألمانيّ لم يكن يتقبّلهم".

موسيقى البانك بلغات المهاجرين

انتقل كلّ من ستيف، عازف طبول فرقة زنجير، ودوزاخي، إلى ألمانيا لمتابعة تعليمهما العالي، وقد أقاما هنا لمدّة ثلاث وخمس سنوات على التوالي. كلاهما عزف في فرق بانك في بلديهما، ولكن عند تأسيسهما لفرقة زنجير، قرّرا كتابة موسيقى بلغات مرتبطة بهويتهما. ساهم هذا في تميّزهما عن الفرق الأوروبيّة، وشجّع آخرين في الساحة الفنيّة من أصول مهاجرة على اتباع النهج ذاته.

في أوّل ألبوم مطوّل لهم بعنوان "بارشام بولاند أست" (والذي يعني "العلم مرفوع" بالفارسيّة)، قدّمتْ الفرقة أغانٍ بالبنجابيّة، الأرديّة، والفارسيّة، الذي كان مزيجاً غير متوقّع إلّا أنّه متناغم. وفي الواقع، اسم الفرقة "زنجير" يعني "سلسلة" في اللغات الأرديّة والهنديّة والفارسيّة.

رغم أنّ الفارسيّة ليستْ لغة ستيف الأم، إلّا أنّها كانتْ جزءاً مهمّاً من حياته من خلال تواصله مع عائلته في إيران. وعلى الرغم من أنّ الإنجليزيّة هي لغته الأم، إلّا أنّ ستيف لم يكن راضياً عن كلمات الأغاني التي كتبها بالإنجليزيّة. يقول ستيف: "كنتُ أعتقد أنّ معظم المستمعين لن يفهموا كلمات الأغاني فوراً، وهذا أضفى عليها غموضاً وجدتُ فيه نوعاً من الراحة". ويُضيف: "كانتْ ردود فعل الجمهور رائعة، فالناس يرون أنّه من المهمّ والضروريّ ألّا تقتصر فرق البانك على الغناء باللغات الغربيّة فقط. لقد رأيتُ أشخاصاً يتأثّرون عاطفيّاً عندما يسمعون لغة يربطونها بهويّتهم في نوع موسيقيّ يحبّونه، في مكانٍ لم يسمعوها فيه من قبل".

وفقاً لدوزاخي، كان صدى إصدار أغنيتين باللغة الفارسيّة أكبر من المتوقّع. يضمُّ الشتات الإيرانيّ العديد من المعارضين، وعندما يُعرب البعض للفرقة عن شعورهم بأنّ لهم صوتاً في مشهد البانك، يكون لذلك أهميّة كبيرة بالنسبة لفرقة زنجير. يقول دوزاخي: "بصراحة، يصلنا العديد من الرسائل من الإيرانيّين، سواء من الشتات أو من داخل إيران، من محبّي البانك وغيرهم على حدٍّ سواء". ومن خلال زنجير، تواصل أعضاء الفرقة مع مشهد البانك الناشئ في إيران، مثل فرقة TØF التي تستعد لإصدار ألبوم مطوّل قريباً.

مجموعات البانك المهاجرة في ألمانيا

هناك الكثير من الأمور التي لا تزال بحاجة لفهم وتفسير عند التعامل مع مشهد البانك في ألمانيا كونهم مهاجرين، خاصّةً مع استمرار الحرب الإسرائيليّة على فلسطين ودور ألمانيا فيها، وكيف ينعكس ذلك على هذا المشهد وعلاقاته بحركة أنتي دويتش (معاداة الألمانيّة).

شهدتْ ألمانيا توتّرات سياسيّة كبيرة، لا سيما مع الانتخابات المحليّة الأخيرة وصعود حزب البديل لأجل ألمانيا اليمينيّ، الذي اكتسب شعبيّة حتّى بين الناخبين من جيل زيد. ومع ذلك، ظلّ مشهد البانك مرتبطاً تاريخيّاً باليسار، ممّا يجعل من الصعب على المهاجرين فهم وجود حركة أنتي دويتشه ضمن هذا المشهد.

يقول ستيف: "لطالما كان الارتباط التلقائيّ بين البانك واليسار السياسيّ موضع نقاش مستمرّ منذ ظهور البانك. يتخذ بعض الناس موقف التضامن الأمّميّ، بينما يُركّز آخرون على الاستقلاليّة الشخصيّة وحُريّة التعبير، وبالطبع، ليس بالضرورة أن يكون هذان التيّاران متعارضين".

نظراً للارتباط التاريخيّ بين البانك واليسار السياسيّ، شهد مشهد البانك الألمانيّ في مرحلةٍ ما تداخلاً مع حركة "أنتي دويتش". إلّا أنّه خلال العام الماضي، باتْ من الواضح أن هذه الحركة لا تزال مؤذية بالإضافة إلى تراجع حضورها في الساحة اليساريّة مع مرور الوقت.

مواجهة حركة "أنتي دويتش"

تعرّض كلّ من ستيف ودوزاخي لتجارب مع أفراد في المشهد الموسيقيّ يحملون أيديولوجيّة "أنتي دويتش". يوضّح ستيف قائلاً: "أحسستُ بشعور غريب، وكأنّه إساءة حتّى. كان ظهور هذه الطائفة صادماً لكثير من أفراد مجتمع البانك المتنوّع بعد السابع من أكتوبر 2023". ويُضيف: "شخصيّاً، كنتُ أنتظر حدوث شيء من هذا النوع حتّى تبدأ مجتمعات البانك هذه المؤيّدة للعسكر والاستعمار والإبادة الجماعيّة بالظهور علناً".

بالنسبة لستيف ودوزاخي، من الخبيث أن تستخدم هذه الحركة السياق التاريخيّ للإبادة الجماعيّة التي ارتكبها النازيّون لتُعبّر عن موقفها المناهض للتراث الألمانيّ، وفي الوقت نفسه تستغلّ هذا التاريخ لتبرير ما تعتبره موقفاً أخلاقيّاً صحيحاً ومبرّراً.

يقول ستيف: "إنّهم لا يستشيرون اليساريّين اليهود أو مجتمعات البانك الإسرائيليّة، أو حتّى أيّ شخص في الشرق الأوسط، عند طرح هذه الحجج؛ فقط دوائرهم الألمانيّة البيضاء شبه المثقّفة". ويُضيف: "لدينا صلات بمجتمعات البانك في إسرائيل، وهم لا يطيقون هؤلاء الألمان الذين يشعرون بأنّهم مخوّلون بالتحدّث نيابة عنهم بسبب ما فعله أجدادهم أو أيّ شيء آخر. إنّه أمرٌ مُريع ومُقزز".

ويُضيف دوزاخي: "حتّى أنّني رأيتهم يُطالبون بإقصاء فرق البانك الإسرائيليّة مثل فرقة "هولوكوست"، ويصفونها بالمعادية للساميّة. على حدِّ علمي، لم تكن حركة "أنتي دويتشه" يوماً ممثّلة لمجتمع البانك الألمانيّ، وأعتقد أنّ هذا سيتغيّر في النهاية. هناك بالفعل مقاومة لأفكارهم. حتّى أفراد مجتمع البانك الإسرائيليّ، بمن فيهم بعض أصدقائي الأعزّاء، يجدونها سخيفة للغاية".

مجتمع البانك

أن تكون مهاجراً في فرقة بانك في ألمانيا، وأن تُغنّي على المسرح مرتدياً الكوفيّة (المحظورة)، وأن تخوض غمار السياسة في بلد تتمنّى أن يكون وطناً لك، هو أمرٌ مُرهقٌ في ظلّ الظروف الراهنة إذا كنتَ ترغب في التعبير عن رأيك. ولكن بالنسبة لزنجير، فإنّ الدعم الذي حظيتْ به موسيقاهم، ليس فقط في ألمانيا، بل من الجاليات الإيرانيّة والباكستانيّة ومساحات البانك الأوروبيّة الأخرى، كان مصدر تشجيعٍ هائل.

قال العديد من الأشخاص من لوس أنجلوس إلى نيويورك لدوزاخي بأنّهم يشعرون بالإلهام لصناعة موسيقى بانك باللغة الفارسيّة، بالإضافة إلى متحدّثي الأرديّة والبنجابيّة الذين يستمعون إلى موسيقى زنجير. وبالنسبة لدوزاخي، فإنّ مهمّة الفرقة تبدو ناجحة بالفعل، إذ يأمل أن يتمكّن خلال حياته من الاستماع إلى موسيقى بانك بلغات جنوب وغرب آسيا لا تُعد ولا تُحصى.

يقول دوزاخي: "بصراحة، لم أشعر يوماً إلّا بالتواضع أمام ردود فعل الناس في كلّ مرّة نعزف فيها. إنّهم يشعرون بسعادة غامرة لرؤية أشخاص يغنّون بلغات مختلفة ويأتون من أماكن متنوعة. أعتقد أنّ هذا رائع حقّاً، وهو دليل على الطابع العالميّ لموسيقى البانك!"

مقالات متعلقة

البحث عن وجهٍ للاجئين السوريين في ألمانيا في ظلّ صعود اليمين

21 شباط 2025
يعيش السوريون في ألمانيا حالة شتات أكثر منهم جالية. وبينما تنتشر أخبار أشرارهم بسرعةٍ فائقة على شاشاتِ الإعلام الألماني، لا تظهر وجوه أخيارهم على الشاشات نفسها إلّا ما ندر. هذا...
أسئلة شخصية حول صعود اليمين في ألمانيا

11 آذار 2025
هل أعتبر نفسي ألمانيًا بعد مرور أكثر من عقد على عيشي في هذه البلاد وحملي جنسيته؟ والأهم: هل يعتبرني الألمانُ ألمانيًا؟ ما الذي يعنيه أن يكون المرء ألمانيًا؟ ألم يكن...
ساسة ألمان يستعجلون التخلص من السوريين/ات

10 كانون الأول 2024
في "اليوم التالي" لسقوط النظام السوري، أعلنت عدّة دول أوروبية، بينها ألمانيا، وقف البت في طلبات لجوء السوريين/ات، الأمر الذي آثار ذعر عدد كبير منهم خشية ترحيل مفاجئ. كيف ينبغي...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد