”بقعة ضوء على المجتمع المدنيّ السوريّ“ هي سلسلةٌ تهدف إلى تسليط الضوء على أصوات منظمات المجتمع المدنيّ السوريّ والناشطين/ات والصحفيين/ات، والذين يدافعون عن الحلول الإيجابية وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ووضعها في سياقها الصحيح.
السياق:
رغم سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، لم يشهد الوضع الأمني في سوريا استقراراً، بل سُجلت موجة اختطافٍ وإخفاءٍ قسريّ لنساء وفتيات، حملت طابعاً طائفياً، نظراً لترافقها مع مجازر في مناطق الكثافة السكانية الدرزية والعلوية، في الساحل والجنوب، في الفترة بين آذار/مارس وتموز/يوليو الماضيين.
الحكومة الانتقالية في دمشق اعتبرت أن الحوادث "مرتبطة بمشكلاتٍ أسرية أو اجتماعية"، ففي 22 تموز/يوليو 2025، أعلنت "اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق" في أحداث الساحل السوري أنها "لم تتلقَّ أية بلاغاتٍ رسمية عن وقوع حوادث خطف لنساء". هذا الموقف يتناقض مع ما نشرته منظماتٌ حقوقية وأممية، حيث وثّق مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وخبراء أمميون، في 23 تموز/يوليو، اختطاف 38 امرأة وفتاة علوية في محافظاتٍ مختلفة. كما وثّقت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في 28 تموز/يوليو اختطاف ما لا يقل عن 36 امرأة وفتاة علوية. فيما سجّلت "رويترز" في 27 حزيران/يونيو 33 حالة في الساحل.
أما في السويداء، فقد تزامنت الحوادث مع اندلاع العنف الطائفي والتوترات العسكرية بين مجموعات عشائر البدو وعناصر وزارتي الدفاع والداخلية من جهة، والفصائل الدرزية من جهة أخرى، منتصف تموز/يوليو. وبينما كان موقف دمشق تجاه جميع الانتهاكات التي حصلت في السويداء هو التبرّؤ وتجاهل التقارير التي نشرت عن وجود مختطفات درزيات، فضلاً عن عدم التحرك للكشف عن الملابسات، وثّق خبراء أمميون، في 21 آب/أغسطس، انتهاكاتٍ ارتكبتها القوات التابعة للحكومة السورية فيها، منذ 13 تموز/يوليو، وشملت القتل والخطف والسرقة والعنف الجنسي ضد النساء. وبحسب التقرير، فقد تورطتْ جماعاتٌ مسلحة تابعة للحكومة في خطف ما لا يقلّ عن 105 امرأة وفتاة درزية، وما زالت 80 منهنّ مفقودات.
وفي اليوم التالي لنشر التقرير الأممي، أعلنت وسائل إعلام رسمية أن "قوى الأمن الداخلي في المحافظة حررت عدداً من المدنيين المخطوفين وسلّمتهم لذويهم"، مما أثار استياءً واسعاً بين السوريين، رأوا فيه تناقضاً مع الرواية الحكومية السابقة، التي نفت وجود انتهاكات.
كما وثّقت مقاطع مصوّرة (2,1) قيام عناصر مسلّحة، يُقال إنها تنتمي إلى الحكومة السورية، بخطف نساء درزيات. وظهر أحد المقاتلين المشاركين بخطف عائلةٍ درزية، بينهم سيدتان، في وقت لاحق، 30 آب/أغسطس، برفقة وزير الثقافة السوري. وقد أُفرج عن العائلة فيما بعد بصفقة تبادل، وفق ما وثقته "السويداء 24".
مواقف منظمات المجتمع المدني حيال اختطاف النساء
إجمالاً، تباينت مواقف منظمات المجتمع المدني إزاء حالات خطف النساء. فبينما أثارت هذه الحوادث حفيظة البعض، لا سيما تلك المعنية بحقوق النساء، ندّدت أخرى بالخطف ووصفت الحوادث بـ "انتهاكات لحقوق الإنسان" تتضمن اعتداءات على النساء وأحياناً زواجاً قسرياً، مطالبةً بتحركٍ رسمي لمحاسبة المتورطين وحماية النساء.
وبرز هنا موقف "اللوبي النسوي السوري". الذي أصدر بيانين منفصلين (1، 2)، في الـ 28 و29 من حزيران/يونيو 2025، أدان فيهما بعباراتٍ قوية جرائم خطف النساء، مطالباً السلطات بالتحقيق ومساءلة المتورطين وإعادة المختطفات إلى أهاليهن سالمات. ودعا وزارة الشؤون الاجتماعية لتشكيل لجان دعمٍ متخصصة لتقديم المساعدة النفسية والطبية والقانونية للضحايا.
وفي 24 آب/أغسطس، أصدر بياناً جديداً ندّد فيه باستمرار الانتهاكات الجسيمة ضد النساء، مسلّطاً الضوء على خطورة الانتهاكات الجنسية التي وثّقتها تقارير الأمم المتحدة، مع استمرار اختطاف عشرات النساء العلويات وسط تعتيمٍ كامل على أوضاعهن. كما شدّد على ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات دون استثناء، وطالب بفتح تحقيقاتٍ دولية شفافة، ووقف التناول الإعلامي غير المسؤول لقضايا الاختطاف. وأكد اللوبي أنّ إنصاف الضحايا ودعم الناجيات يشكّلان شرطاً أساسياً لتحقيق العدالة وبناء سلامٍ عادلٍ ومستدام في سوريا. وشارك اللوبي أيضاً في حملات مناصرة عبر فيسبوك، كشأن حملة "أنقذوا نساء السويداء".
ترى الناشطة النسوية ريما فليحان أن أداء منظمات المجتمع المدني حيال حوادث خطف النساء كان متفاوتاً. فبينما تتعامل بعض المنظمات بشكلٍ جاد مع القضية، لم تُبدِ الكثير من المنظمات الاهتمام المطلوب، وتبدو أقل شجاعةً مما كانت عليه في السابق مع انتهاكات السلطة الحالية.
وفي الـ 23 من نيسان/أبريل، أصدرت "الحركة السياسية النسوية السورية" بياناً، أدانت فيه حوادث اختطاف النساء في الساحل السوري على خلفيةٍ طائفية، ووصفتها بأنها جريمةٌ مزدوجة بحق المرأة والمجتمع وانتهاكٌ خطير للسلم الأهلي، وانتقدت تباطؤ العدالة الانتقالية، وغياب آلياتٍ شفافة لمحاسبة الجناة، بما يفتح الباب أمام دوامةٍ لا تنتهي من العنف والانتقام والكراهية.
ولم تُصدر الحركة بياناً خاصاً بشأن المختطفات الدرزيات، لكنها شددت في بيان عام حول أوضاع السويداء في 24 تموز/يوليو على ضرورة تحييد النساء وحمايتهن في أوقات النزاع، ومنع استخدامهن أو اللجوء إلى العنف الجنسي كأداة حرب، انسجاماً مع ما نصّ عليه قرار مجلس الأمن رقم 1325.
كذلك أدانت "حركة الشغل المدني" في سوريا، بتاريخ 27 حزيران/يونيو، عبر بيان، عمليات خطف العلويات وما رافقها من قتلٍ وتطهيرٍ عرقي، إلى جانب استهداف الأقليات الأخرى. ورأت أن هذه الممارسات "ممنهجة"، وطالبت بتشكيل محكمةٍ دوليةٍ مستقلة للتحقيق في الجرائم.
بدوره، أصدر "تجمع سوريا الديمقراطية"، وهو تجمّعٌ نشأ بعد سقوط النظام، في 23 نيسان/أبريل، نداءً حذّر فيه من تصاعد عمليات الاختطاف في الساحل وريف حمص، محمّلاً "سلطة الأمر الواقع" المسؤولية الكاملة. وأوضح البيان أن الضحايا أُجبرن على الإدلاء برواياتٍ كاذبة لتشويه سمعتهن، أو أُخضعن للاستعباد الجنسي تحت غطاء "الزواج"، أو تعرضن للإخفاء القسري.
فيما نظّمت "المنظمة الدرزية العالمية" مع أهالي السويداء، في 30 آب/أغسطس، وقفةً احتجاجية، للتأكيد على تحرير المخطوفات قسراً، وحق تقرير المصير.
بقعة ضوء على المجتمع المدنيّ السوريّ : الحلقة السادسة
05 آب 2025
وقد جدد فريق "صبايا سند" المدني بالسويداء، مساء 9 أيلول/سبتمبر، وقفته الصامتة للمطالبة بتحرير المختطفين والمختطفات، مؤكداً استمرار الوقفات أسبوعياً كل يوم ثلاثاء حتى الإفراج عن الجميع وكشف مصيرهم.
الناشطة النسوية والمديرة التنفيذية لـ"اللوبي النسوي السوري"، ريما فليحان رأت في حديث مع حكاية ما انحكت، أن أداء منظمات المجتمع المدني حيال حوادث خطف النساء كان متفاوتاً. فبينما تتعامل بعض المنظمات بشكلٍ جاد مع القضية، لم تُبدِ الكثير من المنظمات الاهتمام المطلوب، وتبدو أقل شجاعةً مما كانت عليه في السابق مع انتهاكات السلطة الحالية.
الناشطة النسوية والإعلامية براء صليبي، تشير، متّفقة، إلى دور التأثيرات السياسية والطائفية، ما جعل الاستجابة ضعيفةً أو متأخرة من قبل بعض المنظمات. وتقول في حديث مع حكاية ما انحكت إن بعض المنظمات ركزت على انتهاكات طرفٍ واحد وتجاهلت أخرى، ما أضعف مصداقيتها وهمّش معاناة الضحايا، لافتة إلى وجود انقسامٍ بين العاملين/ات داخل المنظمات.
وكتبت الناشطة النسوية وجدان ناصيف عدة منشوراتٍ عبر صفحتها على فيسبوك مدافعة عن المختطفات، مشيرة إلى أن "خطف النساء جريمة حرب موصوفة، والسكوت عنها جريمة كبيرة"، منتقدة غياب المبادرات لمعرفة مصيرهن. كما وجّهت انتقادات حادة للمنظمات النسوية والحقوقية، متسائلةً عن صمتها إزاء ذلك، رغم تركيزها سابقاً على قضايا مثل أثر الحصار أو تعطل التعليم على النساء.
الأصوات الفردية تعلو على صمت بعض المنظمات
رغم غياب البيانات الرسمية من بعض منظمات المجتمع المدني، عبّرتْ شخصياتٌ قيادية فيها عن آرائها الشخصية على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فعقّبت لبنى القنواتي، المديرة التنفيذية لمنظمة "نساء الآن"، عبر فيسبوك على تحقيق "رويترز" حول اختطاف النساء العلويات، وقالت فيه: "ليت الحكومة تأخذ الموضوع بجديّةٍ أكبر، وتُجرى تحقيقاتٌ حقيقية".
وكان من الواضح كثافة المواقف الفردية، للنشطاء المدنيين والصحفيين/ات والكتّاب/ات في مناصرة المرأة مقارنة بالمنظمات، إذ نظمت العشرات من النساء في السويداء العديد من الوقفات التضامنية في ساحات المدينة، مُطالبةً بإعادة المختطفات والمغيبات قسراً من السويداء، وكان من بينها وقفة 7 أيلول/سبتمبر، التي رُفعت فيها لافتاتٌ من قبيل: "المختطفات خط أحمر، الحرية لنساء السويداء الآن، أنقذوا النساء السوريات من يد الدواعش، لن نتوقف عن المطالبة بهن، نريدهن سالمات بيننا".
وشهد يوم 3 آب/أغسطس، وقفة احتجاجية نسوية في الحسكة (في مناطق الإدارة الذاتية)، تضامناً مع نساء السويداء وتنديداً بالانتهاكات، ورُفعت لافتات كتب عليها: "نطالب بالكشف عن مصير النساء المختطفات".
وأكدت الناشطة الحقوقية غنوة الشومري، عبر فيسبوك، على استخدام الخطف والعنف الجنسي كأدواتٍ لإذلال المجتمعات المحلية في السويداء وكسر إرادتها، مشددةً على المطالب العاجلة، منها إطلاق سراح جميع المختطفات.
من جانبها، أعلنت الناشطة المدنية مريم شمدين، يوم 27 تموز/يوليو، استقالتها من منصب نائب رئيس "رابطة الجالية السورية" في فرنسا، بسبب "انحراف الرابطة عن تمثيل جميع السوريين واقتصارها على طيفٍ فكريٍّ وأيديولوجيّ واحد". واعتبرت أن ذلك يعني "شرعنة انتهاك الحريات، ولا سيّما تلك التي تعرّضت لها النساء في الساحل والسويداء". وقالت في منشورٍ منفصل عبر فيسبوك، إن التعامل مع العنف ضد النساء كـ"تفصيل ثانوي" يُقصي نصف الحقيقة، مؤكدة أن الاغتصاب والاختطاف والاستعباد والإعدامات ليست انتهاكاتٍ عابرة بل جزءٌ من استراتيجيةٍ ممنهجة للهجوم على المجتمع الدرزي.
الناشطة براء صليبي تعتبر أنه يقع على عاتق المنظمات الحقوقية والنسوية مسؤولية العمل على توثيق حالات الاختطاف باحترافيةٍ وحياد، مع التركيز على شهادات الناجيات وجمع الأدلة القابلة للاستخدام في المساءلة، حالياً للضغط على الأطراف الحكومية وغير الحكومية من أجل إطلاق سراحهن والكشف عن مصيرهن، ومستقبلاً بغرض محاسبة الجناة.
بدوره، قال الصحفي فادي الداهوك إن السلطات أنكرت طيلة أسابيع وجود خطفٍ للنساء خلال هجوم السويداء، قبل أن يظهر العميد أحمد الدالاتي معلناً "تحرير مختطفات درزيات". واعتبر أن "المشهد لم يكن إنقاذاً بل تبييضاً للجريمة، مستشهداً بلقطاتٍ لنساءٍ خائفات مغطّيات الرأس بخرق كأنها أختام إذلال".
تعليقاً على فيديو متداول آخر، قيل أنه يُظهر محافظ السويداء مصطفى البكور مع نساء مختطفات، ظهرت تحذيراتٌ من الأنباء والسياقات المضللة، واعتمادها كدليل، في ظل وجود أدلة أخرى مثبتة على حوادث الخطف. الصحفي وهّاج عزام أوضح أن السيدات اللواتي ظهرن في الفيديو المتداول مع محافظ السويداء مصطفى البكور لم يكنّ مختطفات كما روّج البعض، بل جرى إنقاذهن بعد مقتل اثنين من أقاربهن، ونُقلن إلى بصر الحرير في ريف درعا حيث استضافتهن عائلةٌ محلية وقدّمت لهن معاملة حسنة، قبل انتقالهن إلى جرمانا ثم عودتهن لاحقاً إلى السويداء. وأكد وهّاج أن الهدف من توضيح القصة هو نشر الحقيقة بعيداً عن التضليل، مشيراً إلى أن بعض العائلات في درعا ساهمت في حماية نساء الدروز ونقلهن من مناطق الاشتباك ومعاملتهن بطيب أخلاق.
من جانبه، اعتبر المراسل الصحفي عمر شيخ إبراهيم أن تداول الفيديو على أنه يوثّق حادثة خطفٍ لنساء درزيات "يهدف إلى خلق فتنة، وتأجيج الرأي العام بخطاب الكراهية والتضليل، ما يستوجب مجابهة هذا التزييف والتدليس وخطاب الفتنة من الجميع".
المأمول من المنظمات الحقوقية
عن خمسة أيام جرشت روح السويداء؛ بشراً وسكناً وزرعاً وضرعاً.. ومزقت روحي الحبيسة في برلين
04 آب 2025
الناشطة النسوية ريما فليحان ترى أنه في ظلّ إهمال الحكومة الانتقالية التحقيق في قضية المخطوفات العلويات ونفيها، ومسؤولية فصائلها المباشر عن اختطاف النساء في السويداء، ثمة دورٌ كبير يمكن أن تقوم به المنظمات، وذلك من خلال الضغط على السلطة لتحمّل مسؤولياتها في إطلاق سراح المختطفات ومحاسبة الفاعلين، وكذلك تقديم الدعم الاجتماعيّ والقانونيّ والصحيّ والنفسيّ للناجيات، إلى جانب مراقبة أداء السلطة، وإطلاق حملات مناصرة.
الناشطة براء صليبي تعتبر أيضاً، في حديثها مع "حكاية ما انحكت"، أنه في ظلّ اتباع السلطة السورية مقاربةً تستند على إنكار جرائم الاختطاف والدفاع عن مكتسباتها، ومحاولة تجميل الحقائق، يقع على عاتق المنظمات الحقوقية والنسوية مسؤولية العمل على توثيق حالات الاختطاف باحترافيةٍ وحياد، مع التركيز على شهادات الناجيات وجمع الأدلة القابلة للاستخدام في المساءلة، حالياً للضغط على الأطراف الحكومية وغير الحكومية من أجل إطلاق سراحهن والكشف عن مصيرهن، ومستقبلاً بغرض محاسبة الجناة.
قائمة منظمات المجتمع المدني والناشطين الرئيسيين المدرَجين في هذه المقالة:
المديرة التنفيذية لـ"اللوبي النسوي السوري"، ريما فليحان
الناشطة النسوية والإعلامية براء صليبي
"الحركة السياسية النسوية السورية"







