مروان غازي .."المشاركة في الانتخابات حقٌّ وواجب"
مروان غازي، عضو حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي وهيئة التنسيق الوطنية
لم تعرف سوريا، منذ منتصف القرن الماضي، انتخاباتٍ نيابية يسبقها حياةٌ سياسية تشارك فيها مختلف الأحزاب والتيارات السياسية. رغم عدم حلّها المجلس النيابي، أعدمت الوحدة السورية المصرية هذه الفاعلية، عندما عمدت إلى تعيين المجلس، بالتوافق بين القوى المجتمعية والقوى السياسية التي حلّت نفسها من أجل الوحدة. وبقي أسلوب التعيين سائداً في زمن الانفصال، ثم كرّسه البعث مع وصوله إلى الحكم، مكرراً ذات الطريقة في حلّ الأحزاب وعدم السماح بتشكيلها.
عندما قام حافظ الأسد بانقلابه المسمى "الحركة التصحيحية"، واصل نهج التعيين بناءً على توافقٍ مع الأحزاب السياسية، التي كانت سابقاً تمارس نشاطها بسرية، واعتقدت لوهلةٍ بصدق وعود حركته بحياةٍ سياسية ديمقراطية. سرعان ما تلاشت هذه الوعود، مع إجراء انتخاباتٍ ضمّت قوائم "الجبهة الوطنية"، تضمن للبعث السيطرة المستمرة والمطلقة. كانت الانتخابات التي يجريها الأسد معروفة النتائج، مما دفع المواطن السوري إلى إهمالها والتهرب من المشاركة فيها إلا مرغماً، خوفاً من كتّاب التقارير الأمنية والمحاربة بقوت العيش.
حكاية الساعات الأخيرة في حياة الحزب القائد
29 آب 2025
تشهد سوريا اليوم، بعد عقود التصحر التي اعتاد السوريون فيها ممارسات الزيف الانتخابي، انتخاباتٍ تشريعية، تؤسس لمرحلةٍ جديدة من العمل النيابي. تتبع الحكومة الانتقالية أسلوباً انتخابياً جديداً، نتيجة الظروف غير الطبيعية التي مرت بها سوريا ولا تزال، من دمارٍ ونزوحٍ وغياب السوريين عن أماكن إقامتهم. يترافق ذلك مع شبه انعدامٍ للحياة السياسية، وتواجدٍ شكليّ للحياة النقابية.
أرى المشاركة في العملية الانتخابية في سوريا اليوم ضرورةً وواجباً، وحقاً يضمن به السوريين/ات تحقيق آمالهم.
تنظم الحكومة الانتقالية انتخاباتٍ غير مباشرة، غير معتادة في سوريا. سبقتها إليها جنوب إفريقيا خلال الفترة الانتقالية ما بعد إنهاء نظام الفصل العنصري وإن لم تكن بالطريقة نفسها تماماً. اعتُمد حينها نظامُ التمثيل النسبي القائم على القوائم الحزبية، وذلك لوجود أحزابٍ سياسية فاعلة. قامت تلك الأحزاب بإعداد قوائم مرشحيها، لكن الناخبين أدلوا بأصواتهم لصالح الحزب ككل، ثم وُزّعت المقاعد في البرلمان على الأحزاب بشكلٍ متناسب مع النسبة المئوية للأصوات التي حصلت عليها.
تستوجب هذه المقاربة بشكلها السوري، كي تتم بأعلى قدرٍ من التمثيل، دراسة الهيئة الناخبة برامج المرشحين فرادى، ومدى مصداقيتهم وانتمائهم الوطني، ومدى تمثيلهم للدائرة الانتخابية وقبولها به. هناك معيقاتٌ لعملية الاختيار، تبدأ من عدم معرفة الهيئة الناخبة الفرعية بالمرشحين حتى يتمّ التصويت لهم، ولا تتوقف عند قصر الفترة الزمنية لتقديم المرشحين/ات لبرامجهم، وتقييمها من قبل أعضاء الهيئات الناخبة.
مع ذلك، أرىّ أن تلك التحديات التمثيلية لا ينبغي لها أن تحدّ من جدية تعامل الهيئة الناخبة مع الاختيار، ومسؤوليتها الأخلاقية أمام مواطنيها في الدائرة، ما يستوجب منها الحرص الشديد في منح أفرادها صوتهم لهذا المرشح أو ذاك.
هذه التجربة تستوجب الدراسة والمتابعة، عبر الممارسة والمساعدة على إنجاحها، سواءٌ أكنا معارضين لها أو مؤيدين.
لكن لا بد من الإشارة إلى عدة عوامل تهدد نجاح هذا المجلس في أداء دوره، أولها غياب الحياة السياسية أو ضعفها في أحسن الحالات، وثانيها طريقة اختيار الهيئات الناخبة المتبعة، وثالثها تسمية سبعين عضواً من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وهو ما قد يتحول إلى الثلث المعطل.
إنّ دقة تعيين أعضاء اللجان والهيئات وحسن اختيارهم يمهد الطريق لحدوث تفاعلٍ كبير بين الأفراد، تفاعلٌ قد يؤدي إلى تلاقح الأفكار وإلى حالةٍ سياسية أو تكوين كتلٍ نيابيةٍ داخل المجلس، لا يُشترط فيها التوافق الأيديولوجي سابقاً، بل لعله يشكل إرهاصاً أو مقدمةً لظهور رؤيةٍ سياسيةٍ جديدة تتجاوز الكثير من الأفكار السابقة، غير الصالحة، التي تجاوزها الزمن.
إنّ دقة تعيين أعضاء اللجان والهيئات وحسن اختيارهم يمهد الطريق لحدوث تفاعلٍ كبير بين الأفراد، تفاعلٌ قد يؤدي إلى تلاقح الأفكار وإلى حالةٍ سياسية أو تكوين كتلٍ نيابيةٍ داخل المجلس، لا يُشترط فيها التوافق الأيديولوجي سابقاً، بل لعله يشكل إرهاصاً أو مقدمةً لظهور رؤيةٍ سياسيةٍ جديدة تتجاوز الكثير من الأفكار السابقة، غير الصالحة، التي تجاوزها الزمن.
لقد بدأت الكثير من المفاهيم السائدة بالتغير خلال العامين الأخيرين، تحت مسمياتٍ مختلفة كإعادة تقييم التجربة أو إعادة النظر في الفكر السياسي وفي البنى التنظيمية الحاملة له والتي تتعارض مع مضمونه، فكم لدينا من الأحزاب المنادية بالديمقراطية، التي لا تمارسها في نشاطها الداخلي.
أرى في تجربة الانتخابات الحالية وسيلةً تُعرفنا على هذه الأفكار والارهاصات الجارية، وقد تقربها من بعضها وتطورها، وتساهم في تعارف الفاعلين فيها. مهما تكن نتائج هذه الانتخابات، فهي تجربةٌ يجب الخوض فيها والتفاعل معها، ومع ما يطرح مرشحوها من برامج، فهي تعبّر عن توجهات السوريين والسوريات ورؤاهم للتغيير في النهاية.
تعيين المجلس التشريعي.. وإرساء أسس حكم الفرد
عمّار ديّوب، كاتب سوري
وصل أحمد الشرع إلى الرئاسة عبر مؤتمر النصر في 29 يناير 2025، بتكليفٍ من الفصائل العسكرية، التي تحالف معها، وتتقاسم معه "الدولة"، التي لا تحمل أيّة صفةٍ دستورية أو شعبية. حلّ الشرع البرلمان والدستور ووزارة الرئيس المخلوع بشار الأسد. بعد تكليفه بالرئاسة، وإجراء مؤتمر حوارٍ وطنيٍّ شكلي، دام عدة ساعات، وإشهار الإعلان الدستوري المؤقت، الذي يُمركز كل السلطات في يديه، وتشكيل حكومةٍ انتقالية جديدة، يستعد الآن لتشكيل مجلسٍ تشريعيّ، يؤمّن لنفسه به غطاءً قانونياً، ويملأ الفراغ التشريعي.
منح الشرع نفسه في إعلانه الدستوريّ حقّ تعيين لجنةٍ عليا "للانتخابات"، تشرف على تعيين اللجان الفرعية التابعة لها في المحافظات، التي تشرف بدورها على اختيار الهيئات الناخبة، التي يُنتَخب منها أعضاء المجلس التشريعي. كما خصّ نفسه بتعيين ثلث أعضاء هذا المجلس، أي 70 عضواً.
لماذا عارض فارس الخوري مقترح دستور 1950؟
14 آب 2025
أوّل ما تختار الهيئات الناخبة المرشحين، فعليها إرسالُ الأسماء إلى اللجنة العليا لتقرّها. وهذه اللجنة تستطيع إمّا إعادتها لتغيير الأسماء أو تعيين أسماء جديدة من تلقاء ذاتها. الأسوأ من كل سبق، منحُ أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي، نفسه صلاحية تعيين كافة أعضاء اللجنة العليا في المجلس التشريعي، على نحوٍ يخالف كل الأعراف التشريعية المتعلقة بالانتخابات، إذ لا ينبغي لها أن تُنتخب بأيِّ حالٍ في المجلس التشريعي، للحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية، وبذلك، تصبح طائعةً للرئيس أو لحاشيته، خدمةً لمصالحها في التعيين في المجلس، وتنفذ بدقة، ما يُطلب منها.
رغم أنّ الشرع يمتلك الحق الدستوري في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، أعلى محكمةٍ في البلاد، وهي التي تستقبل عادةً الطعون في الانتخابات النيابية، إلا أنه عيّن عبر وزير العدل في حكومته، لجنةً خاصةً بالطعون المقدمة ضد المرشحين خلال "الانتخابات" الجارية حالياً.
إنّ تنظيم عملية "الانتخابات" هذه، التي تفتقد للشفافية والتفويض الشعبي، ولا تستند إلى مرجعيةٍ قضائيةٍ مستقلة، يلغي "شرعيتها"، ويفتح باباً كبيراً للفساد والافساد، عندما تتيح شراء عضوية المجلس بالمال أوالمصالح أوتبادل المنافع، والموافقة على كل مراسيم الرئيس السابقة واللاحقة.
علّل الشرع وسلطته وإعلامه اختيار هذا الشكل من الانتخابات غير المباشرة بأسباب تتعلق بغياب الوثائق، وتهجير أكثر من 12 مليون سورياً، وعلى أنها ضرورية ومتوافقة مع طبيعة المرحلة الانتقالية. بل أنّ الناطقين باسم اللجنة العليا ذهبوا حدّ تأكيد أنّ هذا الشكل معتمدٌ في أمريكا وفرنسا، وبالتالي، فهو شرعيٌّ وممثل للشعب، متجاهلين أن شعوب تلك الدول تنتخب أولاً مرشحيها، أعضاء المجمعات الانتخابية.
الآن، ومع مرور قرابة عشرة شهورٍ على سقوط الأسد، كان على هذه الحكومة المؤقتة إجراء إحصاءٍ دقيقٍ للسوريين/ات في الداخل والخارج، وإصدار وثائق لهم، وحصر أماكن إقامتهم، وتنظيم انتخاب مجالس محلية في المدن والبلدات، كمرحلةٍ أوليةٍ للوصول إلى انتخاباتٍ مباشرة لأعضاء مجلس الشعب، أو البرلمان.
إنّ تحكّم الشرع في كامل العملية الانتخابية سيسفر عن مجلسٍ موالٍ له كلياً، لا بثلثه فحسب، ما يحيلنا إلى سؤال عما إذا لم يكن الأجدى أن يعين كامل أعضاء المجلس، كما أشار المحامي إدوار حشوة، بدلاً من الانتخاب بالتعيين، لا سيما وإن هذا الشكل من الانتخابات "التعيينية"، خلق تذمراً شعبياً. يمكن الانطلاق هنا من محاولته تجنب اقتفاء أثر حافظ الأسد، حينما عيّن بنفسه، مجلس الشعب بعد وصوله للحكم عام 1970.
يريد الشرع من انتخاباته هذه أن يتحكم وبشكلٍ مطلق في أعمال الدولة السورية، وسنّ القوانين التي تتيح له ولحاشيته وعائلته التحكم في كل مناحي الحياة.
إنّ تحكّم الشرع في كامل العملية الانتخابية سيسفر عن مجلسٍ موالٍ له كلياً، لا بثلثه فحسب، ما يحيلنا إلى سؤال عما إذا لم يكن الأجدى أن يعين كامل أعضاء المجلس، كما أشار المحامي إدوار حشوة، بدلاً من الانتخاب بالتعيين، لا سيما وإن هذا الشكل من الانتخابات "التعيينية"، خلق تذمراً شعبياً. يمكن الانطلاق هنا من محاولته تجنب اقتفاء أثر حافظ الأسد، حينما عيّن بنفسه، مجلس الشعب بعد وصوله للحكم عام 1970.
إن اختيار أفراد الهيئات الناخبة من قبل اللجان الفرعية، المعينة من اللجنة العليا، حرم الشعب من ممارسة حقه في الانتخاب والترشّح، ومنع إمكانية قياس شعبية المرشحين وشرعية نتائجها. كما حرم حصر عدد المنتخبين، والمرشحين بأعداد صغيرة ومحددة، الكثير من السوريين من المشاركة، وخلق اعتراضاتٍ كبيرة و تذمراً عائلاتياً ومناطقياً في بعض المحافظات، حتى مع اسقاط السويداء ومناطق قوات سوريا الديمقراطية، الخارجة عن سيطرة الحكومة الانتقالية من الحسابات.
إن هذا الشكل الاستبعادي للأغلبية السورية من الانتخاب سيؤدي إلى مشكلات اجتماعية، وينسف أيّ مضمونٍ ديموقراطيٍّ للانتخابات؛ وفق ما تنصّ عليه قرارات وبيانات الأمم المتحدة. وكانت العديد من المنظمات الحقوقية قد أصدرت مجموعة توصيات، وعلى أرضية "الأوضاع المعقدة والاستثنائية التي تمرّ فيها سوريا"، لتوضيح كارثية "جمهورية التعيين"، وشكلها هنا تعيين المجلس التشريعي.
هناك مسارٌ آخر تجاهله أحمد الشرع كلياً، كتبت عنه مختلف الأصوات الناقدة لسياساته، وهو مسار تشكيل هيئة حكمٍ انتقاليّ، حتى وإن كان هو على رأسها، وبما يتفق مع القرارات الدولية، والاستعانة بالخبرات السورية الوطنية، واعتماد التشاركية والتعددية، وانتخاب جمعيةٍ تأسيسيةٍ للتشريع في سنوات المرحلة لانتقالية، والمباشرة بالدعوة إلى عقد مؤتمرٍ وطنيّ عام، تتمثل فيه النخب السورية على اختلاف تنوعها، ليكون المرجعية لكافة استراتيجيات النهوض بالدولة.







