أصدرت مجموعة من المثقفين والأكاديميين بياناً بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد، يطرحون من خلاله رؤيتهم لمستقبل سوريا ويدعون الكتّاب والمثقفين والفاعلين السياسيين والاجتماعيين للتوقيع عليه. من الأسماء الموقعة على البيان ياسر منيف وجوزيف ضاهر ورزان غزاوي ومهجة قحف وسمير اسحق. حكاية ما انحكت تعيد نشر البيان،الذي يمكن التوقيع عليه هنا، كما ورد.
سوريون يناشدون ضمير السوريين
إلى شعبنا السوري في الوطن وحول العالم.
أحيا سقوط نظام الأسد الاستبدادي في كانون الأول/ ديسمبر 2024 الآمال بمستقبل أكثر إشراقًا في سوريا. ومع ذلك، ازداد قلقنا كسوريين إزاء الوضع على الأرض، ومع الحكومة الجديدة التي شكّلها أحمد الشرع وآخرون من هيئة تحرير الشام. فقد أدّت المجازر التي ارتُكبت في آذار/ مارس ٢٠٢٥ ضدّ المواطنين السوريين من الطائفة العلوية في المناطق الساحلية إلى مقتل أكثر من 1000 سوري/ة.
وعلى الرغم من أنّ تصرّفات قوّات السلطات المؤقّتة جاءت ردّاً على اعتداءات على قوّات الأمن العام، لكنها سرعان ما تطوّرت إلى عمليات قتل على أساس الهُويّة الدينية للمدنيين في منازلهم. أمّا الاعتداءات على المواطنين/ات السوريين/ات من طائفة الموحّدين الدروز في نيسان/ أبريل وأيار/مايو وتموز/يوليو ٢٠٢٥، فقد أدّت إلى مقتل المئات. وفي سياق تهميش الحكومة للمواطنين السوريين من الديانة المسيحية، شهد حزيران/ يونيو ٢٠٢٥ تفجيرًا انتحاريًا استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق. كما ارتكبت الجماعات المسلّحة التابعة للسلطات المركزية في دمشق انتهاكاتٍ جسيمة بحقّ المدنيين في السويداء، ممّا أسفر عن مقتل أكثر من 1500 شخص/ة.
صُمّمت الحملة العسكرية الدموية التي شُنّت في يوليو/تموز على مدينة السويداء جنوبي سوريا لتركيز السلطة في أيدي القوى الحاكمة الجديدة، والقضاء على جميع الفاعلين السياسيين من طائفة الموحّدين الدروز الذين رفضوا الخضوع لحكمها، مع تعزيز دور الفاعلين من الطائفة نفسها (الموحدون الدروز) ذوي النفوذ المحدود، والمستعدّين للعمل لصالح الحكومة. كما هاجمت القوّات السورية المُتحالفة مع تركيا مرارًا وتكرارًا التجمّعات الكردية في الشمال. واستُخدم اغتصاب النساء والاتجار الجنسي بهنّ كسلاحٍ للعنف الطائفي (أفضّل استبدالها بهذه العبارة: واستخدم اغتصاب النساء والاتجار بهن كسلاح وأداة للإخضاع)، لا سيما في المنطقة الساحلية والسويداء. ويتفاقم هذا الوضع بسبب غياب انتقالٍ سياسي ديمقراطي شامل، وفشل في تحسين الأوضاع الاقتصادية للسّكان.
طبّقت السلطات الحاكمة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام استراتيجية قائمة على كسب الاعتراف الدولي، وربط سوريا بتحالف تقوده الولايات المتحدة؛ وهذا يُثير مخاوف الناشطين والناشطات بشأن التطبيع مع دولة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية، والمُرتكبة للإبادة الجماعية.
تُسيطر السلطة الحاكمة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام على مؤسسات الدولة والجيش والجهات الفاعلة الاجتماعية دون شفافية أو مساءلة. كما تُستخدم الطائفية كأداة للتقسيم والسيطرة على السكان.
في هذا السياق، نُناشد كلّ من يعارض الطائفية بجميع أشكالها، لندعو إلى بناء سورية تتمتّع بحقوق ديمقراطية واقتصادية، وحياة كريمة ومتساوية، وتضامن مع الطبقات الشعبية والمُجتمعات المضطهدّة في المناطق كافة.
سوريتنا الديمقراطية:
كما اجتمع كلّ الأبناء/ات الجميلين/ات لسورية عام ١٩٢٥ بقيادة سلطان الأطرش وفوزي القاوقجي للدفاع عن استقلال سورية، نحثّ جميع السوريين على التوحّد من أجل المستقبل. هناك خطر داهم، إمّا من استبداد جديد أو تقسيم سورية إلى مناطق مُتحاربة، لا تستطيع أيّ منها الحفاظ على سلامة مواطنيها. بدلاً من ذلك، يمكن للسوريين/ات تغيير مسار العنف الاستبدادي لبناء سورية عادلة وحرّة وديمقراطية، تتمتّع بحقوق متساوية للجميع.
نُدين مجازر الساحل والسويداء، التي تواطأ فيها الكثير من قادة وعناصر السلطة الحاكمة الجديدة، رغم ادّعاء الحكومة خلاف ذلك. ونرفض موقف عدد من القادة من طائفة الموحدين الذين أشادوا بالنظام الإسرائيلي الإجرامي، ظنًّا منهم أنهم قادرون على تأمين مستقبل آمن لسكان السويداء بدعم من دولة عنصرية مثل إسرائيل، التي ارتكبت وترتكب الإبادة الجماعية. فهم لا يخلقون سوى أوهام زائفة للسكان المحليين ومصالحهم الذاتية.
نطالب الإدارة الانتقالية بنزع سلاح قياداتها وقوّاتها التي ارتكبت المجازر الطائفية، وفصل المرتكبين، وتقديمهم للمحاكمة على جرائمهم. في سوريا ديمقراطية مستقبلية، يجب أن يكون الجيش مُنضبطًا وشاملًا، قادرًا على حماية السيادة الوطنية السورية وجميع السوريين/ات على قدم المساواة.
نُناشد أشقاءنا السوريين/ات، من جميع الأطراف، رفض الانتقام، ومعارضة الخطاب الطائفي، والوقوف إلى جانب السكان المُحاصرين في السويداء، ورفض التحالفات العسكرية مع دول أخرى ضدّ الشعب السوري.
نحثّ كلّ فئة في سوريا، والإدارة المؤقّتة، على رفض التحريض على الكراهية والعنف بجميع أشكاله، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي، والعمل على تحقيق المصالحة المدنية بين جميع مكوّنات سوريا، كي لا يُسفك أيّ دم سوري. الدم السوري على السوري حرام.
نُذكّر إخواننا السوريين بأنّ صراعنا ضدّ الأسد لم يكن طائفيًا. كان نضالاً شعبياً ضدّ القمع الذي مارسته مافيا الأسد بحقّ جميع مكوّنات سوريا.
نرفض إعادة صياغة ثورتنا من قِبل من يصوّرونها على أنها انتفاضة سنية ضدّ نظام علوي. لقد عانى السوريون من جميع مكوّنات سوريا، من الحسكة إلى السويداء، ومن السلمية إلى درعا، ومن اللاذقية إلى إدلب، ومن الرقة إلى الجولان، في ظلّ النظام السابق وضحوا من أجل الثورة.
إنّ فكرة أنّ "الديمقراطية تعني حكم الأغلبية" خاطئة وخطيرة. فحكم الأغلبية وحده، دون ضمانات للمساواة في الحقوق لجميع السوريين، يمكن أن يُنتج أيضاً دكتاتورية وإبادة جماعية. بل إنّ الديمقراطية هي مشاركة جميع السكان بحرّية وعلى قدم المساواة في اتخاذ القرارات المُتعلّقة بالشؤون الجماعية، من المجال السياسي إلى المجال الاجتماعي والاقتصادي.
يجب على سوريا الديمقراطية حماية الكرامة والمساواة لكلّ سوري وسورية، من كلّ منطقة وجنس ودين وطائفة وعرق وأصل وميول أيديولوجية ورأي سياسي. تنوّع سوريا هو مصدر قوتها. سوريا لكلّ السوريين.
إنّ سوريا حرّة وعادلة تتطلّب دعم تقرير المصير الكردي، والمساواة الكاملة في الحقوق بين الأكراد السوريين والعرب السوريين، بما في ذلك الاعتراف بالحقوق الوطنية الكردية واللغة الكردية في سوريا.
إنّ سوريا حرّة وعادلة تتطلّب حقوق مواطنة متساوية للمرأة السورية، وتمكينها الكامل من المشاركة والقيادة، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، بحيث لا تُقيّد حقوق وفرص جميع المواطنين بالتساوي على أساس الجنس.
إنّ سوريا حرّة وديمقراطية تتطلّب الانتقال إلى حكومة شاملة ومسؤولة أمام شعبها، مع فرض ضوابط على سلطة كلّ جزء منها، بما في ذلك السلطة التنفيذية.
وتطالب سوريا حرّة وعادلة بمحاسبة كاملة عن انتهاكات حقوق الإنسان - الماضية والحالية - والتحقيق في مزاعم عائلات المختفين وحلّها، وعدم تكرار الاعتقالات خارج نطاق القضاء، أو التعذيب، أو السجن، أو الإعدامات، وقضاء عادل وشفاف، حيث تسترد العدالة التحويلية أصول الدولة وتُحاسب المسؤولين عن الجرائم المالية الخطيرة على حساب الطبقة الشعبية.
إنّ العقاب الجماعي والتهمة من دون دليل، تكتيكان اتبعهما النظام المُنهار؛ لا مكان لهما في سوريا حرّة وديمقراطية. كلّ إنسان بريء حتى تثبت إدانته. وعلى من تلطّخت أيديهم بالدماء أن يواجهوا المحاكم، لا الانتقام الأهلي.
يتطلّب اقتصاد سوري عادل ومُزدّهر النزاهة والشفافية والعدالة التوزيعية. كما نحذّر من أشكال الفساد الجديدة التي من شأنها أن تسمح للنخب الجديدة باحتكار الثروة الوطنية.
نحذّر من سوريا جديدة يحكمها الأوليغارشيون، كما أنّ إعادة الإعمار تتطلّب الشفافية والدفاع عن حقوق الإنسان والبيئة. فالثورة السورية جاءت تحدّيًا للتفاوت الاقتصادي. أيضًا ندعو إلى مناهج تشاركية قائمة على العدالة الاجتماعية لإعادة بناء سوريا واقتصادها. نرفض العودة إلى المحسوبية النيوليبرالية التي انتهجها نظام الأسد، ونرفض أجندة إعادة الإعمار التي يمليها البنك الدولي والقوى الغربية وتركيا وروسيا والصين ودول الخليج العربية.
يتطلّب الاقتصاد السوري العادل الانتقال إلى حكومة قادرة على توفير منافع اجتماعية لجميع السوريين، وتعزيز إعادة توزيع الثروة على الطبقات العاملة، بدلاً من اقتصادٍ تُكدِّس فيه النُخب الحاكمة ثروات البلاد. ونؤكّد أنّ الكهرباء والغذاء والسكن والرعاية الصحية حقوقٌ غير قابلة للتصرّف، وعلى الحكومة أن تجعلها في مُتناول الجميع.
يتطلّب مستقبلٌ أفضل سوريا قادرة على حماية أراضيها ذات السيادة من عدوان الدول الأجنبية، وأن تكون حليفًا في النضال من أجل العدالة في جميع أنحاء المنطقة وخارجها. نطالب الدول الأجنبية، بما في ذلك إسرائيل وروسيا وتركيا والولايات المتحدة، بسحب قوّاتها العسكرية من سوريا والتوقّف عن التدخّل في السياسة السورية. ليس لهذه الدول الإمبريالية مصلحة، كما تدّعي، في تعزيز الديمقراطية والسيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية في سوريا. أهدافها في سوريا تُمثّل عكس ذلك تمامًا: النهب الاقتصادي والهيمنة الجيوسياسية.
يتطلّب المستقبل الأفضل أن تقف سوريا ضدّ الإبادة الجماعية، وألّا تقبل التطبيع مع احتلال صهيوني عنصري يسعى إلى إبادة شعبنا الفلسطيني الشقيق. نضالنا السوري واحد مع نضال الفلسطينيين، كما نؤكّد تضامننا من أجل تحرير الجولان كاملًا من الاحتلال الإسرائيلي.
ندعو جميع السوريين والسوريات إلى التكاتف لبناء سوريا حرّة وعادلة وديمقراطية يستحقها الشعب السوري بكلّ أطيافه.




