حلاوة الروح: تحرير سوريا المختطفة


07 آب 2014

 

بين مسلسلات الموسم الرمضاني الأخير تميّز مسلسل "حلاوة الروح" للكاتب رافي وهبي والمخرج شوقي الماجري، بدخوله في عمق المأزق السوري، وعرضه لمختلف التيارات المتصارعة، وتقديم رؤيا شاملة خلاصتها أن سوريا المخطوفة لن يكون خلاصها إلا على أيدي أبنائها، وذلك على خلفية قصة حب تنمو خلال أحداث المسلسل، بين بطلي العمل إسماعيل (مكسيم خليل) وسارة (دانا مارديني).

لاشك أن العمل الدرامي التلفزيوني عمل تجاري ربحي بالدرجة الأولى، يتوخى أن يلقى الصدى لدى الجهات الإنتاجية قبل المشاهدين، وذلك ما يجعل الكثير من الأفكار تمرّ عبر التلميح والإشارة، أو التسطيح في بعض الأحيان، خشية أن تتم محاربة العمل من قبل المنتجين لحسابات سياسية بحتة، لكنّ ما فعله هذا المسلسل أنه قدّم رواية من النضج بمكان جعلها تطرح كل الأفكار والرؤى المطروحة على الساحة السورية، بل وقام بجمعها ضمن سياق التغيير العربي، كمصر مثلاً، وارتقى بها إلى مستوى فكري وفني، يضاف إلى كل القيم الوطنية والإنسانية التي حفل بها.

لقطة من المسلسل.. سارة في أسر داعش
لقطة من المسلسل.. سارة في أسر داعش

القصة بسيطة في مستواها الأول؛ مجموعة من عناصر الجيش الحر قرروا ترك كتائبهم والعمل لصالحهم الخاص، بعدما وجدوا أنهم لا يخدمون بلدهم في كل ما يقومون به، وخلال بحثهم عن معنى لما يجسد تطلعهم يعثرون على قافلة من الآثار المهربة، تقوم مجموعة تابعة للنظام بتهريبها. في البدء ظنّ عناصر المجموعة أنهم أمام شاحنة غذاء أو سلاح، لكنهم حين تمكنوا من السيطرة على الشاحنة فوجئ الشباب بأنّ تاريخ سوريا كله بين أيديهم. هكذا سيقررون حماية هذه الآثار ما أمكن، ولأنهم يدركون أن الأمر ليس بهذه السهولة تخطر على بالهم أن يصنعوا فيلماً عنها، كي يخاطبوا من خلاله الجهات الدولية لمساعدتهم في حماية هذا الكنز الحضاري، وخلال هذا يكلف إسماعيل بالذهاب إلى بيروت لاستقطاب شخص متخصص ومناسب للقيام بمهمة تصوير الفيلم.

في بيروت يجتمع بسارة التي هربت من والدها، جمال جاد الله، مدير إحدى المحطات الإخبارية الكبرى، كي تبحث عن فرصتها بذراعها، بعدما فقدت أملها من مساعدة والدها لها. وبعد لقائها بإسماعيل تقرر سارة الذهاب معه، على أنه يعدها أنه سيرجعها إلى لبنان سالمة.

يصلون إلى حمص، وفور وصولها تبدأ عملية تصوير الفيلم، لكن سارة لا تريده مجرد فيلم وثائقي يؤرشف التاريخ، بل تريد دمج التاريخ بقصص أفراد المجموعة المقاتلة التي تحميه الآن. طبعاً قصص هؤلاء الشباب تمثّل طموح الثوار السوريين الحالمين بالتغيير، والساعين إلى غد أفضل لها، والتي تختلف كلياً عن ما آلت إليه الأوضاع. قصص المجموعة تستحق أن تكون سلسلة من الأفلام الروائية القصيرة، فأحدهم يقوم بجمع صور وألبومات البيوت التي تدمرت وهجّر أصحابها، ويتخيّل حكايات لهذه الصور، وأحدهم يكتب الشعر الشعبي ويغنيه، وآخر لحوح شديد التطلب، لا يعجبه شيء، يشك بالجميع، لكنه في ساعة الجدّ يضحي بدون تردد لأجل المبدأ والهدف.. إلخ.

تقتحم مجموعة إسلامية متشددة (المسلسل يقدمها بوصفها "داعش") مكان تحصين الآثار وتجهز على جميع من يحمونه. إسماعيل ينجو بالصدفة، وحين يرى الإسلاميين يقومون باحتجاز سارة، يبقى بالقرب من المكان ليحاول تحريرها. أمير الإسلاميين الشيخ أبو ربيعة (غسان مسعود) حين يعلم أنها ابنة ذلك الإعلامي الكبير يطلب فدية، والفدية هي أن يجري الوالد لقاء معه، ويبثه كي يحرر ابنته. نلاحظ أن الإعلامي والشيخ يعرفان بعضهما من أيام أفغانستان على خلفية علاقة صحافية.

https://www.youtube.com/watch?v=rTdStqCBSeA

خلال ذلك تقوم سارة بتصوير نفسها ضمن فيلم موازٍ، تجلس فيه أمام الكاميرا وتستعيد حكايتها الشخصية مع المجموعة وتوثيق الآثار، ومع إسماعيل بالتحديد، حيث تبدأ بالشعور نحوه بحبّ جارف. ومن جهة إسماعيل يواصل المحاولة تلو المحاولة لتخليصها دون أن يجد طريقاً، لكنه لا ييأس بل يبقى يدور حول المكان طول الوقت، إلى درجة أنه يسلّم نفسه للإسلاميين في النهاية، بعد أن فقدوا المكان الذي وضعوا فيه الرهينة إثر موت من قاموا بتغيير مكانها.

ولأننا في مسلسل تلفزيوني لا بد للبطل من أن ينجو، إلا أن الكاتب والمخرج يقدمان مبررات مقنعة ومحكمة لذلك، حيث يداهم الجيش النظامي موقع المتشددين في اللحظات التي يتحضرون فيها لقتل إسماعيل.

مع الحلقات نعرف أكثر عن شخصية الشاب إسماعيل، فيلمح المسلسل مراراً أنه صديق لغياث مطر، وأنه من أول المتظاهرين السلميين، وقد انتقل إلى العمل الإغاثي، وأخيراً وجد مجاله الحيوي في العمل مع الشباب حماية الآثار.

يرصد المسلسل خلافات حادة بين الجماعة الإسلامية، كما نلاحظ أن هناك أحد القادة الكبار فيها على اتصال بالنظام.

على صعيد آخر يعد الأب جمال جاد الله (الممثل المصري خالد صالح) لإجراء المقابلة لتحرير ابنته، وخلال تحضيراته نراه يعتمد على إحدى أبرز الإعلاميات معه، وهي ليلى (نسرين طافش)، المتزوجة من رجل الأعمال جاد (رافي وهبي)، وهذا الأخير شريك مع رجال المخابرات السورية في عملية تهريب الآثار، ويلعب دوراً هاماً من أجل تسويق البضاعة مع مافيا لبنانية، ومن خلال علاقته بهذا المافيا نرى أنهم يتحكمون بعمل وحركة المتشددين الإسلاميين. يوضح المسلسل ذلك من خلال سيطرة المافيا على شريط المقابلة الذي قام به الإعلامي جمال وفريقه، والذي يتضمن معلومات سرية، لا يطرحها المسلسل، لكننا نرى أثر في سياق الأحداث، حين يباع شريط المقابلة لجماعية إسلامية أخرى ستسيطر على المكان، مع أمير آخر. ولعل مضمون مقابلة أبي ربيعة هو فضحه لاستغلال المافيات والمخابرات للجهاديين والتحكم بها.

اسم العمل "حلاوة الروح" قادم من وصول إسماعيل إلى سارة، نصف ميت، ليفتح لها الباب ويطلقها ويموت مبتسماً بعدما برّ بوعده لها. بذلك يقدّم المسلسل مقولته الرئيسية، وهي أن شباب الثورة الشرفاء الأوائل هم من سيطلقون سراح سوريا المختطفة.

على صعيد الإخراج برع الماجري في تقديم صورة حية للخراب والموت والحرب، فرغم أن أرض المعارك صنعت ديكوراتها في لبنان، إلا أنها أحيّت الأرض السورية، وجاءت مطابقة لما نراه في الصور والفيديوهات، إضافة إلى الحلول البصرية المدهشة للكثير من المفاصل الدرامية.

يقول الكاتب رافي وهبي لـ"سيريا أنتولد Syria untold": "لم استند إلى أي وثائق فيما يتعلق بقضية الآثار، كان يمكن لهذه المجموعة من السوريين أن يحموا أي مكون آخر، شريطة أن يكون فيه ما يقبل الترميز للوطن"، ويضيف: "أعكف الآن على كتابة رواية، أعتقد أنني سأتمكن فيها من التعبير عن رأيي الشخصي فيما حدث ويحدث، ذلك إنني أرى في العمل الأدبي بياناً شخصياً، أما المسلسل التلفزيوني فهو سلعة، ذات تأثير ثقافي وفني ومعرفي طبعاً، ولكنها سلعة في نهاية الأمر، ويجب أن تتوفر فيها عناصر التسويق والترويج والبيع والمنافسة، وبالتالي فهي خاضعة لشروط السوق، بما فيها الموضوعية والحياد والتعبير عن آراء الجميع، الحياد الإيجابي طبعاً والذي أفهمه على أنه مكاشفة، وطرح أكبر قدر ممكن من الأفكار والانتقادات لجميع الأطراف، بعيداً عن المحاباة أو التملق".

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد