عروة نيربية: فيلم سوري طويل


07 شباط 2013

ربما يعكس تاريخ المخرج السوري المعتقل عروة نيربية قصة سوريا ككل، إذ تغدو حياته ونشاطاته نموذج يعكس علاقة الفن بالسلطة والاستبداد في سوريا سابقا، و دور الفن في الانتفاضة السورية حاليا، عبر سعيه لتوسيع أفق الحياة السياسية دون أن تكون السينما شعارا سياسيا مباشرا.

ولأن عروة ابن عائلة سياسية ذاقت مر الاعتقال في عهد الأسد الأب الذي سجن موفق نيربية( أب عروة) في سجونه ظلما، فهو أدرك دور الفن في صياغة الوعي نحو الحرية، ولهذا اتجه عروة نيربية منذ بداية حياته السينمائية بالتعاون مع زوجته المخرجة السورية ديانا جيرودي، لتأسيس شركة انتاج خاصة تعني بالأفلام التسجيلية، لإدراكه المبكر أن مؤسسات السلطة أصبحت عاجزة عن الوفاء بمتطلبات الحياة السينمائية السورية،

ولإيمانه العميق أن الحرية تحتاج وعيا تراكميا لا بد أن يتأسس من تحت، ولهذا كان أيضا مهرجان "الدوكس بوكس" الذي تأسس عام 2008 بغية تقديم مادة سينمائية تحريضية تساهم في بلورة الوعي السوري، وتتقدم خطوة خطوة من بين الفراغات التي تسمح بها السلطة لتسريب هذا الوعي إلى جمهور متعطش لسينما حقيقية تحمل همومه ومشاكله.

الحرية للمخرج السوري عروة النيربية .... المصدر صفحة الحرية لعروة النيربية
الحرية للمخرج السوري عروة النيربية .... المصدر صفحة الحرية لعروة النيربية","title":"..... EN

هنا كان عروة يدرك جيدا دور السينما خاصة، والثقافة عموما في تجهيز الأرضية اللازمة للانتفاضة، ولهذا وجدنا أن المهرجان كان ينتقي أهم الأفلام التي رصدت الاستبداد والثورات عبر العالم، ولعل أهم حدث سجله المهرجان هو عرض فيلم " معركة تشيلي"  واستضافة مخرجه باتريشيو غوسمان في جولة حوارية في دمشق، ليسجل الفيلم حضورا كثيفا ويبقى حديث الوسط الثقافي السوري وقتها، إضافة إلى تمكن المهرجان من كسر الاحتكار المفروض على أهم مخرج سينمائي سوري في مجال السينما التسجيلية وهو عمر أميرلاي، حيث فرضت السلطة حظرا على أفلامه التي تسخر من الحزب الحاكم وتتعرض لرموزه بالنقد، حيث سجلت أفلام أميرلاي حضورا مكثفا، إضافة إلى أن المهرجان حضر ودعم أفلاما كثيرة ذات محتوى تحرري، كالفيلم الذي أخرجه محمد علي الأتاسي عن المفكر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد، والذي حمل عنوان " بانتظار أبي زيد".

حين اندلعت الانتفاضة السورية كان عروة نيربية وفريق مهرجان دوكس بوكس من أوائل المنخرطين في فعالياتها دعما وتظاهرا وتشجيعا، وهذا ليس غريبا لأن ما يحدث في سوريا هو جزء من تلك التراكمات الصغيرة التي زرعها المثقفون السوريون منذ ربيع دمشق وحتى لحظة اندلاع الانتفاضة في الخامس عشر من آذار 2011، ولأن السلطة تدرك جيدا مدى تأثير المثقفين والفنانين والشعراء في الشارع الذي فقدت السيطرة عليه عمدت إلى ترهيب المثقفين بالسجن والقتل والترحيل عن البلد، ولكن ذلك لم يثنهم عن مواصلة النضال بوجه الدكتاتورية وعبر الوسائل السلمية التي تمثلت بدعم التظاهرات والمشاركة بها  و تقديم الدعم للمهجرين والمساهمة في جمع الأموال وعمليات الإغاثة، والأهم في السينما عبر صناعة أفلام وثائقية كثيرة توثق انتهاكات النظام، موظفين خبراتهم على أحسن وجه.

الفنانة السورية لويز عبد الكريم تطالب بإطلاق سراح المخرج عروة النيربية
الفنانة السورية لويز عبد الكريم تطالب بإطلاق سراح المخرج عروة النيربية","title":"..... EN

ولعل قيام فريق مهرجان دوكس بوكس  بإلغاء الدورة الخامسة من المهرجان التي كانت مقررة في آذار (2011)"احتجاجا على انتهاك حقوق المدنيين في سوريا" وعلى "صمتٍ ساعد على انتهاك حقوق شعبنا ذاته الذي احتضن عيون السينما"، كان واحدا من تلك المواقف الكثيرة التي وقفها عروة وغيره من المثقفين إلى جانب شعوبهم، ولأن عروة وفريق عمل دوكس بوكس لا يركن لليأس عمدوا إلى استغلال علاقاته الكثيرة بمخرجين ومهرجانات كثيرة عبر العالم من أجل نقل المهرجان السوري الملغى إلى مهرجانات العالم كافة، عبر عرض مختارات من الأفلام الوثائقية السورية ضمن فعالية أطلق عليها اسم "يوم دوكس بوكس العالمي، لـ "عدم تمكّن الظلم والفقر والعزلة من منع الناس من مواصلة حياتهم بشجاعة فائقة وإصرار وكرامة".

وبسبب النشاطات السابقة التي قام بها عروة وفريقه قررت شبكة الأفلام الوثائقية الأوروبية منح "جائزة EDN" لفريق المهرجان ولعروة وزوجته "ديانا جيرودي"، حيث  برَّرت المنظمة منح الجائزة لمهرجان سينمائي غير أوروبي برغبتها في تكريم مجموعة من الأشخاص الشجعان الذين "لا يستسلمون في الأوقات الصعبة، بل يظهرون شجاعتهم ويتصدّون للعنف ويبحثون عن حلول خلاَّقة". وهكذا أصبح عروة صوتا من أصوات الحق السورية التي وقفت بوجه الاستبداد، ولأن السلطة عملت جاهدة على منع أي صوت يتحدث باسم الانتفاضة أو يكون معبرا عنها، عمدت إلى اعتقال عروة نيربية في مطار دمشق الدولي وهو يتوجه إلى القاهرة، بتاريخ 23 أب/2012، ليطلق سراحه بتاريخ 12/9/2012، حيث كان المخرج العالمي الشهير روبرت دي نيرو قد طالب بإطلاق سراحه في فيديو أطلق على اليوتيوب، كما أطلق أصدقاء المخرج صفحة على الفيسبوك للتضامن معه، حيث كتبت القاصة والروائية ديمة ونوس "صديقي الجميل... لك الحرية"، وكتب الموسيقي معن خليفة: "لأنّك جميل لا تتحملك إلا السينما".

 

 

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد