بعد تكاثر حالات الاعتقال اللاشرعي ضمن المناطق التي انحسرت عنها سلطات النظام من قبل الهيئات التي نصبّت نفسها مكان القضاء، انطلق نقاش بين الشباب العاملين في مؤسسة اليوم التالي في الداخل، خاصة أولئك الذين اعتقلوا أو اعتقل ذويهم على يد تلك السلطات الجديدة للبحث في كيفية معالجة الأمر والوقوف في وجهه أو تنظيمه على الأقل، الأمر الذي دفعهم لإطلاق حملة في فبراير 2015 حملت اسم "المحاكمات العادلة" لوضع إرشادات عامة "تشرح حقوق المعتقلين حتى أثناء الحرب أو النزاعات الأهلية" كما تقول إحدى العاملات في مؤسسة اليوم التالي لـ حكاية ما انحكت.
تهدف الحملة إلى إعلام أكبر شريحة ممكنة عن حقوقها أثناء الاعتقال، مع التركيز على وضع المعتقلين في "ظروف غير مثالية"، خاصة أن الناس انتفضت وقامت بثورة ضد الفساد والخوف، وليس من المعقول أن يعتقلوا مرة أخرى أو يعود بناء جدار الخوف على يد سلطات جديدة.
الحملة تضمنت رفع شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والحقوق وغرافيتي ( موجودة في المعرض في الأسفل)، إضافة إلى قيام الحملة بنشر كتيب كي يكون دليلا "للعاملين بمجال القضاء أو الشرطة حالياً بالمناطق المحررة بسوريا للعمل سويّاً لخلق أفضل ما يمكن ضمن الظروف الموجودة"، ليرفق الأمر بورشات نقاش بين الناشطين بهدف مناقشة كافة التفاصيل وإيصال الأفكار إلى المجتمع والمعنيين بالأمر. كما تم بث ست حلقات إذاعية ( موجودة ضمن المعرض) تخصصت في مايلي: ما هي حقوق المعتقلين، مرحلة ما قبل المحاكمة، حقوق أثناء المحاكمة، الحق بالترافع والدفاع عن النفس، الحقوق العادلة أثناء النزاع المسلح، احتجاز النساء والأطفال وعقوبة الإعدام، وذلك في محاولة لتحويل الأمر إلى قضية رأي عام كي تشكل دافعا لكل الجهات للبحث عن الحلول ومحاربة الظاهرة، علما أن فريق اليوم التالي الذي نفذ الحملة يدرك أن "الإرشادات قد تكون خياليّة بالنسبة للتنظيمات المتطرفة اللي لا يمكن تكون جزء من الشريحة المستهدفة".
تضمن الكتيب الذي حمل عنوان "محاكمات عادلة" معلومات حول الحقوق الأساسية للمعتقل قبل فترة المحاكمة، محددا إياها بـ: الاعتقال التعسفي هو انتهاك لحق الفرد في الحرية، وحق الأشخاص المحتجزين بالحصول على المعلومات الخاصة بهم، وحق الاستعانة بمحامي، والحق بالاتصال في العالم الخارجي، وحق المثول أمام قاض دون إبطاء، والحق في الطعن في مشروعية الاحتجاز، والحق في مساحة مدنية وتسهيلات كافية لإعداد الدفاع، والحقوق والضمانات أثناء الاستجواب، والحق في أوضاع إنسانية أثناء الاحتجاز وعدم التعرض للتعذيب والمعاملة السيئة، وشروط احتجاز النساء.
وأما الحقوق خلال المحاكمة فحددتها الحملة بـ: الحق بالمساواة أمام القانون وفي المعاملة من قبل المحاكم واللجوء إلى المحاكم، و بحق المحاكمة أمام لجنة محكمة مستقلة ومختصة وحيادية والحق في محاكمة علنية وافتراض البراءة.
وبعد المحاكمة العادلة حددت الحملة الحقوق بـ: حق الاستئناف أمام سلطة قضائية أعلى أو محكمة استئناف أخرى.
وناقش الكتيب حالات خاصة مثل عقوبة الإعدام والأطفال والحقوق الخاصة في بالمحاكمات العادلة في النزاعات المسلحة.
المحاكمات العادلة: حملة يؤكد من خلالها الناشطون أنهم واعون بأن جدار الاستبداد يبنى من تحت إلى فوق، وأن هذه الممارسات يعكس بعضها وعيا ضحلا لدى القائمين بشؤون المؤسسات الجديدة، الأمر الذي يقتضي معالجة الأمر في المهد قبل أن يكبر ويصبح أداة استبداد جديدة، الأمر الذي يختزن تصميم الناشطين على وأد الاستبداد ليس على المستوى السياسي فحسب، بل في جذوره المجتمعية أيضا.