أ- دور تنظيم الإخوان المسلمون السوري في إزكاء أيديولوجيا الاسلام السياسي
تمكن نظام الأسد الأب من تحطيم تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا بعد صراع مرير استمر منذ حوالي منتصف الستينيات وحتى مذبحة عام 1982.
تفكك التنظيم بشكل شبه كامل، قتل من قتل، وزج في غياهب السجون من ألقي القبض عليه، وهرب خارج الحدود من كتب له النجاة، وطويت صفحة تنظيم إخوان المسلمين في سوريا حتى مرحلة انطلاقة ثورة آذار 2011.
منذ الأشهر الأولى للثورة السورية، سعى تنظيم الاخوان المسلمون في سوريا إلى لعب دور محوري في الحراك الشعبي ومحاولة استعادة دوره السياسي في المشهد السوري، فسعى إلى التأثير في التوجه العام للحراك الثوري ونمط الشعارات التي رفعت أثناء التظاهرات، حتى أنه تدخل بتحديد أسماء الجمع التي كانت تخرج فيها المظاهرات، وعندما تحولت الثورة إلى العمل المسلح، سعى التنظيم إلى بناء مجموعات تابعة له وتأتمر بأوامره، في سعيه إلى إحكام سيطرته على سلطة القرار الميداني بداية والسياسي تالياً بعد تشكيله المجلس الوطني السوري الذي تأسّس في تشرين الأول/أكتوبر 2011 في إسطنبول. والذي كان التنظيم مهيمناً عليه بالكامل[1].
وعلى الرغم من أن قوة تنظيم الإخوان المسلمين السوري أقل بكثير مما روّج له النظام السوري والاعلام الموالي للإخوان، وعلى الرغم من أنه كان على الدوام طرفاً من بين الأطراف المشاركة في تشكيل المشهد السوري، إلا أنه لعب دوراً خطيراً على الصعيد السياسي، في تشكيل المعارضات السورية وتفكيكها، وتحديداً تلك التي نشأت خارج سوريا، بينما على الأرض فقد كان تأثيره ثانوياً قياساً بتأثير الفصائل السلفية الجهادية الناشئة في سورية في ظل ثورتها[2].
وعلى الرغم من كل هذا، لعب الاخوان دوراً مهماً في تسويق أيديولوجيا الاسلام السياسي بنسخته الإخوانية، وسعى التنظيم إلى النفاذ إلى مجتمع الثورة السورية عبر العديد من القنوات، منها النشاط الاجتماعي المقنّع بالعمل الخيري والإغاثي، ومنها تمويل ودعم بعض المجموعات العسكرية المعارضة، وكان المقابل في كل الحالات هو الحصول على الولاء.
منذ أن منع الاخوان من مزاولة نشاطهم العلني في ستينيات القرن الماضي، تبنى التنظيم خطاباً طائفي، وضع "سنة" سوريا في مواجهة علوية نظام الأسد؛ ورغم تغير الزمن عبر العقود الماضية، ورغم تغير الخطاب المعلن للإخوان المسلمين عبر تبنيهم لخطاب ديموقراطي يشجع على المشاركة في أنظمة الحكم الحديثة، إلا أن الجناح المتشدد –وهو الجناح السائد- استمر على مستوى العمق في تبني الخطاب الطائفي للإسلام السياسي بشكل عام[3].
وقد برز هذا التوجه بوضوح عبر ممارسات وخطاب الاخوان المسلمين على صعيد الحراك الشعبي كما يظهر ذلك من اختيار أسماء الجمع أثناء الثورة والتي كانت في مجملها تأخذ طابعاً إسلاميا وبإملاء من تنظيم الإخوان، وأكثر من ذلك فيما يخص المجموعات العسكرية المعارضة وتحديداً البدايات منها، حيث عمل تنظيم الاخوان بكل إمكانياته لاستبدال التسميات الأولى التي أطلقها العقيد حسين هرموش عبر حركة الضباط الأحرار والتي لم تحمل تسمياتها في تلك الأثناء أية إشارة أيديولوجيا إسلامية أو غيرها، لتحل محلها فيما بعد تسميات في غالبيتها ذات طبيعة إسلامية ككتائب الفاروق[4] التي أنشئت في حمص على يد الضابط المنشق عبد الرزاق طلاس على سبيل المثال.
تخفت ممارسات الاخوان عبر شبكة من العلاقات والمؤسسات والهيئات غير الرسمية، والتي غالباً ما كانت تعلن عن نفسها كهيئات مستقلة بيد أنها كانت في معظمها تابعة بشكل أو بآخر لتنظيم الإخوان المسلمين، كرابطة العلماء السوريين[5] برئاسة الشيخ محمد علي الصابوني، المحسوب على جناح حلب داخل تنظيم الإخوان، ومنظمة "وطن" المرخصة في الولايات المتحدة حديثاً[6]. ولعب تنظيم الإخوان دور اليدّ الخفية التي تقف خلف هذه المنظمات، والتي تمكنت في كثير من الأحيان من التغلغل داخل نسيج المجتمع السوري والنشاط لصالح الجماعة.
على صعيد عسكري، شكلت جماعة الإخوان تشكيل عسكري في كانون أول 2012، أطلقت عليه اسم: "هيئة حماية المدنيين"، بقيادة الدكتور هيثم رحمة من حمص، وضم عدداً من الكتائب أهمها: "لواء الأنصار، أنصار الخلافة، أمجاد الاسلام الفرقان، لواء حطين، فرقة أبناء القادسية، لواء اسود الإسلام، لواء معاوية بن أبي سفيان، لواء النصر بالقلمون، لواء خالد بن الوليد بالقصير، لواء سيوف الحق ولواء الكرامة في حمص المحاصرة، لواء ذئاب الغاب"[7].
كما أسست تشكيلاً آخر في أيار من عام 2012 أطلقت عليه اسم "هيئة دروع الثورة"، ضمت حوالي 43 مجموعة عسكرية، انتشرت بشكل رئيسي في محافظة إدلب، وبالدرجة الثانية في ريف حماه[8].
تشير دراسات وشهادات مختلفة إلى الدور الذي لعبته جماعة الإخوان المسلمين في تطورات المشهد السوري وذلك على الرغم من المعلومات المشوشة حول دورها الحقيقي، وغياب الإثباتات القطعية لعلاقاتها مع العديد من هيئات الحراك الثوري والعسكري في سوريا، وفي غالب الأحيان تمحور هذا الدور حول سعي التنظيم للحصول على الولاء من جهة، والتأثير على الحراك الثوري من جهة أخرى، واشترك التنظيم في هذا السياق مع باقي الأطراف في الترويج لأفكار الاسلام السياسي وتحديداً بنسخته المتطرفة وذلك على الرغم من الحدود التي تفصل بين خطاب الإخوان المسلمين من جهة والتيارات السلفية الجهادية الأخرى من جهة ثانية.
المراجع:
[1] - حول تاريخ الإخوان المسلمين، راجع: المادة الشيقة "قصة الإخوان المسلمون، التقية السياسية وإدمان الهزائم"، موقع اورينت نت، للكاتب إياد عيسى، تاريخ 14-10-2013، على الرابط: http://o-t.tv/q_. يقول عيسى حول صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد: " تبدو حكاية صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011، ظريفة، قرصنها فداء السيد ابن طريف القيادي الإخواني من شركائه، أحدهم جمال خدام، كان جمال تعاقد مع شركة لبنانية متخصصة، بفضلها قفز عدد المُشاركين من 400 إلى 10000 بأقل من أسبوع، حين تجاوز المشتركون عتيبة 50000، سال لعاب فداء، بدّل كلمة السر، طرد الأصدقاء، قدم فروض الطاعة للجماعة، الجماعة أدخلت الصفحة عضواً في المجلس، بقيت ممسكة بسلاح تسمية أيام جمع التظاهر، رفضت تسليمه، غمزت الجماعة لابنها البار مشجعة، أطلقت يدها لتفعل العجائب!".
[2]- الصراع من أجل التكيُّف: جماعة الإخوان المسلمين في سورية الجديدة، آرون لوند 07 أيار/مايو 2013، المصدر: معهد كارينغي، http://cutt.us/Ak0c.
[3]- يقول آرون لوند: "تحوّل الإسلاميون في سورية، بمَن فيهم جماعة الإخوان المسلمين، بشكل متزايد إلى التحريض الطائفي ضد العلويين شركاء الأسد في الدين والأقلّيات الأخرى من غير المسلمين السنّة"، الصراع من أجل التكيُّف، مرجع سابق.
[4]- رافائيل لوفيفر، الكفاح المسلح لجماعة الإخوان السورية، المصدر: معهد كارنيغي: http://cutt.us/KejEk
[5]- موقع الرابطة على الويب: http://www.islamsyria.com/portal/page/show/1
[6]- آرون لوند، الصراع من أجل التكيُّف، مرجع سابق.
[7]- هيئة حماية المدنيين، محمد الفارس -زمان الوصل، 2013-08-04.
[8]- حول علاقة تنظيم الإخوان المسلمين مع هيئة دروع الثورة وغيرها راجع: توماس بييريه: الدعم الخارجي والمعارضة السورية المسلحة، رابطة الكتاب السوريين، ترجمة ريما جباعي، 24 ديسمبر,2013.