حين بدأت الثورة السورية لم يكن النظام السوري مدركا للدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسة الهلال الأحمر السوري، ولو من باب الحياد وعلى المستوى الإنساني، فكلمة "حياد" مرفوضة كليا لدى النظام الذي عمل جاهدا على تقسيم البشر بين إرهابيين يجب سحقهم ولا يستحقون إلا الموت، وبين مؤيدين صالحين يهتفون باسمه.
ولهذا فإن حياد الهلال الأحمر الذي يجعل من معالجة أي جريح أو مصاب وتقديم الدواء له بغض النظر عن دينه أو رأيه السياسي هدفا أساسيا لعمله، كان يرفضه النظام الذي لم ينتبه لأهمية هذا الأمر في بداية الثورة، فكان أن تشكلت مساحة ما عمل في ظلها بعض النشطاء والمؤمنين بالثورة السورية، ولو من موقع حيادهم في المؤسسة وتأييدهم الثورة خارجها، ما انتبه له النظام فيما بعد ليحكم القبضة مجددا على الهلال في المناطق الخاضعة لسيطرته على الأقل.
للهلال الأحمر السوري أربعة عشر فرعا موزعة في المحافظات (فرع لكل محافظة)، ولكل فرع شعب تتوزع في مناطق المحافظة، علما أن هناك محافظات لا شعب فيها، وهي مجهزة بكافة أدوات الإسعاف الأولي وقادرة على القيام بعملها على أحسن وجه. وحين تحصل أية كارثة أو حدث ما، يستنفر كل الأعضاء والأفرع ليكونوا على أهبة القيام بالواجب، وهو ما حصل حين استنفر فرع دمشق في 21 آذار بعد أن هبت رياح التغيير في سوريا، فبدأت طواقم الهلال تتواجد على أطراف المظاهرات للقيام بواجبها في تقديم العلاج والإسعاف للمصابين، بغض النظر عن انتمائهم السياسي، علما أن أغلب كوادر الهلال التي كانت تتواجد قرب المظاهرات هم ممن يؤيدون الثورة السورية أو محايدين، لأن المؤيديون للنظام من كوادر الهلال "ماكان حدا منن مستعد ينزل للشارع لأنه غير مؤمن بالثورة أساسا" كما يقول أحد المتطوعين السابقين في الهلال لحكاية ما انحكت.
وقد بقي الأمر كذلك إلى أن استلم "رائد الطويل" إدارة المؤسسة (بين شهر تشرين الثاني ٢٠١١ و تشرين الثاني ٢٠١2) فعمل على توسيع الهوامش المتاحة له كمؤسسة مستقلة، وفتح مراكز في مناطق التوتر الخارجة عن سيطرة النظام مثل جوبر والمعضمية والقابون، حيث كان ناشطو الهلال يتواجدون بها بشكل دائم، رغم الخطر المحدق بهم، والأمر يعود إلى كون "الطويل" صاحب " شخصية قوية وعنده أسلوب خطاب مقنع، حيث كان يتم تجاوز الأمر من الاسعاف إلى العمل ضمن إجراء عمليات مستعجلة، وتأمين أدوية لداخل المناطق المعارضة وكل شيء بيقدر الهلال يوزعوا أو يأمنو للداخل، وأحيانا كان هناك تعاون بين التنسيقيات والهلال بطريقة سرية، وعبر أفراد موثوقين ماكان يعرف بها أحد غير مدير المركز وبعض الأفراد الموثوقين" كما يقول أحد متطوعي الهلال الأحمر السابقين لحكاية ما انحكت.
وعما إن كان انخراط الهلال في هذا العمل يؤثر على حياديته وجوهر عمله، يقول أحد متطوعي الهلال أن مبادئ الهلال تقتضي تقديم العلاج والدواء والإسعاف لكل محتاج بغض النظر عن موقفه، والنظام كان يرفض هذا الأمر، ما يعني أننا كنا نقوم عمليا بتطبيق مبادئ الهلال وحياديته حين كان النظام لا يسمح لنا بوضع هذا الحياد موضع التنفيذ، ناهيك عن كون الهلال كان يقدم خدماته للجميع بما في ذلك عناصر النظام والمتظاهرين.
إلا أن هذه المرحلة لم تستمر طويلا، إذ اعتقل رائد لمدة 69 يوما بتاريخ 8 تشرين الثاني 2012، ليعاد إغلاق تلك المراكز التي تم افتتاحها، والاستعاضة عنها بمراكز داخل دمشق، ليخف دور الهلال تدريجيا ويصبح دوره آنيا ومرهون برؤية السلطة "فحين يكون هناك مصالحة يتم الاتفاق على دخول الهلال الأحمر"، علما أن معرفة النظام لما يمكن أن يقوم به الهلال دفعه لوضع عنصر أمن تابع للمخابرات الجوية في مقره الرئيسي في دمشق كما يقول أحد المصادر لحكاية ما انحكت.
لقد تعرض الهلال خلال مسيرة عمله في ظل الثورة للكثير من الانتقادات من الطرفين، إذ رأى الموالون أنه يقدم خدمات للمعارضة في حين رأى فيه بعض المعارضين أنه يقدم خدمات للنظام من خلال سماح النظام لبعض المتطوعين بالدخول للمناطق الخطرة، إضافة إلى أن بدايات الثورة شهدت حالات اعتقال ضمن أو من سيارات الإسعاف، إذ يقول أحد المصادر لنا أن "سيارات الإسعاف التابعة لوزارة الصحة تشبه سيارات الهلال، فكان الناس والمتظاهرون يخلطون بين الأمرين، ويظنون أن الاعتقالات التي تحدث في سيارات وزارة الصحة هي للهلال، إضافة إلى أن المؤيدين للنظام من ضمن كوادر الهلال لم يكونوا يؤذون المتظاهرين بل كانوا يؤذون زملائهم المعارضين فقط، من خلال الوشاية بهم بطريقة أو بأخرى".