(هذه الحكاية نتاج تعاون بين راديو سوريالي وحكاية ما انحكت. يمكنكم سماع الحكاية على برنامج حكاية وانحكت)
ضمن برنامج حكاية وانحكتدخل أستاذ الرياضة، شاب وسيم في أواخر العشرينات، إلى صف التاسع، شعبة ثانية، في ثانوية أحمد الصباغ، في منطقة المهاجرين جادات، في مدينة دمشق. كانت علا وفتيات كثيرات مثلها في الصف، تنتظر حصة الرياضة من أسبوع لآخر. كانت طويلة القامة ورياضية، رشيقة رفيعة الخصر. كانت تفضل لو لم تكن محجبة، وكان أستاذ الرياضة ينتظر لمدة خمس دقائق خارج الحصة حتى تضع الطالبات المحجبات حجابهن. كانت علا (اسم مستعار/16عام) تتمنى لو اقتحم الأستاذ يوماً ما الغرفة دون إذن ورأى شعرها الكستنائي الطويل، لكنه كان منضبطاً جداً!
كانت تشعر بالغباء وهي ترتدي الحجاب وتقفز لتضع الكرة في السلة في لعبة الباسكيت والأستاذ يراقب. كان شيء ما في داخلها يشعر بعبثية فكرة الحجاب هنا. صدرها يرتج، ومؤخرتها أيضاً، مع كل قفزة تقوم بها. وفي أكثر من مناسبة تدلّى شعرها على ظهرها من تحت الحجاب، لتنبهها إحدى صديقاتها في هلع مبتذل كي تعيد إحكام لفه وتغطيته. لكنها لم تكن لتتخلى عن لعبة الباسكيت ولو تسبّب ذلك في تمزيق ثيابها أو انفكاك حمالة الصدر، أو انزياح الحجاب. كم كانت تتمنى لو انفلت الحجاب بالكامل وسقط أرضاً. كانت تتخيّل تلك اللحظة بطريقة سينمائية: أن يقع الحجاب ببطء على الأرض، أن ينسدل شعرها الناعم، أن ينظر إليها الأستاذ بصدمة وإعجاب بعينيه الحالمتين، وأن يمسك الحجاب ليعطيها إياه، ولربما يساعدها في تغطية شعرها، ولكن دون تغطيته بالكامل، متيحاً لبعض الخصل أن تتدلى هنا وهناك على وجهها بطريقة جذابة.
كانت علا تشعر بإحراج شديد عندما تغزو الصف رائحة العرق المركّزة بعد انتهاء حصة الرياضة. كان يحمر وجه الأستاذ وهو يحاول التنفس من الشباك ريثما يلملم أغراضه خارجاً من قاعة الدرس. حاولت علا في أكثر من مناسبة الاقتراب منه ليشمّ رائحتها التي كانت مزيجاً من الصابون والعطر، كي تثبت له أنها ليست مصدر رائحة العرق النتنة. مرة تذرعت بأنها تريد أن تأخذ رأيه في مشد للركبة، واقتربت كثيراً، وتأكدت من أنه اشتم رائحتها، وأغمض عينيه لأجزاء من الثانية، كان مستمتعاً ولا شك ببعض من الطِّيب وسط ذلك الجو الخانق النتن. أعطته مشد الركبة، فلمست يده يدها لمسة غير مقصودة. قال: "أعتذر".. لربما اعتقد أنها تمانع. وأحست علا بقلبها يخفق بقوة وبشعور يدغدغ بطنها. تلك اللحظة كانت كفيلة برفع مزاجها لأيام عديدة. لم تكن تحب الأستاذ، كانت فقط مستمتعة باستشكاف تفاعلها مع الجنس الآخر. انتقل الأستاذ بعد فترة وجيزة واستلمت الحصة بعده معلمة بدينة، كانت تمثل دعاية سيئة للرياضة. لم يكن على علا ارتداء الحجاب في الحصة. ولم تعد تراودها عن نفسها تلك الأفكار الجنسية المغلفة بالرومانسية.
كانت علا مجبرة على حضور دروس الدين كل أربعاء مع والدتها وخالتها وأختها الكبيرة، دروس كان يسخر منها أبوها المتوفى. كانت جلسة القبيسيات بالنسبة لها فرضاً كريهاً مرعباً. كانت تمقت كل النسوة اللواتي كانت تقابلهن، واللواتي كن يرمقنها بنظرات غريبة شبقة، كنّ يفكرن فيها كفتاة جاهزة للخطبة. كان جسدها ناضجاً، محجبة، وبالتالي على خلق ودين، بيضاء البشرة، ومن عائلة شامية لا بأس بنسبها. كانت طريقتهن المقزّزة في مسحها من رأسها حتى أخمص قدميها بعيونهن المفتوحتين، تشعرها بأنّها عارية تماماً. كانت تعود إلى المنزل ولديها رغبة شديدة بالاغتسال. شعور لم يكن ينتابها، وهي تغازل أستاذ الرياضة في أحلامها، ولا عندما اقتربت ليشم رائحتها رغم ترديد النسوة في الدروس بأن ذلك إثم كبير وأشبه بالزنا.
لم تكن علا لتنسى أنها تحجبت بفضل تلك الدروس. في أحد الأيام، فوجئت علا ببعض الدم في سروالها الداخلي. نادت أمها بقلق، أمها التي لم تحضّرها يوماً لفكرة البلوغ. وعندما رأت الأمُ الدمَ لم تقل شيئاً لعلا، وإنما توجهت بسرعة إلى الهاتف لتجري مجموعة من المكالمات بجدية كبيرة. فكرت علا: هل يمكن أن يكون الأمر خطراً لهذه الدرجة؟ هل يعقل أنني مريضة؟ وشرعت تبكي. لكن أختها الكبرى ضحكت وقالت لها: ما تخافي يا هبلا! بلَغْتِي! لم تفهم علا. لكنها في تلك الليلة حضرت جلسة دينية موجهة لها، تعلمها بواجباتها الدينية والاجتماعية الجديدة بسبب (بلوغها). وعادت بحجاب على رأسها إلى البيت. لم يكن الحجاب شيئاً غريباً عن الأسرة.
"إذا ما تحجبتي الناس بتحكي عليكي. وإذا فكيتي الحجاب أهلك ورفقات أهلك رح يقاطعوكي. سمعتك رخ تصير علكة بتم العالم. بحياتك ما رح تتجوزي، ولا شب رح يحترمك. والناس رح تحكي على أخلاقك. ورح تقطعي بنصيب أختك كمان. ويقولو على أمك فلتانة لإنو ما عرفت تربيكي"... كانت تلك طريقة رئيسة المجموعة الدينية في إنهاء قضية حجاب علا إلى الأبد، عن طريق تهديدها لا بالعقاب الإلهي، بل بالعقاب الاجتماعي لها ولأسرتها
أم علا ترتدي حجاباً غامق اللون. وأختها الكبرى أيضاً ترتدي حجاباً. كان من المفترض أن يكون التأقلم مع قطعة قماش إضافية على الرأس أمراً بسيطاً. لكن علا لم تتقبّل بأي شكل من الأشكال هذا التغيير في اللباس. تعلّمت تثبيت الإشارب على الرأس بصعوبة بالغة. كانت تنسى وضعه عندما تفتح الباب، أو عندما تخرج إلى الشرفة، وحتى عندما كانت تذهب إلى المدرسة صباحاً، نسيت وضعه في أكثر من مناسبة ولم تتذكر الأمر إلا على عتبة باب المبنى. في إحدى المرات خطت خطوتين في الشارع قبل أن تصرخ أمها من الشرفة لتعيدها إلى البيت و"تسلخها كفين"، وهي لا تصدّق أن ابنتها قد نسيت حجابها فعلاً. لدى هذه الحوادث المتكررة ارتأت الأم والأخت عرض الموضوع على مجلس النسوة، فأقمن لعُلا مولداً، وقرأن لها ختمة، واجتمعت معها رئيسة الجلسة أكثر من مرة لتدخل النور والقناعة إلى قلبها. لكن الحديث كان يصل مع علا إلى طريق مسدود دائما.
- الحجاب سترة للبنت.. فكري انتي أنو صحي أكتر، بقلاوة مغطاية ولا مكشوفة وعم يهف عليها الدبّان؟
- ليش الشعر كتير مهم يتغطى؟
- الشعر فتنة..
- الشعر فتنة، والعيون مو فتنة؟ والشفايف مو فتنة؟
- فيكي تحطي نقاب إذا حبيتي.
- ليش لغطي حالي من فوق لتحت، ليش لحتى الرجال ما يتطلعو.
- طبيعة الرجل غير طبيعة المرأة. الرجل ما بيقدر يمنع حالو.
- طيب ليش الرجّال بيتحاسب لكن؟
- بنتي. نحنا منحط الحجاب لأنو الله أمرنا بهاد الشي. نقطة انتهى.
- بس في ناس بتقول انو مانو فرض.
- .. علا.. إذا ما تحجبتي الناس بتحكي عليكي. وإذا فكيتي الحجاب أهلك ورفقات أهلك رح يقاطعوكي. سمعتك رخ تصير علكة بتم العالم. بحياتك ما رح تتجوزي، ولا شب رح يحترمك. والناس رح تحكي على أخلاقك. ورح تقطعي بنصيب أختك كمان. ويقولو على أمك فلتانة لإنو ما عرفت تربيكي. إنتي حرة.
كانت تلك طريقة رئيسة المجموعة في إنهاء قضية حجاب علا إلى الأبد، عن طريق تهديدها لا بالعقاب الإلهي، بل بالعقاب الاجتماعي لها ولأسرتها.
مرت الأيام والسنوات، وتجارب علا العاطفية والجنسية لا تتعدى أحلام يقظتها وخواطرها كفتاة مراهقة تعيش في بيئة منغلقة تماماً. جلّ ما تسمعه عن الجنس الآخر هو من قصص صديقاتها والتلفزيون وبعض النكات الجنسية بالغة القذارة والكفيلة بتشويه أي مفهوم عن العلاقة السوية مع الرجل. كذلك كانت بعض الأحاديث الجنسية على هامش جلسات الدين تصل إلى مسامعها، بما أنها لم تعد صغيرة وعلى عتبة الزواج بدورها. ثم حصل ما كانت تتوقعه وتخشاه. لقد خطبتها إحدى صديقات أمها من المرتادات المنتظمات للجلسات الدينية لابنها. كانت علا في الصف الحادي عشر، وكان الشاب في الثامنة والعشرين من عمره. لم تكن علا تحب الدراسة كثيراً. لكنها لم تفضل الارتباط بشخص لا تعرفه، كانت تتمنى لو عاشت قصة حب تشبه قصص الأفلام. باحت لأختها بذلك الأمر. لكن الأخيرة كان في قلبها ما يكفي من الغلّ لأن أختها الصغرى ستتزوج قبلها: "فعلا بيعطي الحلاوة للي ما إلها سنان. اخرسي واحمدي ربك. الأفلام مو للي متلنا" قالت لها.
توقعت علا أن تستمتع قليلاً بالجنس للمرة الأولى في ليلة زفافها. لكنه كان مؤلماً ومحرجاً. لم يقبّلها زوجها ولم يداعبها. كان فجأ آلياً، ولم يكن وسيماً كأستاذ الرياضة. كان الموقف محبطاً ومخزياً، توقعت أن يتحسن الأمر مع الوقت، لكنه ازداد سوءاً. مرة نبهت علا زوجها إلى رائحة نفَسِه المزعجة. فوصل الخبر إلى أمه وأمها وإلى رئيسة الجلسة، التي نصحتها بتحمّل الأمر وإلا كانت امرأة ناشزاً، وكل شيء بثوابه أو عقابه. ذهبت علا بخواطرها، وكانت تحب أن تسرد في عالم الخيال والحلم. فكرت، لو أنها لم تتحجب، لو أنها هربت من البيت، لو أنها لم تساوم وتساير، لو أنها أحبت شاباً ومضت معه في علاقة جميلة بغض النظر عن نتيجتها، لو أنها تابعت دراستها.. لو أنها لم تأخذ أي خيار أوصلها إلى اللحظة التي تستمع فيها إلى امرأة غريبة تعتقد أنها وكيلة الله على الأرض، لتقول لها بأنّ واجبها كزوجة صالحة أن تسد أنفها كي لا تشم رائحة فم زوجها القذرة، وهو يجامعها وكأنها وسادة محشوة بالتبن.
حملت علا وأنجبت فتاة، وأخذت على نفسها عهداً بألا تضطر فتاتها أن تعيش تفصيلاً واحداً مماثلاً لما عاشته حتى الآن. لقد حررتها الصغيرة من كل مخاوفها، مقابل الخوف الأكبر من أن تعيد التجربة نفسها مع ابنتها عندما تكبر. لم يكن من الصعب أبداً على علا أن تدفع زوجها باتجاه تطليقها. أحضرت كتب الشهادة الثانوية، أمضت وقتها في الدراسة، لم تعد تعدّ الطعام أو تنظف البيت. كان كل ذلك مدروساً ومقصوداً، ولم تطلب الطلاق لأنها كانت متأكدة من أن ذلك سيدفعه إلى التشبث بها.
بعد عدّة شهور وتدخلات ووساطات وشجارات، حصل الطلاق، وعادت علا إلى بيتها لتسكن مع أمها وأختها، ومعها ابنتها الصغيرة. سجلت علا دورة تقوية في منهاج البكالوريا لتساعدها على تجاوز صعوبات الدراسة بعد الانقطاع. ساعدها ذلك على اختيار محيط مختلف عن محيطها السابق. جالست فتيات متحرّرات، جالست شباناً من خلفيات مختلفة دينية واجتماعية. عندما تحدثت عن تجربتها قوبلت من البعض بالجفاء ومن آخرين بالاحترام. كانت حريصة أن تتحرّر من كل خوف أو حذر اجتماعي. لكن الشيء الوحيد الذي لم تتجرأ على القيام به هو خلع الحجاب. لم يكن خوفاً على نفسها من أحكام الآخرين، وإنما خوفاً على ابنتها من أي معاملة سيئة. فخلع الحجاب في العائلة لا بد وأن ينقل الأمور إلى مستوى آخر من الرجم والقطيعة. حازت علا على معدل مقبول في الشهادة الثانوية العلمية، وسجلت في كلية الإعلام. وهناك عاشت مراحل مختلفة من النضج الفكري والمعرفي والاجتماعي. أحبّت عدّة مرات، تعمّقت في التجربة الجنسية، لم يعقها حجابها ولا موروثها الديني. وفسّرت تجربتها أيضاً الكثير من العقد الذكورية الجنسية بسبب الكبت والعزلة عن المرأة. تخرجت علا وحصلت على منحة في جامعة انكليزية، وقررت أن تأخذ ابنتها وتحاول أن تجد لها مكاناً في انكلترا. وحسمت أمرها بخلع الحجاب في اللحظة التي ستدوس فيها قدماها أرض أوربا. لكنها اصطدمت بالقانون السوري الذي يمنعها من اصطحاب ابنتها دون أخذ موافقة الأب (المادة. ولم يكن طليقها ليجعل الأمور سهلة، وهو يتابع من بعيد أخبار حياتها التي تغيّرت رأسا على عقب بعد أن خرج منها.
لم تستطع علا الحصول على الموافقة، فقررت البقاء وتأجيل لحظة الحرية حتى تصبح الظروف مواتية. لكنها باشرت بالعمل لحسابها الخاص في عدة مجلات ومواقع إلكترونية إخبارية.
اندلعت الثورة في عام 2011. كانت علا في التاسعة والعشرين، ومايا في الحادية عشرة. شاركت علا في المظاهرات، وهي تحلم باليوم الذي تتغيّر فيه قوانين الأحوال الشخصية، كانت مقتنعة بأحقية المطالب السياسية، لكنها لم تكن تعنيها بقدر المطالبة بنسف ذلك القانون من جذوره. وسرعان ما أيقنت بأنّ الظلم واحد وأنّ الحرية واحدة رغم تعدّد وجوهها وهي تهرب من رجال الأمن وتشهد على إطلاق الرصاص واعتقال المتظاهرين وإهانتهم.
وذات مرة كادت أن تعتقل بنفسها وأحد أفراد الأمن يشدها من حجابها، لكنها فكت الحجاب من رقبتها بكل بساطة وهربت. إحدى الفارات المحجبات نظرت إليها شزراً وهي تركض. لكن علا لم تبال. كانت تشعر بقوة رهيبة، فأحدهم حاول ابتزازها بما يعتقد أنه قضية حساسة بالنسبة لها، لكنه فشل في الأمر بسبب قراءته المضلَّلة للواقع. تابعت علا الركض وصدرها يرقص ومؤخرتها التي كبرت قليلاً تهتز. تذكرت حصة كرة السلة وزادتها الذكرى حماسة وسرعة في الركض.
في أحد أيام عام 2014، وتحديداً في يوم صيفي حار، نظرت علا إلى وجهها في المرآة. لمحت طيف تجاعيد حول عينيها، لم تعد تطيق الانتظار.. خلعت علا الحجاب. كانت ابنتها في الرابعة عشرة من العمر. كبيرة بما يكفي لتتحدث عن نفسها. لم يمر الأمر طبعا. قامت القيامة في البيت. تحرّك أهل طليقها ليأخذوا البنت بعيداً عن تأثير أمها المنفلتة، لكنهم لم يقدروا على ثني الفتاة عن قرارها بأن تعيش مع أمها.
ذات مرة كادت أن تعتقل علا. أحد أفراد الأمن يشدها من حجابها، لكنها فكت الحجاب من رقبتها بكل بساطة وهربت. إحدى الفارات المحجبات نظرت إليها شزراً وهي تركض. لكن علا لم تبال. كانت تشعر بقوة رهيبة، فأحدهم حاول ابتزازها بما يعتقد أنه قضية حساسة بالنسبة لها، لكنه فشل في الأمر بسبب قراءته المضلَّلة للواقع
بسبب نشاط علا الإغاثي تم تعميم اسمها وصدر أمر بتوقيفها. لم تكن لتبقى يوماً واحداً رهينة الخوف. ولم تكن لتتحمل فكرة الأسر ساعة واحدة. لقد كانت دائماً تبحث عن الحرية ولم تكن لتسمح لقيد أن يعيقها أو يبطئ من عزيمتها. غامرت مع ابنتها في رحلة الهرب إلى الشمال، اضطرت إلى ارتداء غطاء الرأس الذي تمقته حتى تمرّ من مناطق المتشدّدين، وأُجبِرَت ابنتها أيضاً على ارتدائه. كان وضعاً مؤقتاً. لكنه مع ذلك كان مفرطاً في العبثية، كم هو مهم هذا التفصيل التافه بالنسبة للبعض. أن تضع امرأة ما قطعة قماش على رأسها، لتقي نفسها من العذاب الإلهي، لتحمي نفسها من الخطيئة ومن تحرّش الرجال، لتعترف لأصحاب السلطة بسلطتهم، لتقر بهويتها الدينية، الأمر الذي لم يكن دقيقاً لأن النساء من جميع المعتقدات الدينية كن مضطرات لارتداء الحجاب أمام مسلحي الكتائب الإسلامية. ما سر الحجاب؟ ولماذا يمثل فرضه واحدة من أعلى مظاهر السلطة الدينية على النساء؟
لم يكن الحجاب في الحقيقة يحمي الفتيات الصغيرات من التحرش المريض ذي الصبغة الدينية. أنزل أحد الشبان مايا من الباص لأن الحجاب كان يكشف خصلة صغيرة من شعرها، وتبرّع شاب آخر للزواج منها والستر عليها، ولم يفلت الاثنان مايا إلا مقابل إسوارة ذهبية من أمها.
بعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر وصلت علا مع ابنتها إلى تركيا. خلعت حجابها المؤقت ورمته جانباً. كذلك فعلت مايا. بعد عناق طويل مضت الأم وابنتها في الرحلة التي وصلت بهما إلى إحدى دول اللجوء الأوروبية. تعيش رفيقتا الدرب هناك بأمان. أحياناً تسمع علا عن امرأة طلبت الطلاق أو خلعت الحجاب هنا وهناك بعد وصولها إلى أوروبا. وعن حالات عنف ضد نساء كسرن القيود. تتمشى هي وابنتها في الشارع عند المغيب، وتشتري حلوى مكشوفة تشبه البقلاوة من بائع متجول، وهي تتنفس بارتياح.