(تنشر هذه المادة بالتعاون والشراكة بين حكاية ما انحكت ومؤسسة شبكة الصحفيات السوريات)
(القامشلي)، "قمت بتوكيل محامي ورفعت قضية لأجل أن أحصل على حقي في الميراث، وكانت النتيجة بأن أهلي وجميع أفراد العائلة قاطعوني واضطررت لسحب قضيتي والتنازل عنها حتى لا أخسرهم".
هذا ما تقوله السيدة شيخة عبد الرحيم لحكاية ما انحكت، وهي سيدة في العقد الثالث من العمر، متزوجة ولديها ستة أطفال، من مدينة القامشلي/ حي الهلالية، لنكون أمام واقع صعب يحاصر المرأة التي تطالب بحقها في الميراث في مجتمع مدجج بالعادات والتقاليد التي تعيق حصول المرأة على حقها، رغم أن القانون والشرع يقفان معها، حيث يقول رئيس علماء المسلمين في قامشلو، الشيخ ملا محمد الغرزاني، لحكاية ما انحكت أن "النصوص الدينية صريحة فيما يتعلّق بحق المرأة في الميراث، حتى وإن كانت حصتها أقلّ من الرجل في حالات معيّنة، إلا أنّ ما يمنع هذا الحقّ هو العرف والحياء الاجتماعي".
هذا العرف هو الذي دفع شيخة لتجاهل حقها زمنا طويلا لأن "العائلة (عزوة) المرأة وفق مجتمعاتنا، وبقيت متألمة من وضعي المعيشي والبقاء تحت رحمة صدقتهم المزاجية فلم أنصف نفسي ولم ينصفني المجتمع بحجة العادات والتقاليد التي كبلتني، فالقانون، مجرد حبر على ورق" كما تقول لنا شاكية حالها ووضعها الاقتصادي الصعب الذي دفعها لأن تطالب بحقها، كي ترتاح من الصدقات القليلة التي يتصدق بها أهلها عليها، مرة كل عام، وهو تصدّق يكون من حقها الذي حرمت منه دون أن يكفيها أيضا، فأن "تتجرأ امرأة على المطالبة بحقها عيب، وإن طالبتي فهو جرم ترتكبينه بحقك وحق عائلتك، لأنه إجراء لم يقم به أحد من العائلة من قبل" وفق قولها لحكاية ما انحكت.
حكيمة... بمواجهة العائلة الكبرى
السيدة حكمية شيخموس لها حكاية أخرى، هي في العقد الرابع من عمرها، متزوجة ولديها أربعة أطفال من مدينة القامشلي، تبوح لنا: "طالبت أخواتي بحقي في الميراث، وكان ذلك بناءً على طلب ورغبة زوجي في البداية. وبعد الكثير من الجدل والخلافات حول كيفية مطالبة أهلي بحقي في الميراث معه، خوفاً من أن يقاطعوني، فكرت بالموضوع لأشهر، وخلصت إلى نتيجة، بأن أفتح معهم الموضوع، وكان الرد منهم ما بين مؤيد ورافض بإعطائي حقي من الميراث، خاصة، وأن حالتي المادية ليست بجيدة، وأرغب في شراء بيت أكبر مساحة، فأولادي كبروا وهم بحاجة لغرف مستقلة، لأن بيتي صغير جداً".
هنا وجدت حكيمة نفسها بمواجهة العائلة الكبرى، حيث تدخل كبار العائلة، وكان الرفض موقفهم، ما دفعها لاستشارة محامي، كي يخبرها ما هي الإجراءات التي عليها اتباعها للحصول على حقها بالميراث في محاكم الإدارة الذاتية، خاصة وبأنها أنصفت الرجل والمرأة في الميراث.
وبعد شهور من الادعاء، "كان يزداد تدخل الوسطاء لأتنازل عن حقي، ولم يزدني ذلك إلا إصرارا على أخذ حقي قانوناً، وأن أجرّد نفسي من تبعيتي للأعراف التي واجهني بها الكثيرون تحت ذريعة العرف والعادات وكلمة "عيب"، فأن تطالبي أهلك بالإرث، هذا عيب هنا" كما تقول لحكاية ما انحكت.
بعد سنتين حصلت حكيمة على حقها، و"لكن ليس بالكامل، فقد تدخلت أيادً خفية للتلاعب بقضية حصر الإرث بين أخوتي وأمي، ولكن المهم طالبت وحققت جزء بسيط من حقوق أولادي علي" وفق ما تقول لحكاية ما انحكت.
ماذا يقول القانون؟
يستند قانون الأحوال الشخصية السورية على الشريعة الإسلامية فيما يتعلّق بالميراث، لذا فالحديث عن القانون ينسحب في الحديث على الشريعة أيضاً، ومن المعروف أنّ الشريعة الإسلامية قد فصّلت في موضوع المواريث، حيث لكلّ حصته بحسب درجة القرابة، ولعلّ أشهر حالاتها هي في موت الأب، وتقاسم الورثة من الأولاد (للذكر مثل حظ الأنثيين)، كما أنّ قانون الأحوال الشخصية الخاص بمختلف الطوائف المسيحية المعدّل برقم 76 لعام 2011 يكفل للذكر والأنثى حقوقاً متساوية في الميراث في حال وفاة الأب، وكذلك في الديانة الإيزيدية التي تقول بمساواة الجنسين في الميراث، كما أنّ الإدارة الذاتية الديمقراطية في مناطق الجزيرة منذ عام 2013 تضمن حقّ المساواة في الميراث بين الجنسين.
حكاية ما انحكت التقت المحامي سامي (اسم مستعار)، وهو كان عضو مجلس تشريعي سابق في المجلس التشريعي للإدارة الذاتية بإقليم الجزيرة، حيث قال: "إن الإدارة الذاتية تحاول تطبيق المساواة بين المرأة والرجل في شتى المجالات الإدارية، وتتكون جلّ هيئاتها ومؤسساتها من رئاسة مشتركة يتقاسمها الرجل والمرأة، إضافة إلى إنشاء هيئة خاصة بالمرأة باسم (هيئة المرأة في مقاطعة الجزيرة)".
وقد أصدرت هذه الهيئة (المبادئ الأساسية والأحكام الخاصة بالمرأة) تحت الرقم 9 بتاريخ 22/10/2014، بعد أن صادق عليها المجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، وتضم هذه الوثيقة أحكاماً عامة ومبادئ أساسية بعضها مُلزِم وبعضها أخلاقي غير مُلزِم، وفيما يتعلّق بموضوع حق المرأة في الميراث فقد ورد في البند الثاني ما نصّه (المساواة بين الرجل والمرأة في كافة مجالات الحياة)، وكذلك في البند الخامس عشر ما نصّه (المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المسائل الإرثية)، ويُنظّم ذلك وفق قانون خاص بالمسائل الإرثية، ففي عام 2014 أصدرت هيئة المرأة المبادئ الأساسية والأحكام الخاصة بالمرأة، وتم الاتفاق على مسوّدة أساسية لهذه الوثيقة تم التصديق عليها من قبل المجلس التشريعي، ويُعدّ هذا القرار من جهة أخرى مخالفاً لقانون الأحوال الشخصية السوريّ، فيما يعتبره البعض مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية. وفق ما قال المحامي لنا.
العادات والتقاليد الاجتماعية تتجاوز القوانين والتشريعات
لا شك أنّ العادات والتقاليد الاجتماعية لها أثر كبير يتجاوز حتى القوانين والشرائع. لكن ما يؤصّل لهذه الحالة ويبرّرها هو عدم مطالبة المرأة بحقّها، ما يسمح للرجل بالاستمرار بحرمان المرأة من ميراثها، والذي يحدث غالباً بصمت، حيث يُقدِم الأخوة على الطلب من النساء في العائلة التنازل عن حقوقهنّ في الميراث، فيقُمن بالتوقيع على التنازل سواء تحت مسمّى (الحياء الاجتماعي)، أو عبر ممارسة الإكراه معنوي عليها لجعل المرأة تتنازل عن حقّها في الميراث وخاصة لصالح الأخوة.
وهو ما تؤكده المديرة التنفيذية لمنظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة في حديث مع حكاية ما انحكت، منى عبد السلام، إذ تقول أن "عدم جاهزية المرأة للمطالبة بحقوقها، فهي لا تزال تخجل من المطالبة، لأن هناك أعراف متوارثة في فكرها بأن الزوج من يتكفل بها بعد زواجها".
دور المنظمات النسائية
منذ أكثر من ثماني سنوات تنشط في منطقة الجزيرة منظمات المجتمع المدني في اختصاصات توعوية مختلفة، وهي تقدّر بالعشرات (إذا ما استبعدنا المنظمات والجمعيات الإغاثية)، وتحمل على كاهلها مهمّة توعية المجتمع في المجالات المختلفة ودعم قضايا الحشد والمناصرة فيما يتعلّق بالحقوق العامة ومنها حق المرأة في مختلف القضايا.
تعتبر، منى عبد السلام: "أنّ حرمان المرأة من الميراث يعدّ نوعاً من أنواع العنف الممارس ضدّ المرأة ويندرج ضمن العنف الاقتصادي والاجتماعي، ونقوم بتوعية النساء اللواتي يراجعننا في الاستفسار بأي جانب، ومن ثم يتم إحالتها إلى بيت المرأة للبت في قضيتها ومن ثم إلى مجلس العدالة الاجتماعية".
وعن دور مؤسسات المجتمع المدني، تقول منى: "نحن كمنظمات مجتمع مدني نقوم بتنظيم ورشات تدريبة وتوعوية تثقيفية لتعريف المرأة بحقها في الميراث وكيفية مطالبته في حال رفض ذويها لهذا الحق".
عند سؤالي للكثير من النساء: لما لا يطالبن بحقهن في الميراث؟ معظم الاجوبة كانت: "بأنه عيب، وهذا عرف سائد ورثناه من أمهاتنا وأجدادنا، ولم يسبقهن أحد في مجتمعاتهن، وهذا ما تطالب به نساء الداخل"، وهن ويقصدن بذلك النساء في دمشق وحلب وغيرها من المحافظات السورية!