على ضفاف الانتفاضة: حب من نوع آخر


26 تشرين الثاني 2013

حكايات حب كثيرة سجلتها الانتفاضة السورية في أرشيفها الذي لم يزل حاضرا يجري: شباب وصبايا تعرّفوا على بعضهم في مظاهرة أو نشاط فهاموا عشقا ببعضهم ليغدو دربهم نحو الحرية أوثق وأقوى، فهم اليوم يدافعون عن وطن يرفرف فيه الحب بحرية، ليحيا أبناءهم في وطن مختلف عما عرفوه وناضلوا لتغييره.

قصة حبنا اليوم مختلفة عما هو معروف وسائد، إذ لم يكن "حسان" يتوقع أن أوّل مظاهرة سيشارك بها ستكون أوّل الدرب إلى قصة غرام أحد طرفيها اليوم في المنفى والآخر في المعتقل، ففي الشهر السادس من عام 2011  يقول حسان " التقيت صديق روحي مازن في أحد أزقة الحي عندما كنا نفر هاربين من مطاردات الأمن لنا" بعد المشاركة في مظاهرة كبيرة في حي الجميلية أطلق عليها "بركان حلب"، و" ولم يكن حينها هنالك أي نقاش حول تصنيف الناس إلى فئات سواء طائفية أو قومية أو حتى جنسية لقد كنا في تلك الأثناء مجموعة من المقهورين يجمعنا الحلم نحو الحرية ويوحدنا عدو مشترك".

أثناء الهروب من ملاحقة الأمن لهم كان حسان في غاية الخوف، فهي المرة الأولى التي يشارك بها في مظاهرة، ولا يعرف كيف يتصرف، يصرخ في وجهه مازن الذي لم يكن يعرفه سابقا "خليك عم تركد معي أنا بطالعك من هون ماتخاف نحن أحرار"، ليركض وراءه إلى أن يصلا شارع عام و منه يستقلا سيارة أجرة إلى المدينة الجامعية، لينتهي المطاف بهم في غرفة مازن التي يصفها حسان : "حيطان الغرفة كانت تملؤها عبارات لأغاني يسارية " شدوا الهمة الهمة قوية مركب ينده ع الحرية " , "شيّد قصورك ع المزارع "، "العقل زينة "، وأشياء مشابهة. كما كانت صور كل من جيفارا و بوب مارلي وفرقة ميتاليكا و غاندي أيضاً في كل مكان حتى تكاد لا تشاهد الحائط الأصلي نفسه".

الحوار في هذه الليلة قادهم إلى كل شيء: استبداد النظام والديمقراطية وطريقة حكم البلاد ، حيث وجد كلاهما لدى الآخر حرية الرأي وتقبل الآخر التي يبحث عنها، تشجع  حسان ليسأل : "مازن ما رأيك حول حقوق المثلية الجنسية في سوريا  المستقبل؟   أجابني حينها على الفور " صديقي مجمل ما أريد أن تحققه الثورة ألا يكون هنالك نقاش حول الحقوق".

صفحة من مذكرات حسان.
صفحة من مذكرات حسان.

وهكذا بدأ الصديقان يشاركان معا في أغلب "النشاطات الثورية في المدينة الجامعية وحتى بعض أحياء حلب مثل صلاح الدين وحي سيف الدولة" إلى أن " بدأ حسان يجد بأن مشاعره تجاه هذا الشاب تخطت حدود الصداقة ولم يكن بالشجاعة الكافية ليصارحه, فكانت مفكرته هي منقذه, كان يكتب له يومياً شعراً، نثراً ورسماً، وحافظ على مستوى علاقتهما بدون أي زيادة أو نقصان, صديقان يعشقان بعضهما البعض" إلى أن حلّ يوم السبت المشؤوم (كما يسميه حسان) حين اعتقل مازن من قبل فرع المخابرات الجوية (2011) " أخبرتني هذه المعلومة فتاة قالت لي  في حينها بأنها حبيبة مازن اسمها صبا, مضيفة بأنّ عليّ التخفي عن الأنظار, لأني أعتبر شريك مازن" الطالب سنة رابعة في كلية الهندسة المعلوماتية وله هوس في الكومبيوتر و"هذا قد يعقد القضية أكثر فأكثر " .

لم يعرف حسان ماذا عليه أن يفعل، فذهب إلى منزله ولملم أغراضه بسرعة واتجه إلى منطقة "بستان كليب", و هي منطقة معروفة بكل الأشياء الغير قانونية في حلب, فهنالك تتواجد نوادي القمار و الدعارة وتجارة المخدرات" ليعيش مغامرة من نوع آخر مستأجرا غرفة في فندق قذر بمبلغ 75 ليرة سورية يوميا آنذاك، ليغفو مدة شهر على  أصوات مختلفة لرجال ونساء يصرخون بطريقة جنونية مما يجعل عقله يومياً ينفجر ألف مرة فكانت مذكرته ملجأه الأخير من مايحيطه من دمار وظلام .

 بعدما أن كسر بطاقة هاتفه واشترى خط غير قانوني يضمن فيه عدم مراقبته  يقول حسان عن تلك الأيام " كنت أواعد صبا وألتقي بها بمواقيت وأماكن غريبة حقاً , منازل لا أعرف مالكيها، مدرجات خالية من طلابها لا أدري اليوم ماكان ذاك الخوف الذي جعلنا نمثل فيلم مغامرات بوليسية من هذا النوع , ولكن كان من المهم جداً أن أستقصي أي خبر حول مازن والمستجدات بشكل عام "

بعد نفاذ ماله قرر الاتصال بأهله في السعودية  وما إن فتح الخط حتى جاءه صوت الأب مذعورا وخائفا "بطريقة خيالية, وكان يكرر جملة " بكرا بدك تكون بجدة .بكرا بتكون عندي" فأغلق الهاتف وفتح مذكرته , على أوّل الصفحات حيث  كان اقتباسه المفضل من قصيدة لأبي النواس :

تمتع بالخمورِ وباللواط /  ولا تخشَ المرورَ على الصراط

فذا طيبُ الحياةِ وأيُّ عُمر /  لذي لهوٍ يطيبُ بلا لواطِ".

https://www.youtube.com/watch?v=IfpoTTl6yBA

هنا قرر "حسان" أن يعود للتظاهر مجددا إذ بعد مراجعة نفسه كان حسان يهمس بداخله " وكأني خرجت من كل ما يحدث في الثورة لأكون شخصاً أنانياً لا يهمه ما يجري مع الناس، فقررت أن أعود ذاك الشاب الذي لا يتخلى عن قضيته بسهولة" ليبدأ للتظاهر من جديد في حي بستان القصر الذي كان ملتقى "الأفكار المختلفة والمتناقضة" ضمن  "أجواء الود والاحتفال .. كانت أقرب إلى احتفالات نصر منها إلى تظاهر ضد طاغية, لا أدري لم كنت كلما أدخل بستان القصر أشعر بأن الثورة انتصرت وقد سقط النظام".

 و دامت هذه المرحلة مدة شهر إلى أن قرر حسان الإتصال بأهله يتوجه إلى أحد المحلات العامة ويرفع سماعة الهاتف ليتكلم "هذه المرة كانت أمي بصوتها المبحوح, كان عمق حزنها يقتلني مع كل حرف تقوله, لم تكمل كلماتها , حتى قلت لها إني قادم إلى جدة ولكن أريدك أن تعلمي  بأنّ  قدومي سيكون عبر المطار ولا أضمن ما سيحدث لي هناك". وقد شجعته صبا على السفر لينتظر  "خروج مازن من هناك" لأن هذا "يسهل على مازن الكثير لو اعترف عليّ تحت التعذيب ولم يأتوا بي إلى جواره حسب رأي صبا في ذاك الوقت ".

صفحة من مذكرات حسان.
صفحة من مذكرات حسان.

خلال أيام سحب حسان أوراقه من الجامعة وصدّقها من الخارجية، وقبل موعد السفر بأربع ساعات اتصل بصبا لتوديعها، حيث أخرجت "مذكراتي لأنزع منها ورقات كثيرة مميزة كتبتها لمازن ووضعتها في ظرف، طالبا من صبا أن تعطيها له" دون خوف من احتمال أن تقرأهم صبا "كان يهمني أن تصل هذه الكلمات لمازن أول ما يطلع من السجن".

في مطار حلب "أعطيت رجل الأمن جواز سفري, أخذ يتفحص اسمي على لائحة طويلة من الأسماء السوداء,  تمنيت في تلك اللحظة لو كان اسمي موجوداً ضمن قائمة المطلوبين علّني أسكن قبراً من قبور الثورة على أن أسكن في قاع براميل البترول".

حسان يعتذر  لقراء حكايته "عن عدم ذكر معلوماتي الشخصية, لأسباب تتعلق بسلامتي الشخصية فأنا اليوم أعيش في السعودية وهذا يعني بأن لو تم اكتشاف هويتي الجنسية فسيتم إعدامي على الفور حسب الشريعة الإسلامية التي تطبق في هذه البلاد لذلك سأكتفي بذكر اسمي الأول" منتظرا "خروج مازن وانتصار الحب".

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد