لم يجد قسم من النشطاء السوريين وسيلة لكسب الاهتمام ببلدهم، إلا عبر تحايل افترض أن المجموعة الشمسية زادت كوكبا آخر، هو "كوكب سوريا" الذي يطلب الدعم والحماية والتضامن من الكواكب الأخرى، علّ الضمير العالمي النائم على يستفيق، في سخرية لاذعة من واقع حال وصله التضامن بين البشر في مستوى أول، وهو ما تم التعبير عنه حين ذكر الموقع الالكتروني للحملة بأنها تأتي لأنه "تكوّن لدينا شعور بأن الجميع بات يعاملنا وكأننا على كوكب آخر"، وفي سعي لإحداث فكرة مبتكرة ومدهشة قد تجلب الاهتمام، وتكون باكورة ضغط من الأسفل إلى الأعلى على صناع القرار بالغرب في مستوى ثان، وهو ما تم التعبير عنه من خلال التأكيد على أن وقف العنف والتطرف يحتاج "إلى تضامن دولي حقيقي يصغي فيه النشطاء حول العالم إلى نداءات نظراؤهم السوريين ومطالبهم، ويقفوا معهم متضامنين ومؤازرين. إن احتياجنا إلى هذا الدعم والمؤازرة هو لإيصال صوتنا ومطالبنا لصناع القرار ومن يملكون الآن سلطة تؤثر على حياتنا ومستقبلنا".
إنها حملة "كوكب سوريا" التي بدأت فكرتها حين اجتمع عدد من النشطاء السوريين والأجانب للتداول في كيفية تخطي هذا العجز المزمن في المنظومة الدولية، عبر دفع صناع القرار لاتخاذ قرار تأخر كثيرا، وثمنه دم سوري يسفح كل لحظة في معتقلات النظام أو عبر قصفه المدن والقرى أو جرائم داعش ومثيلاتها، الأمر الذي دفعهم لإجراء مسح تضمن سبر أراء حوالي 277 ناشط سلمي بارز عبر مقابلات شخصية، لمعرفة هواجسهم وهمومهم وأولوياتهم، ليتم دراستها وتحليلها واستنباط الهام والراهن منها لتحويله إلى برنامج عمل.
أدى تحليل بيانات النشطاء إلى معرفة أن الأولويات السورية في هذه اللحظة تتركز على أمرين اثنين، هما توقف البراميل التي يرميها النظام على المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، والبدء بعملية سلام شرط أن تكون جدية وعادلة، تعمل على إيقاف آلة الحرب الدائرة وتأخذ سوريا نحو دولة ديمقراطية جديدة، ليتم وضع هذه الأفكار في بيان تم إرساله إلى عدد كبير من المنظمات السورية لأخذ رأيها ومقترحاتها في آليات العمل لوضع ذلك موضع التنفيذ، حيث انضم إلى الحملة حتى اليوم حوالي 86 منظمة سورية، ليتم الاتفاق رسميا على إطلاق حملة "كوكب سوريا" الموّجهة أساسا للمنظمات الغربية والرأي العام الغربي في محاولة لشرح ما يحدث في سوريا أولا، ودفعهم لتقديم الدعم والاهتمام بما يجري والبحث عن آليات ضغط على صناع القرار الغربيين للدفع باتجاه تحقيق هدفي الحملة، حيث تم توجيه رسائل للمنظمات الدولية توضح ما يمكن فعله، جاء في بعضها: "نحن نحب سوريا، ونريد أن نحكي لكم عنها، نريد أن نبني شبكة علاقات حول العالم مع أناس يبادلونا الحس الإنساني المشترك ويرغبون بالدفاع عنه. نريد تضامناً دولياً لأن الحكومات حول العالم تخذلنا، والطريقة الوحيدة لمعالجة هذا الواقع هو أن يتحرك مواطنو تلك الحكومات ويرفعوا صوتهم. مثل هذا التضامن يبدأ بأفراد مثلك! نريد لأصواتنا بشكل جماعي أن تصل إلى صناع القرار وأصحاب السلطة حول العالم، ومن يملكون القدرة على إيقاف البراميل المتفجرة ودعم محاثات السلام. لكننا نحتاج ليكون عددنا أكبر، وصوتنا أعلى، وأقوى"، لتحدد الحملة الآليات التي يمكن لهذه المنظمات أن تساعد سوريا من خلالها، بثلاث هي: التوقيع على بيان الحملة ليصل كل ما ينشر باسم الحملة للموقع، والتحدث مع منظمات أخرى وإقناعها بالانضمام للحملة، ودعوة أي شخص مهتم للانضمام للحملة وتقديم ما يمكن تقديمه.
الحملة اعتمدت الموثوقية والشرعية عبر التركيز على نصوص الشرعية الدولية فيما يخص ما يحدث في سوريا، ففي موضوع البراميل التي يطالبون بإيقافها تم ذكر أن النظام استخدم غاز الكلور في بلدة سرمين بعد أقل من أسبوعين على صدور قرار من مجلس الأمن رقم ٢٢٠٩ يحرم استخدام الغازات السامة في سوريا، بما فيها غاز الكلور، تحت طائلة التهديد باستخدام تدابير تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة، إضافة إلى انتهاك النظام الدائم للقرار الصادر من مجلس الأمن تحت رقم 2139 بتاريخ 22 شباط 2014، وهو يمنع إلقاء البراميل المتفجرة، حيث بينت وثائق الحملة مقتل أكثر من 2000 طفل منذ توقيع القرار، إضافة إلى تأكيد الحملة على أن "الكثيرون منا ضد التدخل العسكري في سوريا، لكن وفي شهر أيلول 2014 قامت التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بقصف تنظيم "داعش" في بلدنا، ما يوحي بتناقض فاضح في ترك نظام الأسد يرسل طائراته لتقصف في نفس المجال الجوي وتقتل المدنيين، والذين يمارس فيهم تنظيم "داعشط القتل أيضاً!" داعين المجتمع الدولي إلى "متابعة مطالبه بإلزام النظام بوقف رمي البراميل المتفجرة والغارات الجوية حتى لو استدعى ذلك فرض منطقة حظر جوي".
وفعلا تجاوب مع الحملة عدد كبير من المنظمات الأجنبية وصل عددها حتى اللحظة إلى 49 منظمة منها النسخة الانكليزية لـ"حكاية ما انحكت" وهيفوس، الأمر الذي أحدث فعله على الأرض في تلقي الحملة رسائل تضامن كثيرة من كل أنحاء العالم تقريبا، منها مثلا: "نحن في منظمة (بوسيبيل نيبال) نرسل دعما لكوكب سوريا"، و "من غانا... نسمعكم بوضوح"، و "من براغ في جمهورية التشيك: نسمعكم بوضوح وانتم دائماً في قلبنا" و "من شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية... كوكب سوريا نسمعكم بوضوح"، و "من نيوكاسل في المملكة المتحدة، نسمعكم بوضوح. فليتم إيقاف رمي القنابل وليبدأ الحوار"، دون أن تغيب السخرية وحس الدعابة عن بعض الرسائل إذ جاء في إحداها "من كوكب المريخ إلى كوكب سوريا".
للحملة اليوم موقعها الالكتروني الموقع بثلاث عشرة لغة، تعمل على وضع مطالب السوريين أمام صناع القرار الغربيين عبر السعي لتشكيل قاعدة ضغط عليهم من شعوبهم لإخراج سوريا من حالة الحرب إلى حالة السلم العادل على اعتبار أن المسألة السورية باتت دولية بامتياز مع وجود أكثر من ثمانين دولة تتدخل في سوريا بطريقة أو بأخرى، وهو ما يشير إلى حجم المصاعب والمعوقات التي تعيش في ظلها سوريا ماينعكس بدوره على عمل الناشطين الذين – رغم الخذلان الذي يتعرضون له – يبدون مصممين على إعادة "كوكب سوريا" إلى الأرض، ليكون جزءا من كرة أرضية لا حرب بها ولا موت، ولا دمار.