في سوق الحريقة بدمشق، انطلقت أول مظاهرة ضد النظام في 17/02/2011، هتف خلالها أبناء الحي بعبارة "الشعب السوري ما بينذل"، وذلك إثر ضرب شرطي لأحد السوريين في الحي، ما أدى إلى تدخل وزير داخلية النظام، محمد الشعار، الذي زار المظاهرة ووعد بمعاقبة الشرطي المسؤول عن الحادثة، إثر ذلك، خمد حي الحريقة، ولم تحركه سنوات الحرب السورية التي أدت إلى قتل وتشريد واعتقال ملايين السوريين.
https://www.youtube.com/watch?v=NykGjfKn3TU
عاد تجار الحريقة إلى الاحتجاج في 28/03/2016، لكن ليس من أجل الكرامة هذه المرة، بل لصالح أعمالهم التي انحدرت إلى مستوىً لم يشهدوه من قبل، بعد أن تدهورت الليرة السورية بشكل مفاجئ، وسجَّل سعر صرف الدولار في أسواق دمشق 518 ليرة مبيع، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وبالتالي لم يعد المواطن قادراً على الشراء، فتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار يقع على عاتق النظام مباشرة، وأي خلل فيه يؤثر على البضاعة التي يستوردها التاجر.
خرج تجار الحريقة في مظاهرة هتفت ضد مدير البنك المركزي "أديب ميالة"، كما أكد الناشط أبو وائل الشامي لـ (حكاية ما انحكت)، ثم قاموا بإغلاق محلاتهم التي تتضمن ملبوسات ومفروشات وحقائب معظمها مستورد، وفي اليوم التالي قامت قوات الأمن بالتدخل مجبرة التجار على إعادة فتح محالهم، وفي هذا دلالة على الأهمية الكبيرة لهذا الحي بالنسبة إلى النظام، فهو يتوسط أسواق "الحميدية" و"مدحت باشا"، ويُعد العصب التجاري للعاصمة دمشق التي لا يسمح النظام فيها بأي حراك مهما كان نوعه.
الناشطة روز الدالاتي، الناطقة باسم "مكتب دمشق الإعلامي"، لم ترَ في ما حدث إضراباً، بل هو ردة فعل طبيعية، فخسارة التجار أدت بهم إلى إغلاق محلاتهم، وفي كل الحالات، لم يكن إغلاق المحلات سوى إجراء ضد البنك المركزي، ولا علاقة له بالسياسة وما يفعله النظام من قصف وتهجير ممنهج للسوريين.
سوق الحريقة الذي استمد اسمه من حريق سببته قذيفة مدفعية أطلقتها القوات الفرنسية عام 1925، ما أدى إلى نار كبيرة التهمت المتاجر، يولِّد لدى المتابع إحساساً بأنه يقع في منطقة خارج سوريا، فالتجار الذين يتراوح عددهم بين 3000 و 4000، ما زالت تحركهم مصالحهم الخاصة، بعيداً عن مفاهيم الوطنية والتضامن ومستقبل سوريا، ويبقى السؤال: هل سيأتي اليوم الذي يقطع فيه تجار دمشق الحبل الذي يربطهم بالنظام؟، وينضموا إلى الشعب السوري وقضيته العادلة المطالبة بالحرية والكرامة؟.