بعد أن تم تأجيله لثلاث مرات خلال شهرين بسبب ظروف القصف، افتُتح معرض الفنان محمد ناصر الفهد في حي الوعر المحاصر في حمص، ضامَّاً اثنتين وسبعين لوحة كان قد رسمها ناصر بين عامَي 2011 و2016، مستوحياً إياها من شخصيات برامج الأطفال، ومن مزج أمور رآها وأخرى تخيلها، عاكساً الواقع الذي تعايشه حمص منذ بدايات الثورة السورية، ومع أن المعرض جاء بعنوان (الخير والشر)، إلا أن "الخيط الذي ربط سائر اللوحات هو الصراع بين قوتين شريرتين، وليس بين (الخير والشر) كما هو متعارف عليه في النزاعات"، حسبما صرح لـ (حكاية ما انحكت).
https://www.youtube.com/watch?v=Apjsuh16aPc
ناصر، ابن الخامسة عشر عاماً، كان الرسم بالنسبة إليه تحدياً كبيراً، فقد أراد أن يثبت لنفسه أن ما يفعله ليس خربشات طفل، تقوم أمه برميها بينما تنظف البيت، كما أراد أن يثبت لأبيه أنه يستطيع أن يفعل شيئاً وسط الدمار، وأنه قادر على رسم شيء ذي قيمة يستدعي الاحتفاظ به، لهذا "أصبحت أقلام التلوين رفيقه الأقرب، أما عن بدايات ممارسته لهذا الفن فإنها تعود إلى سن الخامسة، حيث كان يرسم أي شيء يحيط به، ويشعر بمتعة كبيرة في ذلك، وفي مرحلة لاحقة بدأ يرسم صور المشاهير بقلم الفحم، علماً أن الرسم بقي بالنسبة إليه هواية يحبها، فلم يدخل أية مدرسة لاحترافها، وبعد أن اضطر إلى مغادرة البيت مع عائلته عام 2012 بسبب ظروف الحرب، استقر في حي الوعر، وأصبح الرسم صديقه الوحيد.
لم يكن ناصر من أطلق فكرة المعرض الذي أقيمَ بإمكانيات متواضعة ودون أي دعم من أية جهة، بل صديق والده المحامي "زياد الخالدي"، الذي يقيم في الوعر أيضاً، والذي أراد أن يشاهد لوحات ناصر محيط أوسع من عائلته، وقد أكد لـ (حكاية ما انحكت) أن "الإصرار على إقامة هذا المعرض جاء لإثبات فكرة مفادها أننا هنا وما زلنا على قيد الحياة، خصوصاً بعد أن شاهدت لوحات ناصر التي توحي بموهبة ووعي كبيرين".
https://www.youtube.com/watch?v=KwdHClbQjRo
صعوبات كثيرة واجهت الطفل الموهوب خلال إنجازه للوحاته، تحدث عنها لـ (حكاية ما انحكت) بقوله " أصعب ما واجهته تأمين مواد الرسم، مثل القماش المناسب، أو الورق المقوى الذي يلائم نوع الألوان المتوفرة، وفي بعض الأحيان كنت ألجىء للاستعاضة عن علبة اللون الأخضر بالحشائش الرطبة، وكنت أمزج بعض التراب النقي ببعض الماء لأستخرج اللون البني، كما كنت أعيد سكب بعض الماء و قطرات من زيت الطعام على ما تبقى من علبة (البويا)، ملمع الأحذية، ذات اللون الأسود أو البني، كذلك كنت أستخرج أقطاب الفحم من مدخرات الكهرباء الصغيرة لأرسم بها، في حين أن الظرف الأشد صعوبة كان البقاء في الملجأ لساعات طويلة احتماء من القصف، كنت أحضِر معي أدوات الرسم وأشغل نفسي بها عن صوت القذائف وعويل سيارات الإسعاف التي كانت تتجول بقربنا"، ويضيف تعليقاً على المعرض الذي استمر لخمسة أيام، بين السابع عشر والثاني والعشرين من شهر حزيران 2016 " واجهتنا متاعب ليست بالقليلة عندما أردنا أن نعلق اللوحات على الجدران، لعدم توفر المواد اللازمة، إلا أننا تجاوزناها بمساعدة الأصدقاء من جمعية (عون) الخيرية، لكن وعلى الرغم من كل المعوقات فقد استمتعت كثيراً وأنا أرى ردة فعل الناس وتشجيعهم لي واهتمامهم برسوماتي".