لأن العنف والسلاح يحمل معه عموما التعصب، ولأن الثورة السورية غرقت بـ "صوت الرصاص والقتل والدمار وعاطفة الانتقام أمام صوت العقل وصوت الفكر" كان لا بد من صرخة وفعل في آن: صرخة للتنبيه والإشارة إلى هول ما يحدث، وفعل يتم من خلاله "توجيه طاقتنا إلى التوعية الفكرية" كي "نسلط الضوء على المسببات الحقيقية للمشكلة ، بدلا من الانشغال بالأضرار التي نجمت عن حدوثها، فحل المشكلة يكون بالعودة إلى مسببها، ومعالجة ما أفرزته المشكلة"، فكانت حملة " وطن بلا تعصب" التي جاءت كصرخة نابعة من أحشاء المجتمع السوري.
على خلاف الحملات الكثيرة التي نظمها الناشطون سابقا، إذ تأتي الفكرة من الناشطين وتتجه لتنفذ على الأرض، فإن حملة "وطن بلا تعصب" جاءت فكرتها من الواقع السوري بعد اتجه المسؤولون عنها إلى "الناشطين في المحافظات السورية المختلفة" لطرح "استبيانا وتساؤلات حول أهم المشاكل الفكرية التي يواجهونها وتواجهها سوريا، فكان موضوع التعصب في أول القائمة، ومن هنا بدأ العمل كونها من أخطر ما تواجهه سوريا في الوقت الحالي" لنكون أمام وعي جديد يبحث عن مشاكل السوريين من تحت بدلا من فرضها من فوق.
الحملة التي انطلقت بمبادرة من مؤسسة "علماء ودعاة الثورة السورية" وإذاعة "ياسمين الشام" و"منظمة معكم" (حرية وبس) ، ومشاركة حوالي عشر مؤسسات إعلامية بدأت عملها عبر "جلسات عصف ذهني مع الكثير من الأصدقاء والناشطين في المجالات الاجتماعية والفكرية والإعلامية لصياغة المحاور والأهداف الأساسية، وبعد صياغة الأهداف والخطة العامة اتجهنا نحو البدء في التنفيذ" من خلال "أربعة رسائل إذاعية مبسطه وقصيرة حول قضية التعصب، تم بثها على موجات الإف إم بالتعاون مع الكثير من الإذاعات السورية في أغلب المحافظات" إضافة إلى "الكثير من البوسترات والصور التي تحتوي رسائل حول قضية التعصب" مثل البوستر الذي يحمل شعار "الوطن يجمعنا التعصب يمزقنا"، حيث تحاط كلمة التعصب بكل المفردات التي تجمع السوريين( خير، انتماء، كرامة..)، إضافة إلى إنتاج "مقاطع وبروموهات مرئية قصيرة ومميزة تم إطلاق جزء منها والباقي سيتم إطلاقه قريبا".
الجملة الأخيرة تعكس أن الحملة غير محددة بزمن محدد بل هي مستمرة نظرا لحساسية موضوع التعصب الذي يحتاج جهدا واعيا ومنظما ودائما لطرده، نظرا لكمية العنف التي باتت تحتل المجتمع السوري، وهو ما يشكل بدوره أبرز عوائق الحملة، إذ يمنع العنف والدمار "تقبل الناس للأفكار التي ننشرها" بسهولة "فمن غير السهل الآن الحديث عن قضية مثل التعصب بسبب شلالات الدم التي تجري في الشوارع".
ومع ذلك يعمل النشطاء على تذليل هذه العقبات من خلال "تحليل التعصب كظاهرة، ومحاولة تخيّل ما يمكن أن يحصل في ظل ازديادها على مستقبل سوريا، سنحاول تسليط الضوء بشكل مبسط على أسبابها وكيفية معالجتها وأنواعها، وكل ذلك بشكل مبسط ومنطقي ليكون قريبا ومفهوما من الجميع".
ورغم هذا الأمل الذي يحمله ناشطو الحملة المموّلة من قبل الجهات الداعمة لها فقط، لا يساورهم الشك بنفس الوقت بصعوبة تحقيق الهدف المنشود، فهم واعون "قبل البدء في تنفيذ الحملة بأننا سنواجه عاصفة من الانتقادات، فالتشنج والاحتقان طاغ على المشهد السوري بشكل عام، ونعلم أيضا أن التغيير الفكري وزيادة الوعي ستأخذ وقتا طويلا لكنها هي السبيل الصحيح للتغيير والتقدم نحو بناء الوطن ، وبدون التوجيه والعمل الفكري لا يمكن القيام بأي بناء فعلي".
"وطن بلا تعصب": قيامة سورية خارجة من غبار العنف والدماء وقعقعة السلاح، تحاول أن تخترع الأمل وسط جحافل اليأس، ساعية لأن تكون تجربة السوريين زادا لهم لتطليق العنف والتعصب باتجاه إنسانية أرحب وأوسع، إنسانية تتجاوز الطائفي/ الإثني وحتى الوطني بمعناه الضيق، لأنه متكأ الاستبداد ومساعده على البقاء في نهاية المطاف، سعيا لحلم طالما راودهم: وطن بلا تعصب: وطن ترفرف فيه رايات الحرية.