عودةً إلى زمنِ الثورة الجميل، يحاولُ هؤلاءِ الشبانُ أن يفعِّلوا نشاطَهم المدنيَّ في دمشق، حيث معقِل النظام، وحيث انطلقت أهم الفعاليات السلمية في بدايات الثورة، فعلى الرغم من تعقد المأساة السورية، وتحولها إلى حرب دولية برية وجويَّة، ما زالُ الشباب الحالمُ بغدٍ أفضلَ مستمراً في العمل الثوري، ليذكرنا بأيام "المظاهرات الطيَّارة"، والعبارات المناهضة للنظام، والتي كانت تُبخ على الجدران، حيث كان بشار الأسد على بعدِ كيلو متراتٍ مِن من يهتفون بسقوطه. لكن ثمة طاغيةٌ جديدٌ يقتلُ السوريين اليوم، "فلاديمير بوتين"، الذي أصبحَ بشار الأسد مجرد جندي بينَ قواته، هكذا قامَت مجموعة من النشطاء بطباعة صورةِ بوتين مرفقينها بكلمة "مطلوب"، وتحتها عبارة "قاتل السوريين"، ثم علَّقوها على الجدرانِ ونثروها في طرقاتِ دمشق، ضمن فعالية بعنوان "روسيا شريكة في قتل الشعب السوري".
روز الدمشقي، إحدى منظماتِ هذه الفعالية تحدثت لـ(حكاية ما انحكت) عن الصعوباتِ التي واجهتهم خلال تنفيذها، فـ"من يعرف الوضع في دمشق اليوم، يدرك تماماً أن مثل هذه الأنشطة غاية في الخطورة، إذ لا يمكن أن تمر في شارع أو حي أو حارة إلا وتجد عنصر أمن أو حتى أناساً عاديينَ لا نضمن إذا كانوا مؤيدين للأسد أم لا، وبالتالي فإن احتمالَ الاعتقالِ كبيرٌ في حالِ اكتُشفَ أمر مَن يقومُ بهذه الأنشطة، إلا أننا حاولنا أن نكون على قدرٍ جيد من التخطيط حتى يكون الخطر أضعف، فقمنا باختيار الأماكن والأوقات المناسبة مسبقاً، ثم بدأنا في ساعة محددة بالتنفيذ".
هذه الفعالية تمثل "تحدياً للنظام في المدينة التي حوَّلها إلى ثكنة عسكرية"، حسبما صرح مكتب دمشق الإعلامي، فقد وصل عدد النسخ التي طُبعت عليها صورة "بوتين" إلى مئة، ألصِقت داخل عشرة أحياء في قلب العاصمة وحولها، وهي المهاجرين، أبو رمانة، المالكي، الميدان، المجتهد، البرامكة، دمشق القديمة، الحلبوني، الطلياني، مدحت باشا، بالإضافة لمناطق من الغوطة الشرقية ومعضمية الشام، وجنوب دمشق.
تضيفُ روز لـ(حكاية ما انحكت) إن جميع أفراد المجموعة المنظِّمة يتواجدون داخل دمشق، وهم مِن مَن كانوا يعملون في الحراك السلمي منذ بدايته، ويسعون اليوم إلى إحياء الأهداف الأولى للثورة السورية بطرقٍ سلمية تؤثِّرُ في الرأي العام، وهم مجموعةٌ مستقلة، لا تتبعُ أيةَ جهة في الداخل السوري أو خارجه، كما أنهم يقومون بتمويل أنفسهم بشكل شخصي.
أن يبقى هؤلاء النشطاء في قلب دمشق حتى هذه اللحظة هو ثورة في حد ذاته، وأن يمتلكوا الإرادة للقيام بهذه الأنشطة التي تبث الأمل في الوقت الذي يلتهم السواد فيه كل شيء، فهذا أكثر من ثورة، وأن يدافع هؤلاء عن السلمية بعد أن غزت العسكرة كل شيء فهذا ما نعجز عن وصفه.
"بوتين قاتل الشعب السوري"، بعدما أن كان بشار قاتل السوريين ولا يزال، هل تغير شيء بين الزمنين؟
تغير الكثير الكثير، ولكن أمل السوريين لازال كما هو: حلم بالحرية وإسقاط النظام رغم وعورة الدرب.