الجزء الثاني من تحقيق التحرش الجنسي بالأطفال في سورية، يمكنم متابعة الجزء الأول على هذا الرابط.
في حديث لاحق1 مع المحاميّة غنى بديوي، المقيمة في كندا، قالت إنّ خطورة فعل التحرش الجنسي بالأطفال تكمن في كون المتحرّشين عادة أفراد من أسرة الطفل المتحرش به، أو الأفراد القريبين منه، لذلك نجد أنّ المشرّع القانوني يلجأ عادة إلى وضع عقوبات قاسية تتناسب وبشاعة الجرم، "لكن المشرّع السوري لم يعط جرم التحرش بالأطفال بابًا منفردًا لكنه شمله ضمن قائمة الأفعال المنافية للحشمة جنائية الوصف القانوني".
قانون العقوبات السوري2 ينص في المادة 489 المعدل سنة 2013:
1- من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عُوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل.
2- ولا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره.
وينص القانون في المادة 505 على أنّه "من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصرًا لم يتم الخامسة عشرة من عمره، ذكرًا كان أو أنثى، أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة دون رضاهما عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف". كمّا جرّم المشرّع السوري الكلام اللفظي الدال على التحرش في المادة 506: "من عرض على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملًا منافيًا للحياء أو وجه إلى أحدهم كلامًا مخلًا بالحشمة عوقب بالحبس التقديري ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد على خمسة وسبعين ليرة سوريّة أو بالعقوبتين معًا".
لكن مشكلة هذه العقوبات تكمن، حسب قول المحاميّة غنى بديوي، في إثبات حدوث الواقعة، فالإثبات بحاجة إلى شهود وإلى فحوصات طبيّة وتلك مشكلة عمليّة في مجتمع محافظ كالمجتمع السوري. لذلك ترى السيدة بديوي أنّه "من الأجدى أن يفرد القانون السوري بابًا مختصًا بالجرائم التي تقع على الأطفال، وذلك لحساسيّة وخصوصيّة هذه الجريمة".
ولمقارنة القانون السوري مع بعض قوانين دول الجوار، نسرد بعض قوانين هذه البلدان:
ينص قانون العقوبات اللبناني3 في المادة 503 على أن "من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات على الأقل ولا تنقص العقوبة من سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره".
وينص قانون العقوبات الأردني4 في المادة 292 على أن "من واقع أنثى (غير زوجه) بغير رضاها سواء بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة أو بالخداع عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة. كلّ شخص أقدم على اغتصاب فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالإعدام، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة عشرين سنة إذا كانت المجني عليها قد أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها".
التحرش الجنسي بعد الثورة.. بين طرفي كماشة
بعد الثورة السوريّة وتحولها لاحقًا إلى حرب أهليّة مفتوحة تذكر الكثير من المصادر إنّ معظم الأطراف المتحاربة استعملت الجنس، وخاصة الموجه ضد النساء، كأداة حرب وإذلال، وكثير من هذه الحالات كانت النساء ممن لم يتجاوزن السن القانونيّة، أي ثمانيّ عشرة سنة، أيّ أنهنّ قُاصرات، فتم اعتقال الكثير من قبل النظام السوري بشكل رئيسي وتعذيبهم والتحرش بهنّ حسب شهادات ناجيات من معتقلات النظام السوري5، كما أنّ بعض الأطراف الأخرى وبخاصة تنظمات جهاديّة مثل جبهة النصرة وداعش ممن أسروا فتيات صغيرات ومن ثمّ تمّ التعامل معهن كسبايا وكأدوات جنسيّة. لا توجد أرقام دقيقة أو إحصائيات لعدد الأطفال الذين تم استغلالهم جنسيًا في الصراع لكن يمكن الإطلاع على التقرير الذي نشره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شهر شباط 2018 تحت عنوان "فقدت كرامتي": العنف الجنسي والجنساني في الجمهوريّة العربيّة السوريّة"6 والذي يبدأ بالجملة التالية: "إنّ العنف الجنسي والجنساني ضد النساء والفتيات والرجال والفتيان هو قضية حاضرة ومستمرة في سوريا منذ اندلاع الانتفاضة في عام 2011".
معظم الأطراف المتحاربة استعملت الجنس، وخاصة الموجه ضد النساء، كأداة حرب وإذلال
التحرش في المخيّمات
وفي مخيمات اللجوء والنزوح تحضر قضية التحرش الجنسي ضد الأطفال لكن الأوضاع المعيشيّة الصعبة والتحفظ الاجتماعي والخوف من قوانين دول اللجوء إضافة إلى الخوف من الوصمة الإجتماعيّة والضغط المجتمعي الممارس على الأفراد يحول دون قدرة الأهل أو الأطفال على الإفصاح عن حوادث التحرش الجنسي.
في محاولة للحصول على معلومات كافيّة عن حوادث واعتداءات حصلت في مخيمات لبنان استطعت التواصل7 مع مساعدة نفسيّة في واحدة من المنظمات العاملة مع اللاجئين السوريين في لبنان، رفضت الكشف عن اسمها، قالت إنّ الأهل وسكان المخيمات يرفضون الإفصاح عن حالات التحرش الجنسي بأطفالهم إن عرفوا بها، كما أكدت أنّها "خلال ثلاث سنوات عمل مع هذه المنظمة تعاملت مع حالتي تحرش جنسي فقط".
شهادات مؤلمة وجريئة في آن
منذ بدأت العمل على هذا التحقيق وصلتني العديد من رسائل دعم من ضحايا تحرش جنسي واغتصاب واعتداء، معظم هذه الرسائل تتمحور حول أهمية الحديث عن هذه الظاهرة المنتشرة بكثرة في المجتمع السوري دون أن تظهر للعلن. كما وصلتني العشرات من الرسائل، عن طريق موقع فيس بووك أو عن طريق البريد الإلكتروني أو عن طريق الاستبيان الذي نُشر في شهر تشرين الثاني 2018 والذي احتوى في "سؤاله" الأخير عن رغبة الأشخاص بذكر هذه الحوادث فوصلني عن طريق الاستبيان فقط حوالي مئة رسالة/ قصة.
****
هذه الرسائل تحكي قصص الحوادث التي وقعت لأصحابها خلال سنوات الطفولة. سأذكر هنا بعض أجزاء من هذه الرسائل كما وصلتني دون أن أغيّر فيها شيئًا. هذه الحوادث حصلت في مدن سوريّة مختلفة وخلال سنوات مختلفة.
(1)
أنا معاق حركيًا… ذهبت أمي للعرس وتركتني عند أبي، لا أعلم السبب، ولكنني كنت أعلم وقتها ولسبب ما، أكره وبشدة أن أُترك مع أبي عند ذهاب امي لأي حفلة! كانت يومها حرارتي مرتفعة (كما يحدث في كل مرة تتركني أمي وتذهب). ظننت وقتها أنه يدخل فيي تحميلة ولكنها لا تدخل بشكل سليم مما يضطره لإعادة إدخالها سريعًا، وفي النهاية تم حقني بسائل دافئ ما!
(2)
قريب لي تحرش بي وعأثرها مرضت لمدة أسبوع وأثناء ارتفاع حرارتي بالهذيان تحدثت عن الحادثة وعندما سألتني أمي أنكرت خوفًا من أن يقع اللوم علي.
في طريق العودة من المدرسة إلى المنزل كنت استخدم الميكروباص، تم التحرش في مرتين من قبل رجلين بعمر الأربعين وما فوق.
(3)
من تحرش بي هو أحد الأقارب، لم أجرؤ على الحديث لأحد إلا بعد سنين طويلة. بالطبع، لم أواجه المتحرش خوفًا من وقع المواجهة على الأشخاص المقربين منه.
(4)
أستاذ سباحة قام بالتحرش بي بمسبح لتعليم الاطفال.
(5)
اغتصاب كامل من قِبل دكنجي الحارة ولم أتحدث عن الموضوع حتى بلغت سن الـ 23 وإلى الآن عائلتي لا تعرف بالموضوع.. فقط بعض الصديقات والأصدقاء.
(6)
في طريق العودة من المدرسة إلى المنزل كنت استخدم الميكروباص، تم التحرش في مرتين من قبل رجلين بعمر الأربعين وما فوق.
(7)
حصلت بالجامع لما كنا صغير عم احفظ قرآن. الأستاذ كان يلمّس على أفخاذي عدة مرات. شعور مقرف بصراحة. حكيت بالموضوع من جديد يعني لما صار عمري 32.
كنت نايم عند بيت ستي نمت مع ابن خالي أكبر مني بالعمر. وتم التحرش بأعضائي
(8)
كنت نايم عند بيت ستي نمت مع ابن خالي أكبر مني بالعمر. وتم التحرش بأعضائي. اللي بتذكروا من بعدها إني صرت انطوائي بعد ما كنت مشاكس وماعاد حكيت مع حدا شي سنة ولا طلعت من البيت وحملت حالي مسؤلية لي صار وكنت كتير اخجل من حالي وحس اني اقل من غيري. مع إنو بوقتها ما فهمت شو صار ولا كان عندي التوصيف للحادث إنو اسمو تحرش. كان امر صعب علي كطفل.
(9)
تم التحرش بي عن طريق أستاذ فنون كبير بالعمر (كان عمره أكثر من ٥٠ عامًا) أصر على ان أبقى في مرسمه حتى بعد خروج كل الطلاب بحجة "إني بطيئة بالرسم ولازم خلص هالرسمة اليوم" أنا شعرت بشعور مريب وأخبرته إنو لازم روح، لكنه استخدم سلطة الاستاذ وخجلني، أخدلي غراض الرسم لعند طاولتو وقعدني جنبو وما ضل غيرنا بالمرسم، بدأ بشعري بعدين رقبتي، بس تركت كل الغراض وهربت بسرعة وكان وضعو واضح انو مثار جدًا جنسيًا.
ملاحظة صغيرة: الرجل كان متزوج حديثًا.
(10)
أبي شيخ بالجامع. ليس الشيخ الذي يقوم بالخطبة إنما قارئ قرآن.
أول مرة عمل معي أبي سكس من الشرج كان عمري 14 سنة. علمني كيف اسكت وما صرخ وما خبر امي لأنه رح يعاقبني عقابًا شديدًا. كان أبي كتير حازم وقاسي وبخوّف. لكنه يوم يلي كان يعمل معي هالشي كان يصير كتير حنون وحباب و يعاملني بتمييز عن باقي إخوتي. هاد الشي خلاني حب هالشي ومع الأيام وصار عادة. ضل ينيكني من ال14 لحتى صرت بالجامعة ورحت عالشام.
الهوامش
1- تواصل بشكل شخصي عن طريق الإيميل والمكالمات الصوتية خلال شهر شباط 2019
2- للإطلاع على قانون العقوبات السوري https://goo.gl/q9iHmy
3- للإطلاع على قانون العقوبات اللبناني https://goo.gl/i2skzx
4- للإطلاع على قانون العقوبات الأردني https://goo.gl/nCggLV
5- يمكن الإطلاع على تقرير لتلفزيون دويتشه فيله عربية عن شهادة إحدى الناجيات من معتقلات الأسد https://goo.gl/jUBFFY
6- Human Rights Council
Thirty-seventh session
26 February – 23 March 2018
Agenda item 4
Human rights situations that require the Council’s attention.
“I lost my dignity”: Sexual and gender-based violence in the Syrian Arab Republic
7- تمّ التواصل عن طريق تطبيق واتساب خلال شهر كانون الثاني 2018