محاربة الإرهاب أم احتلال تركي جديد؟


تركيا بدأت بالتنسيق مع النظام وعلى حساب قوى المعارضة التي تشارك معها بالعملية، وهي وبالوقت الذي تنسق فيه مع النظام تخون المعارضة وتؤسس لحروبٍ مستقبلية بين العرب والكرد والعرب أنفسهم

11 تشرين الأول 2019

(مصابو الحرب خلال اعتصام في مدينة القامشلي أمام مقر الأمم المتحدة ضة عملية "نبع السلام" التركية بتاريخ ٨ اكتوبر ٢٠١٩/ تصوير: آلان حسن/ خاص حكاية ما انحكت)
عمار ديوب

كاتب سوري مقيم في دمشق، يكتب في عدد من الصحف العربية منها الحياة والعربي الجديد.

بدأت تركيا عملية عسكرية جديدة، وهي الثالثة بعد غصن الزيتون ودرع الفرات واسمها "نبع السلام". في السابقات احتلت مناطق واسعة، وفي الأخيرة تحاول احتلال كامل الشريط الحدودي، وعرضه 450 كليو متر، وتتحجج تركيا بسيطرة "البايادي" وقسد عليه، وهم أفرع لحزب العمال الكردستاني التركي، وأن سيطرة تلك الأذرع على مناطق شاسعة يهدّد المناطق المحاذية لسورية على الجانب التركي، وقد يشجع أكراد تركيا أنفسهم على إعلان التمرد العسكري مجدداً أو فتح الحدود.

إذاً، تركيا تستخدم هذه الحجة، لتحتل أراضٍ سورية جديدة، حيث كانت قد احتلت مناطق واسعة في ثلاثينات القرن الماضي بالتوافق مع الاحتلال الفرنسي حينذاك لسورية، وتمّ الإقرار لها بها من النظام السوري في ثمانينات القرن المنصرم. كانت تركيا وسورية تنظم الحدود ومحاربة الإرهاب وسواه بينهما وفق اتفاقية أضنة، ولكن وبعد الثورة السورية والحرب الإقليمية والدولية في سورية، اختلطت كل الأوراق. عملية تركيا الأخيرة هي أكبر خطر يتهدّد سورية، حيث يتضمن احتلالاً واقتطاع أجزاء جديدة من سورية وإلحاقها بها كما فعلت بلواء اسكندرون ومدن كثيرة.

روسيا تؤكد حق تركيا بالعملية، وكذلك إيران، ولكنهما تؤكدان أن يكون الأمر ضمن اتفاقية اضنة، بينما العملية ووفقاً لما يجري على الأرض تتجاوز ذلك، فهي تستهدف الإجهاز على القوى الكردية العسكرية، وإعادة أكثر من مليوني سوري مهجر إلى تلك المنطقة، وأغلبيتهم ليسوا منها، وبناء بلدات لهم فيها؛ وباعتبار تركيا تُلحق عفرين وجرابلس بها بالتدريج (عبر الخدمات، الشرطة، والتعليم)، فإنها ستفعل الشيء ذاته في مناطق "نبع السلام"، هذا إن لم يحصل تدخل دولي يوقف العملية عند حدود معينة ويمنع تطورها إلى حالة احتلال واستقرار دائمة؛ العملية تُواجه بقوات قسد وربما النظام وروسيا في مرحلة لاحقة، حيث إن أية سيطرة جديدة لتركيا يعني البدء بأشكال لا متناهية من عمليات الإلحاق والاقتطاع، وستكون كما أوضحنا امتداد للمناطق المحتلة من قبل، وهذا سيشكل منطقة نفوذ واسعة في سورية، بما يسمح لتركيا بدور أكبر في تقرير مستقبل سورية.

عملية تركيا الأخيرة هي أكبر خطر يتهدّد سورية، حيث يتضمن احتلالاً واقتطاع أجزاء جديدة من سورية وإلحاقها بها كما فعلت بلواء اسكندرون ومدن كثيرة.

ما قلته لا يتناقض مع تأييد روسيا وإيران، تركيا على القيام بالعملية نكاية بأمريكا وبقوات قسد التابعة للأخيرة، وكذلك من أجل إخراج القوات الأمريكية من سورية، والتي لا تتوقف الدولتان التي تحتلان مناطق واسعة من سورية عن التنديد بها، واعتبارها قوات غير شرعية، وتهدد مستقبل سورية والأمن في هذا البلد. السفالة الروسية والإيرانية تتخذ قوتها من تبعية النظام السوري لهما، ومن تشريعه لوجودهما بشكل كامل.

يرفض الاتحاد الأوربي العملية؛ فنجاحها يعني فائض قوة جديدة لتركيا في أية مفاوضات بينهما، وهناك تنديد خفيف اللهجة لها من قبل الأمريكان، وضمن ذلك هناك تجاهل لكافة نداءات القوى الكردية وتحديداً قسد، والتي تطالب بفرض حظر جوي هناك، وتدخل دولي. التصريحات الأمريكية الأخيرة، والتي أصحبت تتحدّد بثلاثة خيارات، لا ترفض العملية، ولكنها تطالب بإقامة حوار بين تركيا وقسد، وهذه الفكرة تأخرت أمريكا فيها كثيراً، وبأسوأ الأحوال فإن تركيا ستفرض واقعاً جديداً في شرق سورية، وستجبر قوات قسد على التراجع بحدود 30 كيلو متر عن الحدود، وربما باستثناء المدن، حيث ستخضع إلى حوارات بين تركيا وقسد، وسيكون الأمريكان هم المشرفون عليها، وبنفس الوقت ستتعرض تركيا إلى ضغوط  كبيرة من روسيا والنظام وربما إيران لتحجيم العملية، وبالتالي ستقبل بحدود معينة لها، ولكن قسد ستخرج منها ضعيفة بشكل كبير.

(مصابو الحرب خلال اعتصام في مدينة القامشلي أمام مقر الأمم المتحدة ضة عملية "نبع السلام" التركية بتاريخ ٨ اكتوبر ٢٠١٩/ تصوير: آلان حسن/ خاص حكاية ما انحكت)

تركيا تتقصد زج قوات "الجيش الوطني السوري المعارض" واعتبار العملية برمتها من أجل سورية وللحفاظ على حدودها كذلك! الكذبة التركية هذه هي إكمال للأكاذيب الروسية والإيرانية، والتي تؤكد جميعها على وحدة الأرضي السورية، بينما هي تحتل أغلبية الجغرافيا السورية. روسيا وعلى وقع التقدم التركي تطالب الأخير بتنسيق العملية مع النظام السوري، وتحاول فرض محادثات بين قسد والنظام السوري، وإيران وروسيا تريدان إخراج أمريكا من سورية وإعادة تفعيل العلاقات بين تركيا والنظام السوري وتعويم الأخير إقليماً ودولياً. تركيا التي تفيد تسريبات كثيرة، وقبل العملية أنها بدأت تنسق مع الأجهزة الأمنية السورية، أعلنت أنها أخبرت كافة الأطراف الفاعلة في سورية بالعملية، وضمنها النظام السوري. هنا علينا ملاحظة، أن تركيا بدأت بالتنسيق مع النظام وعلى حساب قوى المعارضة التي تشارك معها بالعملية، وهي وبالوقت الذي تنسق فيه مع النظام تخون المعارضة وتؤسس لحروبٍ مستقبلية بين العرب والكرد والعرب أنفسهم، حيث إعادة مليوني سوري، وأغلبيتهم ليسوا من أهل تلك البلاد؛ الحقيقة التي يجب طرحها، ولماذا لا تنسق تركيا مع روسيا وإيران والنظام وتعيد المهجرين إلى بلداتهم في الغوطة ودرعا وحلب وسواها؟ هذا السؤال بالتحديد، يُظهِر سياسات تركيا الحقيقية، فهي تريد إنهاء أي وجود عسكري للأكراد، وتنسق مع روسيا من أجل إرساء مناطق توتر مستمرة في سورية، وبما يؤدي إلى احتلال طويل الأمد، وعبر الشراكة مع روسيا، وإبقاء السوريين في حال صراع مع بعضهم، وإمكانية إشعال حروب في أية لحظة، وهو ما يستدعي بقاء تلك الاحتلالات ولمنع تلك الحروب!.

الكذبة التركية هذه هي إكمال للأكاذيب الروسية والإيرانية، والتي تؤكد جميعها على وحدة الأرضي السورية

تحليلنا أعلاه، يؤكد أن تركيا ستحتل مناطق جديدة في سورية، ولكن هل سينشأ من جراء ذلك منطقة آمنة بالفعل في شرق سورية، وهل ستكون قابلة للاستقرار والتطور؟ وهل هناك مناطق مستقرة في كل من عفرين وجرابلس؟ الحقيقة أن تركيا لا تؤسس لذلك، رغم رغبتها بذلك، فهي لم تصل إلى صفقة كاملة مع الروس بخصوص سورية، ولهذا تريد عبر مناطق النفوذ "الثلاثة" ولو أضفنا دورها في إدلب كدولة ضامنة لتخفيف التصعيد وتبعية قطاعات كبيرة من المعارضة والفصائل الإسلامية، حيازة موقع قوة في أية مفاوضات مستقبلية مع روسيا، والأخيرة لا تعارض ذلك، ما دام يقلص الحضور الأمريكي في سورية، وهذا يتلاقى مع سياسة ترامب بتقليص الوجود الأمريكي في سورية.

العملية التركية، تستهدف الأكراد بشكل جذري، ولكنها تهدد كافة السكان في شرق سورية "عرب، أكراد، سريان، وقوميات متعددة" وهي تستهدف زيادة نفوذ تركيا وإيران وروسيا، وعلى حساب أمريكا والاتحاد الأوربي، والأسوأ أنها تؤسس إلى حروب مستقبلية نظراً للتنوع القومي في شرق سورية، وربما لاحتلال كذلك، ولكن ذلك سيكون بالضرورة عبر التنسيق مع الروس والأمريكان بالتحديد.

مقالات متعلقة

بالصور: مصابو الحرب في القامشلي يواجهون "نبع السلام"

10 تشرين الأول 2019
نفذ مصابو الحرب في مدينة القامشلي اعتصاما في مدينة القامشلي ضد عملية "نبع السلام" التي يقودها الجيش التركي. هنا تقرير يرصد آراؤهم ويضعنا في صورة ما يحصل.
الغزو التركي: فرصة المكونات لصياغة المستقبل المأمول!

10 تشرين الأول 2019
هل يتأسس "الأمن المستدام" لدولة ما من خلال تدمير "الأمن المجتمعي" لسكان دولةً أخرى؟ هذا ما يسأله الكاتب الكردي السوري، فاروق حجي مصطفى، في مقاله هذا، والذي يحلل فيه دوافع...
كيف ينظر أهالي إدلب وريفها إلى "نبع السلام"؟

11 تشرين الأول 2019
بين مؤيد ومعارض، انقسم الشارع الإدلبي حول عملية "نبع السلام" التي تشنها القوات التركية على مناطق شرق الفرات بدعم من "الجيش الوطني". هنا تقرير يستطلع رأي آهالي مدينة إدلب فيما...
الانسحاب الأمريكي يخلط أوراق مكونات شمال سوريا

28 كانون الأول 2018
شكّل قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، القاضي بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، مفاجأة لحلفائه قبل خصومه، وذلك بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تأسيس التحالف الدولي ضد داعش، وبالاعتماد...
الوسوم:

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد