كل شيءٍ في هذا الغزو، من البلد الجار الغازي، والمتنفذ في الخط الشمالي الغربيّ لسوريا، غير طبيعي، ودليلٌ كافِ بأنّ قرار تركيا قرارٌ غير مسؤول، وبالتالي سيكون له عواقب وخيمة على الدور التركي في المنطقة بشكلٍ عام، وفي سوريا على وجه خاص.

تركيا تؤسس فعليّاً جداراً عدائياً في حدودها الجنوبية من خلال قرارها بالغزو، كما أنها تبرز رأسها من بين الدول (في الشأن السوري) على أنّها دولة لها أدوارٌ سلبيّة في المسألة السوريّة. ونعتقد إنّ ذلك أصبح معروفا،ً حيث التقارير الإعلاميّة، تؤكد ضلوع تركيا في ضخ "المجاهدين" إلى سوريا؛ ونُقل على لسان ماكغورك، وهو كان مبعوثاً أميركياً في الحرب على الإرهاب على أنّهم مهما حاولوا إغلاق معبر تل أبيض/كري سبي، ومُنع استخدامه من قبل "المجاهدين" كان نصيبهم الفشل.

تجدر الإشارة إن معبر آقجقلا/ تل أبيض، هو  من أكثر المعابر  التي تم استخدمها من قبل داعش، وقبل ذلك جبهة النصرة وحتى "أحرار الشام".

و عندما نقول بأن كل شيءٍ غير طبيعي، هو إنّه للمرة الأولى عبر التاريخ تكون "لحظة الصفر" في انطلاق المعارك عصر النهار، وليس الفجر، عادةً تحدث "ساعة الصفر" عند الفجر حسب الفهم العسكري.

الأكراد السوريين والضمانات الدستورية مستقبلا (3)

---

رستم محمود |

09 شباط 2015

الأمر الثاني الغير طبيعيّ، هو  إنّ الأهداف والأبعاد والإستراتيجيّات للغزو التركي غير معروفة، أو على الأقل غير مقنعة؛ بدءاً من حجة "الأمن القومي التركي". والسؤال هنا: هل يتأسس "الأمن المستدام" لدولة ما من خلال تدمير "الأمن المجتمعي" لسكان دولةً أخرى؟ مع إنّه ومنذ أن انطلق الحراك السوريّ لم تطلق رصاصة واحدة نحو تركيا من مناطق شرق الفرات!

الأمر الثالث، والذي هو غير طبيعيّ، هو جلب اللاجئين السوريين الذين أوتهم تركيا إلى هذه المنطقة وعددهم ٣ ملايين لاجئ، فهل يصلح أن تأتي بأعداد تفوق الأعداد الذين هم من السكان الأصليين من حيث العدد؟

طبعاً في وقت إنّ الأتراك لم يشاوروا السوريين بذلك، مع وجود تفاهم من قبل المجتمع الدولي حول "العودة الآمنة للاجئين السوريين"، ومع وجود "حريّة خيار العودة"، وفوق كل ذلك إذا كان همّ الأتراك هو تأمين بيئة آمنة للاجئين فليأخذهم إلى منطقة درع الفرات. طبعاً لا أتحدث عن إنّ جلب اللاجئين السوريين إلى هذه المنطقة يعني ترك أملاكهم عرضة لغير السوريين في داخل سوريا، وكيف إنّ هذا الوضع له علاقة بالقانون رقم "١٠" حول الملكيّة في سوريا! ولا أتحدث بعد عن الإنعكاسات إن تم جلب اللاجئين إلى شرق الفرات على النسيج المجتمعي وما سيحصل من التغيير المنهجي الديمغرافيّ.

والحق إنّ كل ما صرح به المسؤولون الأتراك بمحل، من حيث الأهداف والمهام، والحقيقة أو نيّة الأتراك الحقيقيّة في محل آخر!

التجأت تركيا إلى خيار الغزو لأسباب:

(1): إستراتيجيّة:

-ضرب مكون كُردي في حدودها الجنوبية، وتاليّاً تمزق وحدة جغرافيتها ونسيجها الاجتماعي، وبالتالي تفكك من يشكلون كتلة أو كثافة سكانيّة مؤثرة في تلك المنطقة، لكي لا يكون لهم دور في المشاركة في مستقبل سوريا وتأثيرهم على القرار السياسيّ السوريّ، ومع الزمن يضمحل كيانهم أو وصفهم ك"شعب"، إنّما مواطنون مشتتون في أصقاع سوريا.

-نقل وزرع بذور الإخوان الملمين في هذه المنطقة التي هي معروفة بتنوعها السكاني: الأكرد، العرب، الأشوريون، السريان، الأرمن، التركمان، الشيشان.

(2): تكتيكيّة:

إنّ الغزو بظن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يجلب له "راس الزير سالم" وينقذه من عدد من الأزمات:

تركيا تستهدف المنظمات الدولية وطلاب وأساتذة الجامعات الأجانب

---

مايا أبيض |

01 تموز 2017

يعاني اللاجئون السوريون في تركيا من وضع قانوني هش للغاية، رغم أن تركيا من الدول الموقعة على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وتستضيف اليوم أكبر عدد من السوريين في...

-الغزو يساهم في إبعاد النظر عن  مشكلة "جبهة النصرة" في إدلب، كون تركيا لا تريد خسارة هذه الورقة وتوجه البوصلات كلها نحو شرق الفرات. ومن يدري، ربما ثمة اتفاق بين أنقرة وموسكو على أنه "عند إلهاء تركيا في غزو شمال شرق سوريا، تقوم موسكو بضربات قاضيّة لمقدرات الفصائل ولا سيما "جبهة النصرة" في إدلب.

٢-التركيز على توطين اللاجئين في شمال شرق سوريا تحل له مشكلتين:

أولا، إرضاء الأتراك القوميين الذين ينبذون السوريين، وخلاصهم من التواجد السوريّ.

ثانيا، حل شيء من الأزمة الاقتصاديّة من خلال العمولات البنكيّة التركيّة وتشغيل ورشات العمل التركيّة وكسب ود المتعهدين في الحيّز المعماري.

-توطين اللاجئين سيساهم في خلق العداوات الفئويّة، أي ضرب النسيج المجتمعي وإثارة النعرات الطائفيّة وخلق شروخات بين العشائر العربيّة والكُرد بعد أنّ رؤوا أنّ مصيرهم في المنطقة مشترك.

٣-المزاودة القوميّة التي يقوم بها حزب العدالة والتنميّة على المكونات الحزبيّة التركيّة الأخرى، وتاليّاً ربما تساهم هذه المزاودة في:

-سد الطريق أمام المنشقين الذين لهم ثقل والتأثير على الشارع من حزبه.

-مزاحمة الأحزاب العلمانيّة على أنّ العدالة والتنميّة تنظيم قوميّ ويسير على الخطى الطورانيّة.

الفيدرالية قد تكون خيارا، ولكن مشروع كامل للجميع ضروري (12)

---

جوزيف ضاهر |

06 آب 2016

أثارت الفيدرالية الكثر من الجدل مذ فرضها حزب الاتحاد الديمقراطي في مناطقه، مقترحا إياها نظام حكم فعال لسوريا المستقبل. الباحث جوزيف ضاهر يناقش في بحثه هذا مفهوم الفيدرالية وعلاقته مع...

والحال، إنّ تركيا اليوم تغزو منطقة تعج بالقوميّات والأديان، فضلاً عن أن هذه المنطقة لها امتداد على طرفيّ الحدود، فشمالا هناك كُردستان تركيا، وشرقاً حيث العراق، هناك الامتداد الكُردي والعشائري لهما في العراق، بمعنى نحن أمام معضلة جيوسياسية معقّدة. وفوق كل هذا، إنّ هذا الغزو الذي ما انفك وتلقى الإدانات والشجب من قبل العالم ككل، وهذا الامتعاض العام، لا نعرف إلى أي مدى سيكون مؤثراً عن قريب، إلا إنّ ما نعرفه، هو إنّ هذا الغزو يعرض مصالح كل الدول إلى خطر ،ومن أول هذه الدول أمريكا، وثم أوروبا.

أما بخصوص العالم العربيّ، فإنّ تمركز تركيا في هذه المنطقة يؤثر بشكل مباشر على المصلحة العربيّة من حيث الإنتماء، حيث قطع أواصر العشائر التاريخية بين العشائر في تلك المنطقة ومع المنطقة العربيّة. ومن حيث النفوذ، إذ أنّ كل ما وسعت تركيا نفوذها في مناطق من العالم العربي كلما يأت على حساب عربي.

بقي القول، إن أول ضحايا هذا الغزو كان من الكرد والمسيحيين، وأول من قرأ بيان الاستعداد لمواجهة الغزو كان قائداً عربيا من قسد، وهما أمران كافيان للضمان والاطمئنان على النسيج المجتمعي، والتفكير معاً، ليس لمواجهة هذا القدر فحسب، إنّما لصياغة مستقبل آمن ومستدام أيضاً.