(نُشر هذا المقال على مدوّنة منظمة العفو الدولية - المملكة المتحدة وعلى موقع حكاية ما انحكت)
ريثما كنّا ننتظر البدء باللقاء، بدا جليًا على وجوههم الأسى وعدم حصولهم على أجوبة نهائية عن مصير أحبّائهم. فدوى ومريَم وأحمد ومهى وخالد ودياب ورياض وبيان وعلاء من السوريين الناجين من التعذيب أو الإخفاء القسري أو الذين اختفى أحبّاؤهم أو عُذّبوا بسبب نشاطهم في مجال حقوق الإنسان.
لا يمكنني تصوّر العذاب الذي عاشوه وتعايشوا معه يوميًا. سواء كنت تجهل مكان وجود ابنك أو زوجك أو أسلوب معاملتهم، أو كنت عاجزًا عن استعادة السنوات الضائعة في زنزانات بشار الأسد ومخيّمات الموت، حالة اليأس هي هي.
لم أستطع التوقّف عن التحديق في مريَم خلال اللقاء. أحيانًا، كنت أشعر أنّها غير حاضرة بما فيه الكفاية بينما كنّا نناقش إستراتيجيات وتكتيكات للعام القادم. ربّما كانت تتذكّر إطعام ابنها أو وضعه في فراشه أو توديعه قبل ذهابه إلى المدرسة أو إلى مظاهرة.
اعتقله النظام وعذّبه وأعدمه. كان عمره 25 عامًا، وتحمل مَريم صورة جثمانه على هاتفها.
على الرغم من مشاعر الاكتئاب والحزن البادية على وجوههم، الملفت في الناس الجالسين حول هذه الطاولة في أعماق الريف الهولندي هي رغبتهم الملحّة في التوصّل إلى حلّ ملموس لتحقيق العدالة ولمعرفة مصير أحبّائهم. يشكّلون شبكة تُعتبر في جزء منها شبكة عناية ذاتية، وفي جزئها الآخر مجموعة قوية مؤيّدة لإطلاق سراح السجناء السياسيين السوريين ولتحقيق العدالة لجميع السوريين.
يمثّل كلّ مشارك منظمة مختلفة تجتمع في سبيل غاية مشتركة. في الاجتماع ممثّلون عن منظمات عائلات من أجل الحرية، ورابطة عائلات قيصر، وجمعية تعافي، ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا. كما أنّهم يطوّرون ميثاقًا لدعم الضحايا وخلق استراتيجيات لمناصرة العدالة الحقيقية. يريدون العقاب المناسب للأشخاص العاملين مع نظام الأسد وممكّنيه الذين تسبّبوا بمآسي السوريين من خلال سياسات الإخفاء والتعذيب والإعدام المتعمّدة.
لن تُنسى هذه الفظائع الجماعية ولن تُسامَح، ويحرص الناشطون السوريون المدافعون عن حقوق الإنسان مثل الموجودين هنا اليوم على ذلك. إنّها معركة طويلة لا يُسمح للأسد أن يربحها. سيعني "النصر" من خلال التطبيع أنّ هجوم الأسد الممنهج والمنظّم ضدّ المدنيين سيُطبّع أيضًا. لا أحد هنا مستعدّ للسماح بذلك.
لا تتعلّق هذه المبادرة فقط بكشف الحقيقة أو معاقبة المعذّبين وممكنّيهم، وإنّما ترمي إلى معرفة أشخاص مثل مَريم وفدوى وأحمد والباقين مصير أحبّائهم لبلسمة عذابهم اليومي، حتى ولو قليلًا.