كورونا أم اللاجئون.. أيهما أخطر؟


العزلة أمر صعب للغاية، فنحن كبشر نحتاج إلى بعضنا البعض أكثر مما كنا نتصور. وبناء على هذه الفكرة لا يمكننا فصل مشكلة الكورونا عن مشكلة اللاجئين العالقين اليوم على الحدود اليونانية، حيث يتعرضون لشتى أنواع الظلم والعزل.

18 آذار 2020

(صورة تظهر فيروس كورونا تحت المجهر وهي مأخوذة من سكاي نيوز وتنشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة لأصحابها)
وداد نبي

وداد نبي شاعرة وكاتبة كردية سورية، مقيمة في برلين. صدر لها كتابين، "الموت كما لوكان خردة" عن دار بيت المواطن بيروت، و"ظهيرة حب ظهيرة حرب" عن دار كوبيا في حلب. تكتب في الصحافة العربية.

في الوقت الذي يمتد فيه شبح فيروس كورونا في كل مكان في العالم، وتغلقُ معظم الدول حدودها وتوقف الطيران فيما بينها، بحيث يمكن القول أن العالم بأكمله يدخل عزلة إجبارية تزيد من حالة العداء والخوف والحدود الفاصلة بينها وبين الشعوب الأخرى. في هذا الوقت، تظهر عدة بوادر إنسانية ملفتة للغاية، تجعلنا نفكر بأهمية التضامن بين الشعوب، وخاصة في هذه اللحظات الحرجة.

منذ أسبوع أرسلت الصين التي انطلق منها فيروس كورونا في ديسمبر العام المنصرم، شحنة من الأقنعة الطبية إلى إيطاليا كتعبيرٍ عن دعمها للحالة الصعبة التي يعاني منها الإيطاليون اليوم، البلد الأوروبي الأكثر تضرراً وتأثراً بالفيروس. وكان ملفتاً جداً وجود عبارة الفيلسوف الروماني سينيكا مطبوعة على المساعدات في الشحنة المرسلة: "نحن أمواج من ذات البحر، وأوراق من ذات الشجرة، وأزهار من نفس الحديقة".

في هذه العبارة شيء أكثر بكثير من قصيدة شعرية، فهي تبدو كرسالة تأكيد قوية، تقول أن مصير البشرية مترابط، وأن نجاة أي شعب من الشعوب لايمكن أن يكون بشكل فردي، وإن كان من نجاة فهي جماعية ولا بد. ولذا لاقت مشاهد الفيديو القادمة من إيطاليا، التي يظهر فيها الإيطاليون وهم يغنون من شرفات منازلهم رغم الحجر الصحي المفروض عليهم، ترويجاً وتضامناً كبيرين من قبل بقية الشعوب في العالم، حيث احتفى الجميع مع الإيطاليين برغبتهم بالاستمرار والتواصل الإنساني رغم كل الظروف الصعبة.

اللاجئون السوريون في لبنان: الوقائع بعيداً عن الترويج/الشعبوية(1)

31 آب 2016
السجالات الشعبوية، في لبنان وغيره، هي سياسة تشويش: تسعى للفت الانتباه بعيداً عن الأسباب الحقيقية لاستياء الناس وتوجيهه إلى الطبقات الاجتماعية الضعيفة غير القادرة على حماية نفسها.

كما أنهُ ظهر للجميع، وبشكل واضح، أن العزلة أمر صعب للغاية، وأننا كبشر نحتاج إلى بعضنا البعض أكثر مما كنا نتصور. وبناء على هذه الفكرة لا يمكننا فصل مشكلة الكورونا عن مشكلة اللاجئين العالقين اليوم على الحدود اليونانية، فمنذ أسبوعين ظهر كاريكاتير في صحيفة ألمانية تدعى هاندل بلات، حيث يظهر الكاريكاتير رجلاً كبيراً بالسن  يسمّى "أوروبا"، يحاول الدفاع عن غرفته ضد هجومين، الهجوم الأول هو فيروس كورونا والهجوم الثاني من اللاجئين العالقين على الحدود اليونانية.

هذا الكاريكاتير كان مثيرا للاشمئزاز، خاصة عندما ننظر إلى الصور الحقيقية، مثل تلك التي تظهر اللاجئين بعد تعرضهم للضرب، وتجريدهم من ملابسهم  من قبل حرس الحدود اليونانيين، حيث تم إعادتهم إلى المنطقة الحدودية شبه عراة، أو صور رجال الإنقاذ اليونانيين الذين يحاولون منع القوارب من الرسو، حيث يتم اصطياد اللاجئين كما لو كانوا كلاب خطيرة ومصابة بداء الكلب، كما يدفع الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى أموالاً حتى هذه اللحظة للحكومة اليونانية لمنع الناس اليائسين من الوصول إلى حدود أراضيهم.

هذه المشاهد وغيرها دفعتني للتفكير أن اللاجئين هم زومبي هذا العصر، هم أخطر من فيروس كورونا، هم الذين سوف يبتلعون أوروبا كغول الحكايات.
لهذا إن التضامن لا يتجزأ، ولا يمكن أن نتضامن مع بعضنا بسبب الفيروس ولا نتضامن مع بعضنا حين يكون هناك آلاف العائلات مهددة بالموت والغرق بسبب الحروب والفقر، ما يعني أن جميع أشكال التضامن مطلوبة جداً في اللحظة الراهنة، سواء التضامن لأجل منع  انتشار الفيروس أو التضامن مع آلاف اللاجئين العالقين على الحدود اليونانية.

والتضامن هنا ليس مطلوباً فقط من الدول الأوروبية أو من الغرب فقط، إنما مطلوب أيضا من الدول العربية، وتحديداً من السعودية ودول الخليج التي تتمتع باستقرار ورخاء نسبيين، تجعلها قادرة أيضاً على المشاركة مع أوروبا في إنقاذ مصير آلاف العائلات العالقة على الحدود، فالتضامن وحده الذي يمكن أن ينقذ مصير البشرية من الهلاك الذي تسير إليه، بسبب التقوقع والعزلة وانتشار الأفكار القومية والعنصرية والتشدد الديني والإيديولوجي.

يحتاج العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تكاتف الجهود لإنقاذ مصير البشرية من الغرق المحتم، حيث لابد لنا جميعاً من إدراك معنى عبارة الفيلسوف الروماني: "نحن أمواج من نفس البحر وأوراق من نفس الشجرة وأزهار من نفس الحديقة".

مقالات متعلقة

الكورونا في الساحل السوري

23 آذار 2020
ما هي حقيقة كورونا في سوريا؟ هل يخفي النظام الإصابات حقا؟ ولم؟ وحتى لو أراد إخفائها فهل يسطيع؟ وما حال المشافي السورية اليوم؟ هل هي مجهزة وقادرة على التعامل مع...
الترويج لثقافة العنف ضد النساء بالفكاهة

24 تموز 2020
كان من الملاحظ خلال فترة الحجر تزايد انتشار عدد من التعليقات "البوستات"، التي تحمل طابعاً تمييزياً ضد النساء، وتسخر منهن ومن صفاتهنّ وخصائصهن الجنسية والجسدية، ومن الأعمال المنزلية التي يقوم...
النساء في المناهج التعليمية ما بين النمطية وخطوة نحو التغيير

05 آب 2019
ما هي صورة النساء في المناهج التعليمية السورية؟ هل انعكست "الثورة" في تلك المناهج، لجهة إنصاف المرأة ودورها أم جاءت مجرد تكريس للقديم والسائد بأنماط أخرى؟ وهل تختلف صورة المرأة...
سوريا وأسئلة كورونا

28 آذار 2020
نتأمل تداعيات هذا الزلزال الكبير الذي ضرب مركبنا الأرضي ككل، لتتوحد البشرية للمرة الأولى، ربما في تاريخها كله، حول عدو واحد. ومع ذلك، لن نعدم أن نجد من يسعى لاستغلال...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد