في الوقت الذي يمتد فيه شبح فيروس كورونا في كل مكان في العالم، وتغلقُ معظم الدول حدودها وتوقف الطيران فيما بينها، بحيث يمكن القول أن العالم بأكمله يدخل عزلة إجبارية تزيد من حالة العداء والخوف والحدود الفاصلة بينها وبين الشعوب الأخرى. في هذا الوقت، تظهر عدة بوادر إنسانية ملفتة للغاية، تجعلنا نفكر بأهمية التضامن بين الشعوب، وخاصة في هذه اللحظات الحرجة.
منذ أسبوع أرسلت الصين التي انطلق منها فيروس كورونا في ديسمبر العام المنصرم، شحنة من الأقنعة الطبية إلى إيطاليا كتعبيرٍ عن دعمها للحالة الصعبة التي يعاني منها الإيطاليون اليوم، البلد الأوروبي الأكثر تضرراً وتأثراً بالفيروس. وكان ملفتاً جداً وجود عبارة الفيلسوف الروماني سينيكا مطبوعة على المساعدات في الشحنة المرسلة: "نحن أمواج من ذات البحر، وأوراق من ذات الشجرة، وأزهار من نفس الحديقة".
في هذه العبارة شيء أكثر بكثير من قصيدة شعرية، فهي تبدو كرسالة تأكيد قوية، تقول أن مصير البشرية مترابط، وأن نجاة أي شعب من الشعوب لايمكن أن يكون بشكل فردي، وإن كان من نجاة فهي جماعية ولا بد. ولذا لاقت مشاهد الفيديو القادمة من إيطاليا، التي يظهر فيها الإيطاليون وهم يغنون من شرفات منازلهم رغم الحجر الصحي المفروض عليهم، ترويجاً وتضامناً كبيرين من قبل بقية الشعوب في العالم، حيث احتفى الجميع مع الإيطاليين برغبتهم بالاستمرار والتواصل الإنساني رغم كل الظروف الصعبة.
هذا الكاريكاتير كان مثيرا للاشمئزاز، خاصة عندما ننظر إلى الصور الحقيقية، مثل تلك التي تظهر اللاجئين بعد تعرضهم للضرب، وتجريدهم من ملابسهم من قبل حرس الحدود اليونانيين، حيث تم إعادتهم إلى المنطقة الحدودية شبه عراة، أو صور رجال الإنقاذ اليونانيين الذين يحاولون منع القوارب من الرسو، حيث يتم اصطياد اللاجئين كما لو كانوا كلاب خطيرة ومصابة بداء الكلب، كما يدفع الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى أموالاً حتى هذه اللحظة للحكومة اليونانية لمنع الناس اليائسين من الوصول إلى حدود أراضيهم.
هذه المشاهد وغيرها دفعتني للتفكير أن اللاجئين هم زومبي هذا العصر، هم أخطر من فيروس كورونا، هم الذين سوف يبتلعون أوروبا كغول الحكايات.
لهذا إن التضامن لا يتجزأ، ولا يمكن أن نتضامن مع بعضنا بسبب الفيروس ولا نتضامن مع بعضنا حين يكون هناك آلاف العائلات مهددة بالموت والغرق بسبب الحروب والفقر، ما يعني أن جميع أشكال التضامن مطلوبة جداً في اللحظة الراهنة، سواء التضامن لأجل منع انتشار الفيروس أو التضامن مع آلاف اللاجئين العالقين على الحدود اليونانية.
والتضامن هنا ليس مطلوباً فقط من الدول الأوروبية أو من الغرب فقط، إنما مطلوب أيضا من الدول العربية، وتحديداً من السعودية ودول الخليج التي تتمتع باستقرار ورخاء نسبيين، تجعلها قادرة أيضاً على المشاركة مع أوروبا في إنقاذ مصير آلاف العائلات العالقة على الحدود، فالتضامن وحده الذي يمكن أن ينقذ مصير البشرية من الهلاك الذي تسير إليه، بسبب التقوقع والعزلة وانتشار الأفكار القومية والعنصرية والتشدد الديني والإيديولوجي.
يحتاج العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تكاتف الجهود لإنقاذ مصير البشرية من الغرق المحتم، حيث لابد لنا جميعاً من إدراك معنى عبارة الفيلسوف الروماني: "نحن أمواج من نفس البحر وأوراق من نفس الشجرة وأزهار من نفس الحديقة".