أثارت صورة الناطق السابق باسم "جيش الإسلام" المعروف باسم "إسلام علوش" (مجدي نعمة) التي تمّ تداولها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين، أو قسم منهم على الأقل، جدلًا كبيرًا، بين مناصر له ضد "ظلم" و"تعذيب" تعرّض له وشامت به لأنّه يتعرّض اليوم للمحاكمة بسبب اتهامات تطاله بالتورط بجرائم حرب، حين كان عضوًا في "جيش الإسلام"، وهي القضية التي سُجن بسببها في فرنسا منذ التاسع كانون الثاني من عام 2020.
قبل الدخول في حالة الصورة وتفاصيلها، لا بدّ لنا من تأكيد عدّة نقاط، كي لا يكون هناك أيّ خلط قد يشوّش وجهة النظر التي توّد هذه المادة طرحها:
أولًا٬ لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال الدفاع عن جيش الإسلام الذي أقدم خلال تواجده في مناطق الغوطة الشرقيّة على القيام بالعديد من الجرائم المعلنة والموثقة، إضافة إلى الجرائم المتهم بها، والتي يتحمل مسؤوليّة ما عنها بطريقة أو بأخرى (منها جريمة اختطاف وتغييب النشطاء الأربعة: سميرة الخليل وزران زيتونة وناظم حمادي ووائل حمادة)، على اعتبار أنّه كان سلطة الأمر الواقع القائمة في الغوطة الشرقيّة حين حصلت، ناهيك عن التشويه الذي تسبّب به للثورة السوريّة جرّاء العديد من الممارسات التي قام بها، ومنها، على سبيل المثال، وضع الأسرى في أقفاص وعرضهم للفرجة في مشهد مهين ومذلّ لكلّ إنسان.
هذه المادة تدافع عن حق المتهم، أيّ متهم كان، حتى أولئك المتهمون بجرائم حرب، بحق حصولهم على محاكمة عادلة ومنع التعذيب بحقهم.
ثانيًا، باعتبار أنّ مجدي نعمة، كان ناطقًا إعلاميًا باسم "جيش الإسلام"، فإنّ كلّ الاتهامات والجرائم المنسوبة أو الموّجهة لجيش الإسلام تطاله إلى أن تثبت براءته منها، على الأقل في الفترة التي كان خلالها ناطقا باسمه، وبالتالي وهو مسؤول عنها بهذا الشكل أو ذاك، وعليه وحده تقع مسؤوليّة تقديم أدلة تنفي ذلك، ولهذا هو يحاكم اليوم أمام القضاء الفرنسي.
بعد توضيح ذلك، وفيما يتعلق بمسألة الصورة والتعذيب، الذي قد يكون تعرّض له مجدي من عدمه (قال محاميه في لقاء مع قناة الجزيرة أنّ الصورة التقطت بعد أيام من اعتقاله وأنّها صحيحة، وقال الحقوقي محمد العبدالله إنّ المركز السوري للعدالة والمحاسبة قد حصل على جواب رسمي من مصدر في النيابة العامة الفرنسيّة يؤكد صحة الصورة المنشورة)، فإنّ هذه المادة تدافع عن حق المتهم، أيّ متهم كان، حتى أولئك المتهمون بجرائم حرب، بحق حصولهم على محاكمة عادلة ومنع التعذيب بحقهم، وضرورة العمل على الوقوف بوجه هذه الانتهاكات حين تحصل، لأنها تضر أول ما تضر العدالة التي لا ينبغي أن تسيّس أو تجيّر لمصالح هذا الطرف أو ذاك. وعليه، يجب هنا الفصل بين أمرين:
- الاتهامات الموجهة لمجدي نعمة، وهي اتهامات مشروعة ومحقة، ومن الضروري أن يحاكم عليها، بل وأن نتمسك باسم العدالة والحقيقة بها حتى النهاية، على أن يترك أمرها للقضاء وحده ليبت بها في نهاية المطاف، وإن كان من الصعب التوقع تبرئته نظرًا لحجم الانتهاكات التي قام بها جيش الإسلام حين كان مجدي ناطقًا باسمه.
- كما نتمسك بحق محاكمته عن جرائم منسوبة له، فإنّ العدالة ذاتها، تطلب منا وتدفعنا للدفاع عن حقه بمحاكمة عادلة له، ورفض هذا التعذيب الذي تعرّض له، ومعرفة عمّا إذا كان لا يزال يتعرض لأيّ شكل من أشكال التعذيب أو القسر أو نفي أيّ حق من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أيّ معتقل أو متهم، لأن أيّ "متهم بريء حتى تثبت إدانته". وعليه، يتوجب على الجهات الحقوقيّة والإعلاميّة التي رفعت هذه الدعوى، أن تكون هي الأسرع للمدافعة عن حقوقه في هذا المجال، دون أن تتنازل عن حقها بمحاكمته بنفس الوقت، لأنّ ضمان محكمة عادلة له والتأكد من أن المتهم يلقى جميع الحقوق التي هي حق لجميع المتهمين، هي نصرة للعدالة وحقوق الإنسان في نهاية المطاف، إلى أن تقول العدالة كلمتها النهائيّة في التهم الموجهة له.
وعليه، ثمّة أسئلة من المطلوب الإجابة عليها في بيان رسمي من جهة ما: هل تعرّض للتعذيب؟ هل ثمة انتهاك لحقوقه كمتهم؟ هل تعاملت الشرطة الفرنسيّة معه بعنصريّة أو عرضته لتعذيب أو معاملة خارج إطار القانون؟ هل كان يتواصل مع أهله وعائلته بشكل طبيعي؟
أول النقد، يجب أن يتركز على البنية الأساسيّة، والتي تقول بأنّ هذه التيارات لم تكن في أي يوم من الأيام سوى خنجرًا في ظهر الثورة السوريّة ومطالبها العادلة والمحقة، بل كانت الثورة المضادة ضمن الثورة.
هذه الأسئلة من المطلوب الإجابة عنها بسرعة، وعلينا نحن طلّاب العدالة والمؤيدين لمحاكمة إسلام علوش أن نطالب بمعرفتها قبل غيرنا، لأنّ طلبنا العدالة وحقنا في معرفة الحقيقة ومحاكمة كلّ المجرمين لا يجب أن يطغى أو يمر على حقوقهم التي يمنحهم إياها القانون، وهي الحقوق التي نطالب بأن تكون مصانة في سوريا التي ثرنا ضدّ الدكتاتوريّة لأجل تحقيقها.
من جهة أخرى، وعلى ضفاف سجالات السوريين حول الأمر إياه، لاحظنا ظهور الكثير من الحقائق والمعلومات التي تدين جيش الإسلام وممارساته في الغوطة الشرقيّة، سواء اليوم أو بعد خطف النشطاء الأربعة، ما يجعلنا نتساءل: لماذا تأخر هؤلاء في فضح هذه الانتهاكات والجرائم والحديث عنها؟ هل كنّا نحتاج إلى صورة أو خطف النشطاء، حتى نقول الحقائق التي نعرفها؟ ماذا لو لم يتم نشر هذه الصورة أو خطف النشطاء؟ هل كانت بقيت هذه الحقائق طي الكتمان؟ أليس التأخر في قول حقائق كان يجب قولها قبل سنوات، وحين كان جيش الإسلام لايزال قائمًا ومهيمنًا، هو ما تسبب في جرائم أخرى؟.
وأيضًا في مسار أعمق من ذلك: ألم يكن العديد من الأفراد الذين يطالبون اليوم بمحاكمة إسلام علوش ويقدمون الأدلة على انتهاكات جيش الإسلام، هم أنفسهم الذي يُعلون من شأن تيارات إسلاميّة وجهاديّة أخرى ويهللون لانتصاراتها في الشمال السوري أو مناطق أخرى؟ هل يتوازى الكشف عن انتهاكات جيش الإسلام من جهة والسكوت من جهة أخرى (إن لم نقل التهليل والاحتفاء) عن انتهاكات جبهة النصرة أو أحرار الشام أو غيرها من التشكيلات الإسلاميّة والجهاديّة التي تشكلت وأصبح العديد منها اليوم مجرّد مرتزقة لهذه الدولة أو ذاك؟
أول النقد، يجب أن يتركز على البنية الأساسيّة، والتي تقول بأنّ هذه التيارات لم تكن في أي يوم من الأيام سوى خنجرًا في ظهر الثورة السوريّة ومطالبها العادلة والمحقة، بل كانت الثورة المضادة ضمن الثورة، وهي التي لا يزال أنصارها حتى اليوم يستهجنون محاكمة "المنشقين" في كوبلنز أو محاكمة "مجدي" في فرنسا، وذلك لأنّ العدالة والديمقراطيّة وإسقاط النظام وحقوق الإنسان، هي مجرّد شعارات وأدوات للوصول إلى السلطة، وليست بنية ناظمة ومؤسسة لوعيهم وعلاقتهم مع الآخرين. ولأنّنا على خلاف ذلك، تمامًا، أي نريد الحريّة والعدالة لذاتهما، لنا ولكلّ من نخلف معه سياسيًا، فإنّنا نطالب باستمرار محاكمة إسلام علوش، ونقف بنفس الوقت، ضدّ أي انتهاك قد يتعرّض له.