صناعة وعي قابيل وهابيل

جلجلة الشعب السوري المظلوم المكلوم مثالًا


من يحوّل أبناء الشعب الواحد إلى متقاتلين في صراع ذي ناتج صفري لكلّ المنخرطين فيه، كما هو الحال في العديد من الصراعات الأهليّة والحروب المذهبيّة والطائفيّة، ومنها الصراع السوري؟ ثمّة مجموعتان هنا، الأولى هي عديد البشر من المفقرين المهمشين الذين يتم تحويلهم إلى جنود ووقود لتلك الحروب الوظيفيّة، والثانية هي الفئات المستفيدة من تلك الحروب.

03 حزيران 2021

مصعب قاسم عزاوي

طبيب استشاري في علم الأمراض. كاتب في العديد من الدوريات الناطقة بالعربية والإنجليزية منذ العام 1991. مؤلف ومحرر لمئات الكتب والأبحاث والدراسات باللغتين العربية والإنجليزية.

لا بدّ لكلّ عاقل حصيف مستبصر في الآليات الداخليّة التي تحوّر أدمغة ووعي أبناء الشعب الواحد، وتحولهم إلى متقاتلين في صراع ذي ناتج صفري لكلّ المنخرطين فيه، كما هو الحال في العديد من الصراعات الأهليّة والحروب المذهبيّة والطائفيّة في غير موضع عربي جغرافيًا وتاريخيًا، قد يكون أكثرها علقميّة جلجلة الشعب السوري المظلوم المكلوم، من التفريق بين مجموعتين أساسيتيّن، الأولى هي عديد البشر من المفقرين المهمشين الذين يتم تحويلهم إلى جنود ووقود لتلك الحروب الوظيفيّة، والثانية هي الفئات المستفيدة من تلك الحروب، سواء كانت القوى الرأسماليّة المعولمة الكبرى، ممثلة بجيوش وأجهزة استخبارات دولها، أو عبر نواطيرها المفوضين بتنفيذ إرادات أولياء أمورهم في المنطقة العربيّة.

ضبط المعرفة وتهشيم العقل البشري

07 أيار 2021
لمّا يتكشف بعد إلّا قمة جبل الجليد في المستوى والعمق الذي وصلت إليه وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة شبكة فيسبوك في نقل "غربال الضبط المعرفي" إلى مستوى جديد حوّله إلى "مبضع...

فيما يخص المجموعة الأولى، فإنّ ظروفها الموضوعيّة التي يتم حشرها فيها، ظروف تنطوي كلّها تحت مظلة الخوف المقيم، والشدّة النفسيّة التي لا تبارح وجدان من حلّت في خاطره وعقله و جنانه، بالتوازي مع عمليات تنميط عقائدي ممنهج تهدف إلى "غسيل أدمغة" أولئك الأفراد، للاعتقاد بأنّ "معركتهم الوجوديّة الوحيدة" هي مع "أولئك الآخرين الأعداء" الذين لا مخرج للصراع معهم سوى "كغالب أو مغلوب"، حتى وإن تصادف كونهم في أيام غير بعيدة شركاء في المجتمع والوطن الافتراضي، في سير "جهادي قويم" على دأب قابيل في علاقته مع قتيله وشقيقه هابيل.

من الناحية البيولوجيّة النفسيّة، فإنّ الزناد القادح لكبح كلّ آليات العقل العاقل وقشرة الدماغ الجديد القادرة على التفكر والتحليل والمحاكمة المنطقيّة واتخاذ القرارات الصائبة و"الحكيمة" هو وضع صاحبها في ظرفي الخوف والشدة النفسيّة، إذ يقتضي ذلك تفعيل آليات الحفاظ على النوع البدائيّة، خاصة تلك الموجودة في الدماغ القديم للبشر،  وأعني بالتدقيق هنا تلك البنى التشريحيّة الموجودة في منطقة اللوزة الدماغيّة Amygdala، والتي تعمل بآليات بدائيّة فطرية تقتضي إمّا "الصراع أو الهروب" في وقت الملمات، وتقتضي تبسيط آليات المحاكمة والاستناد إلى آليّة نفسيّة بدائيّة أخرى تُدعى "التصنيف التبسيطي"، والتي تبدو حاجة ملحّة في ظرف الصراع، لاختلاق مجموعة تصنيفيّة مبسطة يتم حشر كلّ "الأعداء" فيها، حيث أنّ الدماغ القديم أو ما يدعوه بعض العلماء "دماغ السحالي" المسؤول عن الآليات السلوكيّة الأساسيّة لحفظ النوع غير قادر على أيّ محاكمة منطقيّة معقدة، وهو بحاجة إلى معطيات مبسطة، ليتخذ بناء عليها قراراته ذات الطابع "الارتكاسي الانفعالي" في كثير من الأحيان "للصراع مع ذلك الآخر"، والذي يتخذ شكلًا مريعًا من العنف والهمجيّة والوحشيّة في غالب الأحيان، خاصة مع تعقد آليات القتل والتعذيب والإفناء التي وصل إليها البشر في عالمنا المعاصر.

إنّ الزناد القادح لكبح كل آليات العقل العاقل وقشرة الدماغ الجديد القادرة على التفكر والتحليل والمحاكمة المنطقية واتخاذ القرارات الصائبة و"الحكيمة" هو وضع صاحبها في ظرفي الخوف والشدّة النفسيّة، إذ يقتضي ذلك تفعيل آليات الحفاظ على النوع البدائيّة.

المثقفون السوريون وعقد الثورة الأعجف

17 شباط 2021
"القلم المجاهد الصابر المصابر قد يفلح في صدّ المخرز" حين تتضافر كلّ المآقي التي يكتب لأجلها في حركة جمعيّة ينظر فيها المثقفون إلى ذواتهم بأنّها جزء عضوي وتكويني في لحمتها...

التوصيف السالف الذكر لا يعني تبرئة لأفعال أولئك الجنود المتقاتلين في الصراعات والحروب الأهليّة والمذهبيّة والطائفيّة في أيّ مكان من أرجاء الأرضين من الجرائم التي يقترفونها، وإنّما محاولة لمقاربة الخيارات المحدودة المتاحة لهم في سياق ما اختطه لهم بشكل عقلاني مبرمج عن سبق الإصرار والترصد من مكاتبهم الفارهة تنفيذيو المجموعة الثانية الآنفة الذكر، و أعني بها لزيادة الإفصاح فئة أمراء صناعة الاقتتال الأهلي والمتكسبين من سيل دمائه، والتي لا يعاني أيّ من أفرادها من هول "الخوف الداهم" و"الشدّة النفسية الماحقة" التي تذري كلّ قدرات الدماغ الجديد الكامن في الفص الجبهي  Prefrontal Cortex  في أدمغة بني البشر الذي يميزهم عن باقي أقرانهم في مملكة الحيوانات، والذي يعمل بكلّ طاقاته عند أولئك الأفراد للتخطيط والتنفيذ والبرمجة لتلك "الأفعال الشيطانيّة" في قيادة أبناء الشعب والمجتمع الواحد لقتل بعضهم بعضًا، لتحقيق مكاسب وأهداف متسقة مع خططهم المغرقة في ذرائعيتها المخاتلة تكتيكيًا و استراتيجيًا.

من الناحية الأخلاقيّة والقانونيّة العادلة فقد يستقيم القول بأنّ المسبب الحقيقي لتلك النماذج المهولة من الصراعات هو المجموعة الثانية سالفة الذكر، والتي لا بدّ من تحميلها الوزر "الكلياني" لأفعالها "الشيطانيّة"، واعتبار أفراد المجموعة الأولى التي أشرنا إليها سالفًا في عداد ضحاياها غير المباشرين، الذين لم يترك لهم من خيار سوى "الانغماس" في مفاعيل ذلك الوزر "ورجسه الخبيث".

* تعبر المادة عن رأي كاتبها، وليس بالضرورة عن وجهة نظر موقع حكاية ما انحكت.

مقالات متعلقة

الثورة السورية والقضية الفلسطينية

15 أيار 2021
الحق يقال، فرض نظام الأسد المساواة بين الفلسطيين والسوريين، وهو ما تجلى باعتقال كل فلسطيني لا يغزل على منواله، والتنكيل بهم كما يفعل بالمعارضة السورية، حتى  لشدة عشقه للقضية الفلسطينية،...
منظمة الصحة العالميّة تكافئ النظام السوري على جرائمه

02 حزيران 2021
لم يختر أعضاء الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالميّة حكومة مجرمة فحسب بل اختاروا أنموذجًا برع في هدم نظامه الصحي وتهجير كوادره وإضعاف استجابته، والتلاعب بموارده حتى أعاد النظام الصحي في...
رفض الإنجاب يعني "تجنّب قدر هائل من المعاناة"

19 أيار 2021
يتأثر البشر منذ لحظة وجودهم بثلاثة أنواع من الاحتكاكات: الألم الجسدي (على شكل أمراض وحوادث وكوارث طبيعية)؛ التثبيط (على شكل "نقص الإرادة"، أو "الحالة المزاجيّة وصولًا إلى أشكال خطيرة من...
موسم صيد انتخابي في دوما

31 أيار 2021
في إعلان النصر على الضحية في معقل قتلها في مدينة دوما، شيء ما يستنفر الإنسانية جمعاء، إذ كيف يتهادى المجرم بين أجساد ضحاياه مبتسماً، وكأن حفل الصيد انتهى كما أراد؟...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد