في العام 1972، حين كان صبحي حمدون طالبًا في مدرسة الزهراوي الثانويّة في مدينة حمص، كانت تدريبات مسرحيّة "مأساة الحلاج" للكاتب صلاح عبد الصبور تجري على مسرح المدرسة، بتمثيل بسام شاويش وعبد القادر الحبال وإخراج فرحان بلبل. صار حمدون شاهدًا على هذه التدريبات ولاحقًا على بروفات مسرحيتي "الممثلون يتراشقون الحجارة" و"العشّاق لا يفشلون" من إخراج فرحان بلبل. هكذا بدأت العلاقة بين الكاتب والمخرج المسرحي والشاب الصغير، لتتطور لاحقًا إلى ما يشبه الصداقة والعمل سويّة في مسرحيّات عديدة، وبعد ذلك سنوات، تزوج صبحي حمدون من ابنة المخرج، سعاد بلبل.
يقول حمدون لحكاية ما انحكت، إنّ دراسته للهندسة وعمله فيها كانت تهدف إلى توفير لقمة العيش له ولعائلته، أما انخراطه في العمل المسرحي، فكان بوابته الثقافيّة الشخصيّة، هادفًا إلى إغناء روحه. يقول إنّ فرقة فرحان بلبل المسرحيّة قد قدّمت له حياة غنيّة بعلاقات صداقة متينة ومجتمع أُسري ثقافي واجتماعي وترفيهي.
فرحان بلبل
ترجم صبحي حمدون مؤخرًا ثلاث مسرحيّات لفرحان بلبل إلى اللغة الألمانيّة صدرت في كتاب عن دار الأدهم في القاهرة. رغم بلوغه الخامسة والستين ووصوله إلى ألمانيا قبل سنوات قليلة وبدء تعلّمه اللغة الألمانيّة خلال هذه السنوات، وابتعاده عن الهندسة، توجّه حمدون نحو ترجمة مسرحيات فرحان بلبل التي شارك في إنتاج عروضها.
بحث الأمر في البداية مع بلبل وتوصلوا إلى اتفاق ترجمة ثلاث مسرحيّات، وبمساعدة رؤى خوايرة وهربرت اكسنر في التدقيق، تمّ إنجاز هذه الترجمات.
الجدير بالذكر أنّ فرحان بلبل هو أحد أهم المسرحيين العرب خلال القرن العشرين، فـ"بلبل" المولود في مدينة حمص سنة 1937، قام بإخراج أكثر من أربعين عملًا مسرحيًا عرضت في المسارح السوريّة والعربيّة، منها مسرحيّات أطفال، فضلًا عن وضعه أسس "المسرح العمالي" في سوريا، إضافة إلى تأليفه عشرات الكتب المتعلقة بالمسرح والنصوص المسرحيّة، وقد صدرت "المجموعة الكاملة" لأعماله في خمسة مجلّدات سنة 2001، كما كان عضوًا في عدد كبير من لجان التحكيم في المهرجانات العربيّة والسوريّة، كذلك عمل أستاذًا لمادة الإلقاء المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحيّة منذ العام 1986 وحتى العام 2011.
المسرحيات المُترجمة
المسرحيّات الثلاثّ التي تُرجمت مؤخرًا إلى الألمانيّة هي"الميراث" و"الليلة الأخير من ألف ليلة وليلة" و"لا ترهب حدّ السيف".
تحكي مسرحيّة "الميراث" عن عائلة مؤلفة من أب وأم وابنة وولدين اثنين. يرغب الأولاد في الحصول على ما تبقى من أموال الأب بعد أن أعطى الولدين بعض ما يملك، حارمًا الابنة من الميراث. يرفض الأب فيقتله الأولاد، ويحاولان قتل الأم، لكنها تنجح في قتل أحدهم، وفي طرد الآخر، وتستولي كذلك على زوج البنت.
أما مسرحيّة "الليلة الأخيرة من ألف ليلة وليلة" فتحكي عن عودة الملك شهريار منصورًا من حربه مع الملك السِّكِّيت، لكنه يظن بأنّ زوجته قد خانته في غيابه فيقتلها. يبدأ بعدها الزواج من امرأة مختلفة كلّ يوم، وبعد قضاء الليل معها يقتلها في الصباح، حتى تأتي شهرزاد فتشغله بحكاياتها عن قتلها. في كلّ حكاية تعالج جانبًا من أخلاقه، وتظهر له قوة المرأة في التفكير وتدبير الحروب.
في الليلة الواحدة بعد الألف، تعانق شهرزاد والدها، فيراها شهريار ويظن أنّها تخونه، مثلما فعلت زوجته الأولى، فيَهم بقتلها، لكنها تصيح قائلة إنّ من تعانقه هو والدها وليس حبيبها، ثمْ تحكي له قصة زوجته الأولى وكيف أنّها لم تخنه بل إنّ الرجل الذي كانت بصحبته كان أخًا لها. في النهاية تحكم شهرزاد على شهريار بالموت لأنّ القاتل لن يكون إلّا قاتلًا، وعليه الموت قبل أن يقتل أكثر.
المسرحيّة الثالثة التي ترجمها صبحي حمدون إلى الألمانيّة هي مسرحيّة "لا ترهب حدّ السيف" والتي تحكي عن الفلاح عُبادة وزوجته سكينة اللذان خرجا من قريتهما يبحثان عن السعادة بإيحاء من مُعلمه، فينتهيان إلى بلد قُتل ملكها، فيتم اتهامهما بقتل الملك، لكن المنجمين يقولون إنّهما الملك وزوجته بعدما عُرف قاتل الملك الحقيقي.
هكذا يصير عبادة وسكينة الملك والملكة، لكن عبادة الملك لا يعرف طعم السعادة وهو على العرش، فهو ألعوبة بيد الوزير الظالم. يثور الصعاليك عليهم، ناهبين قوافل الأغنياء، موزّعين الأموال على الفقراء.
ينصحه الصعاليك بوضع قانون جديد ينصف الناس جميعًا، وبأنّ عليه أن يقاتل لوضع هذا القانون موضع التنفيذ، لكنه يخاف رفع السيف، فتتركه زوجته سكينة وتنضم مقاتلة إلى الصعاليك في سبيل تنفيذ القانون العام، فيما يعود عبادة إلى قريته الأولى حزينًا.
أساس لعمل بحثي عن المسرح السوري
يقول صبحي حمدون لحكاية ما انحكت إنّه يأمل أن تكون هذه الترجمات أساسًا لعمل بحثي عن المسرح السوري في نهاية القرن العشرين.
"أعرف أنّ أحد طلاب الماستر في ألمانيا قد قدّم رسالته عن المسرح السوري، وركّز في بحثه على الكاتب فرحان بلبل، لذلك يمكن لهذا المشروع أن يتوسّع ويشجّع البعض على البحث عن روائع الأدب العربي والمسرحي، فهكذا تتفاعل الثقافات في العالم، وأيّ منتج أدبي أو علمي يصبح ملكًا للبشريّة جمعاء"، يقول صبحي حمدون.
يضيف حمدون لحكاية ما انحكت "لقد تعرفنا على النصوص المسرحيّة العماليّة من خلال الكتاب المطبوع، حيث يوجد الآلاف من الكتب المسرحيّة التي نقرأها كأدب، ولم يتسنَ لنا أن نشاهد إلّا القليل منها، وخاصة أنّ جماليّة العرض المسرحي تكمن في أنّ المشاهد يتفاعل مع الحدث ويصبح أحد مكوّناته، بينما القارئ يمكن أن يقرأ ما شاء من المسرحيّات المطبوعة ويتعرف على شخوصها وحكاياتها وأفكارها".
ربما كانت ندرة الأعمال السوريّة المسرحيّة المترجمة إلى الألمانيّة، سببًا دفع صبحي حمدون لترجمة هذه المسرحيات. فحتى ما بعد العام 2011، وخاصة بعد العام 2015، أصبحت عروض المسرح السوريّة في ألمانيا أكثر انتشارًا، سواءًا باللغة العربيّة أو مترجمة إلى الألمانيّة، أو حتى باللغة الألمانيّة، وربما كانت ترجمة مسرحيات فرحان بلبل الأخيرة خطوة أخرى في طريق انتشار بعض مظاهر المسرح السوري في ألمانيا، إحدى دول اللجوء السوريّة الأساسيّة.