غيفارا نمر: "التصوير يعني أنا"

حوار مع المصوّرة غيفارا نمر


"لا أعتقد أنّ أيّ شخص لديه إحصاء محدّد لعدد المصوّرين في سوريا أو فهم دقيق لمَن كان مصوّرًا هناك" و"حمل الكاميرا والتصوير بالنسبة لي، مثل عملية تأمّل عميقة. أشعر أنّ التصوير هو مساحة الأمان الخاصة بي" هذا ما تقوله الفنانة والمصوّرة وصانعة الأفلام السوريّة الكرديّة، غيفارا نمر، لحكاية ما انحكت في هذا الحوار عن الصور والسرديّة السوريّة ومعنى أن يكون المرء مصوّرًا سوريًا في العقد الأخير من الثورة والحرب.

05 تشرين الأول 2021

سيما دياب

مصورة سورية مستقلة، محررة و مصورة فيديو. مقرها بين القاهرة وبيروت. سيما المحررة الضيف لسلسلة سوريا تحت المجهر. SyriaInFocus

Translated By: بسكال مناسا

هذا المقال جزء من سلسلة مقالات عن التصوير السوري والمصورين السوريين، بتمويل من مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية، من إعداد المحرّرة الضيفة سيما دياب. 

غيفارا نمر فنّانة ومصوّرة وصانعة أفلام سوريّة كرديّة. تقيم حاليًا في برلين وتحضّر كتابها الأولّ حول التصوير بعنوان "حوار مع الغياب" Dialogue with Absence. تحدّثت معها "حكاية ما انحكت" خلال الأشهر الأخيرة عن الصور والسرديّة السوريّة ومعنى أن يكون المرء مصوّرًا سوريًا في العقد الأخير من الثورة والحرب. 

تمّ تحرير هذه المقابلة لاعتبارات طول النصّ وسلاسته، ونُشرت أولًا باللغة الإنجليزيّة. النص العربي مختلف قليلًا عن النص الإنجليزي، لضرورات تحريريّة.

كيف تصفين رؤيتك الخاصّة عن التصوير وكيفيّة اندراجها في السياق الأوسع للمصوّرين/ات السوريين/ات؟ 

تراودني أسئلة كثيرة عن هذا المصطلح بالتحديد (المصوّرون/ات السوريون/ات)، وهو مصطلح يضعنا جميعًا في الخانة نفسها. لا أعتقد أنّه يعكس فعليًا واقع جميع السرديّات التي انبثقت والأشخاص الذين التقطوا صورًا ثمّ انطلقوا بهذه السرديّات من مكان محدّد إلى العالم بأسره. لا أعرف إلى أيّ حدّ يمكن تسميتنا "مصوّرين/ات سوريين/ات" لأنّ مفهوم التصوير وكيفيّة تعامل الناس مع تلك الحرفة/ الفن مختلف جدًا وواسع، خاصة بعد ثورة 2011.

بالنسبة إليّ، قبل 2011، كان هناك، إلى جانب حسّ التوثيق، إدراك بأنّ الكاميرا خطيرة وغير مرحّب بها في الشارع السوري. وبعد 2011، أصبحت هذه الأداة، أيّ الكاميرا، إحدى الأدوات الأبرز في الشوارع. لذلك، خلال تحضيري لكتابي، أسمّي أشخاصًا معيّنين "خالقي/ات الصور" كترجمة ل image creators، وليس "المصوّرون/ات". بالنسبة إليّ، ليسوا جميعهم مصوّرين/ات. رغم أنّ بعض الأشخاص الذين حملوا كاميرات بعد 2011 أصبحوا مصوّرين/ات حتمًا. السؤال الذي يهمني هو كم من الذين/ اللواتي يحملون/ن الكاميرا بيننا، يفكرون/ن بوعي في خلق سرديّة ما؟ عندما تفكّر في نفسك، وفي الممارسة، والموضوع أمامك، والجمهور في هذا السياق، تكون قد خطَوت الخطوة التالية تجاه وسيلة التعبير التي تستخدمها. عندما تتخطّى مرحلة أنّ العملية رقميّة: أي أن أضغط على الزرّ وتُحفظ الصورة على بطاقة الذاكرة وأرسلها لمَن يطلبها!.

لطالما تساءلت عن هذا الأمر: هل جميع الأشخاص الذين وثّقوا الأحداث مصوّرون/ات؟ أظنّ أنّ هذا السؤال مشروع ومحق.

بالفعل، أعتقد أنّ هذا السؤال مهم بحدّ ذاته. برأيك، مَن يُعتبر مصوّرًا؟

لا أعتقد أنّ أيّ شخص لديه إحصاء محدّد لعدد المصوّرين/ات في سوريا أو فهم دقيق لمَن كان مصوّرًا/ة هناك. كنت أتحدّث إلى مصوّر سوري منذ فترة وجيزة، وقال إنّ سوريا كانت تفتقر إلى المصوّرين/ات قبل 2011. فأجبته إنّ هذه المسألة تحتاج إلى المزيد من البحث. مثلًا، المصوّر محمد الرومي عمل حتى على تصوير البلاد من الطائرة! من الأعلى، ونصوح زغلولة فنان متمرّس أيضًا بين المصوّرين/ات. كما نفّذ مخرج الأفلام عمر أميرالاي أعمالًا  تصويريّة، مثل آخرين/ات. أيضًا ثمّة خرّيجات شابّات من المعهد نفسه الذي درست فيه (معهد الفنون التطبيقيّة/ قسم التصوير الضوئي) منذ 20 عامًا، لكن لا أعرف أين أصبحن الآن. بالتأكيد لم تصبح جميعهنّ مصوّرات أعراس. بالتالي لا يمكن القول إنّ المصورين ظهروا في العقدين الأخيرين فقط وبعد العام 2011 تحديدًا.

الاجتثاث… سوريا اختفت! (6)

15 كانون الأول 2020
"أردت أن أتعمّق أبعد في التغطية من مجرّد ما رأيته وأبيّن أنّ "أزمة اللاجئين" سياسية. فالتغطية اللاسياسية لن تحقّق العدالة. أردت أن أظهر أنّنا لسنا مجرّد أرقام، ولسنا أمّة مفقّرة...

انضممت إلى فريق لرياضة المشي في سوريا في العام 2007 واغتنمت الفرصة لاكتشاف مساحات جديدة، بصريًا، لأنّ من شبه المستحيل في سوريا الذهاب إلى بعض الأماكن لوحدي أو الوصول إليها دون مبرّر مثل "فريق رياضة المشي". من خلال هذه المجموعة، تعرّفت على أشخاص مهتمّين بالتصوير، ويتعاملون معه كهواية أو شغف، لكن ليس كممارسة فنيّة. يجب أن يكوّن عملهم يوما ما أرشيفًا مميّزًا لبلاد لم تكُن تُصوّر بشكل علني. أقصد أن هناك مصادر عديدة لأرشيف الصورة السوريّة، وليس بالضرورة أن تكون معلنة فنيًا أو صحفيًا.

هل تعتقدين أنّ فهمك آنذاك للتصوير والكاميرا ساعدك أم كان حجر عثرة في وجه تقدّمك في التصوير؟ 

في الحقيقة، لا أدري. دفعني  الغياب المطلق نحو البحث لأنّني كنت أشعر أنّي أعيش في مكان ليس فيه شيء. علي سبيل المثال في المعهد حيث تعلّمت التصوير، كان الأستاذ الذي علّمنا كيمياء التصوير خرّيج سابق من قسم التصوير الضوئي في دمشق وكان يعتمد في تعليمنا على دفتر كان بحوزته من أيّام دراسته، وهذا الدفتر بدوره حصل عليه من أستاذ درس وتخرّج من الاتحاد السوفياتي. أحضر الدفتر ونقل إلينا المعلومات نقلًا شفهيًا كما يحصل في مدرسة ابتدائيّة! ونتيجة لهذا التعليم أحرقتُ الأفلام الخمسة الأولى التي صورتها أثناء تحميضها! كان هذا المكان حتمًا من أفقر الصروح التعليميّة في سوريا.  

من كان يسعى فعلًا لتعلّم فن التصوير الضوئي كان عليه الابتكار والبحث بشكل فردي ومستقل عن مصادر معرفة خارج هذا الصرح.

أعتقد أيضًا أنّ هويتي الفرديّة حفّزتني كثيرًا للبحث في المواضيع التي أريد التعبير عنها من خلال التصوير. لطالما راودني شعور الاستحالة لأنّني أنحدر من عائلة مجرّدة من الجنسيّة السوريّة، حيث يصعب علينا أن ندرس أو نعمل في سوريا. خياراتنا كانت محدودة ومقيّدة في كلّ الاتجاهات وهذه الحساسيّات الجوهريّة تدفع الفنانين/ات للبحث والانطلاق برؤيتهم. نتيجة لذلك، كنت أجد خصوصيّة للمشهد الفني الكردي لأنّ أسئلة الهويّة في هذا المشهد جوهريّة. 

الآن، حمل الكاميرا والتصوير بالنسبة لي، مثل عملية تأمّل عميقة. أشعر أنّ التصوير هو مساحة الأمان الخاصة بي.

في المدرسة، كنت مهووسة بالتصوير السينمائي. لا أعرف من أين جاء هذا الشغف، فأنا لست من عائلة لديها تلك الخلفيّة. بعدها، يبدأ الصراع عندما تكتشفين أنّ سوريا تفتقر إلى كليّة للسينما وتعجزين عن السفر للدراسة، كما يفعل بعض الطلّاب/ات. لذا ما كان أمامي إلّا معهد التصوير. كنت مكتئبة، لأنّني كنت أريد أن أدرس السينما، لكن كلّ شيء كان يشير إلى استحالة ذلك. هذا كان تاريخ عائلتي، الجميع يجلسون وينتظرون، جميع الأجيال السابقة، من والدي ووالدتي إلى عماتي وأعمامي. لم تأتِ قطّ الفرصة الملائمة للقيام بشيء.

أثقل ذلك كاهلي، فالتحقت، بالمعهد، ولكن عندما رأيت ذلك الدفتر الخاص بكيمياء التصوير  من العهد السوفييتي، شعرت بسخافة الأمر، فهو مثل دفاتر السوبرماركت. بالطبع، كان ملطّخًا بالقهوة ومتهالكًا، وكانت بعض الأجزاء غير واضحة ولا يمكن قراءتها، ما يفوّت عليك نصف الدرس. لكنّ هذا "الجوع" إلى التعلّم دفعني إلى صبّ كامل توتري وقلقي في التصوير.

الآن، حمل الكاميرا والتصوير بالنسبة لي، مثل عملية تأمّل عميقة. أشعر أنّ التصوير هو مساحة الأمان الخاصة بي. كاميرتي تعبّر عني، تصويري يعبّر عني، التصرّف بالصورة هو أنا. كنت بعمر 21 عامًا حينها، وتمكنت من إنشاء هذا الرابط الجسدي مع هذا الاختراع الذي نرى العالم من خلاله.

هذه العلاقة بين المصوّر/ة والكاميرا مثيرة للاهتمام. كيف هي هذه العلاقة بالنسبة إليك؟ هل الكاميرا امتداد لما تفعلينه؟ هل هي أداة أو جزء من العمليّة بحدّ ذاتها؟

لا أعتقد أنّها مجرّد عملية تقنية. لا يمكنني التعامل مع الكاميرا على إنّها منفصلة عنّي. أشعر كأنّ جميع الأمور متّحدة. يمكن القول إنّها امتداد العين والبصر.

لو ما توّحدنا (5)

08 كانون الأول 2020
"لم تكُن مهمّتي كمصوّرة محلية سهلة في بيئة عنيفة. في إحدى المرّات، اشتبه الجيش السوري الحرّ بأنّني جاسوسة للنظام، واتّهموني بتسريب صور عن اجتماعات زعمائه إلى النظام، مع أنّني لم...

ما شعورك حيال العلاقة بين سوريا ما قبل 2011 والمصوّرين/ات الذين/ اللواتي برزوا/ن بعد 2011؟ أعتقد أنّ بعض الأشخاص قد يعتقدون أنّنا بلغنا مرحلة ما بعد النزاع، حيث انتهى القتال أو الحرب الدائرة إلى حدّ كبير. ما هي هويّة المصوّر/ة السوريّ/ة؟

أعتقد أنّ التصوير ما قبل 2011 كان متعلّقًا بالذات، وكان حميميًا، ولذلك لأسباب عديدة، منه: السطوة الأمنيّة على الشأن العام، وبالتالي الشارع. بعد 2011، "بوووووم"، انفجر كلّ شيء، وخرج التصوير عن نطاق الذات كليًا. في العام 2011 وما بعد بدت عملية أن يطرح المرء الأسئلة على نفسه أو التفكير والتأمّل... ترفًا. فالناس كانوا يُقتلون، وببساطة كنّا نصوّر ذلك فقط.

إذا تسألينني: لماذا حملنا الكاميرات في 2011؟ أجيبك إنّنا كنّا نطلب النجدة. "خلي العالم يشوف" كان الناس يريدون فقط توثيق الجرائم كي يراها العالم، وأن يطلبوا النجدة من خلال الكاميرا.

إذًا، لم يكُن هناك قصص فردية. كان هناك الحدث، والحدث فقط.

تمامًا. واليوم قد تكون اللحظة المناسبة للنظر بطريقة مختلفة للأحداث. أحاول من خلال كتابي "حوار مع الغياب" أن أعيد إخبار السرديّة. إنّني أقتحم مساحة المصورين/ ات وعدساتهم/ن. أحاول أن أدعو الآخرين/ات إلى إخبار سردياتهم/ن المختلفة أو التفكير في السؤال التالي: ما هي القصص  الأخرى الكامنة في هذه الصور؟ في العام 2011 حصلت ثورة في التصوير السوري، وفي العام 2013 توصّلنا إلى ذروة فوتوغرافيّة بعد تجربة العدسات الشابة في المدن والبلدات السوريّة، وفي العام 2014 حصل تغيير عملاق في صناعة الصور مع الازدياد الكبير لعدد الكاميرات الاحترافيّة في الداخل السوري، وفي العام 2016 حصل تغيير عملاق في صناعة السرديّة. تغيّر شكل ومحتوى الصورة مع تغيّر نوع العنف والقتل الذي تعرّضنا له وتغيرت الدقة التقنيّة حتمًا. وتغيّر أيضًا موقع صورة سوريا في منصّات النشر، وهذا كلّه ينتمي لمعادلة واحدة، ولكن يمكن أن تُقال بعدّة طرق أيضًا.

صحيح، يبدو أنّ تغييرًا كبيرًا حصل بعد العام 2016، حيث انخفض عدد الأشخاص الذين يمارسون التصوير في سوريا بسبب هجرة الكثيرين/ات. فباتت مناطق كثيرة غائبة عن الأنظار ولم نستطع الوصول إليها.

أعتقد أنّ ذلك سببه تلاشي الصدمة فقط. فلم يبقَ شيء في الحرب لم يُصوّر. ما هي صورة الحرب؟ إنّها صورة الضحيّة، وصورة المجرم، وصورة المساعدات الإنسانيّة، والصور الجماعيّة، والصور الفرديّة، وصورة الطفل، والمرأة ووو .

لم نعُد نرى لأنّ الناس لم يعودوا يصوّرون بكثافة كالسابق. هذه الغزارة اختفت، وتوقفوا عن التصوير لأسباب عديدة، سواء سياسيّة أو لوجستيّة أو استراتيجيّة. أعتقد أيضًا أنّ أحد الأسباب البارزة هو أنّ وجود الكاميرا بات من المسلّمات، لكن السؤال عن نشر الصورة بنفس الكثافة السابقة يبقى جوهريا.

هل تعتقدين أنّه يمكننا تغيير الانطباع عن سوريا كبلد حرب، وبلد صراع وعنف؟ هل وصلنا إلى هذه المرحلة أم بعد؟ 

لا أعرف مهمّة مَن هذه. في التصوير، أفكّر في ما أفعله كفرد، بغضّ النظر عن الفرص التي قد يتيحها هذا التصوير. إذا كان للمشاريع التي أعمل عليها هذا الأثر، فليكن، لكن يجب أن تكون نيّة تغيير الانطباع/ الصورة عن سوريا عملية جماعيّة ومشتركة، بمعنى أنّ جميع الذين وضعوا/ن أنفسهم/ن في موقع صنّاع القصص عليهم أخذ المبادرة وروي القصص.

لنسرّع الزمن 20 أو 30 سنة في المستقبل. ماذا سنرى برأيك عندما ننظر إلى صور اليوم؟ 

أعتقد أنّها ستكون كنزًا، على الرغم من كلّ ما شاهدناه. سنحتاج إلى العودة إلى الأرشيف، وإلقاء نظرة أخرى، وجمع قطع الأحجية لإخبار القصص.

الصورة والمصوّر: ربّما حان الوقت لنمتلك ذواتنا (4)

17 تشرين الأول 2020
رغم فداحة ما جرى ويجري، من زاوية توثيقيّة تأريخيّة، فإن السؤال الأكبر في قضيّة رواية القصّة السوريّة وتمثيل من يعيشونها بها هو: "من الراوي؟" من يتخذ منبراً ويسرد قصّة المجموعة؟...

لكن أيضًا من دون سرد للحكاية، هذه الصور لا قيمة لها. ستكون مجرّد كمّ هائل من المواد والأقراص الصلبة. وقد تتبخّر تقنيًا. كيف يمكن القول أنّنا استفدنا من ذلك؟ لا يمكن هذا إلّا من خلال وضعها في سرديّة معينة وطرحها ضمن سياق ما. حقًا كيف يمكن أن نفسّر جميع هذه الصور، مثل صور الذين ماتوا تحت التعذيب؟

إذا اكتفينا بالنظر إليها كما هي وتحميلها، ماذا يعني ذلك؟ ماذا سنفهم؟ لن نحقق شيئًا ما، ولن نستطيع فهمها.

يجب أن نستمرّ في إخبار قصص الأشخاص في الصور وعائلاتهم كي لا تكون مجرّد صور لأجساد. على يوتيوب، يوجد آلاف الكليبات من دون أسماء أو عناوين أو تواريخ، من دون سياق، ومن دون اسم مَن صوّر أو أين أو أي شيء آخر. الأمر ذاته بالنسبة للصور.

ماذا يعني أن تكوني مصوّرة وأن تكوني سوريّة، وأين تجدين نفسك؟

لا أعرف، أشعر أنّني أحاول دائمًا أن أُوصل رسالة ما، لذا أعتقد أنّه يمكنني أن أقول إنّني فنّانة بصريّة بشكل أو بآخر، وأحمل كاميرتي لصناعة الأفلام أو التصوير. لكن، في نهاية المطاف، الموضوع هو سرد القصص.

ثمّة قصّة يهمّني أن أتشاركها مع الناس الآخرين. لا يهمّ إذا كانت في سوريا أو خارجها، لا أنظر أبدًا إلى الأمور من هذه الزاوية. عندما كنت في سوريا في العام 2007، أردت أن أنجز مشروعًا عنّي كفرد. أردت أن أُظهر للعالم، ليس فقط للسوريين/ات، أنّ هذه هي حياتي، وهذا هو منزلي، وهذا هو والدي الذي أسماني نسبة إلى تشي غيفارا! لم أكُن أعرف إذا كانت قصّتي ستهمّ الجمهور الدولي أم لا. لكن لطالما استهواني موضوع الهويّة. مشروعًا تلو الآخر، وعامًا بعد عام، بدأت أدرك مدى أهميّة هذا السؤال بالنسبة إليّ. لم يكُن لديّ بطاقة هوية سوريّة كوني من المجرّدين من الجنسيّة، وحين حصلت عليها، اضطُررت إلى مغادرة البلاد. هذه علاقتي مع هويتي!

كنت أحاول التعبير عن هذه الأسئلة الوجوديّة، وأعتقد أنّها دفعتني إلى المشهد الفني لأنّني أؤمن بأنّ الفنّان الحقيقي هو الذي يكون صادقًا مع نفسه كليًا.

لذا، أنا مهووسة بموضوع الهويّة. ماذا يعني أن أكون كرديّة من عائلة شيوعيّة تقيم في دمشق وتتكلّم العربيّة في الشوارع والكرديّة في المنزل، لأنّ اللغة بحد ذاتها تشكل خطرًا علينا؟ كيف لا يؤثر ذلك عليّ كفنّانة تحاول التعبير عن الأمور؟

كنت أحاول التعبير عن هذه الأسئلة الوجوديّة، وأعتقد أنّها دفعتني إلى المشهد الفني لأنّني أؤمن بأنّ الفنّان الحقيقي هو الذي يكون صادقًا مع نفسه كليًا.

مقالات متعلقة

أحياء حلب... صور من السماء

10 آذار 2021
في نيسان من عام ٢٠١٤، كانت المرة الأولى التي يطلق بها المصوّر، منذر عتقي، النموذج البدائي للطائرة المسيّرة في منطقة سيف الدولة في حلب، لتبدأ رحلة تصوير استمرت حتى خروجه...
لماذا تصوّر؟!

19 شباط 2021
"كمصوّر سوري بدأ مهنة التصوير خلال أحداث الثورة السورية، وفي عام 2014 سألت نفسي هذا السؤال كثيراً: لماذا فعلاً نصوّر هذه الأحداث في سورية؟ هل هو إيماناً منّا حقا أننا...
البحث عن أجمل صورة في العالم (8)

22 كانون الثاني 2021
بين صيف ٢٠٠٦ في حمص وباريس ٢٠١٤، تتداعى ذكريات وحيّوات المصوّر السوري، مظفر سلمان، بين أزمنة البدايات والعمل في ظروف صعبة بحثا عن "أجمل صورة في العالم" يحلم أي مصوّر...
كيف تشرح لطفل لماذا هو جائع؟ (7)

08 كانون الثاني 2021
"بهذه الصورة كنت أنقل الحقيقة، حقيقة بأننا ككل البشر، نستحق الحياة والحرية والكرامة، ساعيا لأن يكون صوت الناس فوق كل التحليلات التي تتحدث عن معارك وتقدم عسكري أو سياسي، وبأن...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد