هذه المقابلة هي جزء من ملف سوريّات صُغرى، والذي يحكي قصصًا عن سوريين/ات حول العالم. نُشرت المقابلة أولًا باللغة الإنجليزيّة وهذه ترجمتها العربيّة.
في العام 1910، ولدت فتاة في ريف ولاية ساوث داكوتا الشاسعة، وهي ابنة عائلة هاجرت مما يعرف الآن بـ"لبنان"، على بعد آلاف الأميال. زُوّجت سن الرابعة عشرة، لكنها انفصلت فيما بعد عن زوجها ووجدت طريقها إلى مدينة نيويورك، وأصبحت قائدة مجتمع مسلم، وأقامت صداقة طويلة الأمد مع "مالكولم إكس". لاحقًا أصبحت قائدة "الجالية العربيّة الأمريكيّة في ديترويت". كان اسمها علياء أوجدي-حسن (Aliya Ogdi-Hassen).
أوجدي-حسن هي من بين عدد قليل من الشخصيات والأماكن التي ذكرها كتاب "مسلمو قلب البلاد: كيف بنى المهاجرون السوريون موطنًا لهم في الوسط الغرب الأمريكي" (Muslims of the Heartland: How Syrian Immigrants Made a Home in the American Midwest)، وهو كتاب سيصدر في شهر شباط 2022 من تأليف إدوارد إي كورتيس الرابع، أستاذ الدراسات الدينيّة في جامعة إنديانا.
ينحدر كورتيس نفسه من نسل عائلات مهاجرة من سوريا العثمانيّة إلى الولايات المتحدة في القرنين التاسع عشر والعشرين. عرف قصة عائلته لاحقًا من جدّته حسبما قال لموقع حكاية ما انحكت.
بمجرد وصولها إلى الوسط الغرب الأمريكي، على بعد آلاف الأميال من بيوتها الأصليّة، ستبدأ هذه العائلات في إعادة بناء حياتها من الصفر. أصبحوا أصحاب منازل، وباعة جوّالين، وقادة مجتمعيين. على عكس أجزاء أخرى من الولايات المتحدة الأمريكيّة، حيث وجد المهاجرون السوريين موطنًا جديدًا لهم قبل قرن من الزمن، فإنّ الواصلين إلى الوسط الغربي في ذلك الوقت والمنحدرين من عائلات مسلمة، استمروا بالتحدث باللغة العربيّة وممارسة الشعائر الإسلاميّة، مع تبني هويّة "أمريكيّة" جديدة، بطريقتهم الخاصة.
قصصهم ليست معروفة على نطاق واسع اليوم، فيما يجادل كورتيس قائلًا: "لطالما كان المسلمون والعرب أهل قلب هذه البلاد".
تواصلت حكاية ما انحكت مع كورتيس عبر البريد الإلكتروني، ولاحقًا تمّ تحرير المحادثة معه بشكل طفيف، بهدف تسهيل القراءة.
لتخيّل المشهد قليلًا: إذا كنتَ شخصًا يعيش في مجتمع مسلمي سوريا ولبنان في مدينة ما في الوسط الغربي الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كيف يبدو محيطك؟ هل لديك مركز مجتمعي أو بيئة حاضنة؟
الوسط الغربي كان منطقة مزدهرة آنذاك، خطوط سكك حديديّة جديدة، أراضٍ زراعيّة جديدة، مصانع جديدة. إن كنتِ تعيشين في منطقة ريفيّة تمامًا، فمن الممكن أن تكوني قد سكنتِ في بيت خشبي لمالك أراضٍ زراعيّة، أو لقمتِ ببناء كوخ من ورق القطران من قياس 10x12 (ملاحظة المترجم: ورق القطران هو ورق شديد التحمل يستخدم في البناء، ويُصنّع عن طريق تشريب الورق أو حصيرة الألياف الزجاجيّة بالقطران، ممّا يُنتج عنه مادة مقاومة للماء مفيدة لبناء السقف)، وإن كنتِ بائعًا جوّالًا، فقد تنامين أحيانًا في الهواء الطلق، أو في عربتك الخاصة، أو في حظيرة ما.
لكن، إن كنتِ تعيشين في منطقة حضريّة، فأنتِ تعيشين في شقة أو في بيت صغير مؤطّر بالخشب. ربّما لن يكون لديكِ مركز مجتمعي، فالمساجد لم تظهر إلّا بعد الحرب العالميّة الأولى. بدلًا من ذلك، قد تلتقين مع الآخرين في بيوتكم أو في المقاهي أو في الأماكن المفتوحة. كنتِ ستتكلمين العربيّة في البيت، والإنجليزيّة أثناء العمل في الخارج.
تكتب أنّ الوسط الغربي الأمريكي كان لديه أعلى نسبة من المهاجرين السوريين المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكيّة في مطلع القرن العشرين، على عكس المهاجرين المسيحيين الذين كانوا الأغلبيّة في كلّ مكان آخر. لماذا؟ ما الذي جذب العائلات المسلمة إلى المناطق الريفيّة في إنديانا وآيوا وبقية الوسط الغربي، بدلًا من مدينة نيويورك على سبيل المثال حيث توجد فرص عمل أكثر؟
إغراء الأراضي الحرّة واستيطانها كان ذا أهميّة خاصة بالنسبة للمزارعين المسلمين، أو بالنسبة لأولئك الذين يريدون أن يصبحوا مزارعين.
(ملاحظة المحرّرة: في عام 1862، أصدرت الحكومة الأمريكيّة قانون الاستيطان الذي يسمح للمتقدمين بالحصول على قطع الأرض مجانًا مقابل استيطانها وزراعتها. كانت هذه إحدى الإستراتيجيات التي استخدمتها الولايات المتحدة في توطين الولايات "الحدوديّة" التي تنتمي أراضيها في الأصل إلى قبائل السكّان الأمريكيين الأصليين).
تقول إنّ "الهويّة العرقيّة والدينيّة" للعائلات المسلمة من سوريا العثمانيّة أصبحت "طريقًا نحو الاندماج" في بعض أجزاء الوسط الغربي. كيف ساعدتهم هويتهم كمسلمين سوريين على الاندماج في الحياة الأمريكيّة في الوسط الغربي، وإلى أيّ درجة كانت هذه الحياة الجديدة مشابهة في الواقع لحياتهم السابقة في سوريا العثمانيّة؟
بعضهم أصبح أكثر تدينًا عندما جاءوا إلى الولايات المتحدة. صلّوا وغنّوا أناشيدًا في مديح النبي محمد، واحتفلوا بالأعياد الإسلاميّة معًا. كانت الولايات المتحدة، ولا تزال، دولة دينيّة، لذلك إن امتلاك هوية دينيّة ومجتمع ديني هو طريق للوصول إلى المشاركة المجتمعيّة وإلى القوة المجتمعيّة.
بأيّ الطرق احتضنوا، أو اتخذوا، أو جسّدوا الهوية "الأمريكيّة"؟ بالنسبة إلى مهاجر/ة من سوريا العثمانيّة في ذلك الوقت، ما الذي يعنيه أن تكون "أمريكيّاً/ة"؟
أن تكون أمريكيًا بالنسبة إليهم يعني حبّ كلّ الثقافات الوطنيّة والمحليّة التي أصبحوا جزءًا منها. لقد قاتلوا وماتوا من أجل بلدهم الجديد في الحرب العالميّة الأولى؛ شاركوا في الانتخابات وتنظّموا من أجل حقوق العمال والمزارعين. كما أحبّوا السيارات والأفلام وفي بعض الحالات الرقص الأمريكي. لكنهم، وفي الوقت نفسه، عملوا من أجل تقرير المصير السوري والعربي، وعلّموا أطفالهم أن يكونوا مسلمين، وأحبّوا الطبخ ومشاركة طعام بلاد الشام.
تكتب عن "أساطير المستوطنين" الأمريكيّة والمُثل العليا لزراعة الأرض وبناء نوع من الحياة "الوعرة". إلى أيّ مدى كانت العائلات القادمة من سوريا العثمانيّة قد سمعت عن هذه الأساطير أو كانت مصدر إلهام لها للاستقرار في الوسط الغربي؟
من المؤكد أنّهم اتخذوا هوية مشتركة كمزارعين أمريكيين، وكرّروا نفس أنواع القصص التي ردّدها المزارعون الآخرون حول مدى صعوبة كسب لقمة العيش فيها.
يحكي كتابي عن حياة المزارعين في نورث داكوتا وساوث داكوتا وآيوا. كان بعضهم من المزارعين في سهل البقاع، والبعض الآخر لم يكن كذلك. علياء أوجدي-حسن، التي ولدت لإحدى هذه العائلات، كانت تحب التحدث عن عائلتها كرواد وعن التحديات التي واجهوها، وخاصة الأفاعي المجلجلة (rattlesnakes). من خلال القيام بذلك، كانت تشارك في التقليد الأمريكي لصنع الأساطير الحدوديّة.
لقد ذكرت أنه في العديد من الأماكن في الوسط الغربي في ذلك الوقت، لم تكن تريد أن تكون علنيًا جدًا بشأن كونك مسلمًا، هل يمكنك التحدث أكثر عن هذه الديناميكيّة؟ كيف تعامل المجتمع الأوسع غير المسلم مع المهاجرين المسلمين من سوريا العثمانيّة؟ كيف كانت العلاقات بين هذه المجتمعات؟
نعم، يؤسفني أن يتعارض ذلك مع ما قلته سابقًا عن كون الإسلام طريقًا إلى السلطة والاستيعاب. ما قصدته هو أنه حين تكونين أنتِ المسلمة الوحيدة، أو ربّما تكونون قلّة قليلة، فمن غير المرجح أن تشاركي هذه الهويّة مع الآخرين، وخاصة مع غير العرب. لم يكن لديكِ مجتمع يدعمك، والعديد من الأمريكيين كانت لديهم تحيزات ضدّ المسلمين، وضد غيرهم ممن اعتبروهم أجانبًا غير مسيحيين وبألوان غير بيضاء.
لديك شخص أو مكان مفضل قمت بسرد قصته في الكتاب؟
أحببت سرد قصص كلّ شخصيات الكتاب. يبدأ الكتاب بقصة علياء أوجدي-حسن، إحدى أهم القادة العرب والمسلمين الأمريكيين في القرن العشرين. ولدت في ريف ساوث داكوتا، وتعلّمت في مدارس سيوكس فولز العامة. تمثّل أوجدي-حسن إحدى النقاط الرئيسيّة في الكتاب: كان من الممكن أن تكون/ي عربيًا/ة بالكامل وأمريكيًا/ة بالكامل في نفس الوقت. كانت تحب أن تكون كلاهما. المهاجرون وأطفالهم ليسوا دائمًا مُمزّقين بين الدولة القديمة والعالم الجديد.
لا يعرف معظم الناس عن الهجرات من سوريا العثمانيّة إلى الوسط الغربي الأمريكي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. كيف تأمل أن يسهم كتابك في الفهم الشعبي لأمريكا العربيّة؟
لقد قيل لنا لفترة طويلة أنّ "قلب" أمريكا يستثني الأقليات الدينيّة والعرقيّة، لقد كنا "نبيّض" تاريخنا. لقد حان الوقت لقول الحقيقة: لطالما كان المسلمون والعرب أهل قلب هذه البلاد.