في العام 2013 تلقت الثورة السوريّة ضربة "شبه قاضية"، أثرت على صورتها في العالم، كُسر ظهرها، وفي نفس الوقت كانت هذه الضربة هديّة مجانيّة كبيرة للنظام السوري الذي استغلها بكلّ وسائله، ليشوّه أيّ حراك ضدّه، ويعزّز فرضياته وذرائعه بأنّ معارضته إرهابيّة ومسلحة بمختلف أطيافها.
مقطع فيديو الذي أظهر المُقاتل فيما سُمي سابقًا بجبهة النصرة، "أبو صقّار"، وهو يأكل قلب جندي تابع لقوات الأسد، كان من أفظع المشاهد التي سجلتها الكاميرات في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، وما زال تأثيره مستمرًا حتى الآن، على ما يبدو، رغم مقتل أبو صقّار نفسه في العام 2016.
لكن، المثير للغرابة، أنّ أحدًا من قيادات المعارضة السوريّة وصانعي القرار لم يتعظ من هذا الأمر، فلا يكاد يمر عام إلا وتُسجّل حوادث غريبة عجيبة، تبهرنا، نحن مؤيدي الثورة السوريّة أولًا، والعالم ثانيًا، بإبداعات الضربات المتلاحقة الموجهة تحت الحزام، لثورتنا (أو ما تبقى منها)، فـهتش (هيئة تحرير الشام) و محمد جاسم (أبو عمشة) وآخرون، أمثلة حيّة تتحدث عن نفسها، ولا داعي للشرح أكثر.
بعيدًا عن ركاكة الأسلوب، ورداءة اللوغو، وبشاعة التبرير، أضافت: "جمعية تعدّد الزوجات تقدم خبرات نخب ومفكرين وقصص نجاح بيوت ساهمت بنهضة أمة".
مؤخرًا فجّر المجلس المحلي في مدينة إعزاز قنبلة، من شأنها، أن تضرب صورة أيّ ملامح مدنيّة لما تبقى من الثورة، بسماحه وترخيصه لجمعيّة "تعدّد الزوجات". هذه الجمعية التي ظهرت فجأة، ورفعت راية حقوق المرأة فجأة، وأعلنت عن حملها رسالة نبيلة فجأة!
في حين يبدو البعد الزماني بين حادثة أبو صقّار، وحادثة جمعيّة "تعدّد الزوجات" كبيرًا، لا يبدو أنّ التأثير بين الحادثتين متباعدٌ؛ الأولى ضربت الحراك السلمي وما تبقى وقتها من جيش حرّ في مقتل، والثانية تضرب الحراك المدني في المناطق "المحرّرة"، الخارجة عن سيطرة النظام، في مقتل.
في حديثه مع قناة BBC في العام 2013، برّر أبو صقّار وحشيته، وأكله لحم الجندي التابع لجيش الأسد، بقوله: "لم أكن أريد فعل هذا، كنت مضطرًا"، وأضاف مبررًا طريقته في الانتقام: "كان هذا الرجل يحمل هاتفًا نقالًا وعليه مقاطع فيديو تُظهره وهو يغتصب أمًا وابنتيها. كان يجردهن من ملابسهن وهنّ يتوسلن له بالله، وفي نهاية المطاف ذبحهن بسكين، ماذا كنت لتفعل؟".
ولا تبدو طريقة التبرير بعيدة عن الحادثة الثانية، فقد صرحت مديرة مكتب "تعدّد الزوجات" على صفحة الجمعيّة في الفيسبوك (تمّ حذف الصفحة لاحقًا): "جمعية تعدّد الزوجات تُعنى بحقوق المرأة، وتنشط برفد المجتمع بخليته الأساسيّة وهي الأسرة، جمعيّة تدعم جدران بيوت تريد أن تنقضّ فتقيمها، ترنو لبناء وطن متماسك مجتمعيًا قوي خلقيًا. تأخذ فيه المرأة حقّها بالزواج وحقها في فتح بيت من جديد بعد أن دمّر النظام بيتها الأول لتستمر بالأمل ولتستمر بالحياة ولتستمر بالبناء كسائر الزوجات التي لهن بيوت وكنف ودفء العائلة".
بعيدًا عن ركاكة الأسلوب، ورداءة اللوغو، وبشاعة التبرير، أضافت: "جمعية تعدّد الزوجات تقدم خبرات نخب ومفكرين وقصص نجاح بيوت ساهمت بنهضة أمة".
وبلغت مديرة الجمعيّة، في تصريحها، حدًا مفاجئًا، حين أكدت على أنّ "جمعية تعدّد الزوجات جمعية حقوق المرأة بحق"، ملخّصة واحدة من أكبر مصائب مجتمعنا، وهي تحجيم دور المرأة في كونها زوجة، لا أكثر ولا أقل، وملمّحة إلى أنّها جمعيّة نسويّة يهمها أولًا وآخرًا مصلحة النساء، لتُشبه هنا النظام السوري الذي حمل راية العلمانيّة ليخفي وراءها تشوّهاته الفكريّة.
لكن الجمعية هذه تتعدى ذلك، ففي خطابها حين أكّدت أنّ الجمعية لم لم تغلق، نشرت صفحة الجمعيّة منشورًا يقول: "ما يتم تداوله حول إغلاق جمعية تعدّد الزوجات منفي . الجمعيّة قائمة والفكرة مستمرة"، في خطاب موزون على بحر شعار "داعش" الشهير "باقية وتمدّد". (بعد ذلك بأيام أصدر المجلس المحلي في مدينة اعزاز في ريف حلب قرارًا بإغلاق الجمعية).
هكذا، يجب أن تُضرب الثورة السوريّة بين حين والآخر، ويُضرب اللجوء السوري في مختلف البلدان بأصوات الكراهية وبالأخص تركيا، بشكل دوري، فيما تقف المعارضة، معتبرةً نفسها جمهورًا يتابع رياضة ما، دون أن تفعل شيئًا يُذكر لتصحيح الأخطاء الكارثيّة أو بعضها، داخل وخارج سوريا، ويستمر الغزل على منوال الوعود الفارغة، حيث تشهد مناطق شمال غرب سوريا ضربات متصاعدة مؤخرًا، من قبل قوات النظام السوري والطيران الروسي، ومع ذلك، خرج صوت من غرفة فصائل المعارضة السوريّة في إدلب "الفتح المبين" يزبد ويرغي قائلًا: "ستواصل فصائل المعارضة قصف مواقع قوات النظام والميليشيات الإيرانيّة، وسيجري قصف مواقع استراتيجيّة في عمق المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وحلفائه"، وذلك في تأكيد جديد على سياسة التهديد والوعيد، التي تُسمعنا جعجعةً ولا ترينا أيّ نوع من أنواع الطحين.
لا يبدو أن حالنا سيتغير، بعيدًا عن جلسات جنيف وحلقات نقاش الدستور السوري، يستمر تدفق الهدايا المجانيّة للنظام المجرم ليعزّز رواياته عن ثورتنا، ويوغل بقتل ما تبقى من أهلنا داخل سوريا، ونحن متورطون بقسم كبير من المعارضة دُجّن في مزرعة الأسد.
* تعبر المادة عن رأي كاتبها، وليس بالضرورة عن وجهة نظر موقع حكاية ما انحكت.