عشرية مشروع "ذاكرة إبداعية للثورة السورية"

حوار عن خصوصية التجربة بين متعة الإنجاز واحتمالات المستقبل


مع نهاية شهر أيار من العام 2023، يبلغ مشروع "ذاكرة إبداعية للثورة السورية"، سنته العاشرة، وأمام هذا المعطى الزمني، فإنّ متعة الإنجاز والاستمرارية تتجاور مع ضرورة مساءلة التجربة وإعادة مراجعتها، والأهم هو التفكّر بالمستقبل المحتمل لهذا المشروع، وإمكانياته المتعدّدة. هنا حوّار موّسع وشامل مع أسرة "ذاكرة إبداعية"، حوار يبدأ من البدايات الأولى دون أن يصل النهايات بعد، معرّجا على كافة الصعوبات والتحديات التي واجهت فريق العمل ولا تزال.

20 حزيران 2023

علاء رشيدي

قاص، مدرب إعلامي، وناقد فني. صدرت له مجموعتان قصصتيان "اللعبة الأخيرة قبل فرض القواعد، 2014"، و"فانتازيات اللهو بين السحر والحكاية، 2017". مدرب على تقنيات الكتابة الصحافية والتحرير الإعلامي. يكتب في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية في مجال الصحافة الثقافية والنقد الفني.

تأسّس مشروع ذاكرة إبداعية للثورة السورية في العام 2013، وهي منصة رقمية لتوثيق وأرشفة الإبداع والفن والثقافة في زمن الثورة والحرب. انطلقت الفكرة من ضرورة توثيق الإبداع السوري بكافة أشكاله: الأدبي، الفني، الغنائي والموسيقي، السينمائي، والمسرحي. انطلق القائمون/ات على المشروع من دوافع متعدّدة أبرزها تلك المتعلقة بالفن والمقاومة، بالإسهام في السردية التاريخية، ببناء ذاكرة إبداعية في وجه النسيان، وضرورة فتح مساحات التشبيك بين الفن والمجتمع. ويتضمن الموقع تصاميم، صور، لوحات فنية، أعمال خطّية، وثائق إذاعية، وفيديوهات سينمائية، إضافة إلى الطوابع والغرافيتي والمسرح والقصص المصوّرة والموسيقى والنقد والمنشورات الافتراضيّة وغيرها.

يتنوّع قاموس القائمين/ات على المشروع في شرح الاحتمالات التي يمكن لهذا الأرشيف الإبداعي أن يقدمها للتاريخ، للمجتمع، وللفن السوري، منها: حفظ الذاكرة، التوثيق، كتابة السردية التاريخية، امتلاك الحاضر والماضي وتخيّل المستقبل، كتابة حكايات السوريين/ات، وبناء ذاكرة تعدّدية. وفي هذا الأرشيف ما يفوق الثلاثة عشر ألف مادة)، أي ما مجموعه ٣٧٨٠٠ وثيقة في ثلاث لغات، ضمن 24 صنفاً، وأكثر من ثلاثة آلاف ومئتي صاحب عمل يتوّزعون بين فنانين، كتاب، مبادرات جماعية أو فردية، ناشطات وناشطون، منهم مجهولون أو تحت أسماء مستعارة.

في "الذاكرة الإبداعية" نجد هذا الإنتاج الكبير في مكان واحد، مفتوح ومنظّم يسهل الوصول والتجوال إليه من ناحية، ومن ناحية أخرى يحميه من خلال بناء وثائق حول كلّ عمل، بما يضمن دقة معلوماته وسياقاته.

عشر سنوات من القصص السوريّة المصوّرة

25 أيلول 2021
في أعقاب انطلاقة الثورة السوريّة تأسست "كوميك لأجل سوريا"، وقد جمعت بين فنانيين/ات سوريين/ا يأملون في فهم العنف والوحشيّة اليوميّة التي تحدث في بلدهم الأم، سوريا. هنا قراءة في تلك...

مع نهاية شهر أيار من العام 2023، يبلغ المشروع سنته العاشرة، وأمام هذا المعطى الزمني، فإنّ متعة الإنجاز والاستمرارية تتجاور مع ضرورة مساءلة التجربة وإعادة مراجعتها، والأهم هو التفكّر بالمستقبل المحتمل لهذا المشروع، وإمكانياته المتعدّدة. لاشك، أنّ المشروع جعل من الأرشفة إنتاج ثقافي بحدّ ذاته، بالإضافة إلى أنّ القائمين/ات عليه سعوا في مشاريع متنوّعة لإعادة تفعيل الأرشيف بطرق وسرديات مختلفة. ولهذه الغاية، أطلقوا عدّة مشاريع، منها: مشروع "الثورة والحرب السورية بصرياً، 2019"، ومشروع "كتاب قصة مكان قصة إنسان: بدايات الثورة السورية 2011-2015"، والذي صدر في العام 2017.

يكتب القائمون/ات على المشروع في الورقة التعريفية الخاصة به، بأنه: "أرشيف في عملية بناء مستمر بصورة يومية". وبمناسبة بلوغ المشروع سنته العاشرة، وإطلاق موقع جديد بحلّة جديدة، يجري موقع (حكاية ما انحكت) حواراً مع القائمون/ات على المشروع، ومع الفريق العامل خلف هذا المنتج الثقافي، يستعيد فيها دوافع البدايات، ومنجزات الحاضر، واحتمالات المستقبل.

 البدايات

  • السؤال الأول: المشروع يضيف إلى النظرية الأولى:

لقد أوضحتم/ن في العديد من اللقاءات الدوافع الأولى لتأسيس المشروع، نذكر منها: الفن والمقاومة، المساهمة في السردية التاريخية، فتح أفق التعبير والإبداع الفني، ضرورة العمل على الذاكرة في علاقتها مع المستقبل، وكذلك التوثيق وفتح أفق التواصل بين الفاعلين/ات في المجالات النقدية والفنية والإبداعية. الآن، وبعد عشر سنوات من المثابرة على المشروع، ما الذي أكده المشروع من أفكاركم/ن السابقة؟ وما الذي أضافه إلى تلك الرؤى؟

سنا يازجي: لم يكن ما ذكرتَ في سؤالك جاهزاً ومتبلوراً كفكرة وأهداف وآمال عندما بدأنا بالمشروع في بداية البدايات. إنّما كلّ ما ذكرتَ تبلور على نار هادئة، بكثير من التحدّي والصعوبة، والأسئلة الشائكة، واكتشاف الذات.
نقطة البداية، الدهشة والحماس. عندما كنت ما أزال في سوريا، أتابع عملي في يوميات ثقافية، وكغيري، متابعة بلهفة لهذا النتاج الجديد معنىً ونوعاً وكمّاً. مندهشةً من جهة، ومسكونةً بهاجس جمع هذا النتاج من جهة ثانية. تلا ذلك القلق، وخصوصاً بعد الخطاب الأول لبشار الأسد وإعلانها حرباً علينا، ومع استشراس النظام ضد كلّ حراك سلمي أيّاً كان نوعه. سكنني الهمُّ والخوف، خوف من ضياع ونسيان كلّ هذا الانخراط الهائل لمصلحة العنف، والعنف غلاّب. خوف رافقني حتى خروجي من سوريا في حزيران ٢٠١٢، واستقراري في لبنان.

قلنا في بدايات كلامنا عن ذاكرة إبداعية إنها ضد النسيان، ضد المحو والإلغاء. واليوم  نقول إنها معركة ضد الإنكار.

(لوحة للفنانة ديمة نشاوي)

الذاكرة "أرض معركة"، كما قال الراحل لقمان سليم.  ومع الوقت والعمل والتراكم اتضحت الرؤيا واتسعت. وصرنا كلّما تقدّمنا بالعمل والإنجاز وتحقيق مشاريع جديدة، تتأكد لنا أهداف وتنبثق أخرى. أرشيفنا هذا يتحدث إلينا ونحن نستمع.

اليوم، نقول هي ذاكرة إبداعية بالمفرد دفعاً لادّعاء تملّك "الذاكرة"، أيِّ ذاكرةٍ كانتْ، ودفعاً باتجاه العمل والمساهمة في بناء تعدديةِ ذواكرَ وسردياتٍ، حرّة ومستقلة. نشعر بالإنجاز والمعنى وفرحون بذلك.

  • السؤال الثاني: الأرشيف المستمر:

تذكرون في تعريف مشروع ذاكرة إبداعية للثورة السورية، بأنه: "أرشيف في عملية بناء مستمر بصورة يومية" ما المقصود بهذه الفكرة؟

ن.أ: يقوم فريق العمل في ذاكرة إبداعية بالبحث بشكل يومي ومنتظم، سواء عن مواد جديدة قابلة للتوثيق بحسب معاييرنا وتتناسب مع الأحداث الراهنة، أو بالبحث عن أعمال كانت قد صدرت سابقاً ولم تتح الفرصة أو حتى الإمكانية لتوثيقها سابقاً، مثل الأعمال التي أنتجت عام ٢٠١١ مثلا، وكانت آنذاك (على قلّتها) صعبة التوثيق لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال عدم وضعها من قبل أصحابها على الأنترنت، وبالنتيجة تعذّر الوصول إليها.

يوجد في أرشيف الموقع العديد من الأعمال التي لم يتأكد فريق العمل من هوية صاحبها الحقيقي عند توثيقها، مثل العديد من أعمال التصوير والتصميم واللافتات، وقد عمل الفريق وما زال يعمل للعودة والبحث والتأكد من هوية صاحب العمل الحقيقي، وبهذا الشكل يكون الفريق في عمل مستمر لتصحيح وإضافة وتدقيق الكثير من البيانات والمعلومات المتعلقة بوثيقة كلّ عمل موجود في الأرشيف وتحديثها بما يتناسب مع الوضع الراهن.

سنا يازجي: قلنا في بدايات كلامنا عن ذاكرة إبداعية إنها ضد النسيان، ضد المحو والإلغاء. واليوم نقول إنها معركة ضد الإنكار

في إطار البحث وتوثيق أعمال إبداعية جديدة نجد أحيانا بعض الأعمال التي تنتمي لصنف لم يكن موجوداً لدينا فأضفناه. وهذا ينطبق على العديد من الإضافات الأخرى التي نضيفها بشكل متتابع في فلترات الأرشيف، سواء أسماء مدن ومحافظات، أو وسوم، أو أسماء أصحاب أعمال جديدة.

عملية البناء أيضا تترافق مع العمل على المشاريع التي نحتاج في عملية بنائها إلى وثائق متعلقة بها، (تمت مثلا أرشفة جميع أعمال الغرافيتي والحيطان الموجودة في سراقب)، لخدمة المشروع، ومثله في مشروع معتقلون ومغيبون، وكذلك التسلسل الزمني.

  • السؤال الثالث: التكوين الفكري والمهني للعلاقة مع الفن والتاريخ:

 لابد عن الحديث عند البدايات، من السؤال عن التدريب أو التكوين المهني والاختصاصي الذي خضع له العاملون/ات في المشروع. تذكرون في إحدى اللقاءات أنّ العام 2014 شهد العديد من ورشات التمكين والتأهيل للمشاركين/ات في المشروع. ما هي المجالات التي تم التدريب عليها؟

سنا يازجي: انطلقت ذاكرة ابداعية في ٣٠ أيار/ مايو ٢٠١٣، ب ٢٠٠ عمل ضمن ٢٢ صنف. تمّ العمل وقتها بناء على مؤهلاتي كمصممة غرافيك في عملي السابق، وتحديداً في "يوميات ثقافية"، وهي أجندة شهرية ثنائية اللغة، كانت ترصد النشاط الثقافي والفني في سوريا. ورافقني عند الإطلاق كفريق عمل، صحفي ومترجمة إلى الإنكليزية ومطوّرة تقنية.

بعدها بدأنا نخضع لجلسات تأهيل، أذكر باكراً جلسة مع الدكتور الراحل حسان عباس حول الوثيقة. بعدها مع باحثة فرنسية أيضا حول الوثيقة وتفاصيل حقوق وآلية النشر في مجال الأرشيف الافتراضي، حيث ظهر مثلاً سؤال حول ما العمل وماذا يبقى عند اختفاء فيلم أو رابط من مصدره؟!

لوحات للفنان بشار العيسى

تلاها حضوري كمستمعة وضيفة، لنقاش غني في برلين، نظمه الفرنسيون والألمان حول سؤال الأرشيف بمناسبة مرور ١٠٠ عام على الحرب العالمية الأولى. هناك تعلمت لأول مرّة أنّ هناك حق النسيان! وهناك أيضا استمعت بمتعة ولهفة التعلم إلى عدة مبادرات حول الأرشيف والتاريخ، وهناك تناقل كلّ من تكلّم عن "حمّى الأرشيف" للفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا. وهناك أيضا قال مؤرخ ألماني مخضرم، إنه وبمناسبة ال ١٠٠ عام، قرّر جمع ١٠٠٠ مادة لهذا الغرض، لا أكثر ولا أقل. اختار ما رآه مناسباً لهدفه، وقال: طبعا هذا خيار شخصي، قد اُنتقد عليه… لكنه خياري وأتحمل مسؤوليته.

وتوالت جلسات الاستماع والتعلم والمشاركة. كان من أهمها وما ترك علامة فارقة، هو ما دعتنا إليه مؤسسة "أمم" والقائمين عليها مونيكا بورغمان ولقمان سليم، في إسطنبول في 2014، حيث تدربنا مع مؤرشفة أميركية، ذكية ولماحة، علمتنا من خلال أسئلة وأجوبة، وقد كنّا عشرات من المبادرات السورية في مجالات عدة كلها تدخل في مجالي التوثيق والأرشفة، إما جزئياً أو كلياً.

 

  • السؤال الرابع: يذكر أحد الصحفيين بأنّ فريق العمل في مشروع "ذاكرة إبداعية"، مؤلف من 25 فناناً، وإخصائياً لغوياً، وعالماً جغرافياً. هل تؤكدون هذه المعلومة؟ وما هي الاختصاصات التي يتضمنها فريق العمل؟

سنا يازجي: نحتاج هنا لتدقيق المعلومة، عمل في ذاكرة إبداعية ما مجموعه ال ٢٥ شخصاً، خلال العشر سنوات هذه، هذا يعني أن الفريق لم يكن ٢٥ شخصاً بنفس الوقت. إنما حسب الفترات، مثلاً في فترة كتابة "قصة مكان، قصة إنسان" كنّا ١٥ شخصاً، ثلاث منهم كفريق منفصل ومتفرّغ للكتابة، لكنه على تواصل عضوي مع باقي الفريق العامل على الأرشيف ككل. كلا الفريقين كانا يرفدان بعضهما البعض، إضافة إلى متطوّعتين، فرنسية وأميركية، تحديداً للمساعدة في التحرير اللغوي.

يجدر ذكره أيضاً أنه في فترة ما، وعلى مدى أشهر، كانت لدينا متطوّعة مختصة من طرابلس ـ لبنان، اشتغلت فقط على جزء من الأغاني المؤرشفة لدينا. أعادت كتابة جميع كلمات هذه الأغاني بجميع تفاصيلها بحسب كيفية غنائها، مثلاً بما فيها فترات الصمت! (وضعت فراغات كبيرة مثلاً بين الأسطر… الخ).

(سنا يازجي: الانضمام الى هذا العمل يتطلب من صاحبه جهداً نفسياً صعباً للغاية، النسيان عند الإنسان دفاعات آلية من أجل الاستمرار بحياة "عادية"، بعضهم يريد بوعي أن ينسى، أما نحن فنتذكر، يومياً.)

لم يكن أحد منا ذو خلفية في التوثيق والأرشيف، إنّما تنوّع أعضاء الفريق من حيث الاختصاصات بين صحفيين، طالبة كانت تحضر لدراسة الطب، أخرى مختصة في الجغرافيا، مهندسون، خريجة سايكولوجيا،  لغويون ومترجمون، أساتذة لغة عربية وفرنسية، محامية، باحثون، تقنيون في المعلوماتية، وأنا كمصممة غرافيك، وأخشى أني نسيت كلّ الاختصاصات.

منذ نهايات ال ٢٠١٧  وحتى اليوم، صغر الفريق جداً واقتصر على ٤ أشخاص دائمين، بسبب تراجع الموارد بشكل كبير، متلازماً بالطبع مع تراجع الاهتمام بسوريا والسوريين.  وكما نعلم، فإنّ أيّ تراجع أو ضعف في الميزانيات العامة لأي داعم يضرب أولاً كل ما يدخل ضمن قطاع الثقافة والفن، على أساس أنها ليست من "الضروريات"! بكل الأحوال عانينا منذ البداية من كون مشروعنا غير نمطي - atypique ، بمعنى لا ينضم الى ما يتم تداوله من مشاريع.

ما يستحق الذكر أيضاً، وبمعزل عن توّفر الموارد المالية من عدمها، هو أنّ الانضمام الى هذا العمل يتطلب من صاحبه جهداً نفسياً صعباً للغاية، النسيان عند الإنسان دفاعات آلية من أجل الاستمرار بحياة "عادية"، بعضهم يريد بوعي أن ينسى، أما نحن فنتذكر، يومياً.

حدث عدة مرات أن يكون السبب الأوّل لترك العمل هو الضغط النفسي الكبير. منّا من كان يظنّ أنّ هذا العمل بحدّ ذاته قد يداوي الألم والشعور بالذنب، ذنب الناجي، إلاّ أنّ ذلك غير صحيح مما رأيناه وعشناه وتعلمناه. لذا فإن الفريق المستمر منذ سنوات خضع ويخضع لمتابعة نفسية مستمرة.

 

 الأعمال الفنية والإبداعية كمواد أرشيفية:

  • السؤال الخامس: هل يمكن إعطاء القارئ فكرة عن تنويعات المواد الإبداعية، الكتابية، والفنية التي يعمل الموقع على أرشفتها؟ هل تشمل كافة الفنون، وكذلك الأدب والمسرح والسينما؟

ن. أ: المواد الإبداعية الموجودة في الأرشيف، تشمل أنواع عديدة وواسعة من الإنتاج الفني من نحت ورسم وتصوير وأعمال يدوية… وتتضمن أيضا المسرح والسينما والموسيقى الغناء، وكافة أنواع الإنتاج الأدبي المطبوع منها، أو الافتراضي، سواء أكان ذلك دراسات أو تقارير وأبحاث أو روايات، بالإضافة إلى كلّ المقالات التي يمكن تصنيفها كذاكرة أو نقد.

نصوح زغلولة: ثلاثون سنة وأنا أصوّر الشام… لم تعد الشام كما هي

18 شباط 2022
هو ابن الشام الذي أحبّ الريف، وفيّ لأصدقائه ولمعلميه، يتباهى بأنه تعلّم منهم وهو المعلّم المتفرّد، مهووس بالعصافير التي رحلت هي الأخرى، مثلها مثل شام"هـ". "أيّ ثقب في أيّ باب...

كما تشمل صور وفيديوهات للمظاهرات التي خرجت منذ عام ٢٠١١، بالإضافة إلى توثيق صور اللافتات التي رفعت خلال هذه المظاهرات لأنها أولاً تعتبر توثيق لأحداث حصلت في سورية على أرض الواقع كما أنها ترسم حسب الخط الزمني تطوّر مطالب كلّ أطياف السوريين المنتفضين على الأرض، ويمكن القول إن من خلال دراسة تحوّل وتغيّر اللافتات ومحتواها نستطيع رصد الواقع السياسي بكلّ مجالاته.

بالمختصر يحتوي الموقع على أشكال التعبير الفني الفردي أو الشعبي الملموس المتعلّق بالثورة والحرب منذ عام ٢٠١١ وحتى يومنا هذا.

نستطيع القول إنّ وظيفة الباحث والمؤرشف هي توثيق كلّ الأنواع الفنية، لأنّ كل نوع من أنواع التعبير له خصوصيته وتأثيره المباشر وغير المباشر، وعلى جمهوره المتلقي.

 

  • السؤال السادس: ما هي معايير اختيار الأعمال الفنية والأدبية؟ هل يتعلق الأمر بالمستوى الفني، أم بالمضمون؟ لقد ذكرتم/ن في أكثر من مناسبة أنها تلك الأعمال الفنية التي تحمل مضامين الثورة وتسرد مسيرتها؟ هل سيحمل المستقبل معايير جديدة أو مغايرة؟

أمل إلياس: الأعمال المنتقاة للتوثيق في أرشيف ذاكرة إبداعية نوعان، الأول، ما هو معرّف عموماً على أنه فني أو أدبي مثل (الفن التشكيلي وما يندرج ضمنه من فنون، كالتصوير والرسم والحفر والنحت، والخط، والكاريكاتير... وغيرها)، والأشغال اليدوية، وفنون التصوير الرقمي الحديثة، إضافة إلى السينما والأفلام والأغاني، والمقالات الإبداعية منها والناقدة للإبداع، والكتب المطبوعة والافتراضية…

أما النوع الثاني فهو ما أنتجته الثورة من أشكال إبداعية أخرى للتعبير، كاللافتات، والغرافيتي، وأغاني المظاهرات.

 العمل الأدبي كما يعرّفه رولان بارت: "كائن من غير احتمال… ولربما يعطيه هذا الأمر أفضل تعريف له".

تسري مقولته من وجهة نظرنا على كلّ ما أنتجه السوريون/ات من إبداعات، لذا فإنّ جميع الأعمال غير خاضعة للتقييم أو النقد الفني، إذ يعنينا توثيق الحالة التعبيريّة المتجليّة بأشكال عدّة. والباقي متروك للمتلقي والنقاد، دون أن يعني ذلك أنّ الذوق الشخصي للباحث لا يتدخل لدى وقوعه موقع الاختيار بين مجموعة من الأعمال التي تعبّر عن فكرة واحدة. هنا لا مهرب من تدخل الحكم الشخصي، وهو بالنهاية فعل إنساني.

(أمل إلياس)

نوّثق في ذاكرة إبداعية بالعموم إبداعات السوريين في سياق الثورة ومآلاتها. أينما تواجد هؤلاء السوريون، مع معيار أن يكون الفنان، أو القائم على العمل له موقف واضح من  الثورة السورية، لأنها ذاكرة الثورة كحدث مؤّسس والحرب كتحوّل في مسارها. كما نعمل كذلك على توثيق نتاج غير السوريين/ات من أعمال إبداعية لصالح الثورة وقيمها.

يرصد الموقع في أحيان كثيرة أيضاً، إبداعات هؤلاء، في سياق التضامن مع المقاومة السلمية، ضد كلّ فعل استبدادي، حتى لو كانت خارج السياق السوري، كسقوط نظام البشير وانتفاضة السودان، وأحداث إيران، وغزة، والسودان مؤخراً…

في المقابل، تخضع الأعمال لمعايير عدّة من حيث المحتوى، حيث يجب أن يكون العمل الفني فعلاً من أفعال مقاومة الاستبداد السلمية المدنية، ولا يحض على تمييز مبني على الدين أو العرق أو الجنس، كما لا يدعو إلى الكره  أو القتل أو تبرير القتل.

ن أ: من خلال دراسة تحوّل وتغيّر اللافتات ومحتواها نستطيع رصد الواقع السياسي بكلّ مجالاته.

 خارج المعايير، نوّثق في ذاكرة إبداعية عند الضرورة أعمال ضمن صنفي تصوير فوتوغرافي وفيديو، تحتوي على صور أو مقاطع صادمة مع الإشارة إلى ذلك، ويحتم ذلك وجود أعمال فنية، وأشكال تعبيرية مستوحاة من هذه الأعمال.

 قلما تخضع هذه المعايير للتغيير، ولكن حصلّ وأن خضع بعضها للمرونة. قمنا مثلاً بتوثيق وأرشفة بعض التقارير الحقوقية، ضمن صنف منشورات مطبوعة، لأهميتها وضرورة العودة إليها لدى إنشاء مشروعي التسلسل الزمني، ومعتقلون ومغيبون.

وفي وقت سابق أيضاً، كنّا قد وضعنا هذا المعيار: "لا يجب أن يحتوي العمل على أطفال في وضع اللجوء بشكل مباشر وصريح أو في وضع يتم فيه استغلال الأطفال لغرض آخر كحمل اللافتات، أو صور أطفال شهداء".

هنا خضع هذا المعيار لبعض المرونة، على اعتبار أنّ الثقافة العامة للناس أصبحت تستخدم الأطفال بكثرة لإيصال الرسالة، ربما طمعاً في تأثير أكبر، وهذا واقع لا يمكن ولا يجوز تجاوزه، بل على العكس شكل هذا حالة نحن معنيون برصدها.

 

  • السؤال السابع: تذكرون بأنّ جميع الأعمال موثقة في الموقع كما جاءت في مصادرها الأصلية، من قبل أصحابها وجميع التفاصيل المرتبطة بها، بما في ذلك الأخطاء اللغوية. جميع الوثائق المنشورة في أرشيفنا هي لأعمال فنية سبق وأن تم نشرها للعموم على وسائل ووسائط مختلفة. بحيث يتم اختيارها وفق معايير على رأسها كل ما يعكس قيم الثورة وبحيث يتم استبعاد كل ما يدعو للكراهية والعنف وجميع أشكال التمييز. وتتم عملية إضافة السياق والملاحظات على الوثائق بصورة منهجية وكل ما كان ذلك ضرورياً ومتاحاً. هل يمكن إعطاء القارئ لمحة عن آليات التوثيق للأعمال الفنية المتبعة من قبلكم/ن؟ وهل يمكن إعطاء شرح توضيحي عن آليات التصنيف؟ ذلك أنها مفيدة للباحثين/ات والنقاد، وكذلك المؤرخين/ات.

أمل إلياس: يتم توثيق الأعمال حسب صنفها الذي تقع ضمنه في ذاكرة إبداعية، ولكلّ صنف طريقة توثيق محدّدة، ففي الأعمال المصوّرة (تصوير، تصوير فوتوغرافي، نحت، كوميكس، طوابع…) يتم كتابة اسم صاحب المادة الموّثقة، أو القائم عليها، وتاريخ إنتاجه لها، وما ورد بحسب المصدر (مع ذكر اسم المصدر ورابط العمل)، ويتم وضع كلمات مفتاحية، وجيوتاغ، ويتم كتابة سياق للحدث الذي أنشأ العمل لأجله، إن وجد.

أما في الأصناف التي تحوي على فيديو (فيديو، سينما وأفلام، موسيقى وأغاني، مظاهرات)، فيتم تضمينها بحيث يمكن متابعتها مباشرة على صفحة الموقع، إضافة إلى ما سبق من معلومات الوثيقة.

الصورة والمصوّر: ربّما حان الوقت لنمتلك ذواتنا (4)

17 تشرين الأول 2020
رغم فداحة ما جرى ويجري، من زاوية توثيقيّة تأريخيّة، فإن السؤال الأكبر في قضيّة رواية القصّة السوريّة وتمثيل من يعيشونها بها هو: "من الراوي؟" من يتخذ منبراً ويسرد قصّة المجموعة؟...

في أصناف المنشورات المطبوعة والافتراضية، يتم  إضافة إلى ما سبق كتابة اسم دار النشر، وعدد الصفحات، ونبذة عن المنشور، أو مقتطف منه إن وجد، وتضمين رابط البي دي إف الخاص به إن وجد، ليتمكن القارى من الوصول إليه عن طريق الموقع، في حال تمّ إغلاق صفحة المصدر، أو تغيّر رابط العمل من المصدر نفسه.

 تنضوي جميع الوثائق في الموقع تحت 25 صنفاً (مثل: غرافيتي، لافتات، تصوير، رسم وحفر، نحت، منشورات مطبوعة، منشورات افتراضية، مقالات ذاكرة…) تحدّد هذه الأصناف نوع العمل الفني أو الأدبي، وتشترك جميع الوثائق بالعموم إلى جانب التصنيف، بوجود محدّدات معينة كصاحب العمل، وتاريخ إنتاج العمل، وتاريخ أرشفته ونشره، وكلمات مفتاحية، والمحافظة والمدينة التي أنتج العمل فيها، أو وجه لها إن وجدت.

يمكن للباحث الوصول للوثيقة عبر هذه المحددات الموجودة كفلاتر في صفحة الأرشيف. وإضافة إلى ذلك كله، لدينا في الأرشيف، كما في جميع المشاريع المرتبطه به، محركات بحث عامة.

 

 المشاريع المحققة في تفعيل الأرشيف:

السؤال الثامن: في آذار 2015 انطلق مشروع "قصة مكان" بعشرين وسماً جغرافياً لمناطق مختلفة من سورية، وأضيف المزيد منها بصورة دورية وأغلق عند الخمسين مكاناً في حزيران من العام 2016، حيث بدأ العمل على الكتاب المطبوع. المشروع يهدف إلى ربط المواد الموّثقة في الموقع بمواقعها الجغرافية في معظم أنحاء سورية. ترافق ذلك مع نصوص تعريفية لهذه الأماكن مما يتيح للقارئ تتبع أماكن انطلاق الحراك الثوري وامتداداته ومآلاته في كلّ منطقة على حدة. وفي العام 2017، أصدرتم الكتاب الذي حمل عنوان (قصة مكان قصة إنسان، بدايات الثورة السورية 2011-2015). في هذا الكتاب خمسونَ نصّاً تعريفيّاً توثيقيّاً عن خمسينَ مكان في سوريا. مدن، قرى، بلدات، ضواحي وأحياء، انتفضت في العام 2011. تحكي هذه النصوص عن انطلاق الحراك الثوريّ وامتداداته ومآلاته في كلّ منطقةٍ، عن طريق ما صدر منها من مبادراتٍ وفعاليات تعكس مدى الانخراط واتساعه ونوعه، وما طرأ عليه من تحوّلات. ولكلّ نص صورَتَهُ، أكانت لعمل فني لفنانات وفنانين، أم لنشطاء وسكان هذه الأماكن، أم لمجهولي الهوية. هل تفكرون بمشاريع جديدة تربط بين الإلكتروني والمطبوع؟ ما الخصوصية التي حملها الكتاب المطبوع لهذه التجربة؟

 سنا يازجي:  الكتابة تحدي كبير. تعلمنا الكتابة، وأضيف هذا التحدّي إلى تحدّي الأرشفة والتوثيق الذي تمكنا منه تدريجياً. إنّ ما تكتبه وتطبعه لا يحتمل التراجع، ولا يقبل التعديل أو التصحيح، بينما النشر الافتراضي يحتمل ذلك. وهنا المسؤولية الكبيرة في تقصّي المعلومة ومقاطعتها مع عدّة مصادر وتحمّل مسؤولية قرار الخيار لكلّ تفصيل ولكلّ مكان.

أما عن التجربة بحدّ ذاتها، فقد كانت غنية جدا على أكثر من مستوى.  وقعنا سريعاً في "حيص وبيص"  حول هوية النص الذي نكتبه. ماهو؟ تاريخي؟ ذاتي؟ صحفي؟ بحثي؟ سردي؟

وضع معيار للكتابة أخذ وقتاً، وقد كانت استشارة الكاتب والمؤرخ فواز طرابلسي ثمينة جدا طوال فترة الكتابة التي أخذت منا ٣ سنوات. لأنّ الفكرة بدأت بربط العمل بمكانه على الموقع/ الخريطة، بعدها بالتحدث قليلاً عن هذا المكان، تدريجيا ًومع كثرة الأحداث وتواليها أصبحت لدينا حاجة للاستطالة والتفسير خوفاً من الاختزال والتهميش، كيف بدأت في كلّ مكان مختار، وما آلت إليه مع نهاية ٢٠١٥.

ن أ:  أصبحت الحيطان مساحة للتعبير الذي انطلق من التعبير الخاص إلى العام والعلني وقد خاف النظام منها، خاف من هذا التعبير العلني الواضح، والذي أصبح من المستحيل تجاهله.

من المفيد القول هنا أننا في مقدمة الكتاب، فسرنا آلية عملنا، وقلنا إنّ هناك سريات لم ترى النور بعد… وأنها بعهدة أصحابها، تنتظر. بالمناسبة سيصبح الكتاب متاحا ك PDF قريباً.

المطبوع، على ما أعتقد، صار ضرورة لها خصوصيتها في سياقنا السوري، وكأنه أثر ودليل فيزيائي أننا هنا على الأرض في غمرة هذا التشرذم الكبير في كلّ مكان، وفي العالم الافتراضي… حيث الضياع سهل.

 

السؤال التاسع: في العام 2018، أطلقتم "مشروع الخريطة"، وتغطي هذه الخريطة "ما يقرب من 200 موقع، بما في ذلك المحافظات والمدن والضواحي والأحياء، بحيث تتشابك مع محرك البحث الخاص بنا رابطةً أرشيفنا المكوّن من آلاف الوثائق بمواقعها الجغرافية وضمن أصناف، وتواريخ، وأسماء أصحاب الأعمال وكلمات مفتاحي، بما يسمح للقارئ بتتبع المناطق التي بدأت فيها الحركة الثورية السلميّة، امتداداتها، أشكالها، وتحولاتها في كل منطقة، استنادًا إلى المبادرات والأنشطة الخاصة بكل منها. والمواقع الجغرافية هنا قد تكون مصدر هذه الأعمال أو وجهتها، أو كلاهما معاً". وجاء في تقديم المشروع: "ليست الجغرافية بحد ذاتها هي الهدف هنا، إنما الرحلة المقترحة للعبور إلى ذاكرة الحدث والإنسان. إنها رحلة افتراضية لواقع معاش على الأرض، يمكّن القرّاء بسهولة من التجوّل واكتشاف السوريين. اكتشاف كلماتهم، وأحلامهم وآمالهم، وكذلك معاناتهم ومآسيهم عبر ما تركوه من أثر". هل تصنفون هذا المشروع ضمن آليات التفعيل والاستفادة من الأرشيف؟

رنا متري: يعدّ الأرشيف أساس جميع مشاريع "ذاكرة إبداعية"، وبدونه لا يمكن القيام بأيّ من المشاريع الفرعية الموجودة على موقعنا.

ولكن ما يميّز مشروع الخريطة عن باقي المشاريع هو إرتباطها بشكل مباشر وتفاعلي مع الأرشيف والمواد الموّثقة، مما يعني أنه كلما نشرنا عمل مرتبط بوسم جغرافي، تتم إضافته تلقائيًا إلى موقعه على الخريطة.

يمكننا بالتالي القول إنّ الخريطة هي طريقة أكثر تفاعلية لمتابعة الوثائق المؤرشفة التي تمّ إنتاجها في جميع أنحاء سوريا، ومن خلال القيام بذلك، يمكن للمستخدم أيضًا متابعة تجربة تطوّر الحراك السلمي والثورة والحرب.

(رنا متري)

مشروع الخريطة، كما كلّ المشاريع الأخرى، هي خطاب وبراهين تدحض سرديات النظام. الخريطة مثلاً ردّ على أكاذيب النظام الذي حاول إقناع الناس والإعلام بأنّ الحراك الثوري اقتصر على مناطق قليلة وصغيرة في سوريا في أيامه الأولى، وبأنّ الاحتجاجات والمظاهرات مزيّفة، أو أنّها حدثت في مكان آخر، أو أنّ المدن الكبيرة في سوريا لم تشارك في الحراك الشعبي.

تُظهر الخريطة بوضوح أنّ الثورة في أيامها الأولى وما بعدها، بدأت في مدن وبلدات وقرى وأحياء مختلفة في جميع أنحاء سوريا، وانتشرت إلى نطاق أوسع وغطت كل سوريا.

من المهم أن يكون لدينا أداة مرئية وعملية وسهلة الوصول والاستخدام تقدّم دلائل واقعية وتسمح للناس برؤية ما حدث بالفعل، في وجه رواية النظام الزائفة، وهذه هي الاستفادة الأهم من وجود أرشيف ذاكرة ابداعية.

 

السؤال العاشر: أيضاً في العام 2018، أطلقتم/ن مشروع (في البدء كان الغرافيتي: حيطان إدلب) وثّق هذا المشروع أكثر من 500 غرافيتي من سراقب، و باقي مناطق إدلب على هيئة جدول زمني يتم تحديثه والإضافة عليه دوريّاً. لماذا هذه الخصوصية لفن الغرافيتي، ولماذا التركيز على مناطق إدلب وسراقب؟

ن.أ: لماذا التركيز على الغرافيتي؟ لأنه بكلّ بساطة شرارة اندلاع الثورة السورية. كان الغرافيتي الأول (إجاك الدور يا دكتور) ومن بعدها توالى العديد منه.

أصبحت الحيطان مساحة للتعبير الذي انطلق من التعبير الخاص إلى العام والعلني وقد خاف النظام منها، خاف من هذا التعبير العلني الواضح، والذي أصبح من المستحيل تجاهله.

خالد خليفة: لستُ حارسَ المقابر لكنني حارسُ الأرواح

03 شباط 2021
في هذا الملف الصغير الذي أعددناه عن خالد خليفة، نحاوره في رواياته وفي خياره بالبقاء في سوريا ونسأله عن الرواية السوريّة، كما نرفق الحوار بصور خاصة اختارها خالد خليفة بنفسه...

بدأ هناك حوار حقيقي على الجدران، كان المعارضون يكتبون جملا ليأتي بعدهم مؤيدي النظام ليشخطوا عليها ويكتبوا ما يريدون، مثل (الله وسوريا وبس، الأسد أو نحرق البلد…)

حيطان إدلب وسراقب كانت مثال لفعل من أفعال الثورة السلمية بكلّ معانيها، عبّرت عن مشاعر السوريين الحقيقية من حياة وأمل وحلم بالحرية، ولكن أيضاً  عن الحرب والمآسي والموت.

قُدّر للغرافيتي أن يزدهر في إدلب وسراقب، بعيداً عن مراكز المدن التي كانت أولوية للنظام.

وما يجدر ذكره هو اكتشافنا، بحسب نشطاء ومثقفين محليين، أنّ الغرافيتي على جدران سراقب كان موجوداَ، حتى من قبل اندلاع الثورة السورية، وأنه كان هناك حوار وأخذ وردّ  بين المثقفين المحليين وبين حزب البعث على هذه الجدران.

السؤال الحادي عشر: يأتي مشروع (الدليل ألف اسم واسم) كرابع الإنتاجات الخاصة لمشروع أرشيف ذاكرة إبداعية للثورة السورية. ويهدف هذا الدليل لضم أسماء جميع أصحاب الأعمال الموثقة لدينا على الموقع، بأصنافها ال ٢٥ الموجودة حالياً، سواء كانوا أفراداً، أم مجموعة، أم فرقة، أم مبادرة، أم مؤسسة، أم صفحة، أم جريدة.  تضمنت مرحلة الإطلاق 630 اسماً، تضاف إليها أسماء جديدة بشكل دوري. للمشروع أهمية في الإضاءة على الوجوه، على التنوّع والابداع، على درجاته، ومناطقه، وجغرافيا تواجده، ويوّفر هذا الدليل قراءة مغايرة، وخاصة للانخراط الفردي والجماعي، هويته، المعلوم منه والمستتر، المشهور، المغمور، النخبوي والعادي. جاء في تقديم المشروع: "هو دليل يرسم خارطة اسماء لعيون وأنامل، منهم من هو بيننا ومنهم من غادرنا فداء لنا، ومنهم من انقطعت أخباره". ما أهمية هذا المشروع وخصوصيته؟

سنا يازجي: للأسف لم يكتب لهذا المشروع عمراً مديدا، فهو أقصر المشاريع عمراً وإنجازاً، مجدداً بسبب نقص الموارد البشرية والمالية، لذا فقد حققنا جزءاً بسيطاً من أول مراحله. في محرك البحث ترى أنه لدينا ما يفوق ال ٣٢٠٠ صاحب عمل، لم نتمكن من ضم سوى  ٦٣٠ منهم إلى الدليل. ما كنّا نطمح إليه هو ضم الجميع لتسهيل التعرّف والوصول إليهم، كلّ في مكان مخصّص له، وكأنك تقوم بزيارتهم!

ما لم نتمكن من تحقيقه من أهداف ايضا هو ربط كلّ مدخل بالأعمال المتصلة به في أرشيفنا، وبعدها ربط أصحاب الأعمال بالجغرافيا، أي وضع خريطة لأماكن تواجدهم مما يعطينا فكرة عن الوفرة في النوع والكم والانخراط من ناحية، وتسهيل التواصل والتشبيك من ناحية أخرى، وليس انتهاء بإعطاء فكرة عن هذا الشتات العظيم!

 

السؤال الثاني عشر: في المشروع الخامس بعنوان "الثورة والحرب السورية بصرياً"، تقدمون عبر 395 حدثاً، تسلسلاً زمنيّاً، مَرويّاً ومصوّراً، للوقائع والتّواريخ، المُغيّرة منها والمُؤثّرة، وتلك التي طبعت مرحلتها، منذ انطلاقة الثورة السلميّة، وعسكرتها ومآلات كلّ ذلك، ووصولاً إلى نهاية 2019. وانقسم المشروع في قراءته للمراحل التاريخية إلى الأقسام التالية: من الثورة إلى الكيماوي 2011-2013، من داعش إلى سقوط حلب 2014-2016، من سقوط درعا إلى قانون قيصر 2017-2019. هل يعبّر المشروع بدقة عن فكرتم/ن بتأسيس سرديات تاريخية فنية للحدث السوري؟

أمل إلياس: كما في جميع مشاريع ذاكرة إبداعية، تمّ بناء مشروع التسلسل الزمني اعتماداً على الأرشيف الذي يحتوي آلاف الوثائق، التي تحتوي بدورها على سياقات  للأحداث المرتبطة بها.

كلّما كان الحدث أكثر تأثيراً، تعدّدت الأعمال الفنية المؤرشفة التي تعبّر عنه، وهذا بالضبط ما ساعد الباحثين على استخلاص أهم الأحداث وأكثرها تغييراً وتأثيراً، على مدار السنوات التسعة التي رصدها المشروع، وصياغتها من جديد، لصالح التسلسل الزمني. مع مصادر متعدّدة بالعربية والإنكليزية والفرنسية.

سنا يازجي: نريد أيضاً النظر إلى الخلف، لاستعادة الماضي، لفهم الحاضر وفتح المخيّلة نحو تصوّر المستقبل.

أيّ تمّ الاستدلال على الأحداث من خلال حجم وكمية التغطية الفنية لها، ولهذا يمكننا القول  بأنّ مشروع التسلسل الزمني أسّس بأكبر دقة متاحة. من المدهش كيف واكب الإبداع مسار الأحداث. إنه دليل ناصع عن تدخل الفن في حفظ الذاكرة، وفي كتابة التاريخ.

تجدر الاشارة أيضاً بأننا لم نتجنب السرديات المتناقضة حول حدث ما، ولم نغضّ النظر، وهذه كانت على رأس التحديات.

ولدينا طموح بأن نكمل التسلسل حتى يغطي عشر سنوات، وبأن نحوّل هذا المشروع إلى كتاب مطبوع.

 

السؤال الثالث عشر: في العام 2021، أطلقتم مشروع "معتقلون ومغيبون"، الذي يتتبّعٌ ذاكرة النّاس عبر سنوات الثّورة والحرب، من خلال إنتاجاتهم الفنية والثقافية عن موضوع يمكن اعتباره من أهم المشتركات في وجدان عموم السوريين اليوم. انطلق المشروع بما يزيد عن 900 عمل، من أصناف عدة، مرتبطة بشكل مباشر بثيمة "المعتقلون والمغيبون"، وبتحديث مستمر. ما النتائج المرجوة من هذا المشروع؟

ن.أ: هذا المشروع له خصوصيته المميزة لعدة أسباب:

 أولا، لأنّ موضوع المعتقلين والمغيبين هو بشكل عام موضوع بالغ الأهمية، سواء على الصعيد السوري أو الدولي إنسانياً وقانونياً وحقوقيا. ًكما أنه الموضوع الوحيد الذي يجمع السوريين بكلّ أطيافهم، ويوّحد آلامهم وآمالهم على حدّ سواء. هو أصبح الورقة الرابحة الأخيرة التي من الممكن التصرف إزائها لمصلحة السوريين.

قضية المعتقلين والمفقودين هي قضية دولية مهمة جداً تسمح بملاحقة مرتكبي الانتهاكات والجرائم التي تحدث في السجون السورية، وذلك عن طريق دعاوي قضائية في مختلف بلدان اللجوء.

ثانياً، من المفيد والضروري جداً توثيق وأرشفة كلّ المواد الإبداعية بأنواعها المختلفة المتعلقة بموضوع المعتقلين والمفقودين لأنها تعطي صورة واضحة للتفاعل والمشاركة والالتزام وحسّ المسؤولية من قبل الفنانين، سواء اتجاه المعتقلين بشكل عام أو اتجاه زملائهم الفنانين المعتقلين أو المفقودين.

تعتبر هذه الأعمال الإبداعية الموجودة بمشروع المعتقلين والمفقودين وثيقة حيّة لكلّ ما حدث وما زال يحدث في سورية، ومن المهم جداً حفظها في مكان واحد يحفظها من الضياع والنسيان والتلف.

وإذا كان موضوع المعتقلين والمفقودين بهذه الأهمية، فما بالكم إذا بالدليل؟ وهو الأوّل من نوعه، الذي قام ببنائه فريق ذاكرة إبداعية، وقد كان عملاً شاقاً.

جاءت فكرة إنشاء الدليل أثناء العمل والبحث في مشروع المعتقلين والمغيبين، إذ لاحظ الفريق أنه، وعلى الرغم من كثرة وتعدّد أنواع المبادرات التي تُعني بهذا الموضوع، فمن المتعذر وجودها في مكان واحد يسهل الوصول إليه، مما يجعل أي عمل بحثي، سواء للقارئ العادي المهتم بالموضوع بشكل عام أو حتى للباحث الخاص المهتم لأهداف وغايات متعدّدة أمرآً في غاية الصعوبة والتعقيد.

الشعب السوري عارف طريقه

 وهكذا بدأت الفكرة بالبحث عن كلّ أنواع المبادرات الإنسانية، الفنية، الحقوقية الفردية والجماعية، وتوثيق أهدافها وعملها ومنجزاتها المتعلقة بمواضيع الاعتقال والاعتقال التعسفي والخطف والتغييب، ومكان وجهة تأسيسها، وجمع كلّ المعلومات المتعلّقة بها وحفظها في مكان وإطار واحد يسهل الوصول إليه. كما أنه ذو فائدة بالغة الأهمية لعموم السوريين، وخصوصاً ذوي المعتقلين والمغيبين والمفقودين.

هو موضوع صعب وعسير وشاق، ولكننا ارتأينا أنه من واجبنا أن نقوم به للفائدة الجماعية السورية بالرغم من كلّ التحديات والصعوبات المختلفة الأشكال التي عانينا منها أثناء عملنا عليه.

القسم الرابع: التعاونات

السؤال الرابع عشر: توّضح الأوراق التعريفية بمشروع ذاكرة إبداعية للثورة السورية بأنه مشروع غير ربحي، كيف يمكن بذلك ضمان استمرارية المشروع؟ ولقد تحدثم سابقاً عن شراكة مع متحف MUCEM في فرنسا، وكذلك عن احتمال التعاون مع المكتبة الوطنية في فرنسا؟ أين أصبحت مشاريع التعاونات هذه، وما الذي يمكن أن تحققه للمشروع ولاستمراريته؟

سنا يازجي : لا يمكن لهكذا مشروع أن يكون ربحياً حتى في أفضل الحالات. وهذا متعارف عليه في كلّ مكان في العالم، بالطبع هناك ما قد يكون مدفوعاً كرسم دخول مثلاً، لكن ليس هذا ما يحيي هكذا مشاريع إنما دعم الدولة ومؤسساتها الثقافية، ونحن لا دولة تمثلنا ولا مؤسسات ثقافية وطنية تدعمنا. نعتمد إذن على الدعم من مؤسسات ومنظمات غالبها أوروبي والبعض القليل من مؤسسات ومنظمات عربية.  إنما حققت ذاكرة إبداعية البعض القليل من المردود من بيع أوّل كتاب نشرناه، وسوف يكون الأمر كذلك بالنسبة للكتاب القادم. من غير الدعم لا يمكن ضمان الاستمرارية.

ديمة نشاوي

أما بالنسبة لل MUCEM والمكتبة الوطنية في فرنسا فما زلنا في طور النقاش معهم، هذه مؤسسات ضخمة ومعقدة وبطيئة إدارياً. يعني نحن ما زلنا على عتبة "الأهلا وسهلا". لم ندخل الدار بعد.

 

السؤال الخامس عشر: ما هي المشاريع المستقبلية التي تخطّطون لتحقيقها؟

سنا يازجي: المزيد من المشاريع الجديدة المستندة للأرشيف، بما يعكس غناه وحيويته وأهميته ومنفعته. نعمل الآن على كتاب "معتقلون ومغيبون، الفن يوثق والأرشيف يتحدث"، بثلاث لغات منفصلة. نأمل أيضاً بأن نستوعب كمية أكبر من الإنتاج الإبداعي، وأن نفتح باب استقبال الإنتاج من قبل منتجيه. حتى اللحظة، الغالبية العظمى مما أرشفناه ونؤرشفه، جُمع من قبل فريق العمل. ولقد تمّت بالفعل إضافة نافذة جديدة، وهي نافذة "مجموعات collections"، بحيث يتم التعامل معها ونشرها بطريقة مختلفة ومتفق عليها مسبقاً مع أصحاب الأعمال. باكورة هذه المجموعات، هي ما اشتغل واستطاع جمعه الباحث إيلاف بدر الدين من أغاني الثورة، جمعيها بين 2011-2012 في كتاب سيصدر قريباً باللغة الانكليزية بعنوان: Translating the Language of the Syrian Revolution (2011/12).

 نريد أيضاً النظر إلى الخلف، لاستعادة الماضي، لفهم الحاضر وفتح المخيّلة نحو تصوّر المستقبل. يعني تقنياً أن نفتح على التاريخ قبل 2011، لكن بشكل مدروس ومحدّد، لأننا لا يمكن أن نؤرشف كلّ شيء، هذا وَهمٌ كما تعلّمنا من عملنا. لا بد أن نحدّد مسبقاً أي حدث/ذاكرة، نريد ليكون العمل مُجدياً. مثلاً أعطانا الفنان بشار العيسى مجموعة مهمة من أعماله عن مذبحة حماه (1982) وسجن تدمر (1980)، هذه أيضاً خطوة كبيرة.

 

السؤال السادس عشر: هل من موضوعات ترغبون إضافتها إلى ما سبق؟ أو أيّة إضافات ترونها هامة وأساسية؟

سنا يازجي: نشكركم جداً على هذه الفرصة التي أتاحت لنا شرح ما نقوم ونفكر به.  قد أضيف مجددا ما سبق وقلته في لقاء صحفي، وهو أننا كوّنا معرفة هائلة، وانغمسنا في غمار تجارب لم نكن يوماً نتصوّر خوضها. اكتشفنا أنفسنا، واكتشفنا بعضنا البعض. اكتشفنا ما نختزن من طاقات ومن علل! أسئلة كثيرة ظهرت لنا من عملنا، ليس أولها: كم مِن ذاكرة لنا؟ ولا آخرها سؤال الهوية الوطنية، وهل حقاً كانت لنا هوية وطنية؟

المعرفة والفهم مفتاح كل شيء. عندما نعرف ونفهم من دون قهر، نكون قادرين على إنتاج المعرفة، ويصبح كل منا مساهماً ومشاركاً ومسؤولاً.

نحن "ناجون" وقادرون، ونفكر بنا جميعاً.

نعتبر أنفسنا منتجي معرفة، وحامِين لحق المعرفة. ما زال ينقصنا الكثير من النقد البنّاء، في المجالات كافة، الفن والثقافة وغيرها. ما زلنا، إلى حدّ معتبر وعند السؤال النقدي، نقع إما في التجريح أو في التملق، أو في ثقافة "النوايا الحسنة"، وكيف نبحث، تنتقد أو نحكّم النوايا؟

مقالات متعلقة

الفن والمجتمع في سورية.. ملامح أولية

28 شباط 2019
دفعت الحالة السورية الاستثنائية، منذ ربيع 2011، إلى طرح السوريين، ومن بينهم الفنانون، أسئلةً جذرية حول معاني الهوية والانتماء والعمل الفني. أتت هذه الأسئلة مرفقة بسيرة الفنان الشخصية وصلته الحياتية...
الفن السوري: روايات عن الأمل واليأس والثبات

17 كانون الأول 2016
تحلل نتالي روزا بوخير في هذا المقال رحلة الفن السوري من زمن الاستبداد إلى زمن المنفى اللبناني، معرجة على حكايا الفنانين في ظل الاستبداد قبل عام 2011 وفي ظل الثورة...
راتب شعبو: في حضور العنف تختفي السياسة

13 أيلول 2021
قلّة قليلة جدًا من المعارضين والمناضلين تمكّن خلال السنوات السابقة من الحفاظ على صورته الرمزيّة التي كانت قبل الثورة. وإلى هؤلاء القلّة ينتمي المناضل والكاتب السوري، راتب شعبو، الذي يشعر...

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد