يصادف اليوم الذكرى السنويّة الأولى لكارثة الزلزال الذي ضرب بشكل رئيسي مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا. مرّت سنة كاملة على الزلزال الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من السوريين والأتراك، والذي ترك مئات الآلاف بلا مأوى. الزلزال الذي دمّر مناطقاً بأكملها، وخلق صدمات نفسيّة ستبقى مرافقة لأهل تلك المناطق طويلاً.
مثل كلّ السوريين تأثرنا في حكاية ما انحكت بالزلزال، فعلى الصعيد العام وبعد سنوات طويلة من القصف والتهجير والمعارك والموت الذي طال بلادنا، جاء الزلزال ليزيد الخراب خراباً. وعلى الصعيد المهني تأثر أحد مشاريعنا الرئيسية في العام الماضي، والذي كنّا نقوم فيه بتدريب جيل جديد من الصحفيات المقيمات في شمال شرق وشمال غرب سوريا بالتعاون مع شريكاتنا في شبكة الصحفيات السوريات، فقد دُمرت بيوت معظم المتعاونات والمتعاونين معنا في هذا المشروع من المقيمات والمقيمين في شمال سوريا، كذلك فقد متعاونون ومتعاونات معنا ممن يقيمون في شمال سوريا وجنوب تركيا بيوتهم ومعداتهم وبعض أفراد من عائلاتهم. وعلى الصعيد الشخصي، تأثرنا بما حلّ بأهلنا وأصدقائنا وأحبابنا ممن تربطنا بهم علاقات شخصيّة.
أٌخذنا بالزلزال، وبحجم هذه الكارثة الطبيعية، وحجم الدمار الذي خلّفته، وارتفاع أعداد القتلى والمصابين والمفقودين. أُخذنا بحجم هذه الكارثة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعوامل بشريّة، مثل الافتقار إلى ثقافة الوقاية من الزلازل رغم أنّ المنطقة معرّضة للزلازل بشكل دائم، ومثل الفساد في اختيار المواد عند تشييد الأبنيّة، وغيرها من الأمور التي كانت من الممكن أن تخفف من أثر هذا الزلزال.
في هذا السياق، تابعنا ما حدث مع أصدقائنا وصديقاتنا، زملائنا وزميلاتنا، قررنا أنّ أولويتنا هي أن نساعدهم، ولو بمبالغ مالية صغيرة قد تعينهم على الكارثة، رغم معرفتنا بأنّ ما نقدم، مهما كبر، لا يساوي شيئاً أمام الكارثة، لكنّنا آثرنا فعل شيء ما، مهما كان صغيراً، على عدم الفعل.
أطلقنا رسالتين مفتوحتين، واحدة للصحفيين والصحفيات في شمال سوريا نسألهم عن احتياجاتهم، وأخرى لأصدقائنا وصديقاتنا وداعمينا وداعماتنا، من أجل دعم الصحفيين والصحفيات في شمال سوريا.
جمعنا خلال حملة التبرعات من أفراد ومن مؤسسات مختلفة مبلغاً وصلت قيمته المجملة إلى ١٦٨١٣.٧٥ يورو (ستة عشر ألفًا وثمانمئة وثلاثة عشرة يورو وسبعة وخمسين سنتاً)، أوصلناها لأكثر من ٣٥ (خمسة وثلاثين) صحفياً وصحفية خلال العام الفائت.
لا بدّ لنا من شكر أصدقائنا وصديقاتنا في موقع رصيف ٢٢ الذي أطلقوا بدورهم حملة تبرعات لدعمنا، ووصلت قيمة التبرعات التي جمعوها إلى ٣٦٤٣،٧٣ يورو (ثلاثة آلاف وستمئة وثلاث وأربعين يورو وثلاث وسبعين سنتاً)، وكذلك وصلتنا تبرعات من عدد كبير من الأفراد بمبالغ مختلفة ومن مؤسسات مثل SUmSum UG وريلينك ميديا.
كذلك لا بدّ لنا من شكر المؤسسة الأورو-متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان، والتي قدمت لنا مبلغ عشر آلاف يورو لدعم شبكة الصحفيات والصحفيين المتعاونين معنا.
بعد ذلك، أصبح بإمكاننا تخصيص المزيد من التفاصيل للتغطية الصحفيّة، فأطلقنا ملفاً، ما يزال النشر فيه مستمراً، تحت عنوان تداعيات الزلزال، بالتعاون مع موقع أوريان ٢١ الفرنسي وبدعم من المؤسسة الأوروبية للديمقراطية (EED). في الملف ناقشنا تداعيات الزلزال في مختلف المجالات الحياتية، وتعاوننا مع عدد من الكتّاب والكاتبات، ومع الفنانة ديما نشاوي. ونشرنا نصوص الملف على موقع سوريا ما انحكت SyriaUntold وعلى مجلتنا (مجلة حكاية ما انحكت UntoldMag) التي أطلقناها خلال العام الفائت، باللغتين العربية والإنجليزيّة.
في أولى مقالات الملف، كتب روجيه أصفر عن طبقات البؤس الجديدة التي أصابت المجتمع السوري بعد الزلزال، وكتب جوزيف ضاهر عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للزلزال، فيما بحث كمال شاهين عن توابع الزلزال في منطقة القرادحة وريفها، وفي مادة أخرى كتب عن نهوض الفاعلين الاجتماعيين في الساحل السوري، وكتب أسعد العشي عن التضامن الحيّ بين السوريين وعن تبادل سكان المناطق التي يسيطر عليها النظام النداءات لجمع التبرعات للخوذ البيضاء وفريق ملهم التطوعي، وهما من المجموعات "المعارضة" التي تعمل في الإغاثة والمساعدات الإنسانيّة في مناطق خارجة عن سيطرة النظام. كما كتب سلطان جلبي عن قمع النظام الاستجابة الأهلية للزلزال، مركّزاً على أحداث الأيام الخمس الأولى ما بعد الزلزال، وعلى الاستجابة التي أطلقها المجتمع الأهلي والمدني السوري.
في أحد مقالات الملف ناقش محمد كتوب الاستجابة الإنسانية الدولية الطارئة للملف السوري على مدار اثني عشر سنة سبقت الزلزال وكيف أثرت على الاستجابة الإنسانيّة لكارثة الزلزال وعن دور آليات المساعدة الإنسانيّة، فيما بحث علاء رشيدي في التعابير الفنية عن الزلزال، من استمرارية المأساة السياسية إلى الجسد المتداخل مع الركام.
كتبَ حسن عارفة شهادته عن لحظة وقوع الزلزال وعن الآثار النفسيّة والندبات التي خلفتها الكارثة، كما كتبت ستيفاني ديجنوتي عن أثر الزلزال على الصحة النفسيّة للأطفال. في مقالة أخرى قدّمت ديمة معراوي تحليلاً سردياً للبنية المدنية والسكانيّة والعمرانيّة الهشّة في سوريا.
كذلك كتب ماثيو راي عن الدينامكيات القديمة والحديثة للفشل السياسي في مواجهة الكوارث، وكتبت سنديانة عن الآثار البيئية للزلزال في سوريا.
ما زلنا في حكاية ما انحكت نعمل إنتاج مواد جديدة، تناقش وتحلل توابع وتداعيات الزلزال على بلادنا وعلى سكّانها، وكلنا أمل في مستقبل أكثر أماناً لبلادنا، مستقبل فيه الكثير من الحريّة والكرامة والعدالة، يمكن التعامل فيه بشكل مختلف مع الكوارث الطبيعيّة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد؛ مستقبل بلا قصف وقتل وتعذيب وتهجير.
بعد سنة من وقوع كارثة الزلزال، استعاد المتعاونون والمتعاونات معنا بعضاً من سلامتهم، واستطاعوا/ استطعن إنجاز بعض المواد الصحافية المختلفة التي نقوم بنشرها تباعاً.