عن العلاقات المتأرجحة بين نظام الأسد ودول الخليج


هذه المشاركة، وإن كانت صامتة هذه المرّة، إلّا أنّها ليست الأولى في الخليج بعد انقطاعه عربياً، فقد شارك الأسد العام الماضي (٢٠٢٣) في أعمال القمّة العربية التي استضافتها جدة، كما زار سلطنة عمان مطلع العام ذاته، سبقتها زيارة للإمارات العربية المتحدة في ٢٠٢٢، وهي الدول العربية الوحيدة التي استضافته منذ بدء الحرب في سوريا.

11 حزيران 2024

نزيهة سعيد

صحافية من البحرين.

بموسيقى رسمية بروتوكولية، استقبل الممثل الشخصي لملك البحرين الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة الرئيس السوري بشار الأسد الذي حطّ رحاله لحضورِ القمّة العربية الثالثة والثلاثين في شهر أيار الماضي، بعد غيابِ العلاقات السورية الخليجية وتذبذبها متضمنّة في وقتٍ من الأوقات دعماً مباشراً وغير مباشر لإسقاط النظام السوري.

هذه المشاركة، وإن كانت صامتة هذه المرّة، إلّا أنّها ليست الأولى في الخليج بعد انقطاعه عربياً، فقد شارك الأسد العام الماضي (٢٠٢٣) في أعمال القمّة العربية التي استضافتها جدة، كما زار سلطنة عمان مطلع العام ذاته، سبقتها زيارة للإمارات العربية المتحدة في ٢٠٢٢، وهي الدول العربية الوحيدة التي استضافته منذ بدء الحرب في سوريا.

في تقرير له، قال المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن معظم دول الخليج وجدت، مع انطلاق الثورة السورية مطلع عام ٢٠١١، في حراكِ الشعب السوري فرصةً لاحتواء النفوذ الإيراني وتطويقه في المنطقة؛ فانضمّت إلى جهود عزل النظام السوري داخل جامعة الدول العربية، ودعمت المعارضة السورية، وخصوصًا في إطار مجموعة أصدقاء الشعب السوري، التي تشكلت في عام ٢٠١٢ لحلِّ الأزمة السورية خارج إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

سمحت السلطات البحرينية في العام ٢٠١٣ للشيخ السلفي السوري المعارض عدنان العرعور بالقدوم من السعودية (التي يقيم فيها) إلى البحرين لجمع التبرعات بهدف تجهيز المقاتلين الجهاديين في سوريا، ثمّ جمدت حساباته في ٢٠١٤ بتهمة تمويل الإرهاب.

ورغم دعمها لإسقاط الأسد مطلع قيام الثورة إلّا أنّ الإمارات العربية المتحدة كانت قد زوّدت سلاح الجو السوري بوقود الطائرات في عام ٢٠١٤، خارقة بذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري، كما تحولت أبوظبي إلى ملجأ لرؤوس الأموال والأصول المالية التابعة للنظام السوري والشخصيات المقرّبة منه، الهاربة من العقوبات الغربية، وذلك على الرغم من انقطاعِ العلاقات الدبلوماسية رسميًا بين البلدين منذ مطلع عام ٢٠١٢. 

تحوّلات المواقف الخليجية إزاء النظام السوري لم تأت منفصلة عن التغيّرات على المستوى الإقليمي، فتدخلت هذه الدول رسمياً في بلدان عديدة في المنطقة داعمةَ النظام تارة وداعمةً الثورات المضادة لها تارة أخرى.

ردّة الفعل بعد ٢٠١١

تبنت دول الخليج موقفاً داعماً للمبادرة العربية، التي اعتمدها المجلس الوزاري للجامعة العربية، في ٢٨ آب ٢٠١١، عبر قرار دول مجلس التعاون إغلاق سفاراتها في دمشق "لتمادي النظام السوري في القتل والتنكيل بالشعب السوري الأعزل، قررت دول مجلس التعاون، ففي ١٦ آذار مارس (آذار) طالب الأمين العام للمجلس المجتمع الدولي باتخاذ مواقف حازمة وعاجلة لوقف ما يجري في سوريا من قتل وتعذيب وانتهاك صارخ لكرامة الإنسان السوري وحقوقه المشروعة، ورحبت دول الخليج بالقرارات الدولية التي تدين ممارسات نظام الأسد" كما جاء في بيان للمجلس.

معادلة العقد الاجتماعي الاستبدادي في سوريا، الأزمة المستمرة

09 أيلول 2022
لم يعد السكوت عن المشاركة السياسيّة مقابل التنمية الاقتصاديّة والمكاسب الاجتماعيّة قائمًا في سوريا اليوم كما كان الحال خلال عقود ما قبل الثورة، لأنّ العقد الاجتماعي الاستبدادي للنظام يقوم اليوم...

كما كان لدول الخليج مساهمات في مؤتمرات المانحين لدعم الوضع الإنساني في سوريا، فقد استضافته الكويت عدّة مرّات، وأطلقت حملات إغاثية كبيرة على مدى سنوات الأزمة للتخفيف من معاناة الشعب السوري.

أمّا في المرحلة المسلحة فقد اتبعت كلّ من قطر والسعودية والإمارات سياسات تمكين المعارضة ومدّها بالدعم اللوجستي بدايةً ثم دعوة المجتمع الدولي ومطالبته بتسليح الجيش السوري الحر والاعتراف بمؤسسات المعارضة الرسمية وهيئاتها. وقد كان لقطر دور أكبر فيما يتعلق بتمويل وتدريب المقاتلين المعارضين، إلى جانب السعودية، كما دعت الدوحة المعارضة السورية لشغل مقعد سوريا، ورفع علم "الاستقلال" الذي تعتمده المعارضة السورية مكان العلم السوري في القمّة العربية الرابعة والعشرين ٢٠١٣.

في حين التزمت البحرين والكويت رسمياً بموقف الجامعة العربية من الأزمة، واختلفت طرق تعاطيها وتراوحت ما بين التصعيد والخطابات الدبلوماسية.

فيما رفضت سلطنة عمان فكرة تدويل الأزمة السورية وتسليح المعارضة ونزع الشرعية عن النظام، وهي الدولة الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي التي حافظت على علاقتها مع نظام الأسد ولم تتخذ أيّ قرار دبلوماسي ضدّ دمشق، وهو تصرّف غير مستغرب للسلطنة ويعبّر عن تقاليد سياستها الخارجية التي عادة ما تنحو للسلم والحياد.

كما دفعت عمان باتجاه تسوية سياسية ووقف العنف الدموي ومن أجل مساعدة سوريا على الاندماج في الحظيرة الدبلوماسية العربية الأوسع وإعادة إعمار البلاد التي حطمتها الحرب.

العودة التدريجية

في الأعوام الماضية أثرت الأزمة الخليجية، والحرب ضدَّ ميليشيا الحوثيين في اليمن، وتغيير أنماط السياسات المحلية، في تأخّر الملف السوري على سلم أولويات السياسة الإقليمية لدول الخليج حسب مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الأمر الذي ساهم في تقليص مساحات التأثير في المعادلات العسكرية في الجغرافية السورية، واضطرابٌ في أدوات التعاطي، وبالتالي اتسام الحركية الخليجية اتجاه الملف السوري بالتكتيكية والقائمة على مبادئ "الصد" و"تقليل الخسائر"، بالإضافة لعوامل أخرى خارجية.

كانت الكويت سباقة في إعادة فتح السفارة السورية في الكويت في ٢٠١٤، بعد إغلاقها لتسعة أشهر، وذلك لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية لنحو ١٣٠ ألفاً من السوريين/ات المقيمين/ات فيها، وفي وقت لاحق تشجعت الإمارات وعُمان والسعودية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا لتقديرهم بأنّ الحرب انتهت، وأنّ سوريا بحاجة إلى معاودة الاندماج في المنطقة لمنع سيناريو الدولة الفاشلة أو أي تداعيات أخرى مزعزعة للاستقرار نتيجة الحرب الأهلية، حسب معهد دول الخليج العربية، إلا أنّ عقوبات (قانون قيصر) الأمريكية قد تمنع دول الخليج من عمليات الاستثمار والإعمار، وستكون عقبة أمام إعادة اندماج سوريا بشكل حقيقي في المنطقة.

بعيداً عن عُمان التي لم تغيّر موقفها من سوريا، بل واحتفلت في آذار ٢٠١٨ بافتتاح المبنى الجديد للسفارة السورية في مسقط، تبدو الإمارات أكثر الدول الخليجية رغبةً في تطبيع العلاقات مع دمشق، حيث دعت، في العام ٢٠٢١، إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، تلتها زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق في تشرين الثاني ٢٠٢١ ولقاء الأسد، وكانت الإمارات قد أعادت فتح سفارتها في دمشق عام ٢٠١٨ بعد سبع سنوات من الإغلاق.

سارت البحرين على خُطا الإمارات، حيث أعلنت المنامة، في كانون الأول ٢٠٢١، تعيين أول سفير لدى دمشق منذ عشر سنوات، بعد أن كانت أعلنت في ٢٠١٨ عن استمرار عمل سفارتها في دمشق، وكذلك في السفارة السورية بالمنامة وأنّ الرحلات الجوية بين البلدين "قائمة دون انقطاع".

وكان مجلس التعاون الخليجي عقب قمته الثانية والأربعين بالرياض قد رفض أي تدخلات إقليمية في سوريا ومحاولات إحداث تغييرات ديموغرافية في البلاد، مجدّداً ضرورة حل الأزمة بناء على قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، مؤكداً على "مواقفه الثابتة تجاه الحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية الشقيقة، واحترام استقلالها وسيادتها على أراضيها، ورفض التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية".

فيما أعادت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بعد قمّة الرياض (٢٠٢٣) وعيّن النظام السوري سفيراً له في الرياض وأعاد فتح سفارته هناك، كما عيّنت السعودية سفيراً لها لدى سوريا، بعد نحو ١٣ سنة على سحب السفير السعودي من دمشق.

ظهر ذلك جلياً في البيان الختامي للقمّة العربية في البحرين الشهر الماضي (أيار ٢٠٢٤)، والذي أكد على "ضرورة إنهاء الأزمة السورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤، وبما يحفظ أمن سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، ويحقّق طموحات شعبها، ويخلّصها من الإرهاب، ويوفر البيئة الكفيلة بالعودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين. ونرفض التدخل في شؤون سورية الداخلية، وأي محاولات لإحداث تغييرات ديمغرافية فيها".

حرب الغاز وعلاقتها بالأزمة السورية

02 تشرين الثاني 2019
كتب الكثير عن العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والداخلية المتعلقة بالأزمة السورية، إلا أن جانبا من جوانب هذه المواجهة لم ينل القدر ذاته من الاهتمام، على الأقل حتى الأزمة الأخيرة بين قطر...

كما أكّد البيان علي "دعم جهود الأمم المتحدة في هذا السياق، وضرورة إيجاد الظروف الكفيلة بتحقيق العودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى بلدهم، بما في ذلك رفع التدابير القسرية الأحادية المفروضة على سوريا، وضرورة استمرار المجتمع الدولي في تحمّل مسؤولياته إزاءهم ودعم الدول المستضيفة إلى حين تحقيق عودتهم الكريمة والآمنة والطوعية إلى سوريا، وفقاً للمعايير الدولية. 

إلا أنّ السياسات القطرية تبقى مختلفة عن نظيرتها الخليجية، حيث أبقت الدولة الخليجية الغنيّة العلاقات الدبلوماسية معلّقة مع النظام السوري، خصوصاً وأنّ أرضها تضم أول سفارة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في العالم منذ العام ٢٠١٣، وذلك بعد يوم واحد من شغله مقعد دمشق في جامعة الدول العربية واعتباره "الممثل الشرعي الوحيد للسوريين"، كما أنها لا ترى ضرورة لإعادة فتح سفارة لها في دمشق، وأنّه ليست هناك مؤشرات مشجعة على تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.

تعليق المعارضة

يرى الرئيس التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله، في حديثه معنا أنّ "الترحيب بالرئيس السوري في الخليج لا تزال فكرة مطاطة، فبعد الترحيب به في عدّة مناسبات، ووضع خارطة طريق للوصول لحل، كان من ضمنها إخراج الميلشيات الإيرانية من سوريا وإيقاف تصدير المخدرات (الكبتاغون)، إلا أنّ النظام السوري لم يلتزم بها، لذا لم يحصل على الدعم من الإمارات العربية المتحدة والسعودية، لذلك فإنّ مجرّد حضوره في القمّة العربية لا يعني شيئاً، كما أنّه ليس من المتوقع من القمّة العربية الكثير فيما يتعلّق بموضوع غزّة، ولا بموضوع سوريا، ولا ملفات أخرى".

يوضح العبدالله أنّ مشكلة الأسد اليوم "ليست إعادة دمجه بالمجتمع العربي ولا المجتمع الدولي، ولكن مشكلته إنه رئيس لبلد مدمر بحاجة لإعادة إعمار، يحتاج لتطبيع سياسي مع دول الغرب وهي غير مستعدة للتطبيع معه، فلا بعثات دبلوماسية افتتحت أو أعيد افتتاحها بسوريا، ولا تمويل لإعادة الإعمار، هذا بالطبع يلقي بالعبء على الشعب السوري المقيم داخل سوريا الذي لا يجد الخدمات التعليمية والصحية والبنى التحتية وغيرها"، ويرى العبد الله أنّ الضغط الاقتصادي على الأسد بأنّ لا إعادة إعمار دون حل سياسي سيجلب الأسد إلى الطاولة.

وعن صيغة الحل السياسي قال العبد الله: "تتغيّر صيغة الحل السياسي النهائي حسب المعطيات لكن من الواضح أنّ الأسد نفسه قلق على دوره، بدليل عدم انخراطه على الجانب الإسرائيلي بعد العدوان على غزّة، لم يكن يُتَوّقع منه الكثير ولكن تنصله من الملف الفلسطيني يوضح أنه قلق على دوره في هذا الإطار".

أمّا عن ردّة فعل المعارضة فقال العبد الله إنهم "مستمرون في المطالبة بالعدالة وملاحقة المجرمين وتحصيل حقوق للشعب السوري قدر الإمكان، ومستمرين بالمطالبة بحلٍّ سياسي واقعي، وليس حل سياسي رمزي أو شكلي، يتضمن السماح للاجئين/ات بالعودة، الإفراج عن المعتقلين/ات، كشف مصير المفقودين/ات الذين/ اللواتي تمت تصفيتهم/ن، ومجموعة أخرى من المطالب المحقة، على أمل أن لا يتم تأخير الحل السياسي أكثر من ذلك".

مقالات متعلقة

من السويداء إلى غزة... انتفاضة واحدة

20 تشرين الثاني 2023
"تموضع الانتفاضة في السويداء إلى جانب غزّة، هو إعادة السوريين إلى موقعهم الطبيعي في تأييد القضايا العادلة عالمياً، وعلى رأسها غزة وفلسطين، وهي بذلك ترفض بعض التكتيكات السخيفة لبعض الساسة...
كيف جرت محاكمة مجرم حرب سوري في ألمانيا؟

24 أيار 2022
يوم كسب اللاجئون إدانات تاريخيّة ضد منظومة التعذيب التابعة للنظام السوري، وفتحوا بذلك جبهة جديدة من الكفاح العالمي من أجل حقوق الإنسان.
الأجهزة الأمنيّة ودورها في مفاصل الحياة في سوريا

11 كانون الثاني 2022
ازدادت وحشيّة هذه الأجهزة وتغلغلها في كافة مفاصل الحياة اليوميّة للسوريين في الفترة التي تلت استلام عائلة الأسد الحكم في سوريا، عقب انقلاب حافظ الأسد عام 1970، حيث لعبت دورًا...
من سوريا: أرضٌ وثورات ودروس

28 حزيران 2021
"كانت مسألة تقرير المصير في صميم الثورة. إلى أيّ مدى يمكن للأفراد والمجتمعات أن يختاروا كيفية العيش على أراضيهم وممارسة سلطتهم؟"

هذا المصنف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي. نسب المصنف : غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دولي

تصميم اللوغو : ديما نشاوي
التصميم الرقمي للوغو: هشام أسعد